|
عودة جدلية إلى المقدس
باسم الخندقجي
الحوار المتمدن-العدد: 1872 - 2007 / 4 / 1 - 00:12
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
القديم " يلفظ أنفاسه والجديد لم يولد بعد" ، بهذه المقولة لغرامشي يوصف واقع الحزب اليساري الفلسطيني ، الذي يعيش في الوقت الراهن ، أعلى مراحل أزمته ، إذ لو انطلقنا من المادية التاريخية ، وقوانينها وحركتها ، سنجد حتما ان الواقع الحالي للحزب اليساري يعاني من قطع تاريخي في ظل الحركة الدائمة للتاريخ ، بمعنى أن هذا القطع يجب أن يحدث بالضرورة بناءا عل عوامل ذاتية وموضوعية ، من أجل أن يلد الجديد والتقدمي و المواكب للعصر ، والحاصل الأن هو خلل في قوانين المادية التاريخية والديالكتيك . فان يموت القديم الذي شاخ، هو أمر صحي وقانون طبيعي ، أما عدم نشوء جديد مقابل القديم فهذا يعني أن هناك عوامل ذاتية مستقلة عن حركة التاريخ تلعب دورا في وضع العصي داخل دواليب المخاض الجديد ، فالحزب اليساري الفلسطيني قدم لنفسه خدمة كبيرة من أجل التجدد ، وذلك من خلال الاسهام في خلق أزمته ، وتراهله وتراجعه على كافة الأصعدة ولكنه في نفس الوقت غير مستعد لاستقبال " النفي الجديد". من جهة أخرى ، ان الأزمة ليست بحاجة إل دراسات تفصيلية ومعمقة تتناول طبيعة نشوئها وتطورها بكافة اشكالها داخل الحزب اليساري ، بل هي بحاجة إلى نفيها و ازالتها من خلال التخلص من الشعارات المعقدة والمركزة التي لا تفي بالتغيير من أجل النهوض إلى النظرية اليسارية التي يخطيء العديد في تهجئة فكرها . ان مرحلة القطع التاريخي شارفت على الانتهاء ، وكافة الانعكاسات الايجابية و التقدمية ، التي نتجت وتنتج من هذه المرحلة لا يمكنها ان تؤدي إلى نفي جديد على هيئة حزب قوي ومتماسك ، لأن من يستقبلها ويدركها بشكل جيد هو اليساري الذي فقدت مبادئة الصوت في زمن الردة والصمت ، ولايستطيع هذا اليساري الثوري القيام بالتغير لوحدة بعد أن قام بالتفسير ، إذا أن التغيير والأخذ بيد النفي الجديد يحتاج إلى ايجاد لغة فكرية أو " ايديولوجيا متجاوزة " تنتجها مجموعات يسارية تتجاوز النفعية والتعصب ومرض الطفولة اليساري. وعبر هذة الايديولوجيا المتجاوزة ، يمكن التوصل إلى حزب تقول عنه"روزا لوكسمبورغ " ان حزبا يعرف كيف يقود وكيف يحقق تقدم الأشياء هو فقط الذي سيكسب التأييد في الأيام العاصفة ؟؟. من جهة أخرى ، ان اللغة اللازمة لمخاطبة النظرية والفكر اليساريان والرجوع إليهما من أجل النهوض والتغيير ، يجب أن تكون قائمة على اساس الابتعاد عن مايعانيه الفكر العربي المعاصر بجميع فروعه من تماثل رجعي حاد في العلاقة بينه وما بين التراث الفكري القديم ، بمعنى ان مهمة اللغة ومهمة التقدميين أيضا ، ليست مهمة كمبر أدورية بالدرجة الأساسية تعمل لصالح التراث القديم ، وتجلبه ليتلائم مع الواقع والجماهير بثوب معاصر دون أن يكون هنالك أي نفي مشرق وتقدمي لهذا التراث القديم ، إذ أن الشجرة ليست هي نفسها الثمرة . ان المهمة القصوى لليسار بالدرجة الأولى في مجال الحوار مع النظرية الماركسية والتراث العربي هي : " حل مشكلة الموقف من التراث على وجه يضمن لنا تحقيق غرضين: كيفية استيعاب التراث بشكل جديد أولا ، وكيفية توظيف هذا الاستيعاب الجديد ثانيا : في مجال تحرير الفكر العربي الحاضر من سيطرة التبعية للفكر الاستعماري والايدلوجية البرجوازية بتداخلها التاريخي في البنية الاجتماعية العربية المعاصرة ( حسين مرّوة : النزعات المادية في الفلسفة العربية الاسلامية : الجزء الأول ، ص 28). وهذا ما يقود إلى مدخل آخر للتغيير يفصل النظرية الماركسية التي تستند أو تسترشد عليها الأحزاب اليسارية من جهة ، وما بين التراث الفكري العربي الأسلامي من جهة أخرى ، مع أن توظيف النظرية والتراث الفكري بما يتلائم مع الحاضر كان توظيفا سلبيا أدى إلاى صدام وتنافر ما بين النظرية والتراث .
كيفية استيعاب التراث بشكل جديد أولا ان التعامل مع التراث مسألة حساسية جداَ ، يلزمها تدريب مكثف يهدف إلى اقامة توزان يحمي الباحث من تهم الرجعية والحداثة المتطرفة ، ومن هنا تنشأ محددات التعامل وفتح باب الحوار مع التراث الماضي من الزمن والواقع المعاش الحاضر إذ أننا ابناء الظروف ، والظروف هي التي تملي علينا أدوات ووسائل التحكم بها ، ولكي يتم التطور قليلا باتجاه الوراء من أجل ادراك التراث ، يلزمنا ما يحمينا من الرجعية والتخلف ، والشيء الوحيد الذي يقي من استيراد المزيد من المفاهيم و الأفكار الرجعية بطريقة ميكانيكية لا واعية ، هو الواقع الذي نعيش فيه ، أي أخذ الايجابي الناتج من تفاعلات الحاضر مع الحميد العالمي لمخاطبة الماضي واستيعابه و صهره ضمن مفهوم جوهره وشكله عصري ، وأكبر مثال على مخاطبة التراث الماضي بلغة الحاضر هو النبي الكريم محمد ، الذي يعتبر مصلحا وتقدميا كبيرا على مدار التاريخ و ذلك من خلال تعامله الجاد والعقلاني مع ما سبقه من تراث الجاهلية واستيعابه بأدواته الحاضرية بصورة تدريجية أدت في النهاية إلى صهر التراث مع الحاضر بصورة تقدمية رائعة . كما أنه لايمكن أن نصل في مسألة التراث والحداثة ، إلى تمائل نسبي أو مطلق إذ أن المسالة الأساسية هنا هي تشكيل معرفة تتناسب والتراث العربي ، معرفة تتشكل من العلاقات الداخلية في المجتمعات العربية ، وتتوجه صوب التراث لتحليله و إدراكه بما يتناسب مع الحاضر المستقبلي ، وعندما تتحد المعرفة مع أداه مناسبة لمواجه التراث بطريقة سليمة تحليلية ، يصبح هدفها الأساسي هو حل مشاكل وأزمات الماضي المتراكمة ، اي التوجه صوب الماضي عبر مدار حركة تاريخية عكسية للولوج إلى كافة الجوانب السلبية والايجابية في الماضي ، من أجل الوصول إلى تحليل وتغيير هو بمثابة مصفاة يعلق بها الزائد والرجعي. ان المطلوب هو آلة زمن تقدمية تنقلنا إلى الماضي لكي نقوم بتغييره بشكل وحجم يتناسب مع مروره عبر بوابة الحاضر المستقبلي .
كيفية توظيف هذا الاستيعاب الجديد ثانيا
ان ما ينجم عن عملية " الولوج العكسي " في الماضي هو خطاب فكري تقدمي متماسك لا تناقض فيه ، ولايمكن بأي شكل من الأشكال الانطلاق بهذا الخطاب أفقيا وعموديا من دون تفاعله الوسطي مع المحيط ، اي مع العلاقات الخارجية المحددة للحركة التاريخية والمنعكسة عنها في نفس الوقت ، فبعد أن يتم التغيير في هذا التراث القديم يصبح الأفق أرحب لاستقبال ما يُغني ويطور هذا التراث . وتعتمد كيفية توظيف الخطاب الفكري الجديد ، على مدى القدرة على انتاج جزء من " الايديولوجيا المتجاوزة " التي لن تكتمل دون المصالحة مع النظرية اليسارية ومنهجها الجدلي الذي يكفل عودة سليمة من أجل التغيير والتقدم .
الأسير : باسم خندقجي سجن جلبوع المركزي ..قيادي في حزب الشعب الفلسطيني
#باسم_الخندقجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مسودات عاشق وطن
المزيد.....
-
فيولا ديفيس.. -ممثلة الفقراء- التي يكرّمها مهرجان البحر الأح
...
-
الرئيس الفنزويلي يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
على طريق الشعب: دفاعاً عن الحقوق والحريات الدستورية
-
الشرطة الألمانية تعتقل متظاهرين خلال مسيرة داعمة لغزة ولبنان
...
-
مئات المتظاهرين بهولندا يطالبون باعتقال نتنياهو وغالانت
-
مادورو يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
-
عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و
...
-
في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در
...
-
حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|