لـســنـا شـهـود زور
اسمحوا لنا بان نسأل بكل سذاجة وبساطة من يقرّر شن العمليات العسكرية من الجنوب؟
يحق لنا كلبنانيين شركاء في هذا الوطن ان نعرف كيف يتخذ هذا القرار الذي يعني مباشرة، بفعله ونتائجه، كل لبنان وكل اللبنانيين.
يحق لنا ان نعرف اذا كان "حزب الله" وحده يتخذ هذا القرار، وعلى أي اساس يتخذه، او اذا كانت سوريا تتخذ القرار و"توحي" لـ"حزب الله" الاوامر، او اذا كانت ايران ام الدولة اللبنانية، وحسب اي استراتيجيا وعلى اساس اي آلية؟
نعم يحق لنا ان نعرف، بل ان نشارك في قرار مصيري كهذا. الا اذا كان لبنان غابة ومزرعة لا سلطة مركزية فيه ولا مركزية قرار.
قد تكون الدولة اللبنانية وبشكل خاص الحكومة اللبنانية بصفتها السلطة التنفيذية المسؤولة عن تنفيذ سياسة الدولة، المسؤولة المباشرة عن عمليات "حزب الله" في الجنوب، لأن هذه الدولة بالذات تدّعي انها دولة القانون والمؤسسات وتمارس سيادتها كاملة على كل الاراضي اللبنانية.
اما في الواقع فنحن نعرف ان الدولة ليست فعلا من يقرر القيام بعمليات عسكرية من الجنوب، وليس للدولة اللبنانية استراتيجيا في هذا المجال وخصوصا ان سيادتها منقوصة على مستوى القرار السياسي في مجالات عديدة في السياسة الداخلية والخارجية.
وفي هذا السياق يمكننا ان نقول ان تقصير السلطة وعدم تحملها مسؤولياتها الوطنية - وإن يكن بعض أركانها يحاول من خلال بيانات ومواقف تغطية "حزب الله" وأعماله - يضعانها في خانة المسؤول الأول أمام العالم عما يجري من فلتان في جنوب لبنان.
نحن لا نقول ان المطلوب ان نتنازل عن حقنا في مقاومة العدو من اجل تحرير مزارع شبعا، ولكن نقول ان المشكلة الاساسية تكمن في من هو صاحب القرار على مستوى شنّ العمليات في المكان والزمان. فخلافنا مع "حزب الله" هو انه لا يحق له ان يكون حركة مسلحة في ظل دولة، وخصوصا بعد توقيع اتفاق الطائف. ولا يحق له ان يتحرك وكأنه دولة ضمن الدولة يضع الجميع امام الامر الواقع، ينفذ سياسته الخاصة به وكأن الشعب غير موجود، وكأن مؤسسات الدولة غير موجودة.
نعم، لا يجوز ان تكون مبادرة استعمال القوة ضد اسرائيل في يد "حزب الله"، بل يجب ان تكون في يد كل اللبنانيين من خلال قرار وطني شامل وآلية واستراتيجيا واضحة!
من قال لـ"حزب الله"، ولمن يسانده في الحكم والدولة، ان كل اللبنانيين موافقون على هذه السياسة التي ستكبد لبنان الكثير الكثير من الخسائر المعنوية والمادية؟
ومن قال لـ"حزب الله"، ولمن يسانده في السلطة، ان استراتيجياته هي الاستراتيجيا الصالحة في هذا الظرف بالذات؟ ومن اعطاه الحق في ان ينفرد بالقرار لحسابه او حساب غيره - من يدري - وعلى حساب كل اللبنانيين؟
أليس معروفا ان قرارات الحرب والسلم تتخذ على مستوى الوطن، من خلال دولة تمثل فعلا كل الوطن لا دولة مشكوك وعن حق بشمولية تمثيلها؟
نريد ان نعرف صراحة من في الدولة وفي الحكم يؤيد تفرد "حزب الله" بشن عملياته من الأراضي اللبنانية ساعة يشاء أو كيف يشاء هو وحلفاؤه الاقليميون؟ نريد ان نسمع مواقف واضحة لا تصريحات "ديبلوماسية" تؤيد القضية دون ان توضح لنا اذا كانت تؤيد فعلا العملية وآلية القرار والتنفيذ!... الا اذا كان شبح الخوف - والخوف ممن يا ترى؟ - يسيطر على المسؤولين ليشلّ صوتهم وقرارهم الحر!
الا تظن السلطة اننا نواجه اليوم ما يكفينا من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، وانه لا لزوم لتكبيدنا ضربة اخرى قد تنتج من رد اسرائيلي في موسم الاصطياف، رد كان يمكن ان يطول مثلا البنى التحتية والكهرباء بالذات... الا اذا كانت السلطة "تمنّت" ان تستهدف اسرائيل منشآت الطاقة الكهربائية لتبرر فضيحة انقطاع التيار وتحميل المسؤولية لاسرائيل!
ثم ما المغزى من القيام بالعمليات العسكرية وتحمّل الرد عليها، ثم الاشتكاء الى مجلس الأمن بينما يشكك من يقوم بالعملية - عنيت "حزب الله" - بمصداقية الامم المتحدة مهاجما بشكل خاص امينها العام كوفي عنان؟
وما نفع العودة الى مجلس الأمن، ما دامت الدولة ترفض اصلا تنفيذ توصيات هذا المجلس والامين العام حول نشر الجيش على الحدود، وما دام "حزب الله" يرفض المرجعية الدولية برفضه "الخط الازرق"؟ وعلى أي أساس تقاس الانتهاكات الاسرائيلية وتقدم الشكاوى اذا رفضنا المقياس الدولي الذي يشكله الخط الأزرق؟ وألا يشكل موقف "حزب الله" الرافض للخط الأزرق تمرداً وانقلاباً على مواقف السلطة اللبنانية التي اعترفت بهذا الخط، مما يظهر كأن هناك فعلاً دولة ضمن الدولة؟
وماذا سيكون موقف الدولة في حال انعقد مجلس الأمن نتيجة الشكاوى - اللبنانية او الاسرائيلية - واتخذ قرارا وليس توصية بنشر الجيش في الجنوب، وبوضع حد لأي وجود مسلح غير شرعي؟ فهل ينفذ لبنان القرار، ام يرفض ويصبح في خانة المتمرّدين على قرارات الشرعية الدولية معطيا اسرائيل اكبر هدية واهم مبرر لاستهداف لبنان وسوريا بغطاء دولي؟ أم يرفض "حزب الله" كما رفضت المقاومة الفلسطينية نشر الجيش في الجنوب عام ،1977 معرقلة القرار الدولي، والجميع يعرفون ما آلت اليه الأمور بعد ذلك، وما كلفت لبنان؟
وهل من مصلحة لبنان ان يخسر اليوم المجتمع الدولي والعالم كله ومصداقيته بسبب هذه السياسة التي لا تخدم في الحقيقة مصلحة لبنان بمقدار ما تخدم مصلحة "حزب الله" مباشرة ومن وراءه، ناهيك بمصلحة اسرائيل؟
الا تظن الدولة اننا في حاجة اليوم الى الدعم الدولي لمواجهة هذا الزلزال الذي يضرب المنطقة مهددا باطاحة كل انظمتها؟
وهل مطلوب منا ان ننفذ دائما سياسة الآخرين على ارضنا، وان نعطي اسرائيل مبررا لخربطة "خريطة الطريق" تماما كما حصل من خلال عمليات الرفض الفلسطيني داخل الاراضي المحتلة... ويا لها صدفة ان تتزامن معاودة العمليات الانتحارية في اسرائيل مع اشعال جبهة الجنوب؟
الى متى سنبقى نُستعمل سلعة في سياسة التجاذبات السورية - الاميركية تارة، والايرانية - الاميركية طوراً، والاميركية - الاسرائيلية حينا؟
مرة اخرى نؤكد ان مقاومة العدو حق مشروع، ولكننا نقول ان قضية مزارع شبعا بحاجة الى حل مع سوريا اولاً لننال الغطاء الدولي في آلية تحريرها واسترجاعها.
... ثم نقول، وبصوت عال وانطلاقا من تمسكنا بدولة القانون والمؤسسات، ان حق المقاومة ليس وقفا على "حزب الله"، كما اننا نرفض ان يكون سلاح التحرير حزبيا فئوياً، لأن تحرير الارض ديبلوماسيا او عسكريا شأن وطني شامل يعني مؤسسات الدولة السياسية والعسكرية.
من هنا نرفض ما يقوله "حزب الله" إنه وحده صاحب توقيت شن العمليات لأنه، بكل بساطة، ليس وحده صاحب الدار والارض والشعب!
... وبالتالي لا يمكن اللبنانيين ان يقبلوا بأن يكونوا شهود زور على ما يجري في الجنوب، او خيال صحراء امام ما يقوم به "حزب الله" من اعمال عسكرية تصب في خدمة العدو الاسرائيلي وبالاخص سياسة شارون الجنونية الهادفة الى نسف مخطط السلام في الشرق الاوسط، او ربما نسف الشرق الاوسط بأسره!
النهار - جبران تويني - الخميس 14 آب 2003 - السنة 71 - العدد 21698