محمد الرديني
الحوار المتمدن-العدد: 1875 - 2007 / 4 / 4 - 07:02
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
حين اكملت قراءة ديوان باسم فرات الاخير " انا ثانية" نحيته جانبا وفي نيتي ان اعود الى قراءته مرة اخرى لعلني اجد سببا لتلك الصورة التي اعادتني الى الوراء ثلاثين سنة.
لم تتخل عني تلك الصورة وانا اعيد قراءة القصائد مرة ثانية.
الصورة:
في حي من احياء البصرة القديمة " القطانة" حيث كنت اسكن كانت دكاكين صاغة الذهب تمتد على جدران شوارع الحي, وكنت ارى الصاغة مرتين في اليوم, في الصباح حين اذهب الى المدرسة وفي العودة وقت الظهيرة.
لم ار وجوه الصاغة ابدا كانوا ينحنون بلحاهم البيضاء الطويلة على "كورة" النار وهم يقلبون او "يجلون" قطعة الذهب. كان ظهورهم المنحنية تنبأ عن صبرهم الطويل وهو ينحتون قطعهم الذهبية او الفضية.
مرة واحدة اقتربت من احدهم علني ارى وجهه , نظر الي بسرعة مستطلعا ثم عاد الى منحوتته يمسح عليها كما تمسح الام جبين رضيعها.
انهم نحاتون على طريقتهم الخاصة وكذلك كان باسم فرات. لا ادعي الا اني اعشق المفردة التي تؤرقني وتمسح بي الارض وتصرخ في وجهي وتعيد لي الاحساس بقيمة الوجود رغم كل الالام التي نعانيها والقهر الذي يضيق حتى على انفاسنا.
هكذا كانت قصائد باسم فرات الاخيرة بالنسبة لي, لقد وجدت فيها ذلك الاحتجاج الدفين على كل ما هو معروض في ساحات القردة هذه الايام.
ثلاثة احتجاجات ارقتني في هذه القصائد, اولها ذلك المنفى الاضطراري الى حيث لاعودة الى شوارع الوطن وازقتها, لاعودة الى الدرابين التي نلعب فيها "شرطي وحرامي", لاعودة الى الزلابية و"من السماء" ولقمة القاضي.
الثاني ذلك الاحتجاج على كل ماهو مصنوع من الخزف الصناعي الهش وهو يغلف الماضي ويستولي على الحاضر ويريد الاطاحة بالمستقبل.
الثالث هو علامة الاستفهام التي لاتسعها الارض: ماذا نريد من هذا العالم وماذا يريد منا هو؟
ان باسم فرات - صائغ الذهب اللعين- ينحت كلماته بصبر وحين ينتهي من اخر مراحلها يفخخها في وجهك ليجعلك تتلوى من كثرة الاسئلة المنهالة على نافوخك.
لاجىء
نعم انا لاجىء
توعكت حروبا
فاسترحت بظلال مناف
ورثت من ابي انخذاله
ومن الثكنات طعم المهانة
سنوات الجوع
تصهل في شهيقي
لي في المطارات
انكسارات
بصمات اصابع
وعلى الجواز صفعات رجال الامن
على الحدود ذاكرة منتفخة بالقيح.
#محمد_الرديني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟