|
قانون الإرهاب الجديد وشروطه لحماية الحريات العامة
علي الشلقاني
الحوار المتمدن-العدد: 1876 - 2007 / 4 / 5 - 06:38
المحور:
حقوق الانسان
يقتضي تعديل المادة ١٧٩ من الدستور إصدار قانون جديد للإرهاب، إذ ينص التعديل علي أنه: «تعمل الدولة علي حماية الأمن والنظام العام في مواجهة أخطار الإرهاب، وينظم القانون أحكاماً خاصة بإجراءات الاستدلال والتحقيق التي تقتضيها ضرورة مواجهة تلك الأخطار، وذلك تحت رقابة من القضاء».
وبداية فإن نص المادة ١٧٩ صريح في أن إجراءات الاستدلال والتحقيق التي يشملها قانون الإرهاب الجديد لابد وأن تكون ضرورية لمواجهة أخطار الإرهاب، كما أنه صريح في أن هذه الإجراءات وهذه الضرورة كليهما خاضع لرقابة القضاء، ولذا فإن الفهم الدستوري الصحيح لباقي نص المادة ١٧٩ الخاص الذي يستثني إجراءات الاستدلال والتحقيق من بعض أحكام الحريات العامة في الدستور إنما يجيز هذا الاستثناء إذا تأكد القضاء من توفر شروط ثلاثة:
الشرط الأول هو أن هذه الإجراءات في الاستدلال والتحقيق تواجه بالفعل خطراً لجريمة إرهابية وليس خطرا لجريمة أخري من جرائم قانون العقوبات. والشرط الثاني أن تكون هذه الإجراءات الخاصة بالاستدلال والتحقيق هي أيضا ضرورية لمواجهة جريمة الإرهاب، أي أنها ذات علاقة سببية في محاربة جريمة الإرهاب.
والشرط الثالث أن هذه الضرورة من شأنها أيضا أن تجيز الاستثناء من أحكام المواد الدستورية المذكورة في المادة وهي المواد ٥١، و٤٤، و٤٥ من الدستور أي أن الأثر المطلوب من هذه الإجراءات لم يكن من الممكن تحقيقه فيما لو احترمت هذه المواد.
ورقابة القضاء لهذه الشروط الثلاثة هو موقف جديد في القانون المصري ذلك أن النظام القانوني الحالي يشمل العمل بقانون الطوارئ. وقانون الطوارئ كما هو مطبق يسمح بالاعتقال لمدة غير محدودة وبغير مراقبة من القضاء؛
والسبب في ذلك أن القضاء المصري جري علي أن تطبيق قانون الطوارئ هو عمل من أعمال السيادة الذي يستقل بتقديره رئيس الجمهورية ولذلك فليس للقضاء أن يتدخل للنظر في الإجراء الذي يصدر بتطبيقه أو الإجراء الذي يتم تنفيذا له.
أما إذا صدر قانون الإرهاب الجديد وألغي بالتبعية قانون الطوارئ، فإن الموقف من مراقبة القضاء يختلف تماما إذ يكون للقضاء عندئذ الحق ليس فقط في مراقبة الشروط الثلاثة المذكورة أعلاه وإنما أيضا النظر في استمرار الحبس الاحتياطي تحت ذمة التحقيق،
ولهذا فالمطلوب كذلك من قانون الإرهاب بالإضافة إلي ما تقدم، أن يحتوي علي مواعيد محددة وواضحة تجبر سلطة الاتهام علي أن تقوم قبل انتهائها بالعرض علي القضاء لكي يتمكن من مراقبة سلامة الإجراءات القانونية وضرورة استمرارها.
ومن المهم لذلك أن يتتبع الرأي العام صياغة قانون الإرهاب الجديد بفهم ووعي واضح لما يجب أن يحتويه القانون من شروط تسمح لمراقبة القضاء بأن تكون ذات أثر حاسم في حماية الحريات العامة.
ذلك أن تعديل المادة ١٧٩ من الدستور لم يلغ مواد الدستور الخاصة بالحريات العامة وإنما سمح بالاستثناء منها إذا اقتضت ذلك ضرورة حماية الأمن أو النظام العام من مخاطر الإرهاب.
وفي غير حالات الضرورة وجب تطبيق مواد الدستور التي تحمي الحريات العامة تطبيقا كاملا، أي إذا كانت الإجراءات لا تستلزم الاستثناء من الدستور لكي تحقق حماية النظام العام المطلوب منها.
ومصر ليست هي البلد الوحيد الذي قاسي من شرور الإرهاب ولكنها الأخيرة في إصدار قانون خاص بالإرهاب. ومن المفيد لذلك أن نسترشد في مصر بتجربة القوانين الخاصة بالإرهاب التي صدرت في البلاد الديمقراطية، لأنها البلاد التي اهتمت بأن تراعي في قانون مكافحة الإرهاب الشروط التي تحافظ علي أكبر قدر من الحريات العامة.
ومن المعروف أن الحلول التي أتبعتها البلاد الديمقراطية ليست واحدة، فقد ذهبت بعض السلطات التنفيذية بحجة محاربة الإرهاب إلي التضحية بكثير من مبادئ الحريات العامة في دستورها، والمثل الفاضح علي ذلك هو معتقل جوانتانامو. ولكن موقف الرئيس بوش في انهيار، وتعود أمريكا إلي سيادة القانون بفضل أحكام المحكمة العليا والأغلبية الجديدة للحزب الديمقراطي في الكونجرس.
وعلي العكس من ذلك اهتم الاتحاد الأوروبي بصياغة تعريف لجريمة الإرهاب وللإجراءات التي تتخذ لمحاربته وحاول المحافظة قدر الإمكان علي الحريات العامة، لأننا سنجد أن أغلب البلاد الأوروبية قد أوردت في قانون مكافحة الإرهاب الخاص بها استثناءات من بعض أحكام الحريات العامة في دساتيرها،
ولكنها جميعا أخضعت دائما تصرفات الاستدلال والتحقيق لمراقبة القضاء وأخضعت الاستثناء من أحكام الدستور لحدود واضحة تضيق من تطبيقاته بحيث يظل المبدأ الدستوري هو القاعدة العامة واجبة التطبيق.
وعلينا لذلك أن نبدأ بتعريف جريمة الإرهاب لأنه بدون تعريف واضح ومحدد لجريمة الإرهاب لن يستطيع القضاء أن يراقب الشرط الأول من شروط المادة ١٧٩ ويتأكد من أن الإجراءات التي اتخذتها سلطات الأمن أو الاتهام تخص جريمة من جرائم الإرهاب.
#علي_الشلقاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
على القمة العربية أن تواجه مشروع قانون البترول العراقي
-
برنارد شو والتعليم ... اليوم
المزيد.....
-
المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا
...
-
المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا
...
-
إعلام إسرائيلي: مخاوف من أوامر اعتقال أخرى بعد نتنياهو وغالا
...
-
إمكانية اعتقال نتنياهو.. خبير شؤون جرائم حرب لـCNN: أتصور حد
...
-
مخاوف للكيان المحتل من أوامر اعتقال سرية دولية ضد قادته
-
مقررة أممية لحقوق الانسان:ستضغط واشنطن لمنع تنفيذ قرار المحك
...
-
اللجان الشعبية للاجئين في غزة تنظم وقفة رفضا لاستهداف الأونر
...
-
ليندسي غراهام يهدد حلفاء الولايات المتحدة في حال ساعدوا في ا
...
-
بوليفيا تعرب عن دعمها لمذكرة اعتقال نتنياهو وغالانت
-
مراسلة العالم: بريطانيا تلمح الى التزامها بتطبيق مذكرة اعتقا
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|