إشارة
التباكي على بغداد
كاتب وصحفي فلسطيني-غزة
لا يزال وقع سقوط بغداد بهذه السرعة القياسية يلقي بظلاله على المزاج العربي العام ، ويرفع من وتيرة الجدل بين المتناظرين ..
وعلى الرغم من مرور ثلاثة شهور على الهزيمة إلا أن أحدا لم يكلف نفسه بمحاولة البحث عن الحقيقة بصوت عال ، هذه الحقيقة التي يدركها العقل الباطني ، ولا يجرؤ على البوح بها لأنه كان ضحية لحملة تضليل إعلامي لم يسبق لها مثيل ، حتى أن الكثير من العامة بدءوا بتضخيم الأمور دون معرفة بالعراق وبأهل العراق وبالنظام الحاكم ، وهذا كان واضحا في أحاديث الناس منذ احتلال الكويت مرورا بالحصار وصولا إلى بداية الحرب وتداعيات السقوط ..وأنه لمن التجني القول أن العراقيين سلموا بلدهم إلى المحتل الأمريكي بالمجان وطمعا في مكاسب معيشية .. إن كل من عاصر الحرب العراقية الإيرانية وشاهد بسالة العراقيين خلال سنوات الحرب الثمانية سيسخر من هذا التبرير الذي يساق في الأساس لعدم الخوض في هشاشة النظام الحاكم بفعل تركيبته العشائرية والجهوية ، وابتعاده عن قضايا المواطن الأساسية المتمثلة بهامش الحرية والعدل النسبي وتسليم زمام البلاد إلى العشيرة التي استبدت وطغت وعاثت فسادا في البلاد والعباد ، وعندما استشعر أفرادها بالخطر الداهم والمحتم الذي يحيق بالدولة غيروا الولاآت طمعا في المكافآت فلا يعقل أنهم خانوا من أجل حفنة من دولارات لا تنقصهم في الأصل بل كانت عيونهم على دور في المرحلة الجديدة ..
من يعرف العراقيين يدرك أنهم يختلفون كثيرا عن شعوب الدول المجاورة ، فهم الأكثر ثقافة والأقل أمية ، وبلدهم الوحيد الذي به سوق يدعى سوق الكتب ..
جرعة من الديمقراطية التي أساسها الحرية والعدل كانت كافية لصدام لحماية نفسه ونظامه وبلده وبالتالي الأمة من اليأس والقنوط .. فلا تبكوا على بغداد ..