في اللقاء البرلماني العربي للسكان والتنمية ، النائب مرهون : الشهيد محمد جمعة أول شهيد في سبيل انتفاضة الأقصى من خارج فلسطين
القاهرة 10-12/6/2003
إن الهدف الأساسي للتنمية في المجتمعات العربية كان ولا يزال وبشكل أساسي الارتقاء بحياة الإنسان والحفاظ على كرامته وصون حقوقه، في إطار مجتمع متطور تتحقق فيه أسباب العدالة الاجتماعية وشروط الرفاه ويتوطد فيه الارتباط الوثيق بين طرفي المعادلة ،التنمية والسكان، فالمواطن هو عماد الثروة وأساسها في جميع الأمم الحية وهو العامل الحاسم في عملية التقدم والتنمية الاقتصادية والاجتماعية .
وفي خضم التطور الإنساني والحضاري وتقدم عملية التنمية في بلادنا العربية بدأت تحديات كبيرة تواجهنا تستدعي تعبئة الطاقات والإمكانات وتعزيز جهود التكامل الأقتصادي والتنموي مع ضرورة أستنهاض الهمم وزيادة فاعلية الإدارات والمؤسسات الحكومية والتنفيذية وتضافر جهود التكامل الاقتصادي والتنموي المشترك لتحقيق الغاية الاساسية في بلوغ نهضة إقتصادية وتنموية لشعوبنا العربية. مع توطيد اسس العملية الديموقراطية وتوفير شروطها السياسية، التي تكفل إسهام كافة القطاعات الشعبية والأهلية للمشاركة في صناعة القرار السياسي بكل حرية وشفافية من خلال تفعيل مؤسسات المجتمع المدني.
إنه مما يستدعي الأسف والمراجعة هو عدم وجود سياسة حقيقية تتبعها المؤسسات المعنية بالشأن الشبابي في البلاد العربية تجاه قطاعات سكانية واسعة تكاد تشكل الغالبية بين السكان وهم فئة الشباب والهم الثقافي. فأننا لو أمعنا النظر في أنشطة تلك المؤسسات المعنية قلما نجد ما يعتد به من نشاط إيجابي ومؤثر سواء في مجال رعاية الشباب، أو تحفيز ورعاية الإبداع الثقافي، فلقد أختزلت تلك المؤسسات مفهوم رعاية الشباب في الحقل الرياضي وحسب، وربما كان ذلك بسبب تخلف وجهات نظر القائمين على إدارة تلك المؤسسات الشبابية والمسيرين لها بحيث لا تتيح لهم كبير مجال للتعاطي مع القاعدة العريضة من المواطنين ومؤسسات المجتمع المدني بأساليب إدارية واحترافية حديثة، ولربما كانت هناك أيضاً روابط ورواسب من عقلية الإدارة القديمة المسكونه أمنياً من مراحل ماقبل بواكير التحولات الديموقراطية والبدء بالانفتاح السياسي والتحديث الإداري التي بدأت تشق طريقها في المجتمعات العربية.
وأجدها فرصة مناسبة أمام جمعكم الكريم هذا الذي يضم نخبة المؤسسات التشريعية والرقابية العربية لأناشدكم أستخدام الأدوات البرلمانية المتاحة للوقوف بدقة على متابعة أسباب الأخفاق الحقيقية الملازمة لقطاعتنا الشبابية والرياضية الوطنية برغم ما يصرف عليها من أموال طائلة، ومحاولة أقتراح حلول وبرامج مناسبة لتجاوز هذه المرحلة ومطالبة المؤسسات الشبابية الحكومية في بلادنا العربية بالكف عن دور الوصاية والهيمنة على المجتمع الشبابي والثقافي، وأن على تلك المؤسسات الأختيار بين أن تكون راعية رسمية وموجهة إدارية وحسب للأنشطة الشبابية والرياضية. او أن تجاري التحولات التي تموج بها مجتماعتنا وتهب علينا رياحها من إتجاهات مختلفة بعضها من الفضاء الخارجي وبعضها الأخر من الحالة السياسية العربية المتردية الراهنة التي لا تخفي عليكم مفاعيلها ومراميها، والأهداف المعلنة منها والكامنة، أو أن تقدم تلك المؤسسات على مبادارت ترتقي بمستوي ادائها وتستجيب لتطلعات الشارع الشبابي والثقافي. فمن الظلم للمجتمع بمكان أن تنفق كل تلك الموازنات والأموال على مؤسسات دون أن نرى سجلاً حقيقياً وطنياً أو عالمياً اللهم إلا تسجيل المشاركات الروتينية في المسابقات الرياضية.
كان ذلك هو الجانب السلبي الذي قد لا نرغب الحديث فيه دائماً في كل زمان ومكان. إلا أن ما شجعني و دعاني إلي التطرق إليه أنني في القاهرة وهي من مفاخر أوطاني العربية، وبينكم وأنتم نخبة البرلمانيين العرب وخير من يؤتمن على مسيرة قطاعات الشباب العربي، فاغفروا لي بعض زلات اللسان إن وقعت.
وبعد، فماذا عن الجانب الإيجابي وهو كبير وعظيم في نهضة الشباب العربي؟ لقد برز ذلك بوضوح وفاعلية في الإسهام العظيم الذي أبداه الشباب العربي في مواجهة التحديات السياسية على الصعيد الوطني والقومي من خلال التصدي لكافة أشكال الهيمنة والاحتلال الأجنبي وعلى الخصوص منهم شباب فلسطين وإسهامهم العظيم في انتفاضة القدس المباركة، وشباب لبنان الذين شاركوا بجدارة وتوق للشهادة والبذل في تحرير أرض لبنان الشقيق، وجميعهم يسهمون يومياً على الأرض وفي المنافي في صناعة وطن حر وشعب سعيد، وقد تفاعل معهم كافة الشباب العربي في الجامعات والمدارس ومراكز الشباب ومنهم شبابنا في مملكة البحرين الذين لم يدخروا جهداً في الوقوف مع شباب فلسطين حتى سقط منهم وسالت دماءه الزكية الشهيد السعيد محمد جمعة الشاخوري أول شهيد عربي لقي ربه في سبيل انتفاضة القدس من خارج الأراضي المحتلة، مسجلاً موقفاً بطولياً لشباب البحرين في مناصرة أشقائهم في فلسطين العزيزة.
بعد ذلك السجل، دعونا نتسائل هل من سبيل لتجاوز الحالة السابقة ؟ والجواب نعم بكل تأكيد، ولعلني أستطيع أن أقترح عددا من التوصيات التي ربما تسهم في تفعيل القطاعات الشبابية العربية وهي :
1. وضع إطار مؤسسي وتشريعي تتكامل فيه الأنشطة الحكومية وغير الحكومية المعنية بقضايا الشباب وإعداده للمستقبل. مع التأكيد على أهمية توافر رؤية علمية و موضوعية تراعي مقتضيات المرحلة الراهنة حول تخطيط إستراتيجية وسياسة طموحة لإعداد الشباب.
2. مراعاة التكامل والتنسيق بين خطط المؤسسات المعنية بالشباب مع الجهات التشريعية والتعليمية والثقافية والإعلامية لإعداد الشباب وخلق مفهوم التميز وإطلاق المبادرات الخلاقة والتعاطي مع سياسات التحديث الإداري والمجتمعي والإصلاح السياسي والأقتصادي.
3. وضع سياسات تمويل جديدة لمختلف الانشطة الشبابية التي تستهدف رعاية الشباب وتنمية وتشجيع المواهب الخلاقة .
4. مراعاة فلسفة وأهداف عصرنة وتجديد المجتمع عند دراسة برامج إنشاء المؤسسات الشبابية وإدارتها. مع التركيز على معاهد ومراكز التثقيف، وممارسة الأنشطة الهادفة المختلفة .
5. الإسهام الفعال في وضع السياسات الإدارية للمؤسسات الشبابية و توصيف المهام والأعمال بما يسهم في إعداد وتهيئة القادة والمتطوعين والمحترفين بمفهوم جديد يبتعد عن ممارسات التسلط والجمود وينحو بإتجاه ممارسة الإنفتاح والأفصاح والشفافية ويعزر روح العمل الجماعي والمثابرة.
6. توضيح وتخطيط عمل المؤسسات الشبابية والوطنية وتعزيز علاقتها مع نظيراتها العربية والدولية لتوسيع قواعد المشاركة والاندماج مع مفاهيم ورؤي الشباب الجديدة.
7. مراجعة وتطوير كافة التشريعات الشبابية، عملاً بفلسفة التحديث والإصلاح وإتباع مفاهيم علمية وموضوعية للتقييم والمتابعة.
8. من المهم أن تعمل المؤسسات الشبابية العربية، كمساهم فاعل وخلاق في معالجة القضايا الوطنية، كالبطالة، مكافحة الفساد الإداري والمالي، التوجيه المعرفي والعلمي عن طريق تبني برنامج متكامل للتدريب من خلال المشروعات التنموية الرائدة التي تهدف إلي زيادة الوعي المجتمعي والعمل الجماعي وتعزيز روح المواطنة، وتأهيل وتدريب الشباب الخريجين لمواكبة الثورة العالمية في مجال تكنولوجيا الأتصالات والمعلومات لخلق جيل جديد من الشباب المتخصص لكي ينافس في المسابقات التي تقام عالمياً ويسهم في دعم الصناعات الوطنية في مجال إنتاج البرمجيات ويدعم التنمية الأقتصادية.
9. الأبتعاد عن حالة القيود الإدارية الجامدة والبدء بالأهتمام بالتنمية الثقافية من خلال تغيير النظم التقليدية. والتركيز على معالجة المشاكل بأساليب مواءمة للفكر العالمي الحديث والتطورات المتلاحقة، مع إيجاد سبل وقنوات لأشراك الشباب في حوارات وطنية جدية تتسم بالتعدد في الأراء، وكذا إنشاء المؤسسات والجمعيات والإتحادات ومراكز الشباب والأندية الخاصة بالعمل في مجال الشباب، بهدف إعداد القيادات الشبابية وتدريبها على العمل السياسي السليم مع التأكيد على أهمية المشاركة والأندماج في أطر المؤسسات الشعبية وجمعيات المجتمع المدني والتفاعل معها في قضايا التنمية والتحديث والعمل الوطني بما يتفق ومفاهيم التعددية السياسية وإحترام حقوق الإنسان وتنمية روح الخلق والمثابرة والإبتكار.
10. تجديد الأطر الإدارية للمؤسسات الشبابية والإبتعاد عن ممارسة ذات الأساليب المتسلطة القديمة والبالية، فلازالت المؤسسات الشبابية تدار من قبل أفراد تم تعيينهم فوقياً بقرار سياسي دون أن يكون بحوزتهم أدنى اهتمام بالرياضة والشباب ولا الثقافة. ثم أورثوا مناصبهم لغيرهم ممن يمتون لهم بصلة قرابة أوصداقة أو بالمحسوبية. وبالتالي فإن برامج التطوير بقيت على حالها تراوح مكانها بسبب بقاء نفس الشخوص وذات الرؤية والتفكير والمنهج.
ندرك اليوم أن المواطن العربي وفي المقدمة منهم الشباب هم جيل المستقبل بكل معطياته، الأمر الذي يستوجب توجيه وأستثمار جهود الهيئات التشريعية والتنفيذية والأهلية والتطوعية، لتتضافر الجهود في تطوير المفاهيم والمعارف لتعزيز دور الشباب وصحتهم وثقافتهم وتقديم الدعم المادي والمعنوي لهم على مختلف الصعد، منطلقين بذلك من قاعدة علمية بحثية ودراسة موضوعية دقيقة وواعية، وبذلك نقترب حثيثاً من بلوغ تنمية أقتصادية حقيقية تعزز من رسوخ العملية الديموقراطية وتؤمن بالتعددية ومبادىء حقوق الإنسان وحرية الرأي، وتسهم في مكافحة الأمراض الإجتماعية كالأمية والفقر والقهر الإجتماعي وتبتعد عن ممارسة الأقصاء والتهميش والتمييز لقطاعات واسعة من الشباب.
عبدالهادي مرهون
النائب الأول لرئيس مجلس النواب-البحرين
[email protected]