لا ادري لماذا يسعى اعضاء مجلس الحكم الانتقالي فـي
العراق الى انكار وجود خلافات بينهم،في محاولة للتعميــة
على اصحاب الشان،ومتى سيتحدثون عنها،هل عندما يتحول
مجلسهم الى نسخة طبق الاصل لمجلس قيادة الثورة سـئ
الصيت ،والذي لم نكن نسمع عن اسماء اعضائة الا عندمـا
يتم تصفيتهم،فننتظر حتى يصفي بعضهم بعضا،فتتطايـر
قرارات الخلاف والاختلاف والتصفيات ،مستنجدين بالشعـب
لاعدام الخونة.
ان كل العراقيين يعرفون جيدا، ان هناك خلافـات حادة
وعميقة،تصل في احيان كثيرة الى حد التناقض،بين اعضاء
المجلس،ما كان يمكن تجاوزها للتوصل الى اتفاق بشــان
صيغة الرئاسة ، وبالطريقة المضحكة التي اعلن عنها،تسعة
رؤساء لخمسة وعشرين عضوا،بل وحتى بشان تاسيسه ، لولا
تدخل السفير الاميركي في العراق ،بول برايمر،الذي حسـم
الامر لصالح هذه الصيغة.
ربما يكون السبب ، لان السادة الاعضاء لم يصدقوا بعـد
ان عراقا جديدا طور البناء والتاسيس ، خال من الكــذب
والتزوير والخداع والمراوغة وتزوير الحقائق او حجبها مـن
خلال الالتفاف عليها،الحاكم فيه مسؤول امام الرعية وان من
حق المحكوم ان يسائل الحاكم متى شاء ،وعن اي امر يشاء،
ليس للكواليس فيه مكان،ولا يدبر امر بليل، وان كل الشؤون
التي تخص الشعب والوطن،تناقش من فوق الطاولة وليـس
من تحتها ، وان من حـق الشعب ان يطلع على مناقشـات
الحاكم فيستمع الى الراي والراي الاخر ، فلا تحجب عنــه
معلومة بحجة ضرورات الامن القومي ، ولا يفاجا بقـرارات
الحاكم من على صفحات الجرائد او يطلع على فضائحه من
خلال شاشات الفضائيات او ما اشبه.
اليس من المخجل، ان العراقيين لم يعرفوا حتى الان اي
شئ عن اجتماعات المجلس ومداولاته، ولا حتى عن تاريـخ
اجتماعاته ، هل يفكر المجلس في ان يتحول الى منظمـة
سرية جديدة.
انه يتصرف وكانه احد الزعماء العرب،يتهربون من الواقع
ويتوجسون خيفة من قول الحقيقة،ولا يواجهون شعوبهـم،
ويرفضون التعامل مع المعلومة بشفافية.
ولو كان بيد احد اعضائه سوط ، لجلد كل من ساءله عن
الخلاف والاختلاف ،نافيا من الاساس وجود اي شئ من هـذا
القبيل ، وهم الذين خبرناهم في المعارضة ،يقاتل بعضهـم
بعضا بالسلاح،ويرشق بعضهم بعضا بالتهم الرخيصة، ويحاور
بعضهم بعضا بالتسقيط والوعيد واغتيال الشخصية.
لو كان المجلس، يتعامل بشفافية مـع كل ما يـخص
اجتماعاته ومداولاته،كان يعقد مؤتمرا صحفيا اسبوعيــا
مثلا يشرح فيه انجازاته،لكان قد عوض ، ربما ،عن عقـدة
اللاشرعية التي تؤرقه ليل نهار، بسبب غياب دور الشعب فـي
اختيار اعضائه، وتعيينهم من قبل السفير برايمر.
ارى ان من المناسب جدا ان يتعلم هؤلاء السادة ،درسـا
اميركيا واحدا على الاقل اجده مناسبا اذا اردنا ان نبني عراقا
يختلف نهائيا عن عراق صدام حسين وعن عراق كل الانظمة
العربية،الا وهو الصراحة والوضوح والشفافية في الحديث مع
الرعية،والا،اذا كان السيد الرئيس،المؤقت، يكذب مئة كذبـة
مثلا في شهر واحد فقط ، وهي كل مدة رئاسته للمجلـس،
فكم كذبة سيكذب اذا قدر له ان ينتخب لدورة رئاسية كاملة
من اربع او خمس سنوات على سبيل الفرض لا الحصر.
اذا لم يسم السادة الاعضاء ما حصل في جلسات اختيار
رئاسة المجلس خلافا ،والذي انتهى الـى اختيارهم هــذه
الصيغة المضحكة والمخجلة،رغما عـنهم ،فماذا يمكن ان
يسمونه اذا.
قد يكون سبب رفض الاعضاء التحدث عن اختلافاتهـم ،
لدرجة انكارها،منشاه الخوف من قول الحقيقة ،خشيــة
الفضيحة ،على اعتبار ان الخلاف شئ مستهجن يبغضــه
العامة، وان الخوض فيه،يقلل من شان الحاكم الذي يجب ان
يبقى فوق الخلاف وما دون السماء ،مقدسا و...مؤلها ،علـى
الطريقة الصدامية وعلى طريقة الانظمة الشمولية،وهـذا
عين الخطا وبداية الاستبداد، فالاختلاف شئ حسن وهو علة
التطور،خاصة على صعيد الفكرة والمنهج.
ان المشكلة لا تكمن في الاختلاف مع الاخر، وانما فـي
طريقة التعامل معها ، وكيفية ادارتك للاختلاف بـما يحقق
الاهداف والمصالح العليا لولي نعمتك الذي تعمل لحسابـه ،
الا وهو الشعب والوطن.
ان اول كذبة اطلقها المجلس،عندما انكر انه اتخذ قرارا
بتسمية التاسع من نيسان،يوما وطنيا ، بعد ان تتالـت ردود
الفعل السلبية ضد القرار الذي استهجنه العراقيون،في الوقت
الذي كان عليه ان يصدر بيانا ،يعتذر فيه للعراقيين بسبـب
ما ادى هذا القرار الى جرح مشاعرهم واهانة كرامتهم،امـا
ان يظل يلف ويدور ويراوغ ويبرر ويتهرب من تحمل مسؤولية
الخطا الذي ارتكبه،فهذا امر مرفوض جملة وتفصيلا ، وهو
عادة صدامية مسخ نامل ان لا تتكرر ثانية.
على الحاكم في العراق الجديد ان يتعلم كيف يعتذر للشعـب
اذا اخطا بحقه ، وبكل روح رياضية ، وليدع عادة الانظمـة
الاستبدادية المراوغة التي تخطا ولا تعتذر،جانبا.
وبالمناسبة،وعلى ذكر اختيار اليوم الوطني للعراق الجديد
اقترح تسمية يوم افتتاح اول برلمان عراقي منتخب ، يومـا
وطنيا،فالبلدان الحرة والشعوب المتحضرة ، يتجلى شموخها
وعنفوانها ، تحت قبة البرلمان، الذي يرمـز الى حريتهــا
وتجربتها الديمقراطية.
ارى ان العراقيين اثبتوا حتى الان وعـيا عاليا بـدروس
الماضي المرير،فعلى الرغم من مرور ثلاثة اسابيع على اعلان
تشكيل مجلس الحكم الانتقالي،الا اننا لم نشهـد لحـد الان
خروج حتى تظاهرة واحدة مؤيدة له ، تصرخ، بالروح بالدم ،
في الوقت الذي اكتضت فيه شوارع العراق ،وخاصة العاصمة
بغداد،بالمتظاهرين الذين نددوا بالمجلس واعتبروه يفتقـر
الى الشرعية .
وبغض النظر عن الدوافع ،الا ان الظاهرة بحد ذاتـهـا
تستحق الاحترام والتقدير والاكبار،ليتعلم الـحاكم في العراق
الجديد كيف يصغي الى المعارضة،فلا ينتظر التصفيق كلما
خطا خطوة.
ان الذين اعترضوا على تشكيل المجلس بهذه الصورة ،
على قناعة تامة بما يقولون،ومن دون تردد،ولذلك اندفعوا الى
الشارع ليعربوا عن رايهم ورفضهم،اما المؤيدين ،الذين لـم
نر اي واحد منهم تظاهر في الشارع،فاما انهم غير موجودين
اصلا او انهم لم يحسموا موقفهم من المجلس بعد، فهم بين
متردد ومترقب بانتظار الافعال دون الاقوال،خشية ان يؤيـد
فيندم،لانه لا يشعر انه كان له ادنى دور في تاسيسه،او اختيار
اعضائه،كما ان الكثير من المؤيديد المفترضين ،لم يطلعوا
حتى الان لا على قرارات المجلس ولى على توصياته فضـلا
عن انجازاته.
الرافضون اذن حسموا امرهم وخرجوا الى الشارع،امـا
المؤيدين المفترضين ، فلا زالوا مترددين في اعلان تاييدهم
بانتظار ان يهديهم المجلس انجازا ليتظاهروا تاييدا له.
ولا ادري ان كان ترددهم في اعلان التاييد ، هو خــوف
الفضيحة واللوم مثلا.
هذا هو العراق الجديد الذي نسعى لبنائه ،فالحاكم فيـه
متهم حتى تثبت براءته،والرعية على صواب ،حتى يثبــت
العكس،فلا ينتظر الحاكم ان تصفق له الرعية، كما لاينتظر
ان تهتف له،بالروح بالدم،كذلك ففي العراق الجديد لا مكـان
لمكرمة الرئيس ، فكل ما ينجزه الحاكـم هـو من صلب
مهامه ومسؤولياته والا لما وضع في موقـع المسؤوليــة،
فالحاكم خادم للشعب ، يعود الى منزله حال فشله، او عندما
تنتهي مدة خدمته.
اما بالنسبة الى صيغة الرئاسة،فقد اثبت اعضاء المجلس
قبل غيرهم،انهم يعتبرون الامر شكليا وغير واقعيا، والا حتى
مراقب الصف الاول الابتدائي لا تكفيه مدة الشهر الواحــد
لترتيب امور صفه،او للكشف عن مؤهلاته وقدراته واثـبات
كفاءاته ،كما قال المجلس في معرض سرده للمبررات الـتي
ساقها الاعضاء في معرض دفاعهم عن هذه الصيغة ، فكيف
برئيس لمجلس حكم يعج بالمهام والمسؤوليات والشكوك و...
التناقضات.
ماذا عساه ان يفعل في مدة الشهر الواحد ،انـه سوف لا
يجد الفرصة ليفتتح بها حديثه بالبسملة قبل ان يؤشر لـه
السفير معلنا عن انتهاء وقته وفرصته ،فيضطر ان يختـم
حديثه بالتصديق.
اعتقد ان المجلس لم يكن موفقا فـي القبول بهــذه
الصيغة،الا ان يكون مقتنعا بالتمام ان دوره هامشيا وانــه
ديكورا اكثر من كونه واقعا حقيقيا ،فما الداعي اذن لمزيـد
من الاعتراض.
ومن الواضح، فان الديكور يختاره الاخرون مـن دون ان
يكون له حق الاختيار او الاعتراض او التغيير.