|
حول إنتفاضة الشعب العراقي في آذار 1991
نزار خالد
الحوار المتمدن-العدد: 60 - 2002 / 2 / 10 - 23:15
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
( ملاحظات وأفكار عامة ) .
مقدمـة .
مرَّ أكثر من عقد من الزمن على إنتفاضة الشعب العراقي في آذار 1991 ضد السلطة الطفيلية الحاكمة إثر إندحارها في الحرب وخلاص الكويت من إحتلالها الغاشم له منذ 2 آب 1990 .
وقد تطرق العديد من السياسين ومن شهود العيان وبعض المساهمين في أحداثها بالبحث والاستعراض لوقائعها وأسبابها ودلالاتها ونتائجها . وبرغم ذلك يبدو من المفيد إعادة التأكيد على أبرز القضايا المرتبطة بتلك الانتفاضة الواسعة والباسلة في سبيل إغناء المعرفة ، لدى الناس والمناضلين ، بدروسها القيمة ، سلبا أو إيجاباً ، كمحاولة إضافية لاستخلاص وتأكيد العبر والتجارب من مجريات أحداثها ونتائجها كونها " تمريناً " هاماً وأساسياً مارسه الشعب العراقي في مسيرته الظافرة حتماً على طريق النضال المتواصل والعنيد للتخلص من حكم الزمرة الطفيلية الارهابية الحاكمة في العراق .
تكتسب دروس الانتفاضة أهميةً " ميدانية آنيية " كون الوضع السياسي في العراق يشهد منذ الانتفاضة ولحد الآن تفاقماً متزايداً في الازمة بين طرفي الصراع الرئيسين ، غالبية الناس من جانب والسلطة من الجانب الآخر ، الذي لم تحسمه الانتفاضة بشكل نهائي رغم عنفها وشدتها وخسائرها الجسيمة لديهما ، بل فاقمت الى حد كبير من عوامل تواصل وديمومة ذلك الصراع ورفعت مستوى حدته وأدت بالتالي الى تعمق وترسخ وإشتداد أزمة الحكم في العراق لدرجة الاحتقان الحاد كما هو حالها اليوم .
وتزيد في أهمية إستعادة وتأكيد تلك العبر والتجارب التي أفرزتها الانتفاضة ، في الظرف الراهن ، الأحداث والتطورات الجارية على الساحة الدولية نتيجةً للحرب " الكونية الشاملة " التي يشنها " صقور " الحرب الجمهوريون في أمريكا تحت ذريعة مكافحة الارهاب ، وذلك بهدف تعزيز نفوذ الرأسمال المالي الطفيلي في العالم ، وبالأخص الحربي ، الاكثر جشعاً وعدوانيةً ، وفي سبيل إعادة توزيع وإقتسام " مناطق النفوذ " والثروات في المعمورة وداخل أمريكا نفسها ، لصالحه . وبالتلازم مع تلك الاوضاع والاحداث يجري الحديث عن " نية " او رغبة أمريكا " الصقور " في إستبدال نظام الحكم في العراق على غرار ما جرى ويجري في أفغانستان .
وكما هو معروف فقد تزامن حدوث الانتفاضة في عام 1991 مع انتهاء حرب " مماثلة " شنتها تلك القوى والصقور ذاتها ولنفس الغرض أساساً ، ولكن بذريعة أخرى وفرها لها نظام الزمرة في بغداد بإحتلاله الكويت الشقيق والاعتداء على استقلاله وحرية شعبه بثت خلالها دعاية مماثلة عن رغبة أمريكا في تغيير نظام الحكم بوصفه نظاما إرهابياً .
أبرز خصائص الانتفاضة ودلالاتها .
ـ مشاركة واسعة للناس والشباب خاصةً .
إتسمت الانتفاضة بمشاركة واسعة جداً للشباب وبتعاطف أوسع من الجماهير شملت أوساطاً سياسية وفئات وشرائح إجتماعية مختلفة لم يشهد العراق مثيلاً لها منذ ثورة 14 تموز 1958 . وقد أدى الشباب دوراً كبيراً ومبادراً وقيادياً في صنع أحداثها .
ولهذه المشاركة الواسعة العديد من الاسباب ،كما ولها آثارها المميزة على سير الاحداث وعلى نتائجها .
لقد عكس الاندفاع والحماس لدى الشباب ، وغالبيتهم من الخاضعين للتحنيد القسري ، في المشاركة النشطة في الاحداث ـ بتأييد وتشجيع ودعم فعّال واسع النطاق من محتلف طبقات وفئات الشعب والنساء خصوصاً ـ التراكم الهائل للحقد الكبير لديها على سياسة السلطة المعادية لمصالح الناس بزجها العراق في حروب مدمرة لم تجلب لهم سوى الدمار والخراب والمآسي وحرمت جيلاً كاملاً من ممارسة حياة إنسانية طبيعية وشوهت وسممت حياتهم بدعوى تحقيق أهداف ونوايا إتضح زيفها وكذبها بصورة ساطعة من خلال التنازل المخزي عن جميع تلك الاهداف الزائفة ، والتي سيق بذريعتها مئات الالاف منهم الى الحروب ضد الجارة إيران والكويت الشقيق وكان الشباب وقودها الرئيسي ، وهم وعوائلهم من إكتوى بالدرجة الاولى بنيرانها مباشرةً وتحمل خسائرها الهائلة والمفجعة .
لقد إتضح كذب ودجل وإستهتار السلطة بشكل ساطع فولد المرارة والحقد الشديدين عليها وعلى سياستها ورموزها . وكان ذلك الحقد شاملاً وواسعاً ومريراً وعمٍّ أوساطاً واسعة بما فيهم أبناء العديد من المسؤولين وأعضاء الحزب الحاكم والمسييرين لشؤونه ، وهم الاقل تضرراً ، نسبياً ، من بين أبناء عامة الناس . وكان لتلك الظاهرة ، بجانب عوامل أخرى ، أن تجد إنعكاساً لها في عفوية التحرك وعدم وضوح الاهداف وعفوية الشعارات وعدم نضجها مما سهل للسلطة تسريب شعارات خاطئة بعيدة عن الهدف الرئيسي للتمرد العام وإنعكست كذلك في بعض المواقف التنظيمية والتعبوية الخاطئة فرطت بإمكانيات وقوى مؤثرة كان بالامكان زجها في المعركة لصالح الناس وبالاخص من بين القوى المسلحة وعناصرها الكفوءة والمخلصة والمجربة .
· ـ تهيؤ السلطة والامريكان لاحتمال التمرد ومفاجآته .
كانت السلطة تتوقع أو تضع في الاعتبار إحتمال التمرد في مثل تلك الظروف ، بهذا القدر أو ذاك ، وقد إنعكس ذلك من خلال إستعداداتها الامنية المكثفة والمسبقة ومن حرصها الشديد على عدم زج القوى العسكرية والأمنية الخاصة ، المعدّة مسبقاً للعمليات القمعية في الداخل ( الحرس الجمهوري الافضل تجهيزاً وإعداداً والامن الخاص والمخابرات وغيرها ) ، في الميادين الحربية الرئيسية للمحافظة على سلامتها أفراداً ومعدات والاحتفاظ بها معافاةً تماماً داخل وحول العاصمة طيلة الحرب .
وكذلك كان حال الامريكان من خلال حرصهم على محافظة النظام على أهم تلك القوى والاجهزة بعدم التعرض لها رغم توفر إمكانيات كبيرة لديهم بقصفها من الجو ، إن أرادوا ذلك ، دون خسائر تذكر . وقد شاهد الناس ( والكاتب واحداً من شهود العيان ) بإم أعينهم مرابطة هذه القوات حول العاصمة بصورة مكشوفة تقريباً طيلة أيام الحرب بكامل سلامتها وهي التي واجهت الثوار وقمعت الانتفاضة بوحشية مطلقة أمام سمع ونظر القوات الامريكية خلافاً لإدعاءاتها الكاذبة قبل وبعد الانتفاضة .
ولهذا فالانتفاضة ، كحدث ، لم تشكل مفاجئة كبيرة أو غير متوقعة للسلطة ، ولكنها فوجأت ببعض المظاهر التي رافقتها وفي المقدمة منها ، سعة المشاركة الجماهيرية في الانتفاضة وبشموليتها وسرعة إنتشارها الى أكثرية المحافظات وخاصة الجنوبية والوسطى ـ خلال بضعة أيام عاصفة ـ حتى وصلت الى أطراف بغداد والى بعض أحيائها الشعبية الرئيسية وبفاعلية متميزة في مدينة الثورة التي تبلغ ساكنتها ما يزيد على ثلث سكان العاصمة .
لقد فوجأت السلطة بهذه الظاهرة ـ سعة المشاركة وزخم فاعليتها ـ كونها تؤمن بالارهاب وسيلة رئيسية لمنع الناس من التمرد والمعارضة وهي التي " أجادت وتفننت " في أساليب ممارساته ضدهم وضد أبسط أشكال المعارضة خلال أكثر من عقدين زمنيين مرا على حكمها المقيت ، شهد العراق خلالها إرهابا منفلتاً لامثيل له في كل بلدان العالم على الاطلاق في أساليبه البربرية والهمجية وفي عنفه الدموي وتواصله اليومي دون إنقطاع بهدف إخماد أية بادرة للتمرد أو العصيان أو المعارضة السلمية شاملاً حتى النشاطات والفعاليات المطلبية اليومية للناس بأي قدر أو شكل جماهيري أو علني أو حتى عفوي .
لقد كشفت الانتفاضة بسعتها وشموليتها وسرعة انتشارها حقيقةً غريبة على فهم السلطة ونواميسها وهي أن الارهاب الشامل لا يمنع الناس من التمرد والعصيان الشامل على جرائمها ومنكراتها ، وأصبح على العكس دافعاً للمشاركة الواسعة والعنيفة ليس كرد طبيعي وحتمي على سلوك السلطة الاجرامي بحقها فقط ، بل وايضاً لكون الناس تدرك جيداً أن التمرد العام والشامل هو الاسلوب الرئيسي المتاح أمامها للتغلب على الدكتاتورية ولحماية نفسها من البطش والارهاب الذي بمستطاع السلطة ممارسته فقط في زمن السكينة والهدوء . وإدراك الناس ، شبه السليقي ، لتلك الحقيقة هو ما دفعها لتلك المشاركة الواسعة والتي أثمرت عن دحر قوى السلطة بسرعة قياسية لم تتوقعها السلطة في تلك المحافظات التي تتمتع فيها بـ " رهبة " كبيرة تفوق عما لديها في المنطقة الكردية حيث تمرس الناس على التمرد والمقاومة والدفاع عن النفس .
والظاهرة المفاجئة الاخرى تمثلت في السرعة القياسية في إستسلام الاجهزة الامنية والحزبية وإنهيارها ، التي فضلت بغالبتها العظمى الاستسلام أو الفرار والتخفي رغم الرعاية الاستثنائية والامكانيات والجهود الهائلة التي بذلتها السلطة منذ الايام الاولى لاستلامها الحكم في 17 تموز 1968 في إنشائها وتعزيزها وإبتكار أساليب وأجهزة قمعية موازية ومساندة بعضها للبعض الاخر والبذخ في الصرف عليها دون حساب وتجهيزها بأحدث المعدات القمعية المتطورة وكذلك بالرغم من معرفة عناصر هذه الاجهزة ، أكثر من غيرها ، بالطبيعة الوحشية للاجراءات التي تنتظرها نتيجة لتقاعسها بأيةِ درجة ولاي حد كان في الدفاع عن السلطة .
كانت تلك ظاهرة مفاجئة كبيرة للسلطة ، وكذلك وبنفس الدرجة ـ إن لم تكن بصورة أشد ـ كانت مفاجأة مذهلة للثوار أنفسهم وخاصة الشباب وغير السياسين منهم . لقد تداعى أمامهم ، فجأة ، وبسطوع مذهل ، كل ذلك الصرح من الاجهزة القمعية والحزبية ووجد الثوار أنفسهم ـ بجهود ونشاطات ثورية متواضعة نسبياً وبأسلحة بسيطة وحتى بدائية ـ قد إمتلكوا زمام المبادرة والسيطرة على المدن الرئيسية في المحافظات وشعروا وتلمسوا لاول مرة القدرة الفائقة والكامنة لدى الناس التي بإمكانها في حالة التضامن والتعاون والنضال المشترك أن تقهر أعتى السلطات وتفل الارهاب محولة إياه الى هزيمة منكرة ومخزية والى رعب دائم لدى أعدائها .
تلك الحقيقة قد تعلمتها الناس ليس من الكتب والقراءات ولكن من خلال الممارسة الميدانية ولهذا فهي تجربة ليس من السهل القضاء على مردوداتها ونتائجها الايجابية في النضال المتواصل للقضاء على الدكتاتورية .
· ـ تغطيةٌ وتبريرات مرائية لسعة وقوة الانتفاضة وللوحشية المطلقة في قمعها .
لقد أدركت السلطة الدكتاتورية نفسها ، من خلال الانتفاضة وفي ميدانها ، وجربت " على جلدها " حقيقة وحجم الخطورة الكبرى لقوة الناس عليها ، وفي ظل إرتباكها ودهشتها ، وبهدف منع الناس من إدراك سر قوتهم الحقيقية وفي نفس الوقت موطن ضعفها الاساسي القاتل ، عمدت السلطة الى تبرير إنتكاستها السريعة ومن ثمَّ لتبرير أساليبها الدموية والشاملة والتعبئة العامة في قواها واجهزتها لقمع الانتفاضة ، فنسبت أسباب تلك الظاهرة الى مشاركة موهومة للقوى الخارجية وإيران بالتحديد .
وكانت تلك تبريرات باطلة وسخيفة وتتناقض كليةً مع إدعاءاتها وإعلامها في الفترة السابقة عن تفوقها وإنتصاراتها وعن دعم الشعب العراقي بغالبيته لها في حربها ضد إيران .
إن إيران ( الحكومة ) ـ على إفتراض وجود رغبةً لها في التدخل آنئذ خلافاً للواقع ـ لم يكن بمقدورها وليس في مصلحتها أن تقدم على ذلك في ظل توازن القوى القائم حينذاك على الساحة السياسية ـ ضلوع أمريكا والحلفاء معها في صميم الاحداث وتواجد قواتها العسكرية في المنطقة ، وكذلك مواقف أمريكا والدول الغربية المحتملة من جمهورية إيران الاسلامية وردة الفعل السلبية المتوقعة من قبل جميع الدول العربية والاسلامية لغير صالحها ، يضاف الى ذلك الانهاك الشديد في قواها العسكرية والمادية الذي لحق بها بعد ثمان سنوات قاسية من الحرب الشاملة مع النظام العراقي المدعوم بنشاط من قبل القوى الامبريالية العالمية وفي المقدمة منها أمريكا . وحتى على إفتراض وجود مثل تلك الرغبة في المغامرة لم يكن بإستطاعة إيران أو أية قوة خارجية أن تزج بمئات الالاف من أبناء الشعب العراقي ، خلافاً لإرادتهم ، في تمرد عام ضد السلطة شمل غالبية المحافظات العراقية من الشمال حتى الجنوب وصولاً الى أطراف العاصمة والعديد من أحيائها الهامة خلال فترة لا تتعدى الاسبوعيين من الزمن . ولا يخفى على الناس أن عدة محاولات قد جربتها إيران سابقاً في ظروف مختلفة تماماً ، أثناء الحرب وضمن فعالياتها المتنوعة ، في السيطرة على بعض القصبات الحدودية لم تتمكن أو لم ترغب في الاحتفاظ بها وإنسحبت منها خلال فترة قصيرة جداً قبل أن تضع الحرب أوزارها في 8/8/1988 .
إن إدعاءات النظام الكاذبة لا يمكنها أن تنطلي على أبناء الشعب المشاركين في الانتفاضة وعلى شهود العيان والمطلعين على طبيعة الوضع الجغرافي للعراق ومواقع إنتشار الانتفاضة في محافظات تبعد بمئات الكليومترات من الحدود العراقية الايرانية كالنجف وكربلاء والسماوة والديوانية والحلة وغيرها التي تقع بالقرب من الحدود الغربية وفي الوسط في حين أن إيران تقع في شرق العراق ، ناهيك عن أطراف وبعض أحياء العاصمة نفسها .
إن الهدف الرئيسي للسلطة من وراء إعلامها المكثف الكاذب عن التدخل الخارجي لايستهدف تشويه الانتفاضة والانتقاص من الشعب العراقي وخصاله الثورية وحسب ، بل وفي المقدمة وبجانب كل تلك الاغراض الدنيئة إستهدف أساساً إبعاد الناس في العراق عن إدراك سر القوة الاساسية القادرة على التغيير وهي قوة الناس نفسها بعملها الموحد والمشترك في التمرد والثورة عليها . وهذا الهدف هو الهدف الرئيسي والاهم من بين أهداف إعلامها المرائي .
إن من شأن توسع وتعمق إدراك وإيمان الناس وقواها السياسية المنظمة بتلك الحقيقة الملموسة من خلال الانتفاضة أن تضع حداً نهائياً لسلطتها الدكتاتورية والتي ( السلطة ) بمقدورها أن تجد علاجاً لكل العوامل السلبية الاخرى على حكمها ، بهذا القدر أو ذاك ، ما عدى وعي وإدراك الناس لقوتها الحقيقية ولهزال السلطة في زمن التمرد العام والشامل ففي ذلك يكمن سر ( ومفتاح ) عملية سقوطها الحتمي كما لمسه الناس خلال الانتفاضة بكل سطوع وبقدرتهم على تحقيقه وتنفيذه على أرض الواقع .
إنها أهم وأكبر عبر وتجارب الانتفاضة للناس ولقواها وأحزابها السياسية وللسلطة وللمراهنين عليها في آن واحد .
وكان الهدف الرئيسي الآخر من وراء إختلاق " بدعة " التدخل الخارجي هو إيجاد مبرر (ما) للاساليب البربرية التي لجأت اليها السلطة في قمع الانتفاضة والتي تعكس طبيعتها الطفيلية الهجينة على غالبية الشعب والمعادية له ولكل القيم الانسانية والوطنية وللتقليل من رد الفعل المحتمل عليها من قبل الرأي العام الانساني .
لقد إستخدمت السلطة أقسى أساليب القمع والابادة الجماعية الحربية كقصف المدن بالراجمات متعددة وغزيرة الاطلاقات " راجمات الكتوشا " و" الهاون " وغيرها والتي تستخدم عادة للابادة الشاملة للخصم في الحروب النظامية بين الجيوش ، وكذلك المدفعية بعيدة المدى وتمّ حصد الناس عشوائياً من الطائرات بمختلف أنواع الصواريخ والاسلحة الرشاشة والاجهزة الحربية ضد أناسٍ لا يمتلكون من السلاح سوى ما حصلوا عليه من الاسلحة الخفيفة التي غنمت من ترسانة أجهزتها الامنية والحزبية التي لاذت عناصرها بالفرار أو بالاستسلام بسرعة قياسية ودون أبسط إعتبار للسكان المدنيين بما فيهم القابعون في دورهم بعيداً عن المعارك . وسيق آلاف الشباب بعد إستعادة السيطرة على المدن كأسرى حرب وطالت الكثيرين منهم إعدامات فورية ودفنوا في مقابر جماعية في الصحارى والبوادي والعديد منهم لم يشارك في الانتفاضة وكل جريرتهم أن أعمارهم قد تؤهلهم للمشاركة مستقبلاً ، ولكي يكونوا " عبرة " للآخرين حسب التصريحات الوقحة لقادة الزمرة في فترة لاحقة .
وقد وجدت السلطة ، حسب مقاييسها ، في " بدعة " التدخل الخارجي تبريراً (ما) لحربها الشاملة ضد الشعب وتعبئتها العامة بما فيها قوى المرتزقة من منظمة مجاهدي خلق الايرانية وكذلك " لتبرير " إستخدامها لمختلف الاسلحة بما فيها الاسلحة الكيمياوية التي سبق لها وأن إستخدمتها ضد الشعب الكردي تحت نفس الذريعة ، أثناء الحرب مع إيران ، مستهدفةً الناس المدنيين والمسالمين " إبادة سكان مدينة حلبجة الحدودية " وكذلك بعد إنتهاء تلك الحرب مباشرة فيما سمي بحملات " الانفال " الاولى والثانية والتي ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من أبناء الشعب العراقي وغالبتهم العظمى من سكان القرى المسالمين .
لم تكن حرباً على المنتفضين والثوار وحسب ، بل كانت " حرب " إبادة شاملة لقتل إرادة وحرية شعب بكامله .
إن رد الفعل الشديد لدى السلطة في عنفه وقسوته وبربريته يعكس الى حد بعيد القدرة الهائلة لدى الناس على معارضة السلطة ومقارعتها وعلى إمكانية دحرها وشدة العداء المستحكم بينهما من جانب ، وكذلك طبيعتها وحقيقتها الثابتة كونها سلطة طفيلية الاكثر عداءً لغالبية أبناء الشعب ولمصالح الوطن من الجانب الآخر .
ـ ضعف دور الاحزاب والقوى السياسية المنظمة .
تزامنت مع ظروف قيام الانتفاضة ظاهرة ضمور وضعف التنظيمات الحزبية للقوى الوطنية الواعية ، خاصة في المناطق الوسطى والجنوبية ، والتي كانت المبادرة الى قيادة وتوجيه تمرد الناس وإنتفاضاتها في السابق . ووراء ذلك أسباب موضوعية عديدة أهمها الارهاب الوحشي والقمع الدموي المنقطع النظير والمتواصل الذي مارسته السلطة خلال اكثر من عقدين من الزمن لم يشهد العراق إرهاباً مثيلاً له من قبل . كما إن غالبية القوى السياسية الفاعلة نفسها قد تخلفت كثيراً في إدراك طبيعة الحكم منذ إستلامه للسلطة بإنقلاب عسكري مشبوه في 17 تموز 1968 ، وبالتالي في إدراك نواياه وأهدافه الحقيقية اللاحقة مما وجد إنعكاساً له في تخلفها عن التكيّف في العمل السياسي والتنظيمي والتثقيفي بين الناس مع ظروف القمع والارهاب الشامل والمنفلت ، بإستثناء المنطقة الكردية حيث إستطاعت إنقاذ تنظيماتها رغم خسائرها الكبيرة ، لظروفها وخبرتها الخاصة بها والعصية نسبياً على السلطة في تحقيق ما تمكنت منه في وسط وجنوب العراق حيث إشتعل فيها أولاً فتيل الانتفاضة ـ دون تنسيق مسبق أو سريع مع الحركة الكردية ـ وكان ذلك عاملاً سلبياً إستغلته السلطة لصالحها الى حد وقدر ما في توزيع وإستخدام أجهزتها القمعية لمواجه الثوار بالقمع الهمجي والابادة الشاملة لهم وللناس دون قيادة ميدانية واعية كان المشاركون الرئيسيون في أحداث الانتفاضة يفتقدون اليها والى خبرة وتجارب إنتفاضات الشعب السابقة .
· ـ الانتفاضة لاتصنّع ولا تفتعل .
لقد أظهرت الانتفاضة بجلاء أنها لم تكن من صنع أي قوة أو حزب أو فرد وهي أكبر بكثير على طاقة أَيِّ من أولئك منفرداً أو مجتمعاً . وهذه الحقيقة يتجاهلها البعض من العاملين أو حتى بعض القياديين في القوى السياسية المعارضة مما يجد إنعكاساً خاطئاً له في نشاطهم المعارض وفي الاساليب التي ينتهجونها أو التي يدعون الى إتباعها في التعامل مع نظام الزمرة الحاكمة بهدف إسقاطها ويؤثر بالتالي سلباً عليها وعلى قضية الخلاص من الدكتاتورية الغاشمة .
ويأتي في هذا السياق مثلاً الحديث عن " إنشاء " منطقة آمنة مفتعلة في الجنوب مدعومة من الخارج وغير ذلك من الاراء التي تعطي الاحزاب والقوى السياسية دوراً غير دورها التاريخي في قيادة الناس بتحويلها الى أدوات للتآمر الذي لن يؤدي في كل الاحوال الى تحقيق أهدافها الوطنية النبيلة ويعرضها الى خسائر كبيرة تهدر طاقاتها .
إن ضعف مشاركة القوى والاحزاب السياسية في الانتفاضة دليل حسي على تلك الحقيقة ( إذلم يمنع هذا العامل السلبي من قيام الإنتفاضة ) من جانب ، ومن الجانب الآخر أظهرت مسيرة الاحداث والنتائج التي أسفرت عنها الانتفاضة ، وخاصة عدم قدرتها على حسم المعركة لصالح الناس بشكل نهائي وهو إزاحة السلطة الدكتاتورية ، أهمية دور تلك الاحزاب والقوى السياسية المنظمة والواعية في مسيرة الانتفاضة ونتائجها المحتملة ، وبذلك أكدت الدور الحقيقي لها وللمهمة التاريخيية التي تواجهها ، وهي التهيؤ الجدي لمثل تلك اللحظات التاريخيية الحاسمة والمساهمة الفاعلة والواعية والدؤوبة في مراكمة عوامل نضوج الانتفاضة العامة والشاملة وعدم إفتعالها أو إفتعال أحداث أو الانجرار وراء أحداث مفتعلة و" تمردات " تكون نتائجها سلبية على التراكم الضروري للتمرد العام والشامل الذي هو مفتاح الخلاص النهائي من الدكتاتورية والارهاب المنفلت .
· ـ المهمة الاساسية للقوى والعناصر السياسية المنظمة ودورها الرئيسي .
إن دروس إنتفاضة آذار المجيدة تؤكد ، بالاضافة الى ما ذكرناه ، أهمية دور القوى السياسية المنظّمة في الاحداث لحسم المعركة لصالحها ولصالح الشعب والوطن وبالاخص في قضية إنهاء أزمة الحكم المستفحلة والمتفاقمة والملتهبة أكثر بفعل إنعكاس التطورات السريعة الجارية في العالم ، والتي يمكن لها ولأيِّ من أحداثها ، كحالة محتملة وحسب ، أن تشعل فتيل الازمة الداخلية في العراق فيجد الشعب العراقي نفسه خلالها " مدفوعاً أو مجبراً " ، لهذا السبب أو ذاك ، على تصعيد صراعه ، بأي شكل كان ، مع السلطة لمنعها من حل أزمتها الخانقة على حساب مصالحه ومصلحة الوطن من خلال سياستها ومواقفها في معالجة التطورات السياسية المتسارعة في العالم ونتائجها وإنعكاساتها على العراق على جيمع الصعد الداخلية والخارجية بما يضمن لها الديمومة في الحكم قبل وفوق أي إعتبار آخر ، وهوديدنها الثابت والمعروف في جميع الحالات .
ان واجب القوى الوطنية جميعاً في الظرف الراهن هو الاستعداد والتهيؤ الجدي لكل أشكال التصاعد في حدة الصراع بما فيها التمرد على حكم الزمرة الطفيلية ، على مختلف مستوياته ودرجات حدته ، وهي حتماً لن تكون تكراراً أو نسخةً من إنتفاضة الشعب الباسلة في آذار 1991 في كل تفاصيلها ، لكنها تحمل بالضرورة خصائصها الرئيسية وسماتها الاساسية ، كونها إمتداد طبيعي للصراع الدائر بين ذات القوتين الرئيسين ولكن في ظروف مستجدة أبرزها وأهمها على الاطلاق هو التغير الحاصل والمتواصل في توازن القوى بين الطرفين لصالح الشعب على حساب قوى السلطة وحلفائها ، والناتجة بصورة رئيسية عن الإنحسار المتزايد في قاعدتها الاجتماعية ، رغم كل الإجراءات التجميلية الزائفة ، منعكساً في العديد من الظواهر الملموسة كتفككها من الداخل وعجزها التام عن إيجاد حلول لازمتها ، أو حتى عن وقف تفاقمها .
إن أبرز مهمة تواجه الحركة الوطنية وأحزابها وقواها وعناصرها الواعية والمنظمة وأكثرها إلحاحاً ، في الظرف الراهن ، هي تهيئة الناس لتلك اللحظات التاريخيية الحاسمة للتقليل من عفوية التحرك ودفع طاقات الناس باتجاه حسم النتائج
لصالحها ، بهذا القدر او ذاك ، وفقاً لتوازنات القوى الملموسة ، من خلال تحديد الاهداف والشعارات المناسبة والتي تستقطب أوسع القوى والعناصر الوطنية وأكثرية الناس والتثقيف الواسع والمسبق بها وبعبر وتجارب إنتفاضات ووثبات الشعب الخالدة ، سلباً وإيجاباً ، لضمان أكبر وأوسع وأوعى مشاركة لها في مختلف إحتمالات التطورات المستقبلية بما يؤهلها للتأثير الفاعل في جميع أشكال وتجليات الاحداث المرتقبة بما يخدم مصالحها ومصالح الوطن وبعيداً عن مخططات الآخرين في الاستفادة من تجليات أزمة النظام المستحكمة أو في تمريرها لصالح بقاءه في الحكم
ـ اندساس العناصر والشعارات التخريبية داخل الثوار .
إنعكس إفتقاد القيادة الميدانية الواعية للانتفاضة في الشعارات العشوائية والعفوية وفي نجاح السلطة في دس شعاراتها لتشويه الهدف الحقيقي للثوار ورغبتهم في تغيير نظام الحكم بإرساء حكم وطني يعبر عن مصالحهم وأهدافهم مما أثر كثيرا وبصورة سلبية على أوساط واسعة من الناس . وقد " أجادت وبرعت " السلطة في دس الشعارات وهو ما يعكس ، مع مؤشرات أخرى ، توقعها وتخوفها المسبق من تمرد الناس وتهيؤها لاحتمالاته على خلاف الحركة الوطنية وأحزابها السياسية التي لم تأخذ هذا الاحتمال بنظر الاعتبار مسبقاً أو قللت من شأنه كثيراً .
إن استخلاص عبر ودروس الانتفاضة ، في هذا المجال خاصةً ، وتشخيصها وتقييمها سلباً أوإيجاباً وبموضوعية مطلقة يساعد كثيراً في تهيئة الناس لمثل ذلك التطور بتحديد الاهداف الرئيسية العامة والبسيطة دون التفاصيل المشوشة للناس والتي يسهل على الاعداء إيجاد الثغرات فيها والتسلل بشعارته المضللة داخل صفوفها في اللحظات الحاسمة .
أن تحدد القوى الوطنية مسبقاً تلك الاهداف وشعارتها الجماهييرية الواضحة التي تستهدف العدو الرئيسي ، وهو النظام الطفيلي الدكتاتوري الحاكم في العراق ، بعيداً عن المزايدات الاعلامية الكاذبة للنظام وتجاهلها تماماً وعدم الانجرار مطلقاً في إتجاه يبعد مسؤولية النظام الرئيسية عن جميع محن الشعب والوطن والامة .
إن الحديث عن أولوية النضال ضد الاعداء الخارجيين والامبريالين والصهيونيين هو حديث صائب من الناحية النظرية فقط ، لكنه حديث تحريضيّ وحسب لا يمكن له أن يتحقق بتاتاً والشعب رهينة يحتجزها النظام في أسوار مغلقة تحت أسنة الحراب والابادة المادية والروحية مما يحرمه من أبسط مقومات الحياة الانسانية العادية ، دع عنك المشاركة في النضال من أجل أهداف أوسع وأشمل يلحق النظام نفسه بها أشد الخسائر وأوخمها ولم يعد لمثل تلك الشعارات مردود ميداني إيجابي إن لم يكن على العكس .
ولم يقتصر إندساس السلطة لحرف الانتفاضة عن مسارها الصائب على الشعارات فقط ، بل كان لها نشاط محموم ومكثف من خلال زج عناصر أمنية وإستخبارية مدربة مسبقاً داخل صفوف الثوار ـ الذين لم تتح لهم الفرصة الزمنية والخبرة الكافية لتنظيم أنفسهم وتحقيق إدارة بديلة للاجهزة المنهارة ـ وذلك لتنظيم عمليات فوضوية وغوغائية لابعاد الناس البسطاء عن تأييد الانتفاضة وعزل الثوار كإحراق بعض الدوائر والمؤسسات المدنية الحكومية المرتبطة بمصالح الناس الحياتية والتي تفتقد الى أية قيمة أو أهمية في حسم الصراع مع السلطة كدوائر الاحوال المدنية والعقارية والسياحية وغيرها وكذلك في نهب بعض المحلات التجارية . والمتتبع لمثل تلك الاعمال قد لمس بوضوح أنها قد ظهرت وبرزت بصورة خاصة بعد مرور عدة أيام على إندحار وهروب الاجهزة الامنية والحزبية التي تعرضت بعض مقراتها فقط الى التدمير خلال باكورة الانتفاضة وفي وقت إنحسرت فيه المواجهة وأصبحت المبادرة بيد الثوار وبذلك لم يعد لاية أعمال عنيفة ، وخاصةً تجاه مؤسسات مدنية صرفة ، أية مبررات أو مردودات على الانتفاضة وأهدافها ، عدى السلبية منها وهو دليل هام من ضمن أدلة أخرى على ظلوع الاجهزة السرية وعملائها في تنظيم تلك العمليات التخريبية باستغلال وتوجيه طاقات بعض العناصر غير الواعية والانتهازية لإلصاقها بالثوار وهو ما عمدت اليه أجهزة إعلام السلطة على أوسع نطاق لاخافة الناس والعاملين في المؤسسات الحكومية من أي تمرد قادم ضدها .
ـ نشوء سلطة جديدة في كردستان العراق .
لقد أسفرت الانتفاضة العامة والشاملة عن أوضاع مستجدة في الوضع السياسي في العراق لغير صالح السلطة ولمصلحة الناس والحركة الوطنية بصورة عامة . فالانتفاضة ، وإن لم تستطع القضاء على النظام الدكتاتوري الفردي ، تمكنت من إلحاق خسائر جسيمة في كيانه وقدراته .
إن التوازن الجديد بين القوى السياسية جميعها ، بما فيها السلطة نفسها ، الذي أعقب الانتفاضة قد رسم معالم واقع مغاير عما سبقها وأفرز ظواهر جديدة على الساحة السياسية في العراق . وابرزها إضطرار الحكومة المركزية الى الانسحاب من كردستان بسبب من ضعفها العام وعدم قدرتها على تسيير الامور فيها بالطرق والاساليب الإرهابية نفسها التي حكمت وتحكم بها العراق وعدم قدرتها على تغيير ذلك النهج بإتباع نهج آخر خاص بكردستان وحدها ، حسبما يفرضه التوازن في القوى السائد فيها والخاص بها ، مما سيجد إنعكاساً له في غير صالح سلطتها المركزية ويهدد دكتاتوريتها المطلقة .
وكان لابد لها من غطاء أو مبرر معقول لانسحابها ، يخفي حقيقة ضعفها ووهنها كسبب رئيسي له ، وكالعادة هرع الى نجدتها ، بتوفيرهم ذلك الغطاء لها ، " الاعداء الامبرياليون ! " بخلق ما يسمى بالمناطق الآمنة في الشمال والجنوب تحت واجهة كاذبة وهي حماية الشعب الكردي و " الشيعة " من إرهاب " النظام " المهزوز أصلاً ، وتحت تلك الواجهة نفذت وتنفذ الطلعات الجوية التي لا " تغني ولا تسمن " أحداً عدى السلطة الحاكمة لاخفاء عجزها من جانب ولستر طبيعتها وحقيقة سياساتها الخيانية والاجرامية وتواطئها وللتعكز عليها لمواصلة الارهاب بحق الشعب والتفريط بمصالح الوطن .
إن إنحسار سلطة بغداد من كردستان وإنتقالها الى القوى القومية الكردية ، مسندةً من جميع القوى الوطنية الرئيسية في العراق والتي إستطاعت رغم الصعوبات والعراقيل والمؤامرات وركائز السلطة المنهارة وتدخلات القوى الاقليمية والدولية أن تخلق سلطةً للحكم ، هي بمثابة نموذج عملي وبديل مناسب للناس عن حكم الزمرة في بغداد . ومع مواصلة تطوره وتقدمه وإكتمال وتعمق ملامحه الديمقراطية تتزايد مخاوف الاعداء من إحتمالات التمرد العام والشامل في العراق ضد نظام بغداد ، ولكن وفي نفس الوقت تتضائل يومياً إمكانيات الاعداء على التحكم في مجريات الاحداث مما يجبرهم على الحفاظ على علاقاتهم مع مستجدات الاحداث والتعايش مع حكومة كردستان بهدف دفع الامور بإتجاهات مناسبة تستهدف تغيير توازن القوى الجديد الذي خلقته إنتفاضة الشعب في 1991 والحيلولة ، قدر الامكان ، عن تطورات أكثر إيجابية أو في تأخيرها على الاقل لإضعاف دورها الكبير في عملية قيام حكم وطني وديمقراطي في ظل عراق موحد يختار أبناءه ، على مختلف قومياتهم وطوائفهم ومشاربهم المتنوعة ، بحرية كاملة أشكال وأساليب ونظام التعايش المشترك لفائدتهم جميعاً وعلى قدم المساواة التامة ويشكل في الوقت نفسه الضمانة الاكيدة للحفاظ على مكاسب الحركة القومية الكردية وتطويرها .
ومن خلال تجربة كردستان وسياسة إدراتها الناجحة ، بخطوطها العامة والرئيسية رغم الاخطاء والنواقص والثغرات ، يمكن تلمس الطريق الصائب في التعامل أو التعاون مع مختلف الدول والقوى الخارجية بدوافعها ومصالحها المختلفة ، والمبنيّة أساساً على المعرفة الواعية لحقيقة تلك الدوافع وحجم قدراتها الفعلية في التأثير على سير الاحداث السياسية داخل العراق وكردستان وفي كيفية الاستفادة منها . تلك السياسة التي تستمد قدرتها على النجاح والتحقق فقط من خلال تعزيز وحدة جميع قواها المخلصة بتنوعها وبالتضامن والترابط والتنسيق الوثيق مع الحركة الوطنية العراقية عموماً وبالاستناد الى ما تنفذه سلطتها الجديدة ، على أرض الواقع ، للالتصاق أكثر فأكثر بالناس منبع قوتها الرئيسية ، مما مكنها على إحداث تغيرات متباينة إيجابية في مواقف القوى الخارجية تجاهها وهي بذلك تقدم مثلاً عملياً ونموذجياً في أي شكل من أشكال التعاون مع القوى الخارجية الممكنة والمحتملة والتي يمكن توظيفها في مصلحة الحركة الوطنية فقط في حالة الركون الى قوتها وقدراتها الخاصة المستمدة من شعبها .
إن تجربة كردستان ـ العراق هي تجربة ثمينة من تجارب الانتفاضة ووليدتها ( السلطة الجديدة ) تشير بصورة جلية الى الطريق الوحيد القويم في التعامل مع القوى الخارجية ودفعها لاتخاذ مواقف بعيدة عن الزمرة الحاكمة وذلك بتفعيل وتنشيط جميع عوامل إسقاط السلطة الدكتاتورية وفي المقدمة منها مراكمة عناصر القوة الرئيسية المستقاة من الداخل في تقوية وتعزيز سلطة الادارة الجديدة في كردستان ومعالجة الثغرات والنواقص من خلال تنشيط النضال الجماهيري أساساً وبمختلف أشكاله ومستوياته والضغط بواسطته بشكل متواصل ودؤوب ومتصاعد وعنيد في الركون اليه أسلوباً رئيسياً " الضغط من تحت ( الضغط الجماهيري ) " على جميع القيادات والاحزاب الكردية لمنعها وصدها عن الاقتتال فيما بينها وفرض أسلوب تسوية الخلافات بالطرق السلمية والديمقراطية ودفعها بواسطته أيضاً " الى تحقيق أفضل في إدائها الاداري للسلطة والوقوف بوجه التجاوزات والدفاع النشيط عن حقوق الجماهير والكادحة منها بصورة خاصة والفلاحين الفقراء لضمان تأييد واعي وواسع لتلك القيادات تستمد منها قوةً لا تنضب في تعاملها مع القوى الخارجية بما يحقق مصلحتها ومصلحة الشعب الكردي وحركته القومية والوطنية والشعب العراقي عامةً .
وكذلك لمقاومة وتجنب الفعاليات والدعوات النابعة من الخارج ، مهما كانت شعاراتها أو أهدافها حقيقيةً أم زائفة وذلك لتفويت الفرصة على الاعداء في إجهاض عملية التطور الطبيعي المتنامي بإستمرار نحو التمرد العام والشامل في العراق على السلطة الدكتاتورية ، أو في توطد وتطور الوضع في كردستانه الحبيبة ، التي تساهم مساهمة رئيسية ، بنموذجها المشرق ، في تبديد ظلام الدكتاتورية في العراق كله .
إن قوة وفعالية إدارة السلطة في كردستان بإستنادها الى أوسع الجماهير من جانب ، والتدهور والانحطاط المتواصل في حكم السلطة المركزية في بغداد وتفاقم واستفحال أزمته الداخلية من جانب آخر ، كانا وما زالا وسيبقيان العوامل الرئيسية في جميع الجوانب الايجابية أوالمواقف المجدية التي تظهرها جميع القوى الخارجية في تعاملها مع السلطة في كردستان ـ العراق ومع أحزابها وقواها السياسية مهما إختلفت الدواافع والادعاءات .
ـ إعلام القوى الخارجية
لقد أدى إفتقاد القيادة المنظمة والواعية ، من ضمن سلبياته العديدة ، الى إنخداع أوساط لايستهان بها من الثوار بوعود القوى الخارجية عن إستعدادها لدعم الشعب العراقي في حالة تمرده وثورته على النظام وبالاخص وعود قادة أمريكا وإعلامها المكثف والملحاح ( إعلان أو تصريح الرئيس الأمريكي آنئذ جورج بوش الاب ، الذي أذيع ونشر على نطاق واسع في 15 شباط 1991 ) ، أي على أعتاب الانتفاضة ، مما خلق في حينها ، أملاً (ما ) لدى البعض بصدق تلك الوعود والنوايا وأصبح عاملاً سلبياً رئيسياً ، من بين عوامل أخرى ، في التسريع بالانتفاضة قصد إجهاضها .
وفي الوقت الحاضر نلمس ، مرةً أخرى ، ظهور مثل تلك الآمال الكاذبة لدى " البعض " وهي ظاهرة مدعاة للاسف ولها مخاطرها الجدّية ، ويمكن تقليل تأثيرها السلبي على الناس بتذكيرها بخبرتها وتجربتها من الانتفاضة نفسها وبالسلوك العملي لـ " الحلفاء " المفترضين خلافاً للإعلام والإدعاءات آنئذٍ .
وفي هذا الصدد لابد من التأكيد على ضرورة الحذر واليقظة التامة والتعامل الواعي مع ما يجري الحديث عنه ، على إختلاف النوايا والاهداف والدوافع ، عما يسمى بـ " المنطقة الآمنة " في جنوب العراق بحجة الدفاع عن " الشيعة " والاتعاض بدرس من دروس الانتفاضة الرئيسية والتي أظهرت رغبة ومصلحة أعداء الحركة الوطنية والسلطة الحاكمة في إكساب تمرد الناس صبغةً طائفية ، على خلاف الحقيقة تماماً ، لتشتيت طاقاتها واستغلالها لوجهة تثبيت سلطتها وتمرير أزمتها الحانقة وتحييد أوساط واسعة من الناس المعادين لها والمتضررين من هيمنتها .
وفي نفس السياق يجري الحديث عن " نيةٍ " مزعومةٍ أخرى لا تقل خطورةً عن الاستعانة بـ " قوى الشمال !" لاسقاط النظام على غرار ما جرى في أفغانستان .
وكل ذلك هو من ضمن محاولات القوى المعادية بهدف تشويه سمعة القوى المعادية للسلطة " الحركة القومية الكردية والجماهير الشعبية المضطهدة في الوسط والجنوب " والانتقاص من دورها المشرف واهدافها النبيلة وكمحاولة لإجهاض الصراع بين الناس والسلطة لصالح الاخيرة وذلك بدفع الحركة الوطنية الى معركة بتوقيت أو تشجيع منها أوبمبادرتها .
إن ما يسمى بـ " المناطق الآمنة " في الوسط والجنوب ما هو إلا ستار لإهداف أخرى بعيدة عن مصلحة الشعب العراقي قاطبةً
ليس أقلها التستر على عجز السلطة في السيطرة وإعطائها مبرراً ( ما ) لانسحابها وإنحسار سلطتها من كردستان بصورة كاملة وفي الجنوب الى حدٍ لا يستهان به وكذلك لاضفاء صفةً إنسانية كاذبة على نوايا القوى الامبريالية راعية الحكم الارهابي في العراق على مختلف الاصعدة وفي كل الاوقات ، تلك الرعاية التي تتصاعد بصورة إستثنائية ومكثفة ويتعالى ضجيجها الكاذب وقت الازمات الحادة لذلك الحكم كما هو حاله اليوم .
إن المقارنة بين موقف أمريكا في حربها الدائرة الآن في وسط أسيا بإسقاطها نظام طالبان مع موقفها المحتمل من النظام العراقي هو خطأ كبير لسبب أساسي ورئيسي من بين العديد من الاسباب الأخرى التي تليه في الأهميةً على الاطلاق وهو :
أن الهدف الحقيقي والأساسي لصقور أمريكا من الحرب التي تشنها حالياً في أفغانستان بذرائعها المختلفة والمفتعلة ، هو في جوهره نفس الهدف المبتغى من خلال حرب الخليج الثانية ، ، ولكن الاختلاف الجوهري في الموضوع هو أن أمريكا وصقورها قد أنجزوا تلك الاهداف الرئيسية في منطقة الخليج وذلك بترسيخ نفوذها وهيمنتها أكثر وأكثر ونشر قواتها العسكرية في المنطقة وإضعاف خصومها وشركائها إقتصادياً وسياسياً ونفوذا في المنطقة وفي العالم وغيرها من أهداف ينـفذها اليمين الامريكي وصقور الحروب كلما وجدوا طريقاً لهم الى السلطة ، في حين أنهم يعملون في الظرف الراهن ، من خلال حربهم في أفغانستان ، على أمل تحقيق تلك الاهداف في ظروف مختلفة تماماً وفي ظل توازن في القوى ، على الصعيد الدولي وداخل أمريكا ، يتطور يومياً في غير صالح تنفيذ تلك الاهداف كاملةً .
إن مصداقية نوايا أمريكا في ما تدعيه عن رغبتها في تغيير النظام العراقي تمتحن فقط من خلال موقفها من إزالة الحصار على الشعب العراقي المننفذ عليه منذ عام 1990 ، الذي يضعف مقاومتة للسلطة ويساهم بذلك مساهمةً كبيرة في ترجيح كفة الصراع لغير صالح الشعب ويساهم مساهمة فعّالة في إستقواء الحكم الدكتاتوري عليه .
إن القوى الوطنية مدعوة ، بالحاح شديد ، للمطالبة بإزالة الحصار دون قيد أو شرط ، فبإزالة الحصار ستميل الكفة لغير صالح السلطة وتختفي كثير من العقبات من أمام عملية تطوير النضال الجماهيري للتخلص من حكمها المقيت . إن عزلة النظام القاتلة عن الشعب وأزمته المستفحلة والمتفاقمة تجعله مؤهلاً للسقوط والتلاشي وسيسهل على الشعب كثيراً تحقيق ذلك الهدف بإزالة العوامل السلبية التي ينتجها ويولدها الحصار المفروض على الشعب فقط ، من الناحية الموضوعية وكما كشفه ويؤكده الواقع بعد إحدى عشر عاماً من فرضه ، دون إضعاف حقيقي أومؤثر وملموس في قوى السلطة .
ومن خلال موقف أمريكا والقوى الدولية الاخرى من هذه القضية المركزية تمتحن نواياها الحقيقية ومدى مصداقيتها في إسقاط النظام العراقي ، وليس في أي شكل آخر من الدعم المزعوم والذي لا يحتاجه الشعب العراقي والذي يؤدي في واقع الحال الى نتائج عكسية تماماً وذلك ما قالته لنا الإنتفاضة بصوت عال ومسموع وهو درس ثمين لا ينبغي نسيانه أبداً .
إنه إمتحان لامريكا ولكل الدول التي تبدي ، من خلال إعلامها وسياساتها المعلنة ، حرصها على الشعب العراقي وعلى حقوق الانسان وهو أسهل إمتحان لها يمكنها إجتيازه بنجاح تام وبجهود بسيطة ودون حاجة الى أي شكل من أشكال الحروب والقتال و " العصيانات والتمردات " المفتعلة لإثبات مدى مصداقية تلك السياسات والدعوات .
إن تحديد وتشخيص الشعارات الرئيسية لاية معركة مع السلطة ، مهما كان حجمها وفي مختلف ظروفها ومستوياتها وإزالة الاوهام من وراء المراهنة على القوى الخارجية ، وتوجيه الناس بها مسبقاً وبإستمرار وبالركون في ذلك الى تجارب الجماهير نفسها خلال إنتفاضتها الباسلة في آذار 1991 ، سيساهم في إفشال خطط الاعداء في هذا الميدان التعبوي الهام .
ـ مرةً أخرى حول معنويات عناصر الاجهزة الامنية والحزبية .
كشفت الانتفاضة ، فجأة ، وبصورة ساطعة إنعزال السلطة إنعزالاً واسعاً عن الناس وتآكل شعاراتها وتجلت تلك الحقيقة بوضوح ، بالاضافة الى المشاركة الجماهيرية الواسعة في أحداثها ، من خلال الاستعداد الواطئ جداً الذي ظهر ، منذ الايام الاولى للانتفاضة ، لدى الاجهزة الحكومية الامنية والحزبية في الدفاع عن السلطة منعكساً في تخلي الكثير من عناصرها عن المقاومة مفضلةً الاستسلام أو الهروب والتخفي على الرغم من معرفتها الاكيدة بالوحشية والقسوة التي ستواجهها علىأيدي جلاوزة الحكم في التعامل معها في حالة إستعادة السلطة لزمام الامور وكما حصل فعلاً .
ولم تقتصر تلك الظاهرة على مسؤوليين صغار ، بل وشملت ضباطاً من ذوى الرتب العالية والمناصب المهمة .
وخلال الانتفاضة ، وبالاضافة الى ذلك ، تكشفت أكثر وبسطوع " المعارضة الصامتة والهامسة " داخل قوى السلطة وأجهزتها الحزبية وعلى مستويات لايستهان بها ولدى قسم من أعضاء وكوادر حزب السلطة والعديد منهم قد نأى وإبتعد عن المشاركة في قمع الانتفاضة وإبتكر أساليب " متفننة " في التلكؤ والابتعاد عن المساهمة النشيطة في المجازر البشعة ضد الناس والمنتفضين والتي إقتصر تنفيذها تقريباً على الاجهزة الامنية الخاصة المستحدثة والحرس الجمهوري والمرتزقة من منظمة مجاهدي خلق الايرانية .
لقد أرعبت تلك الظاهرة السلطة الدكتاتورية ـ تلكؤ الجهاز الحزبي في الدفاع عنها ـ والتي تكشفت بشكل بارز خلال الانتفاضة وسيكون لها ، في وقت لاحق ، الدور الرئيسي في لجوء الزمرة الى خلق وإنشاء تنظيم جديد " منتقى " بعناية من بين صفوف البعثيين ومن خارجهم ليكون أداتها " الحزبية " وهو ما أطلق عليه إسم " حزب النواة " !
إن تاكيد هذه الحقيقة يستهدف تأشير أهمية هذه القوة ضمن عملية الصراع الدائر بين السلطة وغالبية الشعب والتي تتطلب من القوى السياسية الواعية أن تضعها في حساباتها وتعطيها أهميتها الخاصة في ذلك الصراع دون مبالغة ودون إستهانة أيضاً . خاصةً بعد مرور عقد من الزمان الذي عمق هذه الظاهرة ووسع من دائرة إنتشارها وبالتالي رفع من أهميتها . وليس ما هو أكثر دلالة على توسع وانتشار تلك الظاهرة ما نشهده في تزايد هروب العديد من المسؤلين الكبار ومن أعضاء وكوادر الحزب الحاكم ولجوئهم الى الخارج وكذلك في تصاعد حدة النقد بينهم لحد الادانة لدى البعض منهم لسياسة السلطة ورموزها وشعاراتها واساليبها الدكتاتورية والوحشية .
إن ظاهرة التخلي عن السلطة واللجوء الى الخارج تحمل جانبها الايجابي في إضعاف مكانة وهيبة السلطة لكنها هي الاخرى لها جانبها السلبي كونها تبعد هؤلاء الناس ، الاكثر وعياً وقرباً الى الناس ومصلحة الوطن ، من ضمن العاملين في أجهزة وحزب السلطة ، عن الميدان الرئيسي في الصراع ولهذا ليس من المفيد ميدانياً التشجيع على تلك الهجرة ما عدى في حالات منفردة ولظروف خاصة .
ويتطلب الامر على العكس من ذلك تشجيعهم على البقاء والتكيف في اساليب العمل المعارض للسلطة وسياستها بطرق وأساليب مناسبة توجع النظام وتضعفه وتساهم ، بهذا القدر أو ذاك وحسب الظروف الملموسة ، في تقريب يوم الخلاص من الدكتاتورية . وفي هذا المجال ، الاستفادة القصوى من ظاهرة أساسية ورئيسية كشفت عنها الانتفاضة على أرض الواقع ، خلافاً لادعاءات وإعلام النظام .
لقد أظهر الواقع ، وليس الادعاءات ، بأن الخسائر البشرية في الارواح بين صفوف البعثيين الحزبيين والمؤيدين قليلة ومحدودة جداً بالمقارنة مع ظروف الانتفاضة وشمولية وديمومة الارهاب والعنف الذي مارسته السلطة خلال عدة عقود من الزمن وما ألحق على أيديها بالناس من خسائر فادحة لامثيل لها . ويمكن إحصاء عدد تلك الضحايا في المدن التي سيطر الثوار عليها والتي إقتصرت فقط على من أبدى مقاومةً شرسة وأصلى الناس بالرصاص عشوائياً والغالبية الساحقة من تلك الخسائر قد لحقت بها أثناء المعارك الشرسة التي نظمتها السلطة وزجتهم بها قسراً ضد الانتفاضة والناس في مواقع الدفاع ولم تجد المجازر طريقاً لها إلا على أيدي القوات الحكومية بعد إستعادتها لزمام المبادرة والمجازر لاتزال متواصلة لحد الآن رغم مرور عقد من الزمان على الانتفاضة وعودة السلطة لبسط سيطرتها على الوضع .
إن هذه الحقيقة يعرفها الناجون من عقاب الناس والذين عادوا لمزاولة نشاطهم في خدمة السلطة ، راغبين أم مكرهين ، وهم الغالبية المطلقة ولهذا فليس هناك صعوبة كبيرة في توضيح وتأكيد هذه الحقيقة واستثمارها بعقلانية في أي شكل من أشكال التمرد القادم المحتمل بالركون الى تلك الشواهد الملموسة .
وقد كشفت الحياة للناس ولافراد وعناصر السلطة خاصةً أن المستفيد الرئيسي من الفوضى والتخريب هي السلطة نفسها ولهذا فقد دفعت العديد من عملائها المهيئين والمدربين مسبقاً لتوجيه الاحداث ودفعها نحو تخريب المؤسسات المدنية للدولة أو نهب بعض المحلات التجارية وغيرها من الاعمال البعيدة عن أهداف الانتفاضة وقد نجحت في بعضها دون أن تتمكن من تحويلها الى ظاهرة رئيسية بسبب يقظة ووعي المنتفضين وتصديهم لمثل تلك المحاولات العفوية أو المنظمة .
وفي هذا الشأن وفي فترة لاحقة ، أفشى العديد من منفذي تلك الاعمال بأوامر مباشرة من بعض قادة الزمرة أسراراً ومعلومات عن تلك المساعي الخبيثة والدنيئة وبعضهم ذكرها ساخراً أو حتى مستنكراً إعلام السلطة المرائي المتباكي على النظام والانضباط ! . دون أن نلغي آثار الإنجرار الخاطئ للبعض من الناس وراء تلك المظاهر السلبية ونتائجها الضارة بقضية الناس انفسهم .
إن إنتشار وتوسع ظاهرة إنحسار التأييد لسياسة الحكم ومعارضتها وشمولها لعناصر وكوادر هامة داخل أجهزة السلطة والحزب الحاكم ـ الى هذا الحد أو ذاك وبدرجات متفاوتة ـ هي ظاهرة حتمية في الوضع السياسي الراهن في العراق بحكم طبيعة الحكم الطفيلية والسياسة الملازمة لها والناتجة عنها والتي فرطت وتفرط بثروات الوطن والشعب وتخدم فئة طفيليةً تنهب تلك الثروات وتصبها في خزاناتها وخزانات الدول الكبرى بذرائع كاذبة ، وبسبب أساليب حكمها الدكتاتورية والارهابية وإنتهاكها الفظ لابسط حقوق الانسان وتسييرها لسلطة الدولة في خدمة مجموعة من الارهابين ، الذين قفزوا الى السلطة بغفلة من الزمن ومن القوى السياسية الواعية وبدعم من المستفيدين منها في الخارج .
إن السياسة التي إنتهجتها وتنتهجها تلك الزمرة لا يمكن لها أن تجد قبولاً لدى أبناء الشعب الحريصيين على مصالح الوطن والغيوريين على شرفه وسمعته وهم الاكثرية العظمى بما فيهم الكثيرين ممن وجدوا أنفسهم ، لظروف متباينة مجبرين على تنفيذ وتسيير شؤون الحكم وهم يبحثون عن البدائل ويتطلعون الى التغيير . وتلك الظاهرة الموضوعية والواقعية والمتزايدة بإستمرار تتطلب من القوى الوطنية ممارسة سياسة إعلامية تستهدف رأس الزمرة والمقربين منها ، وهم أنفسهم يتقلصون ويتآكلون ، والتوجه الجدي للاحتكاك بتلك العناصر ومساعدتهم وتطمينهم وتشجيعهم ، حسب الظرف الملموس لكل واحد منهم على حدة .
وفي هذا المجال يمكن لقوى المعارضة في الخارج وللجالية العراقية المهجرة أن تساهم مساهمة فعالة ومؤثرة باستغلال الامكانيات المتوفرة لديها وبعدها عن إرهاب السلطة وتأثيرها المحدود عليهم للإختلاط بموظفي الدوائر والمؤسسات الرسمية في الخارج ودعوتهم للانخراط أو المساهمة ، بهذا القدر أو ذاك وبالاسلوب والقدر الممكن والمناسب ، في تقريب يوم الخلاص من الدكتاتورية الفردية الغاشمة .
وقد يكون مفيداً التنويه الى خطا الموقف السلبي والانعزالي تجاه نشاطات في هذا الميدان ، نلمسها أحياناً من خلال الإعلام المعارض ، والمتأتية عن عدم إدراك حقيقة كون السلطة هي في حالة من حالات الدفاع تعاني نفسها من تفكك وتقلص قناعات وإيمان الاجهزة الحكومية وعناصرها الملزمة بتطبيق سياساتها المعادية لمصالح غالبية الناس ناهيك عن عجزها في كسب أنصار جدد لها وبعدد مؤثر أوفعّال . وهذا الواقع يستلزم بالضرورة إتخاذ موقف مغاير تماما " هجومي " في هذا المجال واستغلال معاناة السلطة من تلك الظاهرة بما يخدم جميع قوى المعارضة .
وفي نفس الوقت ينبغي التصدي فكرياً لاية مبالغة في دور هذه القوى والعناصر ، والتي تظهر أحياناً هنا وهناك بين بعض أوساط المعارضة وخاصة العسكريين منهم ، بالتعويل على إمكانية الاستفادة منها بمعزل عن نهوض عام وإستعداد عال لدى الجماهير في التحرك العام ضد السلطة وتوفر مستلزمات ذلك الاستعداد التي تتطلع الجماهير الى قواها الوطنية الواعية والمنظمة للمساهمة الفاعلة والنشيطة والرئيسية للإسراع في إنضاجها .
ـ إنحطاط هيبة السلطة المركزية .
لقد أحدثت الانتفاضة شرخاً كبيراً في هيبة السلطة المركزية بحيث أصبح الناس ، كأحد مظاهر إنحطاط تلك الهيبة ، يجدون في العلاقات العشائرية ملاذاً لها من إرهابها المنفلت على الرغم من إنحسار تلك الضرورة تأريخيياً بعد نشوء سلطة مركزية لها هيبتها ومكانتها لدى الناس . وهذه الظاهرة تعكس ذلك الانثلام والانحطاط في هيبة السلطة وبالتالي على قدرتها في مواجهة أي تمرد قد يلقى تأييداً له بين القوى العشائرية المختلفة وهو ليس إحتمال وارد نظرياً فقط ، بل أصبح حقيقة معاشة في العديد من حالات التضامن والتأييد التي حظي بها بعض أبناء هذه العشيرة أو تلك ممن تعرض للقمع والاضطهاد وبالاخص أثناء الانتفاضة وبعدها والتي لا تزال كظاهرة شبه دائمية في حياة العراقيين . وقد تصاعدت في بعض الحالات الى تمردات وصدامات مسلحة بين بعض العشائر وعلى درجات مختلفة من السعة والعنف مع السلطة المركزية . ولكون السلطة عاجزة عن إعادة هيبتها المركزية الى سابق عهدها لجأت الى الاعتراف القانوني بهذه الظاهرة وأجبرت على التعامل معها في إنتظار تغير في الوضع لصالحها مستقبلاً . وبهدف تحجيم الدور السلبي لهذه الظاهرة عليها وعلى هيبتها كسلطة مركزية عمدت الى إختيار " رؤساء " لهذه العشائر من بين أبنائها من البعثيين والانصار ، ولكن دون نجاح يذكر في الحد من مردوداتها السلبية عليها ، خاصةً أن معظم ، إن لم يكن جل ، أولئك الرؤساء قد فرضتهم العشائر نفسها . ولهذا فالسلطة نفسها تتوجس من منافسة " السلطة العشائرية لسلطتها " بأي قدر كان وخاصة في وقت الازمات وفي ظل الصعوبات المحتمل وقوعها في أية لحظة بحكم الازمة العامة والشاملة التي تعيشها السلطة واالتي هي في تفاقم متواصل يومياً . وفي ظل تنامي ظاهرة الانحسار الكبير في حماسة البعثيين والانصار في الدفاع عن السلطة ، قياساً الى ما كانت عليه حالتها المتدنية أصلاً أثناء إنتفاضة آذار المجيدة ، يمكن للظاهرة العشائرية أن تشكل خطراً كبيراً على السلطة الظالمة يذكرنا بمخاطرها على المستعمر إبان فترة الكفاح من أجل الاستقلال الوطني .
وتلك الظاهرة العشائرية ، على الرغم من ترسخها وبروزها في غير أزمانها والتي لامستقبل لها بعد التغيير ، يمكنها أن تكون في الظرف الراهن وسيلة للتعبة الجماهيرية ضد الحكم ولحماية الناس ، الى حد ما ، من إرهابه المنفلت .
لقد أوجد النظام بنفسه الظرف الموضوعي لتصاعد في دور العشائرية في حماية الناس خلافاً لسنة التطور في حياة دول عالم اليوم كونه هو نفسه نظاماً غريباً وهجيناً على عصرنا بأساليب تعامله البربرية مع الشعب والقيم الانسانية .
تآكل شعارات السلطة ودوره في تصعيد الارهاب ومردوداته السلبية عليها .
إن ظاهرة ضمور هيبة السلطة وتآكل شعاراتها وإفتضاح أهدافها الحقيقة لاوسع الاوساط بما فيها القوى المحسوبة على السلطة وحزبها ، التي ساهمت الانتفاضة في زيادة حدتها ورفعها الى مستويات ودرجات يصعب ويستحيل معالجتها أو حتى منع تفاقمها ، أوجدت ظرفاً موضوعياً خانقاً للسلطة جعلها تلجأ الى تصعيد كبير في أساليب الارهاب العام والشامل والموغل في الهمجية كقطع الالسن والاعدامات العلنية وقطع الرقاب وتعليق الجثث وغيرها من أساليب البربر القديمة والمقززة ، مما خلق نفوراً وإستياءً عاماً وشاملاً بين مختلف فئات الشعب ومعارضةً شبه علنية لها .
وذلك الارهاب المنفلت ، بجانب آثاره المأساوية على الناس وأضراره البالغة وخسائره الجسيمة ، يخلق ظروفاً جديدة تحيط بعمل ونشاط القوى والعناصر المعارضة الواعية والمنظمة لا بد من إستثمارها ضد مرامي ونوايا السلطة ذاتها
وذلك بـ " الانغمار " في تلك اللجة الواسعة من المعارضة العفوية والشاملة . ويمكن ، مع تكييفٍ في أساليب العمل التنظيمي المعارض ، تحويل تلك الطاقات العفوية الى مجهود منظم وفاعل يصعب على السلطة التنكيل به في مثل تلك الظروف التي أصبح فيها العمل المعارض نشاطاً جماهيرياً واسعاً تمارسه غالبية الناس بشكل يومي وعفوي .
وهي مقدمة حتمية لإنتفاضة عامة وشاملة تضع نهايةً لحكم دكتاتوري طفيليي مقيت تكنسه الناس ، بقيادة قواه الوطنية الواعية ، الى مكانته الطبيعية في مزبلة التأريخ .
جدوى دروس وعبر الانتفاضة في الظرف الراهن .
إن الفائدة القصوى من الدروس والعبر ، التي أفرزتها الإنتفاضة في الحياة النضالية للشعب العراقي ، يمكن لها أن تتحقق على أفضل صورة من خلال إستيعاب الظروف والعوامل المستجدة على جميع الاصعدة ومنها بشكل خاص في ظرفنا الراهن التأثيرات والإنعكاسات الحاصلة والمحتملة لما يطلق عليه بـ " الحرب العالمية على الإرهاب " بقيادة أمريكا .
ولهذا فقد يكون ضرورياً الاشارة بإختصار الى طبيعة هذه الحرب ودوافعها الرئيسية والقوى المحركة لها وأهدافها الحقيقية بعيداً عن الادعاءات والتبريرات التي أجاد ويجيد إفتعالها وإستخدامها أعداء البشرية والسلم العالمي .
حول الحرب الكونية ضد الارهاب وتأثيراتها وإنعكاساتها المحتملة على الوضع في العراق .
لقد أصبح واضحاً تماماً وبديهياً ، لدى غالبية الناس في العالم ، القول بأن الدول الامبريالية الرأسمالية هي المسؤولة الرئيسية عن الحروب العالمية بمختلف أشكالها وذرائعها ومستوياتها ، وأن طبيعتها الطبقية الطفيلية وقانونها الأساسي " السعي وراء تحقيق أقصى الارباح " يجعل الحروب ظاهرة حتمية وملازمة لها متى ما أمكنها ذلك .
وخلال القرن الماضي شهدت البشرية العديد من الحروب الكبرى شنتها تلك الدول بهدف إعادة إقتسام مواقع النفوذ والهيمنة في العالم . وعرف العالم أبرزها وهما الحربين العالميتين الاولى والثانية .
كما صار بديهياً وملموساً أيضاً القول بأن جميع تلك الحروب قد أفرزت توازناً في القوى ، على الصعيد الانساني ، يميل بإستمرار لغير صالح قوى الحرب على العكس من مخططاتها ورغباتها ويتحول في صالح الشعوب المتضررة الرئيسية من الحروب وهي وقودها الاساسي ودافع فاتورتها الجسيمة والمأساوية .
فقبل إنتهاء الحرب العالمية الاولى قامت في روسيا ثورة أكتوبر العظمى التي هزت العالم الرأسمالي وأحدثت فيه شرخاً كبيراً نتج عنها توازن جديد في القوى لصالح الشعوب ، الذي مكّنها من دحر أكثر دعاة الحرب شراسةً وعدوانيةً وعنصرية في الحرب العالمية الثانية ، التي خلقت ، هي الأخرى ، بنتائجها توازناً في القوى هو الاكثر ميلاً لصالح الشعوب الذي أدى بدوره الى تغيير كبير في إمكانية قوى الرأسمال على شن الحروب بالاساليب والطرق والذرائع السابقة وهو ما سنلحظه من خلال الحروب التي شهدها العالم في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية ولحد الآن .
وفي نفس الوقت الذي يجري فيه تحول في توازن القوى بين الرأسمال المستفيد من الحروب وبين الشعوب وبإختصار بين أنصار السلم ومشعلي الحروب لصالح الطرف الاول ، تتم أيضاً ، من خلال النتائج الميدانيية لتلك الحروب ، إعادة في توزيع القوى داخل معسكر " قوى الحرب " أي بين الدول الامبريالية نفسها .
وبعد الحرب العالمية الثانية برزت ظاهرة إعادة التوزيع في القوى على الصعيد العالمي بوضوح أكبر .
لقد أصبح توازن القوى يميل بصورة أكثر حدةً وتأثيراً لصالح الناس " قوى السلام " على حساب القوى الرأسمالية الامبريالية " قوى الحرب " ، ولكن دون حسم نهائي .
كما طرأ تغير كبير داخل القوى الرأسمالية نفسها " إعادة في التوزيع " وفقاً للنتائج التي أسفرت عنها المعارك الكبرى لتلك الحرب . والسمتان الرئيسيتان لذلك التوزيع الجديد هما : أولاً الميل الكبير لصالح حصة الرأسمال المالي الطفيلي داخل جميع الدول الرأسمالية الرئيسية في العالم ، وفي الصناعات الحربية في الدول المنتصرة خصوصاً ، على حساب حصة الرأسمال الانتاجي السلمي ضمن التطور العام لاقتصادياتها وثانياً الإختلال الملموس في توازن القوى ( النفوذ ) بين الدول الرأسمالية جميعها لصالح الولايات المتحدة الامريكية على حساب أوربا واليابان بصورة رئيسية .
إن الاختلال الكبير في توازنات القوى على الصعيد العالمي بسمتيه الرئيسيتين المذكورتين سيجد إنعكاساً له في جميع الحروب الكبرى التي أعقبت الحرب العالمية الثانية ومنها الحرب الحالية المسماة بالحرب العالمية ضد الارهاب .
إن التحول الكبير في توازن القوى لصالح قوى السلم في العالم وبالتزامن مع إختراع أسلحة الفناء الكامل للبشرية قد ألغى والى الأبد إمكانية القوى الرأسمالية الاكثر طفيليةً في إستخدام القوى والعناصر والشعارات المتطرفة والمكشوفة والاكثر عداونيةً كالنازية والفاشية وغيرها في تمرير سياساستها التوسعية ونشاطاتها الحربية لإعادة التوزيع والتقاسم في مناطق النفوذ على المستوى العالمي وفي داخل الدول الامبريالية نفسها .
وبات عليها ، بحكم ذلك التوازن في القوى ومستجداته ، أن تغيّر وتكيّف في أساليب ومبررات وذرائع الحروب بشكل يتلائم مع الظروف الجديدة لاحداث إختلال في ذلك التوازن لصالحها من شأنه تمرير وتنفيذ سياساتها الحربية العدوانية .
إن وسيلتها الرئيسية لاحداث ذلك الاختلال هو تشويش " الشعوب " والقوى المناهضة للحروب ، وكذلك بعضاً من حلفائها ، لشل أو لإرباك نشاطاتها السلمية المعادية لاهدافها الانانية ولشل أولتقليل معارضة " الاخوة الطبقيين " في البلدان الرأسمالية الأخرى وفي أوربا خاصةً . والناس عادة هم وقود تلك الحروب ودافعوا ثمنها الباهض جداً .
لقد وجدت الدول الامبريالية ، في فترة تأريخيية محددة بعد الحرب العالمية الثانية ، في " فزاعة " الخطر الشيوعي وسيلةً رئيسية لتحقيق ذلك الاختلال في توازن القوى وإستطاعت تعبئة قوى واسعة ودول وحكومات عديدة ، من بين معسكر المتضررين الرئيسيين من حروبها ، معادية للشيوعية ، لهذا السبب أو ذاك ، وزجها في حروبها لتنفيذ وتحقيق مراميها وأهدافها الحقيقية على حساب غالبية الناس بما فيهم حلفائها وشعوبها تحت " راية مكافحة الشيوعية " ومخاطرها المزعومة على الحرية والديمقراطية والتصدي للارهاب الشوعي !.
لقد مكنّها نشاطها الاعلامي الزائف من تحقيق توازن في القوى ، في فترة نأريخيية معينة ، إستطاعت إستغلاله في شن حروب كبيرة كالحرب الكورية والفيتنامية وغيرها مع حصرها في نطاق الحروب الموضعية نسبياً لتجنب إستخدام أسلحة الدمار الشامل لها وللبشرية جمعاء . لقد شنت القوى الامبريالية جميع تلك الحروب على الرغم من أن التوازن " على الصعيد العسكري البحت " بين حلفي الناتو ووارسو كان لصالح الاول بعدة أضعاف وهو ما كشفته الاحداث اللاحقة بوضوح تام والذي لم يكن خافياً أصلاً ، ولكنه توازن كافٍ لحصر الحروب في ذلك النطاق المحدود نسبياً .
وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي إنتهت " فزاعة " الخطر الشيوعي ولم يعد لها دورها وأثرها السابق في إعلام قوى الحرب لتعبئة الجماهير وزجها في الحروب أو في تحييدها عن النضال ضدها .
وما دامت الحروب وسيلةً رئيسية للرأسمال المالي ، بحكم طبيعته الطفيلية ، في تعزيز مواقعه ، أو الحفاظ عليها ، أصبح من الضروري له إستحداث وإختلاق وحتى " تصنيع " ( فزاعات ) جديدة من شأنها إحداث تغيير في توازن في القوى في الداخل والخارج ، يمكّنه من تمرير سياساته العدوانيه وحروبه الاجرامية .
وهو ما شاهدناه بوضوح من خلال حرب الخليج الثانية التي إفتعلها النظام العراقي لصالح تنفيذ تلك السياسة وكذلك حال " فزاعة " الارهاب المفتعلة في أفغانستان ( طالبان والقاعدة ) ومسؤوليتهما عن الأعمال الارهابية الوحشية في 11 أيلول 2001 لتمرير حرب جديدة يراد لها أن تكون حرباً دائمية وبلا نهاية محددة (!!)حسب التصريحات الوقحة لمنظريها وقائديها الرئيسين صقور هذه الحرب وحرب الخليج الثانية تشيني ورامسفيلد .
وهي شكل من أشكال الحروب على نطاق عالمي كون جميع شعوب وبلدان العالم تجد نفسها متأثرة بها وبنتائجها ، بهذا القدر أو ذاك ، وهي المتضرر الرئيسي منها والتي تتحمل ويلاتها ومآسيها الانسانية والمادية .
اما التغير في توازن القوى داخل الدول الامبريالية نفسها ، الذي أفرزته نتائج الحرب العالمية الثانية لصالح الولايات المتحدة الامريكية سينعكس أثره على جميع الحروب التي أعقبتها من خلال ظهورها كلاعب رئيسي في جميع تلك الحروب بهدف تعزيز نفوذها وتحويله الى هيمنةٍ شاملة على مقدرات البشرية على حساب حلفائها أيضاً .
وسنجد إنعكاساً واضحاً وصريحاً لتلك السياسة العدوانية لـ " صقور الحروب " الامريكان في " مشروع أيزنهاور " لملئ الفراغ في العالم ! ، الذي وضعته قوى اليمين الامريكي ممثلاً في الحزب الجمهوري والذي أعلن رسمياً عام 1957 .
وسنرى ، على أرض الواقع ، أن جميع الحروب في العقود اللاحقة ولحد الان هي في جوهرها تنفيذ لتلك السياسة ومخططاتها ، ومنها ما نفذ في منطقتنا وفي العراق من خلال حربي الخليج الاولى والثانية وكذلك الحرب القائمة في الوقت الحاضر لمكافحة ما يسمى بـ " الارهاب الدولي " بقيادة أكبر راعٍ ومصدر للإرهاب في العالم وهم " صقور الحرب " الجمهوريون واضعوا وورثة سياسة " ملئ الفراغ " المعادية للشعوب والامم جميعها . وهؤلاء الصقور في حقيقتهم هم ممثلو القوى الرأسمالية الاكثر طفيليةً وعدوانية والاكثر حقداً على حرية الشعوب وحرية الشعب الامريكي ذاته .
ومن خلال هذا الاستعراض السريع لطبيعة الحرب الدائرة وقواها وأهدافها الحقيقية يمكن الخروج بإستنتاج منطقي وهو أن الرهان ، الى أي حد كان ، على القوى الاشد تطرفاً وعدوانيةً في أمريكا في تغيير الوضع في العراق لصالح الشعب العراقي وعلى حساب النظام الدكتاتوري الحاكم ، هو رهان خاسر وضار وكاذب ويتضح كذبه أكثر فأكثر بإزدياد وتيرة حدة الاعلام المرائي عن معاداة " الصقور ومنتجي ورعاة الارهاب العالمي " للزمرة الارهابية التي إستخدموها في تحقيق أهدافهم ومخططهم في ملئ " الفراغ " في المنطقة والخليج منذ إستلامهم للسلطة ولحد الآن . وهم بالتأكيد ليسوا على إستعداد للتخلي عن " فزاعةٍ " مهمة لهم لتبرير بقاء قواتهم العسكرية والحفاظ على قواعدهم في المنطقة لاطول فترة ممكنة وهم يحلمون بحرب عالمية دائمة وبلا حدود !.
إن التصاعد في النشاط الاعلامي الكاذب يستهدف ستر المرامي والنوايا الحقيقية لسياسة اليمين الأمريكي تجاه الحكم في بغداد ، ولتشويش القوى السياسية الفاعلة والمؤثرة في العراق أو لدفعها في إتجاهات مضللة في نشاطاتها وحساباتها لن تكون في كل الاحوال لصالح الشعب العراقي وقواه الوطنية المخلصة .
كما وأن الحرب القائمة حالياً ضد " الأرهاب " وبنتائجها المحتملة ليست في صالح مثل ذلك الرهان على القوى اليمينية والاكثر عدوانية كون جميع حروبها قد أضعفت من مواقها داخل أمريكا والشعب الامريكي وهي التي خسرت في أول إنتخابات أعقبت حرب الخليج الثانية ، رغم نجاحها في تحقيق أهدافها الخاصة ، ووجدت صعوبةً كبيرة جداً في العودة الى السلطة كما عكسته نتائج الإنتخابات الرئاسية الاخيرة وهذه الحرب بإنعكاساتها السلبية الكبيرة على حياة الشعب الامريكي وحريته وعلى مكاننته وسمعته في العالم ستزيد حتماً في تدهور نفوذها ومكانتها لديه وهي بهذه الحرب ترسم مستقبلها على غرار ما رسمته لنفسها صقور الحرب الالمانية واليابانية والمراهنين عليها على مختلف مشاربهم وأهدافهم .
إن القراءة الصائبة لطبيعة وأهداف الحرب العالمية " ضد الارهاب " والنوايا الحقيقة من ورائها ولطبيعة القوى الارهابية المستفيدة منها ومواقفها الحقيقية من الزمرة الارهابية الحاكمة في بغداد هي لوحدها القراءة الناجحة والقادرة على الاستفادة من دروس وعبر إنتفاضة الشعب العراقي المجيدة في آذار 1991 .
والانتفاضة الباسلة بمساهمتها الرئيسية في بلورة تلك القراءة الصائبة والمجدية تكون قد أنجزت مهمتها التاريخية ، فمجداً وعرفاناً لشهدائها الابرار والنصر الاكيد لشعبنا المكافح .
11/1/2002 نزار خالـد
#نزار_خالد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز
...
-
أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم
...
-
البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح
...
-
اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات -
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال
...
-
أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع
...
-
شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل
...
-
-التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله
...
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|