في مطلع القرن العشرين والرأسمالية تدخل بالكامل في المرحلة الإمبريالية ويتوسع الاستعمار ليشمل كل القارات ويحتدم التنافس الضاري بين الإمبرياليين من أجل اقتسام العالم وإعادة هذا التقسيم كلما تغير ميزان القوى بين هذه الدول مما جر على البشرية ويلات وحروباً دامية توجت بالحرب العالمية الأولى.
من جهتها الطبقة العاملة وباقي الكادحين في العالم (في المركز المتروبولي وفي الأطراف المستعمرة) تتعرض لعسف شديد واستثمار جائر.
في وسط هذا المناخ الضاغط وانسداد الأفق أمام المشروع البرجوازي الذي أصبح رجعياً على طول الخط في السياسة والفكر. كان لابد من طرح مهام جديدة أمام الطبقة العاملة والانتقال من النضال الاقتصادي النقابي إلى النضال السياسي الجبهي مما طرح مشكلة تنظيم القوى لإدارة معركة الصراع مع الإمبريالية. هكذا طرحت أسئلة ملحة ومصيرية من أجل بناء حزب التغير الثوري المأمول.
1. أي حزب نريد؟
2. من أجل ماذا نريد الحزب؟
3. ماهي البنية التنظيمية الأكثر فاعلية لتحقيق ما نريد؟
أجابت اللينينية عبر قراءتها الماركسية بالخصوصية الروسية:
1. نريد حزباً عمالياً متحالفاً مع بقية الكادحين مرجعيته الماركسية كعلم اجتماعي تاريخي متسلح بالديالكتيك المادي لإنتاج المعرفة الخصوصية في الوضع الروسي.
2. مدرسة لتأهيل العمال على النضال السياسي والفكري لتأهيل كوادر يستطيعون قيادة الجماهير في معركتها للاستيلاء على السلطة السياسية وإنجاز ما عجزت البرجوازية الروسية عن إنجازه (الثورة الديمقراطية) ضمن سياق الثورة الاشتراكية.
3. لما كان واقع روسيا القيصرية كبلد إمبريالي وطرفي في نفس الوقت وتخلف القوى المنتجة وتخلف البلاد بشكل عام، وضراوة المعركة وضخامة المهام الملقاة على عاتق هذا الحزب كان لابد من تنظيم محكم، ويتمتع بالانضباطية العالية والعمل السريع على تنفيذ القرارات المتخذة والحفاظ على السرية في مواجهة البوليس السري. كان لابد من المركزية لقيادة العمل من مركز واحد حتى لاتتشتت القوى ويحصل تضارب بين برامج مختلفة. ولأن الماركسية بقراءتها اللينينية لاتغفل عن جوهرها الإنساني والجمعي كان لابد من الديمقراطية في التنظيم لتؤمن النمو الأمثل لإبداعات الكوادر متعددة الإمكانات مما يثري التجربة ويجعل الجميع مشاركين في اتخاذ القرارات المصيرية، وبالتالي، التفاني المنضبط بتنفيذ المهام الموكلة وبالسرعة الممكنة.
لقد استطاع لينين أن يطبق هذه المقولة جامعاً بين المركزية والديمقراطية تطبيقاً ديالكتيكياً خلاقاً وذلك لصفات لينين الشخصية العظيمة وللشروط الموضوعية التي وضع فيها الحزب ولكن؟؟؟!!!
بعد الاستيلاء على السلطة وانتهاء الحرب الأهلية بالانتصار الكامل للثورة وتسلم الحزب لقيادة الدولة هذا الحزب الذي فقد خيرة مناضليه في الحزب الأهلية مما غير شروط النضال، وبتغير العامل الذاتي (وفاة لينين) لم تعد المركزية الديمقراطية بتطبيقها الديالكتيكي الخلاق ممكنة التحقق كان لابد لأحد الجناحين أن يقوى على حسب الجناح الآخر وللكثير من الظروف الموضوعية داخلياً وخارجياً ولوصول ستالين إلى رأس الهرم الحزبي نما جناح المركزية نموا ًكبيراً ولم يبق من الديمقراطية إلا حرية ستالين مدعوماً من البيروقراطية الروسية التي قفزت لتحتل أغلب المراكز القيادية والإدارية.
لقد أصبحت الديمقراطية حِكراً على ستالين، وعلى جميع الشيوعيين في الاتحاد السوفييتي وفي العالم تنفيذ تعليماته، فكان الانحطاط والمزيد من الانحطاط وانتهت هذه الملحمة بسقوط مروع لأعظم تجربة اشتراكية خاضتها البشرية. الآن ومن منطق العلم التاريخي الاجتماعي متسلحين بالديالكتيك المادي لإنتاج الرأسمالية كعلم بالخصوصية العربية والسورية نعاود طرح الأسئلة من جديد؟
1. أي حزب نريد؟
2. من أجل ماذا نريد الحزب؟
3. ماهي البنية التنظيمية الأكثر فاعلية لتحقيق ما نريد؟
حتى نجيب على هذه الأسئلة لابد من دراسة الشرط التاريخي الذي نعمل فيه:
بعد سقوط الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية وتفرد الإمبريالية الأمريكية بالهيمنة العسكرية السافرة وحالة الجزر الكبيرة التي تعرضت لها قوى الثورة والتقدم وعدم وضوح الرؤية بشكل شديد عبر عودة الأصوليات الدينية على نطاق العالم منتجة للعنف المجنون المجاني غير المنتج والهجوم الإمبريالي الأمريكي المدمر فارضاً على العالم مشروعه الليبرالي الجديد ناهبا ً حتى العظم كل فائض القيمة المتحقق في العديد من دول العالم.
وبما يشبه العودة إلى إعادة اقتسام العالم عبر نزع نفوذ بعض الإمبرياليات المنافسة في كثير من دول العالم المنتجة للمواد الأولية (أفريقيا مثلاً) والحصار الشامل لبعض الجزر التي لاتزال تقاوم بأنظمتها الاشتراكية (كوبا، كوريا) ونشر القوات الأمريكية كقوة وحيدة في كل انحاء المعمورة وحتى في الفضاء وقيام الدولة الإمبريالية متفرقة ومجتمعة بالهجوم على المكاسب العمالية التي تحققت بنضالات عمالية كبيرة وكنتيجة لقيام دولة الرفاه الرأسمالية كرد على الدولة الاشتراكية عبر إعطاء حصة من النهب المتحقق من فائض الأطراف المنهوبة كرشوة للطبقة العاملة الأوروبية والأمريكية، هذه البانوراما العالمية نحن جزء منها... وأي جزء؟؟!!
غياب للمجتمع السياسي، قوى ليبرالية هزيلة وضعيفة، بنية اجتماعية مهلهلة، الطائفية والقبلية والعشائرية والأثنية....إلخ.. من البنى القديمة التي انتعشت بغياب المجتمع السياسي وفشل كل مشاريع التحديث والنهضة وبتوفر مناخ دولي يميل للتفتيت و المزيد من التفتيت، هذه القوى تكبح إمكانيات التطور الاجتماعي والاقتصادي وبالتالي تهدد بنية الدولة نفسها والمكاسب المتراكمة التي تحققت عبر أجيال في بناء مؤسسات الدولة.
لابد من التصدي الحازم لهذه البنى عبر تعزيز المجتمع السياسي المنخرط في بناء دولة المؤسسات التي تستطيع أن تدافع عن مشروعها كدولة. إذن لنعد إلى أسئلتنا لنجيب عليها ضمن شرط إنتاج العلم الماركسي بالخصوصية:
1. نريد حزباً عمالياً متحالفاً مع بقية الكادحين مرجعيته الماركسية مُعادٌ إنتاجها بالخصوصية.
2. لم تعد المعركة الجبهية ممكنة مع القوى الإمبريالية المعولمة المدججة بالقوة الغاشمة فلابد من حرب مواقع على مستوى العالم مما يتطلب تنسيقاً كبيراً مع كل القوى المناهضة للعولمة الأمريكية الإمبريالية إذاً نريد حزباً نربي فيه الكوادر التي تستطيع قيادة الجماهير في معركة طويلة ومريرة وعلى كافة الصعد، الاقتصادية والسياسية، وبشكل خاص الفكرية والثقافية والعمل وبحزم من أجل مشروع نهضوي حداثي.
3. لما كانت المعركة مفتوحة على الصعيد العالمي وعلى شكل حرب مواقع ولما كان للفكر والثقافة دور مهم ورائد إضافة إلى النضالات الجماهيرية المتعددة، ولما كان للنضال الاقتصادي النقابي من أهمية عالمية الآن ولذلك كله لم يعد العلم اللينيني بالخصوصية الروسية في مطلع القرن العشرين بما يتعلق ببنية التنظيم وضمن الشرط التاريخي الجديد صحيحاً كعلم بالعام فكان لابد من تطوير مقولة المركزية الديمقراطية.
كيف يكون هذا التطوير؟
إن القوننة المكتوبة الواضحة التي تحدد بدقة حدود المركزية هي ضرورة الحرية، إن قيام مؤسسات حقيقية هي الرد العملي على المركزية التي ستنتهي عاجلاً أم آجلاً بالشخصانية وعبادة الفرد وبقيام المؤسسات يصبح دور الفرد فيها جزءاً من المؤسسة ولايمكن أن يكون فوق المؤسسة لذلك أقترح:
1. إلغاء منصب الأمين العام.
2. تحويل المكتب السياسي لمكتب مختص يضم خيرة الخبراء والمختصين.
3. مندوبو المؤتمر العام يجري انتخابهم مباشرة في كل محافظة من جميع الأعضاء وبالاقتراع السري ولا يحق للقيادة تزكية ترشيح أيٍ كان.
4. حق الأقلية في طرح برنامجها على الحزب قبل المؤتمر وأثناء المؤتمر وحرية التعبير عن رأيها في كل أدبيات الحزب وخاصة في مجلة فكرية مفتوحة لكل الآراء ضمن سياق الخط التقدمي الإنساني.
حمص ـ محمد الخضر
قاسيون