|
الآخر
مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 1876 - 2007 / 4 / 5 - 11:16
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
نتحدث عن تقبل الآخر و كأننا أصبحنا جاهزين للتعامل مع الآخر و لتقبل الآخر فيم على أرض الواقع ما يزال العنف هو الوسيلة الأمثل لحل الخلاف مع الآخر مع أي كائن يختلف عنا..و كأننا تدمقرطنا و خلصت القصة و صرنا تمام التمام..كي ندخل فورا في الموضوع و لتقدير خطورته يمكننا أن نبدأ من صورة الآخر الأولى في هذا الكون حسب رؤية المقدس..فحسب هذا المقدس كان أول مخالف أو خارج عن السائد أول "آخر" في مواجهة السائد هو الشيطان..نعم فقبل الشيطان كان الكون يسبح بحمد الله حتى عصى إبليس أمر الله و تحول إلى مصدر الشر الذي يقابل الذات الإلهية..هذا التناقض مع الآخر كان غير قابلا للحل غير قابل سوى للعن و إنكار خروج الشيطان على إرادة الرب..كيف يمكن لك أن تقبل الآخر إذا كان يصور على أنه مصدر الشر في العالم ؟..هكذا كانت بداية الآخر بالنسبة للفكر الديني..أما ماذا بعد , عندما أخذ الإنسان بعمارة الأرض فهي تتمثل في حالة معقدة و تبسيطية في آن واحد عن الكون بما في ذلك الآخر أيضا..فخطاب ابن حنبل و ابن تيمية يعطينا هنا صورة واضحة ليس فقط في شدة رفضه للآخر بل في طريقة تأسيس الأنا ذاتها..فيذهب ابن حنبل الأستاذ و تلميذه ابن تيمية إلى أن القدريين مثلا على خطأ في إثبات الفعل للعبد دون الله و أنهم مجوس الأمة فيتوقع المؤمن المسكين أنها بسيطة فمادام القدريين على خطأ فالجبريين الذين ينسبون الأفعال إلى الله وحده هم على الصواب لكن ابن حنبل و ابن تيمية يفاجئاه بأن هؤلاء أيضا على خطأ و عبر محاججات معقدة غير قاطعة في منطقها شديدة القطعية في تكفيرها لمن لا يلتزم بهذه الرؤية للمقدس يجري التأسيس "لحقيقة" تحدد الصواب و الخطأ التي لا يبقى أمام المؤمن إلا أن يقر بها دون نقاش و ذلك لأنها معقدة عصية على الفهم من ناحية ( كما وصف البعض مثلا عقيدة التثليث ) و في محاولة للنجاة من سيف التكفير المرفوع في وجهه من جهة أخرى..و هذا نراه أيضا في مقاربتهم لصفات الله مثلا و سوى ذلك من أطروحات رؤية المقدس للكون لكنهم في المقابل يعدون كل من يلتزم بهذه الأطروحات بالجنة هكذا ببساطة يرسم أصحاب هذا الخطاب صراطا مستقيما و يبقى على المؤمنين أن يلتزموا به فلا يحيدون عنه قيد أنملة و إلا الويل و الثبور أي جهنم و بئس المصير..إن الخلاف بين السنة و الشيعة على الإمامة مثلا يصبح مبررا كاف للقتل المجاني سواء على صعيد القاتل أو المقتول القتل المبرر تماما من طرف القاتل و القتيل معا..للحقيقة و للإنصاف فإن هذا المستوى من تقبل الآخر لا يقتصر على ابن حنبل و لا ابن تيمية وحدهما بل يتفقان في ذلك مع من يختلف معهما حتى درجة التناقض الجذري..تذكروا أننا هنا لا نتحدث عن الصواب و الخطأ وفق نسق فكري معين بل عن العلاقة مع الآخر المختلف , هذا الشيء الذي أصبح اليوم تجارة سهلة رخيصة يمكن لنا أن نزعم أننا نمارسها و أن خصومنا "السيئين" بالطبع هم من يمارس عكسها هم من لا يقبلون الآخر و ربما لذلك بالذات فنحن لا نقبل بهم لأنهم بهذا لا يعودون في وضعية الآخر التي يمكن لنا احتمالها..قد أحاول مثلا أن أقنعك أن ستالين كان على حق في إعدامه لزينوفييف و تروتسكي و بوخارين و سواهم لكن من الغباء أن أحاول إقناعك أن هذا العمل يحمل أية صفة من صفات تقبل الآخر , الشيوعي هنا و ليس المعادي للشيوعية..إذا كنت ممن يرى في هذا القتل ( أو قتل أي مخالف - آخر ) قتل الخارجين على الفكر بصيغته السائدة عملا مشروعا فليس من المطلوب إلا أن تعلن هذا و انتهت..سهلة ؟..إذا كما ترى هنا فالمطلق و المقدس سيان في الفعل فهما يحددان شرعية صارمة لا تقبل المساومة..السؤال هنا هل أنا و أنت مستعدان لنرى في الآخر ( و إن كان شيطانا وفق السائد ) كائنا أو شيئا يستحق الوجود إن لم يكن الجدل معه و ربما التعايش معه؟..هنا سينفجر في وجوهنا كم هائل من الأسئلة خاصة في قضايا قطعية , إن لم يكن عندك فعند غيرك لأنه تذكر أنه كما أن الآخر هو نقضيك فأنت بالنسبة له تشكل أيضا النقيض الآخر..فقضايا مثل الوطنية و الخيانة و الاستبداد و الديمقراطية هي قضايا قطعية بالشكل لكنها دائمة التغير في المضمون خاصة مع استدعائها بقوة إلى ساحة الجدل السياسي كما هو الحال في لبنان و العراق مثلا..اسمع الطريقة التي تستخدم فيها هذه المفاهيم أو القيم ذات المضمون أو الدلالة المتغيرة من خطاب إلى آخر فما هو وطني عند جنبلاط ( معاداة سوريا و إيران ) ممارسة تعبر عن انعدام الحس الوطني عند غيره و ما هو وطني عنده و عند سمير جعجع ( التعاون مع أمريكا لحماية و توطيد استقلال و سيادة لبنان؟؟ من السيطرة السورية أي النظام بالطبع ) عمل من أعمال الخيانة عند غيره..طبعا لو أني قلت لك أنك على حق و أن خصمك أو ما تتوهم أنه خصمك ( هل كنت تعتقد مثلا أن تبدل أصدقاءك أو أعداءك كما جرى مؤخرا لأغلب إن لم يكن لكل القوى السياسية هذا التحول الذي يضع موضع الشك الفاصل بين الخير و الشر بين العدو و الصديق في تحديد مؤقت ذا صفة عابرة ربما لكن في مظهر ثابت أزلي , تذكر مثال جنبلاط و جعجع السابق ) هو المخطئ لكانت القضية سهلة لكن الموضوع بطبعه ذا طبيعة صادمة فلو كانت الديمقراطية التي نتغنى بها درسا في الخير و الشر الصواب والخطأ لكي نشتم أعداءنا بتلذذ و نتهمهم بالاستبداد و ممارسة الطغيان الفكري و إلغاء الآخر و أننا منها براء لكانت قضية سهلة و مارسناها بسعادة ما بعدها سعادة لكن أن تكون بالطبيعة حالة تفترض أننا كلنا سواء كأسنان المشط في وضعيتنا الأساسية كبشر فهذه حالة علينا أن نتوقف عندها محاولين تفسيرها أو عندما نفشل في أن نقنع أنفسنا بها أن ندعها غير آسفين..المشكلة هي كما يقول النص القرآني في أننا هنا نفعل ما لا نقول و نقول ما لا نفعل..يعني إما أن الإنسان كقيمة مجردة عن المطلق الذي نعتقد به و يعتقد بغيره غيرنا يتجاوز "احتمالات" الخطأ و الصواب المتعلقة بهذا الخطاب أو ذاك أو أن هذا الآخر يستحق النفي و الرفض و أن هذا الصراع مع الآخر لا يعني بأي حال من الأحوال أن نتراجع عن "ثوابتنا" و بالتالي أن يكون الصراع ضد الآخر ذا أهداف لا تتوقف إلا عند هزيمة الآخر الساحقة..إما أننا اكتشفنا الحقيقة التي لا يأتيها الباطل من أمامها أو خلفها , الحقيقة التي لا شك فيها و لا ينفيها إلا متكبر مستحق للعقاب أو أن هذه الحقيقة تحتمل الصواب و الخطأ و يحق للإنسان ككائن عاقل أن ينتقدها وصولا إلى إنكارها , هل لاحظت أن الخطابات إياها هنا تنتقل بسرعة بعد إقرارها بتكريم الإنسان أولا إلى اعتباره كائن محتاج لتوجيه المطلق كائن غير قائم بذاته قائم بالمطلق و بالمطلق وحده وصولا إلى شرعية العقاب الواقع على الإنسان و شرعية قسوة هذا العقاب و شرعية انتهاك جسده و حريته , حرية استخدامه لعقله و لسانه و قلبه..هنا ننتهي من جديد إلى نقطة البداية إلى زعمنا بقبول الآخر و استخدامنا هذا ضد الآخر بالذات , نكتة جميلة يا سيدي
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النظام و البديل و الديمقراطية
-
السياسة و الفكر مرة أخرى
-
قمة عربية أخرى
-
في شرعية الحاكم المطلق - الملك العضعوض
-
خطاب مدرسة النقل و السلف
-
من دروس الحروب الأهلية
-
رد على مقال الأستاذ زهير سالم : المجتمع المفكر و نظرية المعر
...
-
إلى عبد الكريم سليمان
-
عن تحولات الجسد
-
في حقوقنا كبشر
-
الإنسان و الحرية
-
رأي في الحرب
-
إعادة اكتشاف الصهيونية
-
السياسة و المجتمع
-
الخارج مرة أخرى
-
الحداثة..التبعية..و المقاومة
-
ابتسم..أنت سوري!!..
-
الطائفية و إشكالية التغيير الاجتماعي
-
نخبوية المثقف : الفكر لأجل الإنسان أم الإنسان تحت رحمة الفكر
...
-
قتل الآخر في عاشوراء مرة أخرى
المزيد.....
-
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص
...
-
ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
-
مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
-
إيران متهمة بنشاط نووي سري
-
ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟
...
-
هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟
-
عاجل | مراسل الجزيرة: 17 شهيدا في قصف إسرائيلي متواصل على قط
...
-
روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة.
...
-
مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
-
مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|