أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علي كاظم الخفاجي - البعد الفكري في منظومة الإرهاب المؤدلج















المزيد.....

البعد الفكري في منظومة الإرهاب المؤدلج


علي كاظم الخفاجي

الحوار المتمدن-العدد: 1876 - 2007 / 4 / 5 - 06:53
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


عند تفكيك مقومات البنية الفكرية للتيارات المفعّلة للعنف بمختلف اشكاله وانواعه ومنطلقاته وتجلياته المتنوعة نقف على جملة من المقولات الكلية التي شكلت مداخل تاصيلية للعنف المؤدلج ، من اهمها المقولة – موضوع الدراسة - القاضية باحادية الحق وعدم امكانية تعدده عملياً ، وبالتالي فان ثَمَة مايدعو " الذات " الى تنميط الفعل الخارجي وجعله مساوقاً لقناعاتها واطروحاتها وتعميمه على القواعد الشعبية بوصفها الميدان الاكثر رواجاً لتطبيق الانموذج المفترض من الاسلام " الشخصي " دونما اعطاء " الآخر " اي فرصة للنقد البناء فضلاً عن تسويق ذاته ثقافياً الى الواقع الخارجي كحق من حقوقه " الانسانية "، مما يفرض على " الآخر " نوعاً من الوصاية الثقافية.

ان هذه المقولة ترتد عند التحليل الى الشعور باستملاك الحقيقة المطلقة دون الاخرين وهو ما يعطي الذات مبرراً للتقاطع مع الآخر ، معتبراً التخلف عن هذا الواجب انما هو خروج عن الخط الاسلامي الصحيح وبالتالي فهو ازدواجية وخيانة لمعتقداته الدينية باعتبار ان " الآخر " خارجاً عن دائرة الصواب ، ويستحيل الالتقاء معه ، فلا بد اذن والحال هذه من اتخاذ مواقف صلبة ضده بعد ان يكون قد مارس معه مختلف اساليب الاستمالة. واخطر ما في هذه الرؤية المتشنجة استنادها - بدون تحليل موضوعي - الى قواعد فكرية مؤدلِجة للتطرف النظري والعملي ، فلا يجد الفرد في ممارساته العنفية ايما حرج او تهيب من وخز الضمير ، بل ان الشعور بالراحة النفسية "وطيب الخاطر" هو الذي يسيطر على مساحة واسعة من الذات ، وهذا الشعور ناتج - كما يتوهم - من الانسجام التام مع ثوابته الدينية .

ان المتأمل في هذه الاشكالية يجد ان جذورها تنتهي الى الاعتقاد بقدسية المرجعية النصية قدسيةً مطلقةً ، مع الغفلة عن سكوتية النص وكونه ذا أُفق تفسيري متعدد المستويات ، الامر الذي يمنحه زخماً دلالياً متنوعاً لاسيما مع بشرية النص فهماً او تأسيساً ، مع الآخذ بعين الاعتبار ثنائية المتقدم / المتأخر والتي تعطي للنص الواناً اخرى من التعدد المعنوي . وهذه القدسية تملي بطبيعتها التعامل مع النص بجمودية بعيداً عن سياقاته المعرفية ودلالاته التضمنية والالتزامية ، وبالتالي ممارسة التسطيح النصي الذي يقع بين محذورين اما : تحميل النص لإحاءات خارجة عن طاقته اللغوية ، او : ابتساره بصور تخل ببنيته الدلالية مما ادى بالنتيجة الى الفهم الانتقائي فخرج النص بذلك من اجوائه التي ولد فيها ، وفضاءاته الخاصة به. فتأسست تبعاً لذلك اشكالية الثابت والمتحرك ولم يدركوا المائز بينهما.
ومما ساعد على التمسك الحرفي النصي بمختلف مظاهره الكتابية والقولية والفعلية هو انتقال الفرد / الجماعة المفاجئ من اللادين الى الدائرة الدينية والذي يلازمه عادةً تحول داخلي يجعل من العاطفة محوراً رئيسياً للنشاطات المتنوعة مع ما للعاطفة من افرازات متعددة تدفع بالفرد / الجماعة الى الجمود على نسق فكري وعملي محدد ، كتعويض عما سلف من سياقات لادينية او سياقات متلبسة بلباس ديني وبقناعة دينية وباسم الانتصار للدين مورست ضد الشخصية المقدسة " لاحقاً "، فيأتي التمسك غير المتوازن للمفاهيم الدينية المتشددة كصيغة من صيغ التعويض النفسي والتكفير عن " الخطيئة "، والذي يقود في محصلته النهائية الى تحويل النسبي الى مطلق والخاص الى عام.

وكمحصلة لما سبق فقد انعكست سلبيات الفهم الانتقائي على الخطاب التعبوي والمشروع الثقافي لاصحاب هذا التيار فتحولت ( مفردات الخطاب او المشروع الى عقيدة مغلقة ادى الى التعامل مع هذه المفردات وكأنها تعاليم منزلة من السماء فافضى هذا التعامل الى نرجسية في التعاطي مع شؤون الذات ، انعكست تعصباً واستعلاءً في التعامل مع الآخرين ، ولا عجب ان نجد ان هذه المشروعات التي تبلورت من اجل تحرير الامة وتقدمها تنتج على مستوى الواقع كل اشكال العنف والتخلف السياسي والحروب العبثية ) (1) لانها افتقدت الى فهم عناصر القوة الثاوية في بنية مشروعها الفكري فهماً ايجابياً مما جعلها تعاني من تداعيات متوالية افقدتها القدرة على التعايش الثقافي مع " الآخر " والفشل في استيعاب الواقع الخارجي وبالتالي خسران كم هائل من الايجابيات التي من المفترض ان توظّف في توسعة المشروع كماً وكيفاً غفلة عن كون التعدد والاختلاف مظهراً صحياً للمجتمع الحركي بوصفه محفزاً للتكامل الثقافي بشرط كونه ضمن الظوابط المتفق عليها شرعاً وعرفاً.

ومن العوامل - مضافاً لكل ما تقدم - النزعات الذاتية لبعض القيادات الوسطية التي دفعتها لممارسة خطاباً سياسياً ودينياً وثقافياً انفعالياً ساهم وبصورة واسعة في ترسيخ مفاهيم محددة سلفاً كأُحادية الحق وقدسية القيادة وماشاكلها ، في ذهنية الامة مستغلة حالة الهيجان العاطفي لها لتأزيم المشهد الديني وبناء الحواجز النفسية والفكرية بين " الجماعات " بغية السيطرة الفعلية على ذواتهم ووعيهم الامر الذي يفضي الى الحيلولة دون امتزاجهم مع بقية المكونات الشعبية لتكريس ذيلية الجماهير لتلك القيادات الخاوية فكرياً الا من بعض المصطلحات والمفاهيم الغائمة والتي تناغم السذاجة الفكرية للقطاعات المسحوقة لابقاء ماكان على ماكان احتكاراً للحقيقة بدون سند معرفي يخولهم في ان يكونوا رقماً حقيقياً في المَعلَم الديني للامة وهذا التبليد لوعي الامة لن يستمر طويلاً فالزمن كفيل باسقاط القدسية الزائفة لهذه القيادات التي تملك في ذاتها عناصر متنافرة جعلتها ذات رخاوة ثقافية تتآكل كلما حصل الامتزاج والتلاقح الفكري مع " الآخر " لذا فالقيادة تحرص دائماً على احتواء " الجماعة " وخندقتها تحت مظلة الدفاع عن الخط الحقيقي ، وابتكار عدواً وهمياً لابقاء حالة التشنج قائمة ، وضرب المشتركات والروابط الفكرية ، والتركيز على مائز الانتماء والولاء وهذا ما أدى الى صنع التكتلات ضمن الطائفة الواحدة والتيار الواحد ، حتى بلغ الصراع بينها الى حد محاولة مسخ هوية الآخر ، لاسيما مع اجتهاد القيادة بمختلف مستوياتها لتغذية " الجماعة " بانساق عملية محددة يُحرم نقدها فضلاً عن الخروج ضدها.

بالاستناد الى ما سلف من معطيات فان دوامة العنف والتعصب ستستمر ( ما دمنا نتعامل مع افهامنا وقناعاتنا البشرية بمنظار شمولي ، بمعنى ان ما نفهمه ونقتنع به هو الحق والحقيقة " فقط" فهذا التعامل هو الذي يوجد مسوغات التعصب ومبررات استخدام القوة والعنف في الدفاع عن هذه القناعات او تعامل الاخرين معها ، فالمطلوب هو التعامل النسبي مع الافكار والقناعات البشرية.... وانها الحقيقة يمكن اشتراك الجميع في صناعتها والتعبير عنها ). (2) فالحق- كما يعبرون منطقياً - مفهوم مشكك والاختلاف انما يكون في تجلياته المتنوعة ، وبعبارة اوضح ان المفهوم واحد الا ان المصاديق متعددة بتعدد حاجات المجتمع بدون ان يقع بين تلك المصاديق ايما تعارض وهو ما قصدناه من مصطلح التعدد ، وهذا ما يفسر وصية الصدر الاول للسيد الشهيد محمد الصدر فيما نقل عنه ان ( السيد قال لي بالمضمون أتخذ مسلك العلماء المستقلين " الذين يتفرغون للجهد العلمي ولا ينشغلون بالعمل الاجتماعي " ، فان الناس يحتاجون الى العلماء المستقلين كما يحتاجون الى العلماء العاملين ). (3) والذي يُفهم من هذا النص ان المسلكين كلاهما حق ولا يشكلان طرفا نقيض يستدعي اعطاء الذات تسويغاً لتهميش الآخر او محاربته او تحطيمة اجتماعياً او افشال مشروعه النهضوي او حشره في زاوية جماهيرية ضيقة ، كما لا يعني السلبية المطلقة في التعاطي مع اطروحاته الفكرية بوصفه عدواً خارجاً عن الفضاء المقدس. فجدلية العلاقة بين الذات والآخر ينبغي ان تكون تبادلية وتفاعلية تهدف في محصلتها النهائية الى اثراء الخطاب الديني والثقافي والحضاري معرفياً باعتبار ان قناعات الذات / الآخر يشكلان جزءا الحقيقة المؤهلة لاستيعاب كافة التحديات الوافدة من الخارج والذي تعجز الذات ويعجز الآخر عن مواجهتها منفرداً. وهذا المستند لمشككية الحق - والذي جاء كوصية انما صدر من عالم اقل ما يقال في حقه ان استوعب الماضي وتحدى الحاضر واتعب المستقبل باعتراف الجميع – لم ياتِ اعتباطاً بل له عدة مستندات أخرى شرعية وعقلية وعرفية والذي يُفهم منها اضافة لما تقدم في كونه متعدداً ان حقانية ايّما مسلك ليس هو مطابقته للواقع الخارجي بالضرورة بل يمكن ارجاع المعيارية الى الواقع الذهني " عالم الذهن " والذي تتشكل من خلاله المعذرية والمنجزية بمفهومهما الاصولي.

بمعنى ان الحق هو ما نعتقد انه حقاً وفقاً للتصورات الذهنية الناتجة عن القرائن العقلية والشرعية المستندة الى ضوابط مقننة من قبل الشارع المقدس ، ووفقاً للثوابت الدينية والاخلاقية. - بدون ان يستتبع ذلك رفضاً لمعتقدات الآخر – بمعنى ان ما يعتقده " الآخر " ايضاً يكون حقاً وبدون ان يستبطن رفضاً للمعتقدات الاخرى، بمعنى اوضح ان الشارع لا يتعبدنا دائماً بالواقع كما هو معروف عنده سبحانه وتعالى ، فالمعذرية والمنجزية لا تتكأ على واقع مفروغ منه وثابت في اللوح المحفوظ لا يتبدل ولا يتغير. انما هو تابع لما يمكن ان يتوصل اليه الفرد من صوابية مسلك – ما - . فان كان الفرد فقيهاً مرجعاً قد اكتسب مشروعيته من النص القرآني والحديثي . فالحق حينذاك هو ما توصل اليه باجتهاده وان خالف الآخرين ، بل وان خالف الواقع – مع عدم العلم طبعاً- وهذا معنى قولهم ان المجتهد اذا اصاب فله حسنتان وان اخطأ فله حسنة واحدة مع ملاحظة موازين الاجتهاد والاعلمية المعروفة والمتداولة .

واذا كان الفرد غير مجتهد بالمعنى الفقهي المتداول فيلزمه شرعاً اختيار مرجعاً واحداً للعمل وفقاً لفتاواه - ان لم يقال بجواز التبعيض وعندئذ سيكون تعدد الحق من البديهيات بعد الالتفات الي وجوب الرجوع الى المجتهد في كل الاعمال العبادية والمعاملاتية – وعلى ضوء التعدد المرجعي فسيتوزع افراد المجتمع – لما يحملونه من تفاوت في الادراك العقلي – على تلك المرجعيات وبالتالي تتشكل عدة تيارات تابعة لمرجعيات متعددة كلٌ منها يملك رؤية حيال الواقع تختلف قليلاً او كثيراً وتقترب قليلاً او كثيراً من رؤية الآخر وكل منها يمتلك الاستحقاق المبدئي لتحويلها الى واقع خارجي ملموس فلا يوجد ايّما مرجح شرعي او عقلي او عرفي لهذا الفرد او المرجع او التيار في استملاك الحقيقة المطلقة واحتكارها دون الآخر او الادعاء انه المخول الوحيد للدفاع عنها او النطق باسمها او تمثيلها في المحافل الدينية او السياسية او الاجتماعية.

واذا كان الامر خلاف ما تقدم فلا يبقى اي معنى لتعدد المرجعيات التي اقرتها الرسائل العملية للعلماء الفقهاء والذي صدقها الواقع المعاش ، ولا يبقى اي معنى لأختيارية الفرد عندئذ في تحديد المرجع المناسب ضمن الحدود الشرعية المتاحة له مع استبطان تلك الاختيارية لمبدأ التعدد المشار اليه.

الهوامش

( 1 ) مجلة النبأ،العدد63،السنة السابعة تشرين الثاني 2001 م،ضد العنف والتعصب،محمد محجوب،ص18
( 2 ) م . ن ص16
( 3 ) السيد الشهيد الصدر الثاني كما اعرفه،الشيخ محمد اليقوبي،ص63،منشورات جامعة الصدر الدينية.



#علي_كاظم_الخفاجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الناقد بين النص والتراث
- المنطلقات الارهابية في الاسلام وهم ام حقيقة


المزيد.....




- مرشح جمهوري يهودي: على رشيدة طليب وإلهان عمر التفكير بمغادر ...
- الولائي يهنئ بانتصار لبنان والمقاومة الاسلامية على العدو الا ...
- شيخ الأزهر يوجه رسالة حول الدراما الغربية و-الغزو الفكري-
- هل انتهى دور المؤسسات الدينية الرسمية؟
- استقبلها الان.. تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد 2024 على ال ...
- الكشف عن خفايا واقعة مقتل الحاخام اليهودي في الإمارات
- الجهاد الاسلامي:الاتفاق أحبط مسعى ايجاد شرق اوسط حسب اوهام ا ...
- الجهاد الاسلامي:نؤكد على وحدة الدماء وصلابة الارادة التي تجم ...
- الجهاد الاسلامي:نثمن البطولات التي قدمتها المقاومة بلبنان اس ...
- الجهاد الاسلامي:اتفاق وقف اطلاق النار انجاز مهم يكسر مسار عن ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علي كاظم الخفاجي - البعد الفكري في منظومة الإرهاب المؤدلج