|
نافذةٌ لا تُغري الشمس
عفيف إسماعيل
الحوار المتمدن-العدد: 1875 - 2007 / 4 / 4 - 11:28
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
***** بقبضتي أمسكُني من قفاي أقذفني بعيدا عن الكرة الأرضيّة ولا أهوي.. عادل عبد الرحمن ***** تقول السيرة الثورية للشاعر محمد محمود الشيخ الشهير بـ (محمد مدني) بانه اعطي أنضر سنوات عمره لنضال مستمر من اجل تحرير وطنه، وكان يقاتل بشراسة بكل ادواته الممكنة ،القلم، البندقية،وساعياً بين الناس يدعوهم للتضامن مع قضية شعبه العادلة حتي حصلت إرتريا على استقلالها الفعلي في العام 1991، وعلى استقلالها المعترف به رسمياً في العام 1993 عقب استفتاء أُجري تحت إشراف الأمم المتحدة. **** في غنائية إيقاعية ممتدة تتأرجح بين الحلم وتواتر الخيبات،وتحرض علي التماسك، تتدفق نصوص الشاعر الارتري المتميز محمد مدني في مجموعته الشعرية( نافذة لا تغري الشمس)، لتحكي حلم شعب بالإنعتاق، وهم شاعر بالوطن والحياة والإنسان ونبض تجربة عامرة بالتوحد بين الفكرة الإقتراب من الذات الإنسانية توثبها وفي نكوصها.
حصافة شاعرية أختار بها الشاعر عنونة الديوان والنصوص بداخلة بدقة إيحائية للمناخ النفسي العام للنصوص المنطلقة من الذات الشاعرة بإيحاء مباشر عما داخلها من تأرجح مقصود بين الحسرة التبشرية الثورية الحالمة بالآتي مثل: ا/ الرسالة قبل الأخيرة/ رؤيا/ محاولة لإعادة رسم الخارطة/ زلزال/ سيرة ذاتية/ لماذا نكتب بالحبر أحيانا يحدث هذ) شهرزاد والمقصود/ إسقاطات/ أغنية لأطفال "آر"/ النشيد الصامت/ سفر العشق والكلمات. هذه المحاورة الصامت بين العناوين ما هي إلا محاولة تحضيرية لأسلوب الشاعر الفني في الكتابة هو التداعي الحر المباشر يرافقه مسباره التأملي النافذ ليتجول بين الزمان في ثلاثية الماضي والحاضر والآتي ويتفذ إلي جوهر الأشياء برغم التكلس وببطء عجلة التحولات ليبني صور شعرية ساطعة التركيب والمعني: ((ونظل ندور طوال الزمن الأعمي في افلاك الظاهر والمضمون كنا لا ندري.. من منا يركض خلف سراب))
لعل من أبرز ملامح مجموعة (نافذة لا تغري الشمس) إعتناء الشاعر بخارطة النص وشكله الفني وتوزيع مساحات البياض والسواد بين المفردات والجمل الشعرية وطباعة جمل أخري بالسواد الغامق أو نثر الحروف في تتدرج إيقاعي إلي أسفل يفيد الإشارة، ويكثف من حالة التدحرج والقهقهري التي يرصدها من خلال شعره، اعطت تلك اللمسة التشكيلية الكتاب مزاج بصري يساعد القارئ علي التجول بإيقاع موزن بين النصوص وسهولة تندرج تحت شروط مضمرة في لعبة الإستجابة في وعقدها المبرم طوعا بين القارئ والشاعر لتسريب المعني.
يستصحب الشاعر محمد مدني اراجيز الأطفال والعابهم كرموز مستنطقة ضد القبح في زمن الحرب ومن أجل الأفضل دائما،: ((بيم...بوم...باك أنا حامد/ أنا دبروم/ أنا جنجر/ ألم مسفن وسعدية/ ابرهام/ محموداي/)) تكتمل العذوبة حين ينتقل معدد اسماء الأشخاص والمدن والقري في حنين ما ضوي للمكان في معناه الأوسع من على خرائط الجغرافيا والوطن نفسه (( للذي نادى ((بايلول)) علي الناس ........سلام للذي وحد (( حلحل)) ... بالعشق وبالموت ....سلام و(( لقلوج ))...... سلام و(( لعندات )) .... سلام ويحيلنا النص اعلاه لتوازي الحنين عنده كما جاء في سِفر الشاعر السوداني صلاح احمد إبراهيم ورائعته التي تغني بها فنان أفريقبا الأول محمد وردي "الطير المهاجر" علي نيل بلادنا سلام ونخيل بلادنا.. سلام برغم براعة الشاعر في الإستلاف من النص القرآني وما تناسل منه باٌنتقاله به من منطقة التابو المقدس إلي اليومي المتفاعل مع شئون البشر الحياتية، إلي انه علي مستوي التفجير البنائي للصورة الشعرية المقتبسة أكتفي ان يقتات منه بحذر في ظاهره ولم يوغل إلي التناص الذي يسند ويستند علي ما قبل ثم ينطلق إلي أفق أرحب قد يفوق الأصل علي المستوي التجديد الجمالي لبناء الصورة الشعرية وتحريك ساكن المضامين،ولا يحوصلها كمثل هذا الاستلاف الخجول الذي أفضي إلي ضمور الصورة وتحجيم مقدرات التخييل المشود لها بالبراعة والكفاءة الشعرية عند محمد مدني، فنجده يكتب مثلاً: (( في البدء وحين تدلت رجلاي لترسم فوق صليب البغي علامة إيمان وصمود زعموا ان الرب سيخسف بي الأرض وقالوا رشة سوءٍ من فضلات ثمود)) أو خارج عنهم عارف قدره قادر إن دعي ان يعي وزره غن دعاك إذا حازماً أمره هيئي قبره وأشرحي صدره اغلب نصوص المجموعة الشعرية في باطنها كأنها كُتبت في هدنة بين معركتين، أو تم الأختزان التحضيري لها في مناخ نفس مشابهه، فجاء إيقاعها كأنه زخات طلقات سريعة وامضة وخاطفة وتحتشد بالشعار التلخيصي المباشر الاخاذ العامر بالحكمة والتأمل: ((لا.. لابتعاد الحزب عن حرب تقود إلي السلام)) ((لا..لا قتراب الحرف من حل يحيل الي رماد)) (( ونبقي طلقين رقم القيود))
الشاعر الإرتري محمد مدني اهدي المكتبة الافريقية والعربية كتاباً سوف يكون يوما مرجعاً هاماً لعلاقات التجسير الثقافي بين الشعوب، واهدي الساحة الثقافية السودانية أعذب الأغنيات فلقد إجتزاءات مجموعة عقد الجلاد وساحرها الموسيقار عثمان النو في زمن باكر تلك الانشودة العذبة من نصه المركزي ( مناورات تاكتيكية نحو مبادرة استراتيجية) في تجربته الشعرية الذي تناسلت منه في ما بعد نصوص أخرى شملتها هذه المجموعة الشعرية ونصوص ما بعدها، يعرف عشاق عقد الجلاد تلك الغنية بـ (( أحتاج دوزنة، أو يا بحر)) وعالجتها موسقياً بما يكفي لقطع المسافة المشجنة بالوعود بين الحلم والتمني وإهتراءات الواقع المرير بنقرة الأوتار الأولي في معزوفتها الخالدة الطامحة لترميم عصب الإنسان ودوزنتة وفق منهاج الثورة علي البال والمتهالك الهالك، ووضعت بصمة أخري لإجتهاداتها النابهة لتجاوز مرحلة أغنيات واناشيد الرومانسية الثورية في نصوصها وموسيقاها، وأيضا االمبدع مصطفي سيد احمد بقدرة الفذة في أختار النصوص إجتزاء نصا آخر للشاعر محمد مدني وأسماه (( في صحة الوطن))فكانت عافية لعروقنا الظمأ للحياة والحرية ولعشاق فنه علي امتداد المليون ميل متعب يتفيأون بها كل ما تكاثفت الآفات عليهم وما أكثر مواسمها الدائرية في الحياة السودانية. وبذلك يشرع الشاعر محمد مدني نافذة كنافذة ((دالي)) علي الفضاء الطلق والريح تغري بالحب والثورة والإنتماء للإنسان والوطن، ودعوة لفهم إرتباكات الكائن في الوجود وإقتراب الذات المغتربة القلقة من ذاتها .
نافذةٌ لا تُغري الشمس: شعر الشاعر الإرتري محمد مدني الناشر:مكتبة الشريف الاكاديمية / السودان عدد الصفحات:100 من القطع المتوسط الطبعة الأولي: يونيو 2000
#عفيف_إسماعيل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وتبقي طفلة العصافير الموسمية
-
بيكاسو ماقبل وبعد الجرنيكا
-
الوان
-
عودة
-
قبعات غير مناسبة
-
نصوص
-
الموسيقار عاصم الطيب قرشي في مهرجان ميلا بالنرويج
-
رتقُ الهواء
-
خيوط بين الأشياء
-
ساورا- إنداكوا
-
000الرقم:
-
الخرطوم عاصمة للثقافة العربية والإرهاب
-
مركز الدراسات السودانية
-
الشاعر الصادق الرضي في بلاد شكسبير
-
مذبحة حديقة البؤساء بالقاهرة30ديسمبر2005
-
وداعاً.. شاعر -عجاج البحر-
-
وحده
-
الكتابة في زنزانة*
-
بشرى حسن فرحان أو ملك الصمت
-
الرنة المفقودة
المزيد.....
-
بعد استخدامه في أوكرانيا لأول مرة.. لماذا أثار صاروخ -أوريشن
...
-
مراسلتنا في لبنان: غارات إسرائيلية تستهدف مناطق عدة في ضاحية
...
-
انتشال جثة شاب سعودي من البحر في إيطاليا
-
أوربان يدعو نتنياهو لزيارة هنغاريا وسط انقسام أوروبي بشأن مذ
...
-
الرئيس المصري يبحث مع رئيس وزراء إسبانيا الوضع في الشرق الأو
...
-
-يينها موقعان عسكريان على قمة جبل الشيخ-.. -حزب الله- ينفذ 2
...
-
الرئيس الصيني يزور المغرب ويلتقي ولي العهد
-
عدوى الإشريكية القولونية تتفاقم.. سحب 75 ألف كغ من اللحم الم
...
-
فولودين: سماح الولايات المتحدة وحلفائها لأوكرانيا باستخدام أ
...
-
لافروف: رسالة استخدام أوريشنيك وصلت
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|