محسن صياح غزال
الحوار المتمدن-العدد: 1873 - 2007 / 4 / 2 - 12:19
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
من بين ثنايا الرعب وشلاّلات الدم وهدير الأنفجارات وتناثر الأشلاء بفعل الحقد البربري والتكفير الفاشي الوهابي الظلامي , يصدح عالياً , طاغياً , عرس الفهود , عرس الكادحين , الثالث والسبعون ,لحزب الشهداء والمناضلين , حزب الفراتين , الحزب الشيوعي العراقي .
ولد الحزب وترعرع , تنظيمياً وسياسياً وفكرياً , بين العمال والفلاحين والكسبة وشغيلة الفكر , في الريف والمدينة . خاض كفاحاً دؤوباً ومقاومة حديديه يوميه من أجل إنتزاع حقوق وحريات ومكاسب الشغيلة والكادحين ومن أجل التحرر والديموقراطية والأستقلال , و نظالاً شرساً ومتواصلاً لصدّ الهجمة البربرية للرجعية الحاكمة وضدّ الأستعمار والأقطاع المتسلّط على مصير الوطن وحياة العراقيين .
كفاحاً متواصلاً وتضحيات غاليه , تشعبت وتوسعت لتشمل كل الطبقات والفئات الأجتماعيه , القوميات والطوائف والأنتماءآت العرقيه التي تشكّل ألوان الطيف العراقي الجميل . شمل جميع الميادين السياسيه والفكريه والأجتماعية والأقتصادية , تمدد وإنتشر وتشعّب كالشرايين في جسد الشعب العراقي بعمّاله وفلاّحيه , نسائه وطلبته وشبابه , نقاباته وجنوده والعاطلين عن العمل , بل والأميين والمتدينيين !! . في ذات الوقت الذي يواجه فيه هجمة بربرية ساديّة شرسة ووحشية من القمع والمطاردات والملاحقات والأعتقالات والتعذيب والأعدامات من قبل جلاوزة ومخابرات النظام الرجعي التابع (وزارة الأيوبي ) وسلطة التاج البريطاني الأستعماريه . ولأن الحزب دخل كل بيت وشارع ومحلّة وريف وقصبة وهور وبستان , وتغلغل وإستقرّ في قلوب وضمائر وعقول قطاعات عريضة من الشعب العراقي , فقد إستطاع بناء سور حديدي واقٍ ومنيع يحميه ويصونه من ضربات وبطش الشرطة السريّة والعلنيه المسعورة تحت شعارها الممجوج ( محاربة الشيوعية ) سيء الصيت . كانت باكورة التضحيات والقرابين على مذبح الحريّة والأنعتاق عام 1946 , ثم توالت مواكب الشهادة , يراعات وكواكب على أكتاف جماهيرنا المتلهفة للتحرر والأستقلال والديموقراطية والحياة الكريمة وتحسين المستوى المعيشي للطبقات الفقيرة والمظلومة . فكانت بركاناً كاسحاً ويومياً من التظاهرات والأعتصامات والأحتجاجات وعرائض المطاليب بتحسين ظروف معيشة الطبقات والفئات المقهورة من الشعب , نظالات يومية شملت مختلف مدن ونواحي وقصبات الوطن , من أطراف نخيل البصرة وحتى حواف سفوح زاخو ! .
ورغم أن الحزب تعرّض الى ضربة موجعة وقاسية وخسارة هائلة لا تقدّر , بفقدانه كوكبة من خيرة مناضليه وقادته الأبرار , فهد وحازم زصارم , عام 1949 , إلاّ أن الحزب تجاوز الضربة بصلابة وجدارة وقدرة على النهوض والمجابهة والأستمرار , نهض رغم الجرح العميق الغائر ورغم النزف الشديد , يقود ويواصل وينتشر كالعبير , ليمتلك مشاعر وعقول وأفئدة وضمائر جماهير هائلة من الشعب العراقي .
كانت قوة الحزب ومنعته وحصانته وشعبيته تتأتّى من إحتضانه لكل مكونات الطيف العراقي المتعدد الجميل , من عرب وكرد وآشوريين وكلدان وتركمان , مسيحيين ومسلمين ويهود وأيزيدية وصابئة مندائيين , وهذا ما أكسبه بحق وصدق صفة لا يملكها أي حزب في الدنيا , حزب شـــدّة الورد , حزب الطيف العراقي الرائع الجميل !!
لقد رسّخ وثبّت ووطّد , الألتفاف الواسع والمخلص للجماهير العريضة حول الحزب , بوضع ثورة الرابع عشر من تموزعلى طريق الأنتصار والثبات والنجاح , وكان ذلك واضحاً وساطعاً من خلال التظاهرات المليونيه التي قادها الحزب في آيار 1959 , حيث وجدت الثورة إلتفاف الجماهير حولهاحافزاً للصمود والثبات والمقدرة والتقدّم بخطوات واسعة وجريئة صوب إنجاز المكتسبات الوطنية التقدمية , حيث تشكّلت النقابات والجمعيات والتنظيمات السياسية والمهنية , وسيطرة الشعب على خيراته النفطيه وتشريع قانون الأصلاح الزراعي وتوزيع الأراضي على الفلاحين المعدمين والفقراء وليس آخرها الخروج من حلف بغداد الأستعمارى والأنعتاق من ربقة وقيود الأسترليني .
أمام هذا كله يقف التآمر والعداء الوحشي والتخريب الرجعي من قبل أعداء الوطن والثورة والحزب , حيث بدأت تحاك مؤامرات وخطط الغدر بمحاولة إغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم , كانت باكورة مسلسل الدم والذبح الفاشية والردّة الطائفية العنصرية والكره المتأصل للأنسان والحرية والتقدم والديموقراطية , التي مارستها قطعان الفاشية الوحشية منذ اليوم الأول للثورة , لنحر الجمهورية الفتية ووأدها في المهد , ولأعادة عجلة التحرر والتقدم والأنجازات الى عهد القمع والتنكيل والأبادة ومصادرة الحقوق والحريات وإلغاء المكاسب التي حققتها الجماهير بدماءها وتضحياتها الجسيمة , تلك المكاسب والأنجازات التي أقضّت مضاجع الأستعمار والأقطاع والرجعيه المحليّه والأقليميه وقطعت أيادي الشركات وكارتلات النهب لخيرات وحقوق شعبنا العراقي .
من الأنصاف , الأعتراف بأن لقيادة ثورة تموز أخطاءها ومثالبها وزلاّتها التي أودت بها الى مزالق الخطر والضعف والضياع , فنهج التسامح وعفى الله عما سلف , ومسك العصا من وسطها , وعدم تسليح الجماهير المنتفضة ضد الردة والأنقلاب الفاشي عشية الثامن من شباط الأسود , كل هذا سهّل ومهّد الطريق لخفافيش الحقد والظلام والفاشية للتسلل والأنقضاض على الثورة وجماهيرها ومكتسباتها , ولتبدأ عجلة الموت بالدوران ... وتعلن جمهورية الذبـــــح !!
حلّ اليوم الأسود الدامي , 8 شباط , وقرعت قطعان الأوباش نشيد الذبح والأبادة , وفتحت سدود الدم لتُغرق بسيلها مدن وحارات وأزقة الوطن , لتنشر الظلام وتحول العراق الى مسلخ بشري وتلال من العظام والأشلاءفي كل شبر وزاوية من أرض الرافدين , بهائم ووحوش متعطشة للدم هاجت كالجراد منفلتة من جحورها لتنهش لحم البشر دون تمييز ولا رحمة ولا وازعٍ من ضمير . كان الحزب الشيوعي العراقي هو الهدف الأول لقطعان الردّة والفريسة الأولى الأصعب , فهو الحزب الذي وقف حصناً منيعاً وسدّاً مانعاً وحجر عثرة في طريق كل مؤامراتهم لوأد الثورة وإفتراسها , وفي ذلك اليوم الأغبر , وجدت فيه تلك الحثالات من القتلة والسفّاحين واللقطاء , فرصتها الذهبية للأنقضاض على الحزب وإبادته وقلعه من تربة العراق ! وقد عزم الفاشيون أمرهم : وجودهم وبقائهم وإنتصارهم وإستمرارهم مرهون بإبادة الشيوعيين عن بكرة أبيهم وإقتلاع الحزب من أرض الرافدين ! حينها بدأت قائمة الذبح والأبادة تطول وتطول , كوكبة هائلة من المناضلين المخلصين الشرفاء , طالت مفاصل الحزب كله , قيادات وأعضاء وأصدقاء ومؤازرين ومؤيدين , سلام عادل والحيدري والعبلي وعوينه وأبو العيس والآلاف غيرهم .
اليوم وقد تحطمت وإندثرت شريعة الذبح والدم التي خطّها البعثيون والقوميون لأربعون عاماً ونيف , وتبخرت الفاشية وحزبها الدموي العنصري الطائفي على يد صانعيها ذاتهم ! فلا بدّ من تعلم الدروس والتجارب جيداً وبحرص وبصيرة شديدة , بتصحيح الأخطاء والمثالب التى أودت الى تلك النتيجة المريرة , وعدم الأنزلاق في هاوية الغرور والأوهام . أن تكون مصلحة الوطن والشعب هي العليا , وركن الخلافات الحزبية والفئوية والشخصية جانباً في مواجهة عدوٍ شرس ومتوحش ومتحفّز للأنقضاض ثانية , من الخاسرين والمفلسين وبهائم التفخيخ والتكفير والظلام وأنظمة التوريث والزعامة مدى الحياة ! توطيد وترسيخ الوحدة الوطنيه , وأواصر الأخوة بين جميع الفصائل والقوى والأحزاب الوطنيه الشريفه و المخلصة للوطن والشعب ,تنظيف الوطن من المجرمين والمرتزقة , عراقيين وعرب وأجانب , تنظيف جسد الدولة من الأنتهازيين وضعاف النفوس والنفعيين والمختلسين الفاسدين .
اليوم وقد تخلّص الوطن والشعب , بل الماء والحجر والطير والشجر , من أبشع طغمة همجية وساديّة وسمت تأريخها المشين بالذبح والتنكيل والأبادة وسفك الدم البريء وكره الأنسان والحرية والسلام ,قُبِرت الفاشية الى غير رجعة .... وبقي الوطن والأنسان , وهاهو الشعب ينهض من كبوته من جديد نحو الحرية والأنعتاق والنور , الديموقراطية والبناء وتضميد الجراح , رغم دخان الحرائق وأزيز الرصاص ودوّي المفخخات وتناثر الدم والأشلاء ! فعجلة الزمن لن تعود أبداً الى عصر الهمجية وشريعة الغاب وإحتقار آدميّة الأنسان العراقي , في حين يقبع القتلة والجزّارين والسفّاحين وجرذان الجحور وراء القضبان بذلّهم وخزيهم ومهانتهم , منهم من نال جزاءه العادل غير مأسوف عليه .... ومنهم من ينتظر .
#محسن_صياح_غزال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟