أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - فيصل القاسم - كلام انترنت















المزيد.....

كلام انترنت


فيصل القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 1867 - 2007 / 3 / 27 - 12:03
المحور: الصحافة والاعلام
    


ليس هناك أدنى شك بأن الانترنت تـُعتبر واحداً من أعظم الانجازات المعرفية والإعلامية عبر التاريخ، إن لم تكن الأعظم، فمن هذه الشاشة الصغيرة التي تبعد عن أرنبة أنفك عدة سنتيمترات تتفجر أكبر ثورة منذ بدء الخليقة. وبفضلها أصبح كل واحد منا ناشراً رغم أنف حكومات القمع والحجر والتضييق والمراقبة وكبت الأنفاس، هذا فيما كان يصعب في الماضي نشر كلمة أو كلمتين في وسائل الإعلام التقليدية بشق الأنفس. الآن يستطيع أي شخص على وجه المعمورة أن يشتري جهاز كومبيوتر ويشترك في خدمة الانترنت، ومن ثم يبدأ بنشر ما يريد ليقرأه الملايين. إنه تحول تاريخي تعجز الكلمات عن وصفه.

لم يعد النشر حكراً على المتحكمين بأجهزة الإعلام من حكومات وأثرياء، بل غدا في متناول الجميع دون أي استثناء. لا عجب أن أصبح المدونون قوة إعلامية هائلة تهدد عرش الامبراطوريات الكبرى بالرغم من أنهم مجرد أفراد مسلحين بكاميرات صغيرة وأجهزة كومبيوتر بسيطة وغرف لا تتسع إلا لكرسي وطاولة متواضعة.



لكن "الحلو ما يكملش" كما يقول الأخوة المصريون، فكما أن الصحف أصبحت، عندما ظهرت للمرة الأولى، مثاراً للسخرية والتهكم بعد أن عجّت صفحاتها بالتلفيقات والأكاذيب والكلام الفارغ والدعايات المفضوحة، ها هي الانترنت، على عظمتها، وقد أصبحت أيضاً محط ازدراء الكثيرين واحتقارهم، لكن ليس لأنها وسيلة إعلام مسيّرة وموجهة كالصحف، بل، من سخرية القدر، لأنها،على عكس الصحافة تماماً، تتمتع بحرية هائلة منفلتة لم تتمتع بها وسيلة إعلام أو أداة معرفة من قبل على مر الزمان. وكما كنا نسخر من محتويات بعض الصحف بأنها مجرد "كلام جرايد"، ها نحن وقد بدأنا نطلق الوصف ذاته على محتويات الشبكة العنكبوتية، كأن نقول عن مواد الشبكة بأنها مجرد "كلام انترنت" للتدليل على عدم مصداقيتها وجديتها. واتذكر أن أحد الزعماء وصف المعارضة الهزيلة في بلده بأنها "معارضة انترنت"، أي أنها مجرد صراخ الكتروني أو ثرثرة عنكبوتية لا أكثر ولا أقل.



لقد وقعت الانترنت فعلاً ضحية حريتها اللامحدودة لتصبح أقرب إلى الهزل منها إلى الجد، فمن هذه الشاشة، كما يصفها الزميل محمد عبد المجيد، "تقرأ عكس أي شيء في العالم، فتواجهك مئات المواقع التي تمجد محاسن النازية والعنصرية وسلبياتها، وتقرأ تبريرات للإلحاد، وتقع عيناك على عفن فكري يرى الشذوذ والاعتداء على الأطفال أموراً طبيعية. وتدشن موقعاً إرهابياً تتحرك فوق حروفه سيارات مفخخة من الجهل والأمية الثقافية والكراهية. وتتابع ملايين المواقع التي تدعو إلى الإباحية أو الإرهاب أو الفرقة بين الأديان أو عودة الاستعمار أو إبادة أجناس بشرية، وستجد لكل زعماء الحركات المناهضة لحقوق الانسان والمساواة مؤيدين ومواقع المعجبين ، بل والمبررات "المنطقية والعقلية" لأكثر المباديء سفالة وحقارة ووضاعة.

من هذه الشاشة تنتقد المقدسات ، وتسب الأنبياء، وترفض الايمان بالله الواحد القهار، وتكذب على تاريخ المصلحين، وتروج لحكايات عفنة عن كتب تكدس عليها غبار الزمن فلا تتصفحها إلا وتسقط صفحاتها بين يديك. من هذه الشاشة تبصق على الثقافة والكِتاب والعلم وسيلتف حولك الجهلة كما يتجمع الذباب حول قصعة من الفضلات.



لقد فقدت الوثائق القيمة قيمتها ومصداقيتها بمجرد وضعها على الانترنت. فكم من الوثائق والحقائق أصبح مشكوكاً في صدقيتها ودقتها بعد أن انتشرت على الأثير الالكتروني، مع العلم أنها قد تتمتع بقدر كبير من الأهمية. فمثلاً بمجرد أن أفرجت الخارجية البريطانية عن الوثيقة الشهيرة للمستر "همفر" التي يروي فيها قصة نشر الوهابية في المنطقة العربية فقدت الوثيقة مصداقيتها وأصبحت، بعد انتشارها على الانترنت كانتشار النار في الهشيم، في نظر الكثيرين، مجرد تلفيق وافتراء على المذهب الوهابي. ولا يستطيع أحد الآن إثبات صحة الوثيقة أو نفيها، لا لشيء إلا لإنها غدت مادة انترنتية مبتذلة.



ومما جعل الانترنت تخسر الكثير من مصداقيتها أنها غدت أشبه بمزبلة للفبركات والتزويرات الفنية، فما أسهل أن تحصل على صورة لشخص ما ثم تجمعه بصورة شخص آخر ربما يكون مجرماً أو شريراً أو عدواً، فيظهرا وكأنهما صديقان، وذلك طبعاً بعد معالجة الصورة ببرنامج "الفوتو شوب" وسواه، ثم تنشرها على الشبكة ليراها الملايين. وكم ضحكت عندما وجدت نفسي في صورة واحدة مع شخص قيل إنه رجل مخابرات بعد أن تبرع أحد أولاد الحلال بفبركتها ونشرها على الانترنت كي يظهرني كعميل لإحدى وكالات الاستخبارات. والمضحك في الأمر أن البعض تلقفوها وتبنوها كما لو كانت صحيحة.



وقبل فترة وجيزة أظهر أحدهم صورة منشورة على الانترنت للرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي وهو يزور متحفاً يوثق جرائم جهاز "السافاك" السابق الذي كان تابعاً لشاه إيران. وبدلاً من أن يحدد مناسبة وجود الرئيس في المتحف وهو ينظر إلى مجسّم لسجين معلق من رجليه ويتعرض لجلد مبرّح، قال الشخص الذي عرض الصورة على شاشات التلفزة إنها صورة للرئيس الإيراني وهو يحضر إحدى عمليات التعذيب التي تقوم بها الميلشيات الإيرانية في العراق.



لقد أصبح أمر الذين يُظهرون وثائق وصوراً انترنتية على شاشات التلفزة لإثبات وجهة نظرهم في هذه القضية أو تلك يبعث على السخرية والضحك، بحيث تحول الأمر إلى نكتة، فقلة هم الذي يصدقون مثل تلك الوثائق العنكبوتية السخيفة.



حتى الصحف والإذاعات والتلفزيونات قلما تثق بأخبار الانترنت وموادها. فمثلاً عندما تعيد الفضائيات نشر شريط مصور لعملية تزعم إحدى الجماعات أنها قامت بها في العراق مثلاً ضد قوات الاحتلال الأمريكية تضطر الفضائيات إلى التنويه بإن الشريط منشور على الانترنت، وليس هناك وسيلة للتأكد من صحته، أي أنه قد لا يكون حقيقياًً، وبالتالي تضع إشارات استفهام حول حدوث العملية، وكأنها بدورها تحذر المشاهدين من تصديق كل ما يجدونه على الشبكة العنكبوتية. بعبارة أخرى فإن "كلام الجرايد" الذي كنا نسخر منه أصبح أكثر مصداقية من "كلام الانترنت"، فعلى الأقل يمكن اقتباس خبر من صحيفة دون التنويه بعدم القدرة على التأكد من صحته.



ولو توقف الوضع عند الوثائق والصور والأشرطة المفبركة عنكبوتياً لهان الأمر، لكن البعض راح يؤلف قصصاً وحكايات سريالية مضحكة للنيل من هذا الشخص أو ذاك معتمداً على سرعة انتشار الخبر الالكتروني وسذاجة بعض متعاطيه، فقبل أيام مثلاً نشر أحد "أولاد الحلال" إياهم مقالاً تلقفته شبكة الانترنت يروي تفاصيل الاستقبال الخيالي الخاص الذي أقمته أنا شخصياً حسب زعمه لنائب رئيس الوزراء الإسرائيلي شمعون بيريز. ويقول صاحبنا في ديباجته الملفقة تلفيقاً جميلاً: "تقدم الجميع "فيصل القاسم" مرتدياً بدلة زاهية وربطة عنق ذات لون فاقع وأخذ يصافح "بيريز" بحرارة ويلتقط معه الصور التذكارية داعيا إياه - في زيارته المقبلة أن يزوره في منزله ليتناول طعام الغداء معه وزوجته وأولاده معلناً للضيف بأن هذه الصورة التي جمعته به ستأخذ مكاناً وحيزاً ظاهرين في صالون بيته!!" والحمد لله إنه لم يقل إنني طبخت له أكلة "مجدّرة". والمضحك في الأمر أن البعض صدق هذا السيناريو وراح يعاتبني بشدة على استقبال بيريز الذي لم يحدث أبداً. ثم انبرى بعض المواقع الالكترونية يعيد نشر المقال المتخيـّل كما لو أنه حقيقة ثابتة دون أن يعلم أنه مجرد "كلام انترنت".





لا ضير أبداً في أن تفتح الشبكة العنكبوتية أبوابها للتنكيت والتهريج والقص واللصق والفكاهة والنميمة والقيل والقال طالما أن بعض الناس يميلون إلى تصديق أغرب الأشياء وأكثرها مجافاة للحقيقة، فهذه قد تكون بهارات صحفية مطلوبة أحياناًً من القراء أنفسهم، لكن يُخشى في أن يصبح الهزل السمة العامة للانترنت بعد أن غدت أشبه بمكب هائل، أو حاوية نفايات، فتفقد قيمتها كأعظم فتح إعلامي في التاريخ. يقول الانجليز إذا كانوا غير متأكدين من صحة خبر ما: "لنأخذه مع "قبصة ملح"، أي أن لا نصدقه تماماً. وأرجو أن لا يجد مرتادو الشبكة العنكبوتية أنفسهم في يوم من الأيام مضطرين لأخذ مواد الانترنت وأخبارها مع صاع ملح.




#فيصل_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سايكس- بيكو الجديدة من صنع أيدينا
- تخلّفوا تسلموا
- الفوضى -الهلاّ كة-
- من كوبونات النفط إلى نهب النفط العراقي
- مطلوب قوانين قراقوشية لمكافحة الفتن الطائفية والمذهبية
- كي لا يخدعوكم بالخطر الشيعي كما خدعوكم بالشيوعي
- تحالف -صهيو- صفوي- مزعوم و-صهيو-عربي- معلوم
- تحالف( صهيو- صفوي) مزعوم و(صهيو-عربي) معلوم
- ما كنت أحسبُ إيران بذاك الطيش
- من التجزئة القُطرية إلى التجزئة الطائفية
- احتضار المعارضات العربية
- أيها المغتربون استمتعوا حيث أنتم
- فضائيات أكثر ومشاهدة أقل
- ما أحوج لبنان والعراق إلى ديكتاتور
- خُرافة الحياد الإعلامي
- -التحالف الإيراني – الأمريكي-
- الإصلاح هو الاسم الكوديّ للتخريب والتفتيت
- غَورَبة الطفل العربي
- لماذا فشل الإعلام الأمريكي الموجه للعرب؟
- لماذا عادت أمريكا للاستثمار في الاستبداد والإرهاب؟


المزيد.....




- شاهد لحظة قصف مقاتلات إسرائيلية ضاحية بيروت.. وحزب الله يضرب ...
- خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
- وساطة مهدّدة ومعركة ملتهبة..هوكستين يُلوّح بالانسحاب ومصير ا ...
- جامعة قازان الروسية تفتتح فرعا لها في الإمارات العربية
- زالوجني يقضي على حلم زيلينسكي
- كيف ستكون سياسة ترامب شرق الأوسطية في ولايته الثانية؟
- مراسلتنا: تواصل الاشتباكات في جنوب لبنان
- ابتكار عدسة فريدة لأكثر أنواع الصرع انتشارا
- مقتل مرتزق فنلندي سادس في صفوف قوات كييف (صورة)
- جنرال أمريكي: -الصينيون هنا. الحرب العالمية الثالثة بدأت-!


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - فيصل القاسم - كلام انترنت