ماريو أنور
الحوار المتمدن-العدد: 1873 - 2007 / 4 / 2 - 09:45
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قبل الدخول فى نقاش كتابى قد يعترض البعض عليه .... أريد أن اوضح .. توضيحاً ليس بالتعذيب فى تفسيره , أو من المحرمات فى تأويله .... وهو أنى أؤمن بالله واعرفه جيداً .... لكن مع التوضيح بأن الله الذى عرفته ليس بالصورة التى يتخيلها من صنعوا ألهة لأنفسهم ,,,,, دون الخوض فى تأويلات تفكيرى دعنى أوضح عباراتى اليك .....
من خلال متابعاتى للفنوات الفضائية و البرامج الدينية بمختلف طوائفها و ميولها مسيحية أو إسلامية ... قد لفت أنتباهى التبشير الذائد بإله يتلذذ فى تعذيب الناس .... وفى نفس الوقت يحبهم أكثر من جميع مخلوقاته .... !!! .
واليكم بعض هذه الكلمات والعبرات ( الله قهر الاعداء , لأنهم من الكفار ) , ( هذه الكارثة بلاءً من الله , لما تفعله هذه الدولة فى المسلمين ) , ( الله يغضب من المؤمن فى معصيته , لأنه يحبه قريب منه ) , وكثير من الشعارات التى أسمعها يومياً أيضاً فى المواعظ والخطب واليك أيضاً ( ألهم شرد أولادهم , ألهم خرب بيوتهم ) , ( الله محبة , لكنه قام بتأديبك على ما فعلته من خطأ ) ..... إلخ .
على حد علمى البسيط بالنسبة إلى الفقهاء واللاهوتيين ... إن الله لا يصلح به أو فيه التناقض ... فالتناقض فعل إنسانى بحت , وليس فعل إلهى يمكن الأشارة إليه .... لذلك يحيرنى هذا التناقض الواضح وضوح الشمس فى تعبيرات الواعظين واللاهوتيين من خلال كلماتهم وتعبيراتهم .....
قد يتهمنى البعض بالسقوط , أو التخريف فيما سأعبر عنه فى بقية مقالى ... لكنى سأتخطى هؤلاء فى سبيل فهم معتدل متناسق مع الفكر الإنسانى .....
لدبنا دائماً الخوف من اطلاق بعض التعبيرات الإنسانية أو البشرية على الذات الإلهية ... هو من المحرمات فى أغلب الأمور الدينية ... لذلك نضطر فى نهاية الأمر الى تعقيد هذه الذات أكثر ...
ما الذى تريد أن تعبر عنه عزيزى .... ما هذه الكلمات العويصة ... الغير متناسقة حتى الآن .... هل أصبحت مثلهم تهوى التعقيد فى ذات أبسط من هذا ...
لك الحق فيما تقوله ... لكن دعنى أكمل وأبسط كلماتى لتوضيح فكرتى .... الله الجبار , يفضله البشر على الإله المتألم للإنسانية .... لماذا ؟ !!! ... فالطبيعة البشرية هى دائمة الدفاع عن الإلوهية القادرة وليس عن الإلوهية المتألمة ... هل ما أقوله يختلط بالجنون ... ربما .. لكن أسمحوا لتفكيركم بالـتأمل فى الذات الإلهية للحظة ... مع أزالة جميع الكلمات المفروضة على هذه الإلوهية ....
هل التألم هو فعل ضعف ؟ !!! .... هل فعل التألم النأبع من الحب هو فعل ضعف ... أم قوى ... قد يفهم بعضكم , بأنى أقصد التألم الإنسانى ... هنا اقف لحظة لتوضيح أكثر و أعمق ... دائماً ما يفرض الإنسان على الله الأفعال الإنسانية فى توضيح ذاته .... وهذا ما نجده فى التطور الدينى للإلوهية ... فالله الجبار ناتج عن جبروت إنسانية , لاتقبل الآخرين فى المشاركة والفعل .... والله المؤدب ناتج عن إنسانية لا تقبل أفعالها بضعفها و قوتها .... إلخ ... فالله على مدار التطور الدينى هو ناتج فى جميع الحالات عن حالة إنسانية فى بيئة معينة .... لذلك أنى احاول عبور كل هذه الحالات وأطرح من جديد سؤالى , من هو الله ؟ ! ...
الله هو الكثير من الأشياء ... لكن دعونى افسرها من خلال خليقته ... هل انت عزيزى متناقض ... ألم تقل منذ قليل أن هؤلاء أى خليقته تصنع ألهة على حسب أهوائهم ....
نعم ولكنى لم أعبر حتى الآن ما أقصده من تعبيرى .... الله خلق خليقته ... لماذا ؟!!! ...
الفعل الآولى للخليقة قد تم من خلال العلة الأولى وهى الله ... كلام جميل ... سنتوقف قليلاً هنا لنتبين ونتأمل هدف الله فى الخلق ... يعتقد البعض أن الله قد أتم خليقته ليعبدوه .... قد يتناسق هذا التعبير مع فكرة الإله الجبروتى ... مع الحذر الشديد فى خطورة هذا الاعتقاد ... خطورته !!! ... نعم خطورته ... فهنا نشبه الذات الإلهية ببض الديكتاتوريين .. كيف هذا ؟!! ... فهؤلاء الحكام فى أحتياج دائم إلى من يعظمهم ويضعهم فى أوائل المدائح المرتلة ... لذلك يتم أختيارهم دائماً بما يتناسب من هذه المميزات فى السلطة ... ويزيد عن ذلك هى الحاجة الدائمة لإشباع رغبتهم من تفخيم و تعظيم ... مع الفرق فى التشبية , وتنسيقه فى التفكير ... لا يمكن بالطبع تخيل هذا الفعل الإلهى نابع من هذه التخيلات .. لذلك لا باليد حيلة , التشبيهات و التفسيرات القائلة بهدف الخلق للعبودية ... مع الأسف تتنافى مع الطبيعة الإلهية , حيث من تناقض فى الفعل الإلهى ... ها نحن فى إطرار لإزالة هذا التفسير المتناقض للطبيعة الأولى ....
الحجة الثانية للفعل الإلهى ... هو الحب .... دون التوغل و التعمق فى فعل الحب الإلهى ... يتناسق هذا الفعل مع الطبيعة البشرية , التى أتخيلها مرآة إلهية , من الممكن ؟!! ... لنتابع الطبيعة البشرية فى هذا الفعل ... الزواج دائمأً وأبداً هو عبارة عن علاقة بين شخصين .... ما هى علاقة هذا الترابط .. (( الحب )) ... دون التفلسف فى أنواع الحب , فهذا ليس بالوقت المناسب ... تنتج عن هذه العلاقة فرد ثالث هو الأبن أو الأبنة ... ليكن .. فالنتيجة النهائية لهذه العلاقة , المؤسسة على الحب (( خلق ثالث )) , أتمنى عزيزى أن تكون لديك الملاحظة إلى ما أشير إليه ... فهذا هو الفعل الإلهى للخليقة عند الخلق ... (( الحب )) .....
ما كنت أصبو إليه من كل هذا , هو أن الإله الخالق نتيجة فعل الحب , يمكن أن يتلذذ بخليقته تتألم ؟ !
لماذا لا نتخيل أمكانية الألم بديلاً لهذا العنف الإنسانى .. هل من أحب لا يمكن له الـتألم ....
يطل علينا أعتراض وهو : إمكانية التألم فى الله ؟ ....
ليكن ... هل الله لا يتألم ؟ أم هل الله يتألم ؟ أى هاتين التشبيهيتين أخطر ؟ .....
واليك عزيزى القارىء تمييزاً أكثر لهذه المفارقة قد وضحها من قبل توما الأكوينى : (( من اللائق جداً أن ننسب الرحمة إلى الله , ولكن لا بحسب ما تحدثه من ألم بل بما لها من مفعول , ذلك بأننا ندعو المرء رحيماً عندما يتألم لشقاء سواه كأنه شقاؤه فيجتهد فى مداواته , وهذا نتيجة الرحمة . فالتألم لشقاء الآخرين لا يليق بالله , فى حين أن طرد هذا الشقاء , أى ما نقص عند الآخرين , يليق بالله إلى أقصى الحدود )) ..
قد يكون النص السابق به من صعوبة فى تفسيره ... لكن دعونا من كل هذا وتأملوا ثانية فى ماهية ذات تحب ....
ختاماً أقتبس نصاً لجاك ماريتان شديد الأهمية :
(( أعرف عدد غير قليل من البشر يسيرهم نوع من الازدواجية أساسها جهل الحقائق اللاهوتية جهلاً مطبقاً و الثقة بترهات العقلانية المتطفلة السقيمة , فيرسخ فى أذهانهم فكرة ضبابية – تلقفوها من حيث لا يدرون – مفادها أن الله محبة , فى حين ينظرون إليه من جهة ثانية لا نظرتهم إلى خالق محب ... بل إلى سلطان هذا العالم , إلى (( متسلط – مخرج )) . وهذا المتسلط – المخرج هو فى رأيهم السبب الأول فى وجود سائر خطايا العالم وكل ما فيه من تعاسة , لأنه يسمح مسبقاً بعثراتنا ويتخلى مسبقاً عن خليقته , لينعم بمشاهدة مسار التاريخ البشرى الملىء بالشرور و الأرجاس . وهذه الفكرة غير المعقولة وغير المقبولة , فكرة المتسلط – المخرج القابع فى سمائه غير متحسس لآلام من فرض عليهم التمثيل فى مأساة , هذه الفكرة هى السبب فى ثورة عدد كبير على الله )) .....
الإمكانية أفضل مع عدم إمكانية , تضعنا أما مرآة تعكس أوضاعنا ...
http://marioanwar.blogspot.com/
#ماريو_أنور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟