محمد بن سعيد الفطيسي
الحوار المتمدن-العدد: 1867 - 2007 / 3 / 27 - 11:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يقترب العالم كثيرا هذه الأيام من إعادة سيناريو حقبة زمنية مريرة , توترت فيها العلاقات السياسية الدولية بدرجة غير مسبوقة , فكادت أن تدخل البشرية إلى سديم مظلم لا نهاية له , - ونقصد هنا - ملامح مرحلة الحرب الباردة , هذا المصطلح الذي أطلق على الصراع الذي دارت رحاه بين المنتصرين في الحرب العالمية الثانية , وعلى وجه التحديد بين قطبي النزاع في ذلك الوقت , الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد السوفيتي سابقا , وذلك في الفترة من عام 1945 م , وحتى سقوط هذا الأخير مع بداية تسعينات القرن العشرين , تلك المرحلة التي انقسم فيها العالم إلى معسكرين شرقي شيوعي بقيادة الاتحاد السوفيتي , وآخر غربي امبريالي بقيادة الولايات المتحدة الاميريكية , بحيث أفضت تلك المرحلة الحرجة من عمر البشرية إلى عدد من الحروب والصراعات الدولية الدامية , والتي أرقت منام العالم كحرب فيتنام وأزمة الصواريخ الكوبية وحروب الجاسوسية التي لم تتوقف أبدا 0
ولكن ما يهمنا في هذا الأمر هو استعادة ابرز ملامح تلك المرحلة - ونقصد - سباق التسلح وتطوير القدرات التكنولوجية والعسكرية , التقليدية منها وغير التقليدية , وعلى وجه الخصوص في مجال تطوير الأسلحة النووية والصواريخ البالستية العابرة للقارات , والذي امتد طيلة تلك الفترة الزمنية الطويلة بين الكتلتين , فالطرفين وان كفا عن استخدام السـلاح , إلا إنهما لم يتوقفا أبدا عن تطوير قدراتهما العسكرية والدخول في سباق تسلح لم يشهد له العالم مثيلا من قبل , ويعتبر هذا السباق من ابرز سمات ومعالم تلك الحرب , إضافة إلى سعي كل من الطرفين للاستئثار مناطق نفوذ علي حساب الآخر, وإنهاكه عن طريق إشعال حروب محدودة لاستنزاف الخصم كما فعلت الولايات المتحدة الاميركية من خلال الزج بالاتحاد السوفيتي في حرب أفغانستان التي قضت عليه بشكل نهائي , وكانت احد ابرز أسباب سقوطه ، مع التزام الطرفان بالقواعد التي شكلتها هذه المرحلة ولم يتجاوزاها إلى حرب ساخنة , حتى في اشد الأزمات الحالكة بينهما كما هو الحال في أزمة الصواريخ الكوبية .
وما نود الإشارة إليه في هذه الطرح , هو أن العالم ومن خلال استقراء سنوات العقد الأول من القرن الحادي والعشرون , كأنما يقترب كثيرا من إعادة صورة ذلك السيناريو المخيف , والذي عاشت فيه البشرية على صفيح ساخن من الخوف والرعب وانعدام الثقة , وتقديم سوء النية على حسنها في العلاقات الدولية , والدليل على ذلك عدد من الملامح الشبيهة التي تلوح في الأفق , وعلى رأسها النهم العالمي المتزايد هذه السنوات لاقتناء مزيد من الأسلحة الفتاكة , وزيادة ترسانة الأسلحة التقليدية منها وبمختلف أشكالها وأنواعها , وسعي العديد من الدول الكبرى لتطوير قدراتها النووية الإستراتيجية النوعية , ومحاولات الأخرى لاقتناء تلك الأسلحة المحرمة بأي ثمن من الأثمان , وهو مؤشر خطير جدا لتحول عالمي نحو سباق تسلح جديد , ولكن مع فوارق شاسعة و خطيرة ما بين الحقبتين , من الناحية العددية لإطراف الصراع , وكمية الأسلحة المختلفة , ونوعيتها الاستثنائية من ناحية القوة وفتاكة التدمير وذلك لتقدم التكنولوجيا في هذا الجانب , مع احتمال كبير لدخول المنظمات الإرهابية والمافيا الدولية , والجيوش المنشقة والمتمردين في هذا الصراع , وذلك من خلال تهديدها باستخدام تلك الأسلحة التي أصبحت رائجة في السوق السوداء 0
ولإبراز وجه التشابه ما بين معالم الحقبتين النوويتين , وتأكيد اقتراب العالم من ملامح سيناريو شبيه بالحرب الباردة خلال هذه السنوات فإننا سنحاول ضرب بعض الأمثلة على ذلك الشبه التاريخي , مع التأكيد بالطبع على بعض الاستثنائيات والفوارق الجيواستراتيجية والجيوبوليتيكة ما بينهما , فأولا كان الدافع لنشوب تلك الحرب هو السعي إلى إيجاد توازن استراتيجي ما بين قطبي الصراع في ذلك الوقت , وهو السبب الرئيسي في ظهور تلك الترسانة النووية المروعة والتي تجاوزت الآلاف من الرؤوس النووية , بحيث أفضت في نهاية الأمر إلى نقطة كاد العالم فيها أن يتحول إلى كتلة من اللحم المتفحم , ونقصد هنا أزمة الصواريخ الكوبية النووية ما بين الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد السوفيتي , والتي كان من المتوقع لها أن تمحو عن الكرة الأرضية وجود ما لا يقل عن 800 مليون نسمة , وان تترك حوالي مليار و500 مليون نسمة في حالات المرض 0
أما اليوم ومن خلال هذه الحقبة التاريخية فإننا نستشف عودة تلك الصورة السوداوية المخيفة للحرب الباردة , من خلال صراع جديد قد بدا بالظهور ما بين الولايات المتحدة الاميركية , والوريث الشرعي للاتحاد السوفيتي - أي - روسيا , ولنفس الأسباب السابقة , بحيث كان شعور هذه الأخيرة بالتهميش , وإحساسها بان الإمبراطورية الاميركية تسعى لاحتوائها , ومواجهة قوتها المتنامية خلال السنوات الأخيرة , سبب للسعي الروسي إلى مضاعفة ترسانته النووية , وهو ما أكدته تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من خلال كلمته التي ألقاها أمام مؤتمر السياسة الأمنية الأخير في ميونيخ , حيث أشار بحنق إلى تلك الهيمنة والغطرسة الاميركية المتزايدة , والتي أودت من وجهة نظره إلى إشعال سباق تسلح جديد وحمى اقتناء السلاح النووي بين الدول للدفاع عن أنفسهم , وقال :- إن سياسة الأحادية والاستخدام المفرط للقوة في العلاقات الدبلوماسية أجبر الـدول المناوئة للولايات المتحدة على بناء ترسانات نووية 0
وهاجم خطط الإدارة الأمريكية لنشر أجهزة صواريخ في شرقي أوروبا ، وذلك في إطار المنظومة الصاروخية الاميركية الدفاعية كما تدعي الولايات المتحدة الاميركية من الخطر النووي الإيراني , قائلاً إنها ستشعل سباق تسلح جديد ، وهو ما أكده في كثير من المؤتمرات الصحفية الدولية منها والإقليمية , حيث أكد في العديد منها , ومن أبرزها ما قاله في المؤتمر السنوي الأخير في الكرملين , حيث أشار إلى أن الاختصاصيين العسكريين الروس قد أكدوا أن منظومة الدفاع المضاد للصواريخ ، والتي يجري نشرها في بلدان أوروبا الشرقية ، لا تبت بصلة إلى دعوى التصدي للخطر الذي يأتي من إيران أو إرهابيين معينين , كما شارك بوتين ذلك الخوف وزير دفاعه سيرغي إيفانوف ورئيس هيئة أركان الجيش الجنرال يوري بالويسكفسكي , حيث قال هذا الأخير : - أن روسيا تواجه اليوم تهديداً عسكرياً يفوق حقبة الحرب الباردة وأن موسكو في حاجة إلى توجه عسكري جديد لمواجهة هذه التحديات، وفق ما نقلت الأسوشيتد برس0
أما وزير الدفاع سيرغي إيفانوف فقد كان أكثر وضوح في ذلك , حيث قال :- في كلمة أمام البرلمان الروسي ، إن الجيش سيحصل على 17 صاروخاً باليستياً إضافياً - في زيادة حادة مقارنة بأربعة صواريخ سنوياً خلال الأعوام القليلة الماضية , وأوضح وزير الدفاع أن برنامج التحديث ، الذي يمتد حتى العام 2015، يتضمن شراء 34 صاروخاً silo-based من طراز Topol-M ووحدات التحكم الخاصة بها فضلاً عن 50 صاروخاً آخراً بمنصات الإطلاق , هذا وقد أشار وزير الدفاع الروسي خلال كلمته إلى أن موسكو ستخصص 5.4 مليار دولار هذا العام لتجديد ترسانتها من المقاتلات والدبابات والعربات المدرعة وأربعة أقمار صناعية جديدة , ويشار أن موازنة الدفاع الروسية التي عانت شح التمويل في فترة التسعينات ، قد تضاعفت من 8.1 مليار دولار عام 2001 إلى 31 مليار دولار لهذا العام , وذلك بفضل عائدات النفط 0
كما أن هناك مثال آخر ليؤكد ذلك التوجه المدفوع بمخاوف الاعتداءات النووية , مما يؤكد وجود حقبة نووية باردة خلال هذه السنوات , ولكن بطريقة غير مباشرة , وقد تكون اشد خطرا وفتكا من سابقتها على أيام الحقبة السوفيتية , وهو السباق الهندي الباكستاني للتسلح النووي , حيث أفضى هذا الأخير إلى تطوير اشد أنواع الأسلحة فتكا في تاريخ القارة الأسيوية , بحيث بات العالم يترقب أي لحظة قد تنفلت فيها الأوضاع بين الطرفين , بما قد يودى إلى نزاع أشبه بحرب باردة جديدة في هذه القارة , وبالطبع فان هناك من العوامل والدوافع ما يجعل هذا الخوف وارد في أي لحظة , كما أن هناك دول أخرى تتشارك في ذلك الخوف ككوريا الشمالية والتي لم تفكك ترسانتها النووية إلى الآن , وهي في نزاع متواصل مع دول تجاورها النطاق الجغرافي كاليابان , كما أن إعلان بريطانيا كذلك عن رغبتها في تطوير ترسانتها النووية والسعي الجاد في هذا الطريق , وينتظر في الأيام القادمة أن تبرز دول أوربية أخرى كفرنسا في هذا المسعى , هذا بخلاف التنين الصيني الذي لم يكتفي بترسانته النووية , فتوجه إلى بناء ترسانة جديدة ونوعية من الصواريخ الفضائية , والهادفة لتدمير الأقمار الصناعية , إشارة عملية وواقعية إلى بروز تلك الحقيقة المخيفة للحرب الباردة من جديد , وان حاول الكثيرون إبراز خلاف ذلك 0
هذا بخلاف الترسانة النووية الاسرائلية في الشرق الأوسط , والتي أكد على وجودها رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود اولمرت أخيرا , وأكد اعترافه ذلك وزير الدفاع الاميريكي غيتس , تلك الترسانة الذرية المخيفة والتي قدرتها الوكالات الحكومية الأميركية ومصادر موثوقة أخرى ما بين 100 و200 قنبلة نووية ، كل منها أقوى أضعافاً من تلك التي ألقيت على هيروشيما وناغازاكي، مما يجعل إسرائيل القوة النووية الخامسة الرسمية في العالم , وتتضمن ترسانتها النووية قنابل يمكن إلقاؤها من الجو، وألغاماً أرضية ، ورؤوساً حربية يمكن إيصالها إلى أهدافها باستخدام صواريخ بالستية مثل صواريخ أريحا التي يعتقد أن مداها يصل إلى حوالي 1500 كيلومتر, وتشير بعض التقديرات الغربية إلى أن إسرائيل تمتلك من البلوتونيوم ما يكفي لإنتاج 100 قنبلة نووية أخرى 0
وأخيرا لنشير إلى الوضع الحرج والحساس , والذي بات أشبه بحرب دبلوماسية عالمية باردة , ونقصد الصراع الدولي على حلحلة الملف النووي الإيراني , والذي تتهم فيه القوى الغربية الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى سعيها للحصول على قنبلة نووية جديدة بهدف إرساء قواعد التوازن الاستراتيجي مع إسرائيل , كما تدعي تلك الدول الكبرى وإسرائيل التي لم تتوانى لحظة من اللحظات عن تأجيج هذا الملف بطريقتها الخاصة , مما جعل المجتمع الدولي يعيش تحت رحمة الخوف والرعب الذي بات مسيطرا على شعوب المنطقة على وجه الخصوص, وجميع سكان العالم بشكل عام , بحيث لا زال ينتظر نهاية لذلك النفق المظلم , والذي يزداد طولا واتساع مع الوقت , وكأنما العالم يقود نفسه وبطريقة غير محسوسة إلى الهاوية , مما قد يدفع بعض من تلك الدول وفي لحظة من اللحظات إلى خوض صراع أشبه بأزمة الصواريخ الكوبية , وهو ما يفرض على المجتمع الدولي ضرورة الإسراع إلى مواجهة هذا الخطر , وإيجاد حلول عملية وسريعة لكبح هذه الكارثة المرعبة و المتمثلة في انتشار هذه الأسلحة الفتاكة والمرعبة , مع ضرورة الإسراع في سن القوانين الصارمة تجاه المساعي الرامية والمتزايدة لامتلاك هذه الأسلحة الفتاكة , والتي كما قلنا سابقا قد تكون في يوم من الأيام سببا في القضاء وانقراض الجنس البشري والكائنات الحية من على وجه الأرض 0
#محمد_بن_سعيد_الفطيسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟