حمزة رستناوي
الحوار المتمدن-العدد: 1876 - 2007 / 4 / 5 - 11:17
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كثيرون الذين يرون أن العودة إلى جادة الصواب,و العودة إلى الإسلام, و تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية و إقامة الدولة الإسلامية دولة الخلافة هو الحل؟
فكل ما يصيبنا- من وجهة نظرهم - من أمراض و أوبئة و مجاعات و زلازل و فيضانات و جفاف و احتلال و واستبداد... ما هو إلا تذكير الهي بتقصيرنا كأفراد و مجتمعات بحق الله و بحق الدين الحنيف, دين الإسلام, أو هو بمثابة انتقام و غضب من رب العالمين؟!
و لكن متى غادر المسلمون جادة الصواب و تخلَّوا عن دينهم؟
هناك إجابات متعددة
1- هناك من يرى في سقوط الإمبراطورية العثمانية و إلغاء الخلافة العثمانية 1924تاريخ سقوط للدولة الإسلامية و فناء مجد المسلمين" أدبيات حزب التحرير الإسلامي على سبيل المثال"
2- و هناك من يرى في حروب علي و معاوية تاريخ انفصال المسلمين عن الإسلام, و يرى الخلافة الراشدية الفترة الذهبية في تاريخ المسلمين, و يرى دولة الراشدين بمثابة الشاهد التاريخي الوحيد على إمكانية بناء الجنة على الأرض, و يستشهدون بأحاديث نبوية تدعم وجهة نظرهم كحديث " عليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي " و يرون في هذا الحديث دليل نبؤة مستقبلية, و هي " وجهة النظر الإسلامية السنّية الدارجة"
3- و هناك من يرى في خلافة أبو بكر الصديق و عمر بن الخطاب استمرار حقيقي لدولة النبي بقيمها الإسلامية و على رأس هذه القيم العدل, و ذلك قبل تولي عثمان الخلافة و ظهور التفاوت الطبقي و استئثار البيت الأموي بالحكم " راجع كتاب سيد قطب العدالة الاجتماعية في الإسلام "
4- و هناك من يرى في يوم وفاة النبي وما تلاه من أحداث السقيفة هو تاريخ انفصال المسلمين عن الإسلام " التيار الشيعي " و يرى الحل في إتباع الإمام المعصوم على اعتبار النبوة... لا تكتمل بدون الإمامة.
وهذه الإجابات الأربعة تقوم على تصورات لا تاريخية , تجمل التاريخ, و تنظر إليه من زاوية واحدة
***
فهل كانت الدولة العثمانية كما يذكر دعاة الخلافة
- ألم تكن دولة استبداد ديني و سياسي , توفيت قبل الإعلان الرسمي عن وفاتها بما يزيد عن قرن " الرجل الضعيف و المسألة الشرقية "
- ألم تلتهم دول الاستعمار أرضها قطعة أثر قطعة ’ ألم تفرق دولة الخلافة هذه بين مواطنيها و الأصح رعاياها و ما قصة الأقليات المسيحية و الامتيازات الانكليزية و الفرنسية و الروسية الخاصة بحمايتهم ؟
- أم أنها مثل كل الدول تمر بأطوار الطفولة و شباب و كهولة ..
- وماذا يقول هؤلاء عن سيرة خليفة المسلمين الذي يقتل أخوته فور استلامه العرش" راجع تاريخ الدولة العثمانية لمؤلفه علي الحسون "؟
- و هل يتورع هذا الخليفة القاتل عن قتل رعاياه المسلمين بعد قتل أخوته الأبرياء؟
لست من الشامتين لسقوط " دولة الخلافة العثمانية " , و لكن هناك مقدمات منطقية و عوامل داخلية و خارجية أدت إلى هذا السقوط المدوي و من قبله التدخل الأجنبي السافر في شؤونها الداخلية , لا بل حماية" دولة الخلافة الإسلامية " إبان تقدم جيوش إبراهيم باشا و الدور الانكليزي في منع ذلك مشهور تاريخيا ً
- لم تسقط الدولة العثمانية " دولة الخلافة لمن يحلو لهم تسميتها" لأن المسلمين هجروا صلاتهم و زكاتهم و إيمانهم , بل سقطت لعوامل تتعلق بفساد الحكم و سياسة القهر و التجويع
***
و الذين يرون في حروب علي و معاوية بداية انفصال المسلمين عن الإسلام, ألم يكن أبطال هذه الحرب و المتقاتلين فيها من صحابة رسول الله و المقربين إليه و المتتلمذين على يديه و خيرة هذه الأمة ؟! و ما ذا يقولون عن رفع المصاحف على أسنة الرماح؟!
و الذين يتبنون وجهة نظر تقول أن علي و معاوية كلاهما مجتهد, أقول لهم هل نبرر قتل آلاف الناس بكلمة جامدة مثل " الاجتهاد"؟!
ما أرخص النفس التي خلقها الله عندكم و في ميزانكم؟!
و أين أنتم من هذا الأثر " إذا التقى المسلمان القاتل و المقتول في النار" ثم أوليست هذه الحروب هي بداية تشكل الوعي الطائفي السني و الشيعي و ما تلاهما من تراكمات و تحزُّبات و مخازي؟
و كذلك هذا الرأي الذي يقول بانفصال المسلمين عن الإسلام في حروب علي و معاوية, ماذا يقول عن الثورات الداخلية على عثمان و استئثار أقاربه بالحكم و من ثم قتله؟
لذلك نرى أن جزء من هؤلاء المصرّين على الإسلام الأصلي الذهبي سوف يختزلون ذلك بفترة حكم أبو بكر و عمر. و يرضون أنفسهم لا بل غبائهم بهذا الحديث " إذا ذكر أصحابي فأمسكوا " أو حديث " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم "
***
إن أنصار الحل السحري لديهم تركيبة نفسية و فكرية تؤمن بالثنائيات, بالأسود و الأبيض, المؤمنين و الكافرين, دولة الإسلام و دولة الكفر, الإسلام و الجاهلية , و المقصود هنا بالجاهلية مفهوم إيماني يقترن بالشرك و الكفر و ليس مرحلة تاريخية" انظر معالم في الطريق لسيد قطب ", فالمجتمعات الإسلامية حسب تعبيراتهم كلها مجتمعات جاهلية ... و ليس ثمة مسلمون سواهم!
ثم ما ذا يقصدون بالتطابق بين المسلمين و الإسلام, و هم يقصدون تحديدا إقامة الدولة الإسلامية و يطرحون مقولة الدولة الإسلامية مقابل الدولة العلمانية العصرية
و باختصار إن إقامة الدولة الإسلامية يقتضي – حسب رأيهم- رجوع أمير المؤمنين و خليفة المسلمين كعنصر جامع و رأس مال رمزي و مادي للمسلمين, فوجود أمير المؤمنين يعني أوتوماتيكيا ً وجود المؤمنين, ووجود خليفة المسلمين يعني كذلك وجود المسلمين, و لكن ضمن هذا السياق الذي يتم فيه طرح الإسلام و خليفة المسلمين كحل لمشاكلنا ,هم يدينون أنفسهم و يصرون على تبيض تاريخ بشري بامتياز تجد فيه من كل فاكهة صنفا ً , و لكن هل هذا الإسلام التاريخي قابل للعيش إلى الآن؟ و في حال تجاهلنا التاريخ ألا أستطيع أن أكون مسلما ً في دولة علمانية عادلة؟
ألا أستطيع أن أصلي و أصوم و أصل رحمي وأصل مجتمعي و أمتنع عما نهاني الله عنه؟
أم أنه يتم – تحت شعار الإسلام هو الحل- اختزال الإسلام في شخص خليفة المسلمين؟ , ألم يتعظوا بالماركسية التي تم اختزالها في شخص الأمين العام للجنة المركزية ؟
ألا تستطيع أن تكون مسلما ً و تمارس العمل السياسي بما يحقق الخير و الرفاه و العدالة لكَ و لمجتمعك, و لتكن مفاعيل الإسلام مفاعيل أخلاقية ؟
الذي يختزل الإسلام بالحاكمية , ببساطة هو يطلب السلطة و لا شيء غير ذلك , يطلب الدنيا الفانية و المتاع - تعبير مفضل لديهم - خاصة أن تجربة الدول الإسلامية غير مشجعة في طالبان و السعودية و إيران و الصومال , فبدل حكم الله أصبح لدينا وكلاء لحكم الله,يا جماعة دعوا الله و لا تألهوا أنفسكم!! , نريد إسلاما ً بلا كهنوت ديني تحتكر تفسير النصوص و الحقيقة!!
***
هناك أمثال محمد عمارة يرى أن الشريعة الإسلامية - بشكلها الصحيح- ضامن ضد الاستبداد و هي تحترم حقوق الإنسان و تدعوا إلى العدالة الاجتماعية, فهناك مسارات في هذه الشريعة يمكن تطويرها و الاستفادة منها كالعدل و الرحمة مثلا ً" للمزيد راجع كتاب الإسلام و حقوق الإنسان – سلسلة عالم المعرفة "
أقول هذا صحيح و لكن ضمن حدود معينة , دائما ً هناك محددات للحركة و الاجتهاد ضمن النص , فماذا يقول في عقوبة الإعدام, أو الصلب و تقطيع الأطراف من خلاف وقطع اليد و حكم الشريعة في أهل الذمة ؟!
إن هذه الآلة- أي الشريعة - أشبه بحصان يمكن تدريبه جيدا ً و يمكن تحسين مردوده أو ثور قوي و لكنه لن يضاهي أبدا ً التركتور أو السيارة
فلدينا نماذج – مدنية - ناجحة نسبيا ً لعشرات الدول, و ليس لدينا نماذج دولة دينية على ذات المستوى من النجاح .
سيقولون أن هذه الدولة قادمة؟؟
أقول إن هناك العديد من الإشكاليات على أنصار الدولة الدينية الإجابة عليها:
1- أهل الذمة و الأقليات الإسلامية
2- الاستبداد السياسي, حيث يصبح من الصعوبة بمكان مقاومته في هكذا دولة لأنه يحكم باسم الله و الدين و الإسلام ,و هذه المرجعية ملتبسة و قابلة للتأويل المتعارض مقارنة بالمرجعية الدنيوية القانونية و الدستورية, فمقاومة الاستبداد السياسي المعزول أسهل من مقاومة الاستبداد السياسي في رداء كهنوتي
3- المرأة – الاقتصاد – السياسة الخارجية – البنوك- قانون العقوبات . الخ
#حمزة_رستناوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟