ما إن تذكر عبارة حقوق المرأة حتى تقفز إلى أذهان العربان صور الاختلاط وترتسم فى مخيلتهم أفلاما عن الانحراف والفساد . وما أن يرى أحد من المختلفين رجلا وامرأة يتحادثان حتى يكمل له خياله المريض مشهدا عاطفيا دراماتيكيا لا يرغب أن ينهيه ـ و ذلك استمتاعا واستعذابا ـ إلا بوقوع المحظور، ولعل للتربية المغلقة ، والمفاهيم الانعزالية المتوارثة ، والقمع والكبت المتعدد الأشكال الذى تعانى منه مجتمعاتنا التى كبلتها العادات والتقاليد البدوية بقيودها ، وسجنتها داخل أقبيتها العفنة الخانقة دورا رئيسا فى ذلك . سيدة بالأمس فى " إيلاف" تستصرخ الضمير العشائرى البدوى : اعطنى حريتى ، اسمح لى بالعلم كى أمتلك القدرة على إنشاء وتربية جيل سوى واثق من نفسه ، قادر على الفهم السليم ولاستيعاب والإبداع عله ينتشل شعبه ووطنه مما ترى فيه ، لأن الجهل والعبودية لا يخلفان إلا جيلا مشوها هزيلا خائفا تائها يفتك فيه التخلف والمرض والعقد والوسواس والظنون . سيدة كملايين النساء أجبرها هذا السجن العربى الكبير أن تتنازل عن غريزتها ، وأمومتها وأن تقول حين تتحدث عن أبنائها الذين حملتهم فى رحمها ، وتنفسوا من نفسها ، وجرت الدماء فى عروقهم من قلبها ، رضعوا من صدرها ، فأصبحت جزءا منهم ، وأصبحوا جزءا منها ، صارت مجبرة أن تقول عن أبنائها : ( أبنائه ) ، فالطفل كما فرضوا عليها ـ أن تعترف وتقبل ـ بقوة الأعراف والعادات والقانون ملك للرجل الذى ربما لم يلمسه أو يراه لسنين وسنين ، وإن رآه فلا يعرف أيهما أمه ، سيدة عبرت عن مشاعر النساء كافة فى هذه الصحراء العربية ، عن إحساسهن بالذل والمهانة والقمع ، عن شعورهن بأنهن لسن أكثر من أدوات للزينة والمتعة ، أو قطع الأثاث يستبدلها الرجال إن اهترأت ويجددونها إن ملكوا القدرة المالية ،. سيدات حفر المجتمع الذكورى البدوى فى ذاكرتهن صور السبايا والجوارى والإماء اللواتى لا يصلحن إلا للخدمة والتسرى بالأشكال التى يقررونها ويريدونها .سيدة تستنجد بالرجولة العربية ، تستصرخ رمال الصحراء الصماء أن تهبها الحرية ، متعهدة ألا تخل بما وهبت ، من قبيل نزع الحجاب أو الاختلاط بالرجال . لقد أخطأت فى العنوان ياسيدتى ، فكما أن العلم لا يعرفه ولا يقدر أن يعطيه إلا العلماء ، والخير لا يصنعه إلا أهل المعروف والإحسان ، والحب لا يدركه إلا الأبرار الطيبون أحباب الله ، فالحرية كذلك لا يهبها إلا الأحرار ولا يمنحها إلا مجتمعنا حرا متماسكا موحدا متعلما متفهما واثقا من نفسه وقدراته ، وأناسا متحضرين صادقين يشعرونبالمسؤلية أمام الله والمجتمع والوطن ، ولهذا لا يمكن لعبد مقموع مملوك مسلوب الإرادة ممنوع من التفكير أن يهب عبدا آخر الحرية والاستقلال ، فالجاهل لايعطى غير الجهل ، والمجتع الذليل المستعبد الأسير لعاداته وتقاليده وخرافاته لن يكون قادرا أن يصنع امرأة حرة متعلمة مثقفة مستقلة الرأى والإرادة . والفساد الذى يفك المجتمع يسببه التخلف والجهل والقمع والعبودية . تتعهدين ياسيدتى وتتشرطين على نفسك ، وأنت تعلمين أن الحرية كل متكامل لا يمكن تجزئتها أو الانتقاص منها ، وهى اختيار ، ومسؤولية شخصية فى الاختيار أمام الله أولا ، وأمام الذات ثانيا ، وأمام المجتمع والوطن ثالثا ، وأمام الإنسانية جمعاء أخيرا ، وما عدا ذلك فهو كذب ونفاق وتحايل وادعاء ، والحرية أن تمتلكى القدرة والفرار على أعطاء ما تريدين وحجب مالا تريدين ، وعلى قول نعم وقول لا ، بدون أى ضغوط أو تدخل خارجى . الحرية لا تأتى بدون أستقلال اقتصادى ، وحق العمل ، وامتلاك حق أختيار هذا العمل ومكانه الذى تعتقدين أنت لا غيرك أنه يصون نفسك وعزتك وكرامتك . إن التعامل مع الناس يا سيدتى والتعرف على اهتمامات وهموم ومشاكل الغير ، ووجهات النظر المختلفة ، ومناقشة الآراء والثقافات المتباينة يهذب النفوس ، ويفتح للعقول نوافذ جديدة على العلم والمعرفة ، ويزيد فى مستوى الوعى والإدراك ، ويعزز العمل الجماعى الذى هو أساس بنيان المجتع ونهضته وتقدمه .
لقد حض الله ورسوله ( ص) على العتق لكن القادرون على ذلك هم المؤمنون ، أما المنافقون المدعو الإيمان ـ وهم كثر ـ فلا .، لهذا يجب أن تشرع القوانين هذا الحق بالحرية وتصونها ، لا أن تكون هبة نمنحها اليوم ونحرمها غدا ، وكما هو حاصل فى عدد نت الدول العربية كبلاد الشام وتونس وشمال أفريقيا ومصر ، وفى مقدمة هذه الدول بلا منازع سورية التى أعطت قوانينها للمرأة منذ عدة عقود حقها فى التعليم الإلزامى ، وحقها فى التعليم المجانى الجامعى ، وحقها فى الانتساب والعمل فى الشرطة والجيش ، وأن تكون وزيرة ونائبة فى البرلمان وسياسية ترأس أحزابا ، وحقها فى أن تكون قاضية فى المحاكم ، وحقها فى أختيار الزوج والزواج ، والطلاق ، والسفر بدون مرافقة ، ومؤخرا حقها فى توريث معاشها التقاعدى لزوجها وأبنائها وبناتها ، وحقها فى التقاعد عند بلغوها الخمسين من العمر ، وحقها فى روضة أطفال ، مجانية قى مكان عملها وإن هى إلا مسألة وقت قصير جدا ، وتكون متساوية تماما فى حقوقها ووجبتها مع الرجل ، وكل ذلك بقوة القانون الذى يكفل لها الحماية التامة من أى تدخل فى شئونها مخالف للأنظمة والقوانين المرعية ، ولكن للأسف مازالت بعض المجتمعات العربية تضطهد المرأة وتصادر حقوقها بحجج واهية ، وتمارس ضدها سياسة النفى والاقصاء ، وكأنها أمة مشتراه سبيه مكرهة على الخدمة والامتاع والمؤانسة .