|
ماذا عساي أقول ..؟
إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)
الحوار المتمدن-العدد: 1874 - 2007 / 4 / 3 - 11:30
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
مرة أخرى يتورط أحد مهمشي دوار السكويلة وحي سيدي مومن.. ويرتعب المغاربة وطبول الخطر الكامن تقرع من جديد..ويعوي حاملو الفكر الظلامي وإيديولوجية الموت والرعب من جديد.. وماذا بعد؟ في 11 مارس 2007، في ليلة أواخر الشتاء السخي نسبيا هذه السنة وعلى مسافة زمنية قليلة من استقبال فصل الربيع، زمن الحياة والفرحة بامتياز، تُخرج جهنم ألسنتها، إراديا أم خطأ، من جسد عبد الفتاح الرايضي، وتزمجر في وجه أبرياء مرعبة أهل الحي المهمش.. رغم الظاهر العرضي للحادثة، فإن لحظتها ثقيلة كميراث الدهر. فماذا عساي أقول..؟! كنت عازما على التساؤل، من جديد مرة أخرى، لكن بمرارة أشد، بخصوص ما جرى ليلة الأحد 11 مارس بمقهى الانترنيت بالحي المهمش المقصي أهله، سيدي مومن، لكنني خشيت أن يوضع تساؤلي في غير سياقه وأن يؤول في اتجاه غير مقصود، علما أن قانون الإرهاب ما زال بمثابة سيف ديمقريطس فوق الأعناق يتحين فرصة السقوط عليها، هذا في وقت يعتبر البعض منبرنا والعاملين به مصنفين من قبيل المشاغبين، وبالتالي معرضين للخرس حالما تصدر عنهم أدنى كبوة قد يسقطون فيها.. ومع ذلك لأنه سبق لي أن بحت برأيي في عز سنوات الجمر والرصاص، دون خوف رغم كل الأخطار التي كانت تحدق بي وقتئذ، فكيف الآن،وقد ولت تلك السنوات ألا أفعل، هذا أولا، وثانيا لأن مستقبل بلدنا السعيد ليس حكرا على أحد أو على جهة، وإنما هو حق، بل واجب، كل مغربي أراد من أراد وكره من كره. فهناك حقيقة أضحى يعرفها الجميع الآن، لكن لا زال لم يولها القائمون على الأمور الاهتمام اللازم حين يقررون في تدبير أمور الشأن العام يوميا، إنها الحقيقة القائلة إن الفقر والحرمان والتهميش والإقصاء واحتكار الثروات والتطرف العلماني، كل هذا يساهم بقوة في تجميع الشروط لانتشار ظاهرة الانتحاريين. ففيما بين 1983 و 1987 كان صندوق الإيداع والتدبير هو القائم على إعادة إسكان أهل "كاريان سانطارل" في ظروف لائقة هذا في وقت كانت بلادنا تتوفر فيه على وكالة قيل إنها "وكالة محاربة السكن غير اللائق"، ولم يتم الجواب إلى حد الآن، هل هي فعلا حاربت ذلك النوع من السكن أم تاجرت فيه؟ المهم في الفترة المذكورة أعلاه تمكن ذلك الصندوق من القضاء على 6800 براكة بالدار البيضاء، ومنذ تكلفت شركة "التشارك" بنفس المعضلة سنة 1978 وإلى حدود 2003 لم تتمكن من القضاء إلا على 1927 براكة فقط، وبعد أحداث 16 ماي 2003 الدامية بالدار البيضاء، منح الملك 30 مليار قصد تمكين سكان الكاريانات من سكن آدمي لائق، ولحد الآن لازالت الحالة على ما هي عليه في كاريان طوما ودوار السكويلة وغيرهما، علما أنه في ملف "العفورة والسليماني" انكشفت جملة من التلاعبات في هذا المجال وانفضح أمر بيع جملة من المساكن كان من المفروض رصدها لأهل الكاريانات والفضاءات المهمشة. والأدهى والأمر، هو أن هناك مجموعة من ساكنة "كاريان سانطرال" أدوا المطلوب منهم في أواخر 1983 (وكان آخر أجل للإدلاء) ولم يستفيدوا لحد الآن من السكن اللائق، وهم المعنيون بالحملة الأولى التي أطلقها الملك الراحل الحسن الثاني لمحاربة دور الصفيح ابتداءا من سنة 1979، إذ أعلن رسميا أنه سيتم القضاء على آخر براكة بالدار البيضاء سنة 1986، وها نحن الآن في سنة 2007، و لازال هناك أناس أدوا ما عليهم ولم يستفيدوا حتى الآن من السكن اللائق، رغم مرور 24 سنة على الأداء، فهل بمثل هذا النهج في التدبير وسياسة من هذا القبيل يمكن القضاء على منابع إنتاج وإعادة إنتاج الانتحاريين ببلادنا؟ لقد قال الملك الراحل الحسن الثاني إن آخر براكة بيضاوية، سيتم تنحيتها بحلول سنة 1986، لكن في سنة 2007 لا زالت هناك أكثر من 1000 براكة بكاريان سنطرال الذي قيل إن أمره قد حسم، وانضافت إليها "مقابر أدمية للأحياء" جديدة، إذ تناسلت البراريك بكاريانات ولد زيطا والشرقاوي وغيرها، موازاة مع طوما والسكويلة واللائحة طويلة. فكيف والحالة هذه، لم نعاين بوادر أو بشائر أي تغيير بهذه الفضاءات منذ 2003، ألم تكف 4 سنوات للتخطيط والتفكير للشروع في بداية الانجاز، أم أن النهج المتبع، من الضروري أن يعيد تجربة "كاريان سانطرال"، هل بهذه الطريقة يمكن إرجاع الثقة لأهالي فضاءات التهميش والإقصاء؟ مرت 4 سنوات عن فاجعة 16 ماي 2003، فماذا تحقق على أرض الواقع لأهالي الكاريانات؟ فكم يكفي من الوقت للقائمين على الأمور لكي يترجموا ولو جزءا ضئيلا مما يقال ويروج له، على أرض الواقع المعيش؟ والداعي لهذا التساؤل، هو أن الملك محمد السادس صب الاهتمام على الأحياء الهامشية والمهمشة في وقت ما زال فيه عمدة البيضاء يهتم بحي كاليفورنيا وعين الدياب، وذلك للمزيد من تثمين العقار هناك، فماذا فعل بالنسبة لكاريان طوما والسكويلة مشتل إنتاج الانتحاريين؟ وأتمنى أن تحضر الشجاعة الأدبية للإجابة على هذا السؤال، تلافيا لأي تأويل وحكم قيمة مسبق، لأن الأمر خطير وخطير جدا، وإن كان قد فعل شيئا بهذا الخصوص، فإما أننا لم نتمكن من معاينته أو أنه لم يبلغ إلى علمنا. لكل هذه الأسباب ولغيرها سكنتني عبارات عنيفة لتوصيف ما يقوم به بعض القائمين على الأمور، من حيث يدرون أو من حيث لا يدرون، وسواء كان الأمر مخططا له أو لم يكن، لأن فعلهم ساهم في استدامة وجود التربة الخصبة لتناسل "بويضات" الإرهاب التي قد تصبح "ديناصورات ناسفة" على حين غرة.. تزاحمت في ذهني كلمات حادة يصعب على لسان من يمتهن الصحافة ويحاول احترام ميثاق شرفها، التفوه بها.. لكن قاموس التعامل مع هؤلاء وجب أن يكون معفيا من أي ضوابط بفعل الجرائم الاجتماعية والاقتصادية التي ساهموا في اقترافها رغم علمهم، علم اليقين، بعواقبها على المدى القريب والمتوسط والبعيد. وتبرز أهمية هذه التساؤلات في وقت لا زال جرح الكثير من المغاربة عميقا بخصوص شعورهم بالمواطنة الحقة تحت شمس وطنهم، إذ لا زالوا على الهامش، محرومين من كل شيء، لا سيما من وسائل الاطمئنان عن الغد القريب.. لا زال الآلاف بمدينة الدار البيضاء، على سبيل المثال لا الحصر، محرومين من فضاء حميمي صحي للمبيت والنوم في ظروف آدمية، ولعل صورة "الحجر الآدامي" الذي تتكدس فيه عائلة الانتحاري الثاني، يوسف الخدري كل ليلة، صيفا وشتاءا، كاف وزيادة للتدليل على هذا الواقع المفزع علما أنها ليست حالة خاصة، وإنما شبيهة بحالة الكثير من العائلات المكدسة في "مقابر الأحياء الآدمية" تحمل أسماء كاريان طوما او السكويلة وغيرها، وهذا ليس بالدار البيضاء وحدها ولكن في مدن أخرى. فهل سكان مثل هذه الفضاءات يشعرون بصفة المواطنة، هل عندما يستيقظون كل صباح يحسون أنهم ينتمون فعلا للوطن؟ أم أنهم فقدوا هذا الشعور منذ أمد بفعل حرمانهم من جملة من حقوق المواطنة؟ وهل يعتبرون أنفسهم معنيين بمصير البلاد، وأنهم مشاركون في صنعه؟ وماذا يعني لهم ذلك القماش دموي اللون الذي تتوسطه نجمة خماسية خضراء، وهل يرون فيه العلم ويعتبرونه من الرموز ومستعدون للدفاع عنه؟ إنها أسئلة تنتظر الجواب. فسكان هذه الفضاءات ظلوا على حالهم بالرغم ما قيل بعد 16 ماي 2003، عيشٌ تحت خط الفقر واضمحلال ثقافي وتربوي وتعلمي وبيئة أردأ من أحوال الزريبات بالدول التي تحترم مواطنيها، وصف قاس، لكنه الواقع المر.. هل في مثل هذه الفضاءات يمكن التلفظ بعبارة "كرامة المواطن" أم هي فضاءات لهدر وقهر هذه الكرامة؟ لكن والحالة هذه، ما هي مهمة الانتحاريين بالمغرب؟ هل هي تفعيل التغيير بالبلاد وفرضه؟ هل هي القضاء على المفسدين ومصاصي دماء المغاربة الذين رهنوا حاضر البلاد ومستقبلها وتلاعبوا بهما؟ أم أن مهمتهم تقتصر على تقتيل الأبرياء واغتيال الاستقرار والطعن من الخلف أحلام المغاربة في غد أفضل وآمالهم؟ الانتحاريون بالمغرب هو نتاج عمل أناس يعتبرون أنفسهم وحدهم المحافظين على ثوابت الدين الإسلامي والأمينين على مصلحة الأمة الإسلامية بشكل نرجسي. وفي هذا الصدد وجب التساؤل كذلك، هل أضحى الانترنيت خطرا؟ هل الشاشة الصغيرة التي تبعد عن أرنبة الأنف قليلا أصبحت تشكل وبالا علينا؟ عبر هذه الشاشة يمرر مروجو إيديولوجية الموت والدمار مواقفهم ويعطون موافقتهم على إسقاط الأبرياء ويصادقون على مواقيت ومواقع تفجير العبوات الآدمية الناسفة ويطالبون بقطع الرؤوس...ورغم كل هذا يظل المستقبل للانترنيت، وبعد سنوات قليلة يمكن لأي أحد في أي بقعة من هذا "العالم القرية" أن يستدعي ملايين الخلق على شبكة الويب ويحدثهم انطلاقا من غرفته لتأليبهم في هذا الاتجاه أو ذاك، وهذا أمر وجب الاستعداد له. ومهما يكن من أمر، من القضايا التي تطرح الآن بحدة وبإلحاح أكثر، احتكار قلة للثروة عبر التصاعد المخيف لآليات الفساد الذي عايشته البلاد على امتداد 4 عقود نتيجة غياب المحاسبة وانعدام الشعور بالمواطنة، كل هذا في ظل نهج مجحف لتوزيع الدخل والثروات وارتفاع نسبة المغاربة الذين يعيشون تحت خط الفقر والذين يعانون من البطالة والبطالة المقنعة، خاصة في صفوف خريجي الجامعات والمعاهد، وبذلك أصبح الفساد ظاهرة عامة وبنيوية تخترق المجتمع من القمة إلى القاع، وتكرس قيما لا أخلاقية لتعود هذه القيم هي الأخلاق، وكل من رفض التعامل معها يعتبر "كانبو"، إذ شاعت الرشوة والمحسوبية إلى أن تحكم العديد من المفسدين في دواليب صناعة القرار، الشيء الذي أفقد المواطن الشعور بالانتماء، حيث أن تصرفات القائمين على الأمور عندنا، ظلت تعيق يوميا هذا الشعور، هذه هي مشكلتنا الأصلية.
#إدريس_ولد_القابلة (هاشتاغ)
Driss_Ould_El_Kabla#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عودة الإرهاب إلى المغرب
-
الأمير الذي كاد أن يصبح ملكا الحلقة الأولى
-
الأمير الذي كاد أن يصبح ملكا الحلقة الثانية
-
الأمير الذي كاد أن يصبح ملكا الحلقة الثالثة
-
الأمير الذي كاد أن يصبح ملكا الحلقة الرابعة
-
الأمير الذي كاد أن يصبح ملكا الحلقة الخامسة
-
الأمير الذي كاد أن يصبح ملكا الحلقة السادسة
-
مسارات الكتابة الروائية في تجربة عزت القمحاوي
-
التصدي للإرهاب يستوجب فعلا الشمولية
-
الانتحاري الذي فجر نفسه بمقهى الانترنيت 1/3
-
الانتحاري الذي فجر نفسه بمقهى الانترنيت 2/3
-
الانتحاري الذي فجر نفسه بمقهى الانترنيت 3/3
-
جمهوريو المملكة 1/4
-
جمهوريو المملكة 2/4
-
جمهوريو المملكة ¾
-
جمهوريو المملكة 4/4
-
سياسة القائمين على الأمور أحبطتهم ودفعتهم للسلبية والتطرف
-
صحراويو تيندوف يبيعون ممتلكاتهم ويهربون
-
مستملحات ومقالب ملك 1
-
مقالب ملك
المزيد.....
-
سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي:
...
-
أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال
...
-
-أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
-
متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
-
الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
-
الصعود النووي للصين
-
الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف
...
-
-وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب
...
-
تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|