|
لماذا الصحوة الإسلامية؟
راتب شعبو
الحوار المتمدن-العدد: 1875 - 2007 / 4 / 4 - 06:55
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من مكرور القول أن إخفاق الحركات القومية والماركسية في منطقتنا، بصفتهما حركات تحرر، فرش الأرض أمام ظهور ما يدعى اليوم الصحوة الإسلامية. وبعيداً عن سياق وأسباب ذاك الإخفاق وما يمكن رده إلى غياب الديموقراطية عن تلك الحالات أم إلى الافتراق الحاصل بين وعيها وواقعها، يبقى السؤال: كيف لهذه الصحوة الإسلامية أن تفلح حيث أخفق الآخرون؟ والسؤال الأولى ربما: ما الذي دفع وهيأ لتكون هذه الصحوة إسلامية؟ أي لماذا يرتدي الكم الأكبر من الرفض الشعبي للشكل الحالي من النظام السياسي والاقتصادي العالمي في منطقتنا اليوم لباساً إسلامياً؟
في الحقبة الماضية سعت الحركات القومية والماركسية إجمالاً إلى تحقيق الاستقلال السياسي ومن ثم الاقتصادي إن في إطار قومي أو أممي، بانحياز إلى ما كان يسمى المنظومة الاشتراكية أو بعدم انحياز أو بحياد إيجابي..الخ. في تلك الحقبة كان للفكر الاشتراكي سطوة سياسية واقتصادية دفعت الناصرية مثلاً إلى التنظير لاشتراكية عربية "قومية"، ودفعت حركة الإخوان المسلمين في مصر على لسان الشيخ حسن البنا، إلى القول إن البلشفية نفسها موجودة في مبادئ الإسلام، كما دفعت "الجماعة" في سورية إلى دخول الانتخابات النيابية في 1949 باسم "الجبهة الإسلامية الاشتراكية". أي بكلمة، غطت الفكرة الاشتراكية على أو همشت إلى حد ما صراع الهويات. اليوم نلاحظ ميلاً معاكساً باتجاه الالتجاء إلى الإسلام، كرافعة نضالية لدى البعض وكدين ينطوي على حل لمشاكل الدنيا لدى البعض الآخر. ومرة ثانية ينبثق السؤال: ما هي حدود هذه الصحوة؟
السمة الأبرز في الصحوة الإسلامية هي النزعة الجهادية العالية، فقد بات حضور الفريضة الغائبة (الجهاد)، كما تسميها بعض الفصائل الإسلامية (كالجهاد الإسلامي)، كثيفاً وطاغياً. إن الرصيد الذي لا ينضب من الانتحاريين (الاستشهاديين) وتحول العمليات الانتحارية من قبل أنصار هذه الجماعات إلى ممارسة يومية وخبر بارد وروتيني في نشرات الأخبار إلى حد أنها باتت في قسم كبير منها ممارسة مجانية وعبثية بل، في أحيان كثيرة، إجرامية تستهدف مدنيين أبرياء من أبناء البلد نفسه في الأسواق الشعبية أو دور العبادة ..الخ، يكشف أمرين: الأول هو سيطرة الجانب العقيدي وتحديداً ما يعتقد الانتحاري أنه شراء الآخرة بالدنيا، والثاني، وهو مشتق مباشرة من الأول، هو الطاقة التعبوية الهائلة التي تحوزها الجماعات الجهادية. ولعل هذه الطاقة، الجاهزة والقليلة الكلفة، تفسر جزئياً على الأقل سرعة نشوء وثبات هذه الجماعات ونجاحاتها في صراعات غير متكافئة ضد آخر مغاير لاسيما دينياً. ولنلاحظ أن العدو في كل من العراق وفلسطين وجنوب لبنان وأفغانستان، حيث تثبت هذه الجماعات وتحقق نجاحات، ينطبق عليه ذلك (استخدمت الحكومات السودانية المتعاقبة بنجاح فتاوى "الجهاد" في جنوب السودان لمواجهة متمردي الجنوب غير المسلمين، ولكن كان لا بد من العمل على خط انقسام آخر "عرقي" – لا تنفع فيه التغطية الإسلامية - لتغطية الصراع في دارفور، "فالعدو" هذه المرة مسلم ولكن من غير العرب).
السمة الثانية هي انعدام التناسب بين الطاقة التعبوية الهائلة والمنهاج السياسي الفقير. منهاج يقوم على ثنائيات بسيطة وفاقدة للعمق السياسي. ببساطة يمكن أن ينقسم العالم إلى فسطاطين (هويتين) لا منزلة فيه بين المنزلتين. وببساطة يمكن أن تنزلق الهويات المتصارعة وتبدل مواقعها، وعليه يمكن لهذه الطاقة أن توظف في عمل وطني رفيع (مقاومة الاحتلال) وأن تخدم في وقت آخر كقوة تدمير للوحدة الوطنية وحتى كطاقة تغذي حرباً أهلية. يمكننا أن نتذكر كيف حول أبو مصعب الزرقاوي، وهو أحد وجوه هذه الصحوة، أنصاره إلى محاربة الشيعة "الروافض" وحزب الله في لبنان، فاتحاً الباب أمام حرب أهلية أشد فتكاً بالإسلام من الاحتلال "الصليبي" نفسه. وكيف أدت حرب يوليو الإسرائيلية على لبنان سنة 2006 بأيمن الظواهري إلى تغيير هذا الموقف ومناصرة حزب الله في حربه تلك. ثنائيات دينية سياسية، الدين يضفي عليها قطعيته والسياسة تفرض عليها حركيتها، فنصبح أمام قطعيات متحركة، هي من سمات هذه الجماعات.
ليس جديداً أن يطمح الدين إلى اقتحام السياسة، إنه نزوع "طبيعي" ويشكل القاعدة، والقول إن الدين الإسلامي يقتحم السياسة بصفته ديناً ودنيا، لا يفسر لنا سبب تدخل كل الديانات (السماوية وغير السماوية، الكبرى والصغرى منها) بالسياسة بصفتها محل التحكم بالشأن العام. حتى الكنيسة المسيحية لم تترك ما لقيصر لقيصر بل استولت عليه وباتت تتوج وتعزل القياصرة، مفتية ذلك بالقول إن الكنيسة مسؤولة أمام الله عن أعمال الملوك أنفسهم. ما يتوجب علينا هو أن نفسر سبب نجاح عملية الاقتحام هذه اليوم وبهذه الصورة.
ليس هاجس الإسلام السياسي فرض الأحكام الشرعية، حتى أن الكثير من الحركات الإسلامية تخلت صراحة عن ذلك، بل إن الهاجس العميق يتعلق بالهوية. وهذا الهاجس يطفو على السطح ويستفز أعمق مخازن الطاقة الفردية والجماعية حين تتسع الهوة "الحضارية" بين الجماعات ولا يبدو أمام الأمم المغلوبة سبلاً ملموسة واضحة للخروج من "تخلفها". عندئذ يسيطر على السلوك السياسي بوعي مباشر أو غير مباشر مبدأ الحفاظ على الذات حتى "يجعل الله لها مخرجاً".
في فترة حروب التحرر الوطنية عقب الحربين العالميتين الأولى والثانية كان يبدو التحرر للأمم سبيلاً للخروج من محنتها، كما شكلت سياسات الاستقلال الاقتصادي الوطني والبناء الاشتراكي وما إليها سبيلاً مشابهاً. ولا يهم أكانت هذه السبل موهومة أم لا، المهم أنها كانت ترسم أفق حل أمام الوعي العام. إن عالم اليوم يخلو إلى حد بعيد من هذه الآفاق وهذا ما يجعل الهويات أو الذاتيات تتخذ واجهة الصراعات. لعل ذلك ما يفسر هذا المد الإسلامي الواسع والمتنوع في منطقتنا. وما يفسر حدة تعبيرات بعض تياراته. وما يفسر تقبل هذه التيارات من قبل قسم كبير من الوسط العام والوسط الخاص رغم أن هذه الجماعات تنسف باعتمادها المرجعية الدينية أساس الدولة الحديثة التي تقوم على فكرة المواطن والمواطنية.
#راتب_شعبو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تعليق على مشروع البرنامج السياسي للتجمع الوطني الديموقراطي ف
...
-
في شأن إعدام صدام حسين
-
حول اعتقال علي الشهابي
-
حرب لبنان ومأزق -العقلانية- السياسية
-
سوريا السوريالية
-
عن الداخل والخارج مساهمة في الحوار الجاري
-
الخارج وفق محددات الداخل - المثال السوري
-
الوحدة الوطنية بين السلطة والمعارضة في سورية
-
قبل الرماء تملأ الكنائن
-
أية علمانية وأي إسلام؟
-
مفهموم الوطنية..مقاربة عامة
-
مفارقة السياسة الامريكية في المنطقة
-
إعلان دمشق ..تقدم في الشكل وتراجع في المضمون
-
دنيا الدينالاسلامي الأول - 6
-
دنيا الدين الاسلامي الأول - 5
-
دنيا الدين الاسلامي الأول - 4
-
دنيا الدين الاسلامي الأول - 3
-
دنيا الدين الاسلامي الأول - 2
-
دنيا الدين الاسلامي الأول 1 من 3
-
في مسألة الأخوان المسلمين في سورية
المزيد.....
-
تسليم الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يو
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي النايل سات وال
...
-
مستعمرون يقطعون أشجار زيتون غرب سلفيت
-
تسليم رهينتين في خان يونس.. ونشر فيديو ليهود وموزيس
-
بالفيديو.. تسليم أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يونس
-
الصليب الأحمر يتسلم المحتجزين الإسرائيليين أربيل يهود وجادي
...
-
القناة 13 العبرية: وصول الاسيرين يهود وموسيس الى نقطة التسلي
...
-
الكنائس المصرية تصدر بيانا بعد حديث السيسي عن تهجير الفلسطين
...
-
وصول المحتجزين الإسرائيليين أربيل يهود وغادي موزيس إلى خان ي
...
-
سرايا القدس تبث فيديو للأسيرة أربيل يهود قبيل إطلاق سراحها
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|