أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - فاضل سوداني - تعاويذ الحب وتوهج الجسد في بهو النساء















المزيد.....

تعاويذ الحب وتوهج الجسد في بهو النساء


فاضل سوداني

الحوار المتمدن-العدد: 1864 - 2007 / 3 / 24 - 13:00
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


يتحتم علينا في المجتمع الذكوري العربي ان نسال السؤال المسكوت عنه عادة الذي يتناول المرأة وفتنتها الجسدية ، اوذلك السؤال الاكثر خطورة ...عن حريتها في الحب وممارسة الجنس والامتلاء الروحي ، إو ديناميكية عقلها السري الذي هو سلاحها لمواجهة لعنة المجتمع لها دائما باعتبارها ( عََوّرة ). فعادات وتقاليد وآلية القمع الاجتماعي ، مؤسسسة على اضطهاد الرجل والمرأة في الان ذاته . وبالرغم من سلطة الرجل الموهوم ألا انه محكوم ايضا بفقدان حرية التفرد الذاتي ، فهو مسجون سلطة الماضي ، ومضطهد بذكوريته وحريته الخادعة والكاذبة والمبنية على قانون تبعية المراة للرجل وتبعية وعبودية الرجل للعشيرة والسلطة ، اذ هو حريص على التعامل مع المرأة،اما باعتبارها زينة في قن الحريم او(انها شئ او كائن ناقص عقل ودين) ،
ومادام الرجل يقود هذه الاوهام السلفية ويؤسس لها ( بسبب انانيته وحتى ينام مرتاح ) فهو غير حر إطلاقا ، وانما هو يعيش في قبر الماضي
والشاعرة حمدة خميس تجعل من حرية المراة والرجل جزء وشرط لحريتها هي بالذات كأمرأة وشاعرة ، وهذا هو هاجسها الحياتي والابداعي ، لانها تؤمن بكل شاعريتها بان المرأة ـ الحب ـ الخصب ـ الابداع قد جاءت متوهجة من أعالي الضياء . ولهذا فانها تدعوا قريناتها الى صحوة الرؤيا و والعيش بديناميكية الحياة واعادة خلقها حياتيا وابداعا .
(انهضن..انهضن /خذن الرجال/ الى حكمة الانثى/ فقد عظمت رزاياهم /خذن الرجال والحكمة
الى فئ الانوثة المطمئن /خذن الارض /الى رحاب الهدوء.
..................
................
طوبى لهذه الارض
إذ تنهض النساء .)
او كما في قصيدة (تنحو كي تعبر النساء )
( تأتي الشمس / وتلم شرائطها في الاصيل /وأنتن ماضيات في الشراشف / لا تحبكن فتيلا / لا ترفعن منارة / ولا تشعلن / عصب الكلام الجميل ) .
وتأثرا بشعر وفلسفات الحضارات القديمة كالسومرية والبابلية والمصرية وغيرها ، تحاول الشاعرة ان تنتمي لها ابدعيا على الاقل ، لان مثل هذه الحضارات اعطت لآلهتها صفات انثوية وشبهتها بالمراة ، حيث تساوي هذه الفلسفات بين المراة والخصب والخلق واتخاذ القرارات المصيرية بما فيها مصير الحياة و الحرب والسلام كما هو الحال بالنسبة الى الالهة إنانا وعشتار وإيزيس .
وحمدة خميس كشاعرة تعرف جيدا بان شعر وفلسفة هذه الحضارات هو شعر فيه الكثير من تكنيك الكتابة المعاصر الذي يلقي بظلاله على حياتنا الشعرية ، وهو شعر غير مفروض على حياة انسان تلك الحضارات ، وانما انتجه ذلك الشجن والاحاسيس الانسانية الصادقة والمعبرة ، لذلك فهو نابع منها ويعبر عن ذلك السر الوجودي الغامض بالنسبة للكائن في مختلف الازمنة .
ومن هذا المنطلق فان الشاعرة في عموم شعرها وخاصة في ديوانيها (غبطة الهوى ـ عناقيد الفتنة ) و (في بهو النساء )
نلمس فيه تحولات الجسد كشبق حياتي(ووجود) بصري تعبيري يمنح الشعراء خيالا وافقا يجعله جزءا من المقدس واسرار التعاويذ ، والشعر بالمقابل يمنح الجسد وجودا وكينونة أبدية بالرغم من فناءه المادي .
انها شاعرة تجعل من المرأة مفتتح دائم للوجود لانها جمرة الخلق ومن خلال الشعر تتحول يد المرأة الى وردة وكتاب في آن واحد ( كما في إحدى قصائدها ) ، وبالرغم من هذا الوعي السريالي الا انه يجعل المرأةتمتلك وجودا جماليا ومعرفيا . انها حواء وعشتار وافروديت وايزيس وديانا او انها امراة خليجية تود الخورج من خوفها الظلامي الكثيف لتستحم عارية في بحر الكينونة .
فحيح كهمس رومانسي
يبدو لي ان قصائد ديوان (في بهو النساء ) هو همس تحاول المراة فيه ان تكون سيدة الخلق ، ويبدو للقارئ فيه من الوهلة الاولى بان هنالك تظخيم للذات ، ولكن في حقيقة الامر هو ان الشاعرة تجعل من ذات المرأة كون متكامل وشفيف .فكل شئ ملكهالأنها اكتنزت تلك الاحلام والرؤى التي تجعل منها عرافة تتحول تعاويذها الى نور يضئ ذاتها والعالم الآخر. و بالرغم من ان هذا يبدو تفردا ذاتيا للمرأة لكنها تعرف بان عيني الرجل وروحه ودفئ قلبه تهمس لها بشغف وشجن و قادرة على ان تحيلها الى حمامة في افق مجهول .. انه همس حر وانعتاق لا يتكرر ..
( وقالت :/ ساررتني الرياح / وكلمني النجم /في الظلام الكثيف/ قال هاتي ذئآبة روحك / أخط لك الدرب/ وأرسم في راحتيك / الغصون، وفي مقلتيك/يهيم /الضياء الشفيف.)
والشاعرة تعلم بان الفحيح الهامس ليلا هو التعويذة التي تقلق الرجل واذا فك اسرارها سيكون إلها متربعا على شرشف الوجود او سيكون آدم جديدا لايتوانا عن قطف ثمرة المعرفة حتى وان كانت خطيئة ، فاذا كان هو لا يعرف ، فانها لابد ان تعرف بان الثمرة لايمكن ان تكون سوى خطيئة المعرفة ، لهذا فان المرأة ـ حواء تهمس له
بفحيح :
( وقالت :
هو ذا دربي / حميم الروح / والماء خلودي / وهذا العالم من حولي /فيض الخلق / والفيض احتضاني /ومروج الكون لي /ولي سحر النبوءة /والظلال /وآية الورد/ولي في الابجدية / مايضمر المعنى /وما توحي به الاسرار / في وهج الحروف .)
وبالرغم من هذا فان الرجل والمراة اكتشفا بان خطيئة المعرفة هي مكيدة ( او لعنة).
فالوجود في الفردوس هو موت ابدي والنفي الى الارض الجحيمية هو حياة ديناميكية مادامت مؤسسة على الصراع ومواجهة تناقض الاشياء والافكار ، ومبنية على جمر الوجود الواعي :

(وقالت : / اوشكت ان الج العصور / وأسن للسهب المروج/وابتني للغيم خارطة /هكذا /أوشكت أن .../ لكن التماع الرمل / كان خديعة / والرمح انهمار الجرح / في جسدي / والدرب /بين منعرج الى الهوى /ومنعرج / أبعد من خطاي / على الرماد .)

قال السر للمرأة والرجل اخرجا من مملكتي ، فقالت المراة للنجم :
(قلت اقترب / يانجم / وانثرني رذاذا / واقترب / يا ايها النجم المعلق / في سموات الغياب / صل بين مائي / والتراب /وبين حزني / والسحاب / ودلني / على بنفسجة الهوى / تختال مترعة / في انحناء رهيف . )
وفي قصائد هذا الديوان لابد ان يواجهنا السؤال الابدي عن ماهية كينونة الحياة وافولها وعن اصفرار اوراق الخريف والزمن الهارب الذي يقلق كما الحلم والخصب ودلالاته ( كالماء والملح ) وضباب الرؤيا ، والشاعرة هنا لاتتناول شؤون المراة الواقعية اليومية وانما شؤون المرأة الوجودية . اذن لابد ان يشكل كل هذا معنى فلسفي وشعري و سميولوجي بالنسبة لها .

المرأة وإلفة الوجود
حواء الام والشاعرة حمدة خميس تؤمن بان السؤال هو بدء المعرفة وهي اللعنة في ذات الوقت ، والسؤال بالنسبة الى الشاعرة هو بدء الشعرية والشاعرية وهي تتشكل بلا انفصال مع الحلم . وفي ديوان (في بهو النساء) هنالك فسحة ابداعية لاعادة تشكيل الحلم بعوالم نائية من جديد، وفيه ايضا مكان للابحار الى افق المجهول ، هناك تشعر المراة بكينونتها الحياتية النقية ، تستيقظ حرة وشفيفة تلقي الغلالة التي تكبلها على قارعة الطريق فجرا وتسيرمفتونة لتغوص في بحر الابدية من اجل ان تتطهر وتتماهى مع الكائنات المقدسة . هناك تكتشف المرأة شاعريتها ولغتها الشعرية ،و تتشكل من جديد في عالم طهوري ليس فيه تعدد الزوجات او ختن البنات او سبي المرأة العبدة ، وتنتفي فيه مهنة ( الَمَحْرَم ) حارس المراة الذي خلقه الرجل خوفا على ذكوريته مادام هو يؤمن بان شرف المرأة ليس في قيمها الانسانية وإنما في عضوها الانثوي ( وينسى بانه موطن اسراره ) .
في عموم شعر حمدة وفي هذين الديوانين بالذات نلمس من الوهلة الاولى شعر يبدو كهمس رومانسي ( كما نوهنا اعلاه ) لان الشاعرة لاتفصل بين المراة والحب . ولكن بعد التمعن نكتشف بان الحب بالنسبة لها هو خصب الوجود ، إضافة الى ان جميع القصائد تكشف تلك الثنائية المرادفة لمفهوم الحب او ثنائيته المتاقضة ، فالحب هنا يعني القوة الابدية لدى الانسان ويعني الموت او العدم ايضا ، لكنه عدم من اجل اعادة الخصب من جديد (فالحب هو القيامة بعد موت وهو الولوج الى الفناء من اجل ولادة الخصب ) انه الحب الذي يحول الكائن الى عنقاء تنهض من الرماد .
ان القصيدة بالنسبة الى حمدة هي رؤيا غير مفروضة ، وانما تنبثق من حيثيات المعايشة والجو والحدث . فالشعر عموما لايكتمل الا بالطقوسية والشعيرة . اذ هو طقس ينبثق من اللامكان واللازمان ، او ينبثق من سر من اسرار روح الشاعر المنسية ، ومن اعماق ذاكرته البصرية ، لكن هذا السر يتكامل ذاتيا لانه لا يتناول اللحظة الراهنة وانما يؤثر فيه ذلك التاريخ الطويل للانسانية بدأ من البدائية والهيولي وتكوين الكون والعالم وحتى تشئ الانسان في عصر الالة الان .
أليس الشاعر هو العراف والرائي ؟ . أليس هو البصير و سارق النار المقدسة ؟ :
( لاح لي/ فيما يشبه الرؤيا/ سحاب عائم /أثر سحاب عائم /ومجاهيل/ وغابات/ واسراب غموض/ونهار موشك /والليل في أوله/ واختلاط مبهم الغايات/أرواح تضئ/ كالقناديل/وتهوى كالشهب / لا قرار الارض يحويها / ولا حضن السماء/ فوهات من دم يدفق/ أخلاط من الكبريت/ أسيد /وحديد/ وحمم / والمحيطات/ هدير يحتدم/ تلفظ الغرقى كاصداف/ وتمحو/ كل ماابدعه الانسان: /آلاف الحضارات / عصورا وأمم .)
في قصيدة رؤيا في ذات الديوان نلمس ميزتين هما :
1) ان الشاعرة تتعامل مع الواقع والحياة كحلم او كابوس ، لكن ماذا يحدث لو يستيقظ الشاعر في كابوسه . بالتاكيد ستكون الرؤيا هي خيلاءه ووجوده الشعري ،وتتشكل الذات الشعرية و الرائية من خلال هذه الرؤيا التي لاتاتي الا في اسرار الحلم الغامضة سواء كان في احلام اليقظة ام في المنام ، أي في تلك اللحظة التي يفقد النائم فيها احساسه بالواقع وسكونية الصحو نهارا ، في زمن الحلم الليلي يغيب الزمن ، لكن الذات الشاعرة تنهض لتعيش صحوةالرائي التي تشكل هذه الذات وزمنها الشعري :
(لم أكن في غفوة الليل الكثيف / لم اكن في يقظة الصبح/ كنت في صحوة الرائي / وحدس الروح /اذ تغرق في الحزن الشفيف .)
ومن خلال هذه الذات الشاعرة وزمنها الشعري تتشكل القدرة على الرؤيا :
(رأيت الخلق / ذرات غبار / عائد نحو السُدم )
والذات الشعرية هنا تقوم بالتنبؤ كأنها عرافة اغريفية تتنبأ بالهول الآتي دون ان يصغي لها احد ، فالشعر هو نبوءة غير محبذة في عصر العقل وتشئ الالة ، لكنه يمتلك تلك الادوات التي تحول النبوءة الى ترددات ايقاعية لاله يسير غاضبا :
( رأيت الكون /تجرفه سيول / رايت الأنجم غرقى / والسحب / محض لهيب يستعر )
) استخدام التكرار في القصيدة الواحدة( و هذا مستخدم ايضا في قصائد اخرى ) فالقصيدة المارة الذكر تبدأ فعليا (لم أكن في غفوة الليل .....الخ ) . ان الزمن الذي تتحدث عنه القصيدة هو الزمن النهائي لصحوة الرؤيا أي عندما تعود الذات الشاعرة الى زمن الكابوس الواقعي ، زمن اليقضة .ان هذه القصيدة بل الديوان بمجمله يشبه صدى دفوف نسمعها كتعويذة يقرأها كورس من حوريات يخرجن من لجج البحر في الشفق امام الشاعرة الرائية التي تنتظر قبالة البحر :
(المرأة التي / تجلس قبالة البحر/مرتاعة /لايغويها وضوح الماء / البحر لا يهدأ / لا الأفلاك في / حكمة المدار /لا الكائنات في/ قدرة الاسرار .)
وبالرغم من هذا فهي تنتظر ان يتكشف لها سر البحر.وعندما يطول انتظارها تصرخ :
(رباه ليس لها احد /لا قلب يحنو /لغربتها /لا حضم يحتضن /الجسد /ولا بلد
........
رباه ليس لها احد .)
ولكنها تجد السر في بهو النساء ، هناك حيث تتشكل الاشياء والكائنات في فردوس النساء اللواتي ينتظرن بملل على حافة الوجود وخيلاء الفجر. و نلمس في الكثير من قصائد الشاعرة ايضا تعدد اصوات القصيدة الواحدة وعلاقتها بتكنبك كتابة الشعرالحديث.

التيه والواقع
الشاعرة ترثي ذاتها التي سقطت في التيه ، وهي غير اسفة على ذلك ، لانها الذات الواقعية المكبلة بخطايا الآخرين واقنعة الواقع المزيفة، انها غير آسفة لانها تعي جيدا بان ذاتها الشاعرة ـ الرائية ترفض الانتماء لمثل هذا الواقع ، فهي الذات الشاعرة التي تتطهر دائما من أدران الواقع :
(من أي فج في العصور/شببتِ روحا هائما/ونذرت نسلكِ للضياء/ورمدتكِ رغائبك؟/لا ليس بحرك هذا البحر / لا مرسى يلوح /ولا شطآن لك /وليس ماقلت /سوى زغب/ على طير /سيشرب من دمك .)
وهذه الذات الشاعرة تصطفي كينونتها باستمرار كأنها ناسك في القفر :
( وهي الضليلة /لا نجم يحرسها في العتم/ لا قنديل يهديها / ولا مسرة الخطى /في الشوق / بان له حد / كأنها ناسك في القفر /لا وحش يؤنسه / ولا ولد
........
رباه ليس لها / وليس لها أحد!!)
بالرغم من ان المراة لدى الشاعرة هي لغة وشلال رقراق من الخصب والضوء ، لذلك فانها تدعوها ان تقوم بدورها الحياتي و الوجودي وان تعبر عتمة البرزخ الى جوهر النور لتتحول الى قصيدة فيها إلفة الوجود . ان الشاعرة تعي مهمتها الشعرية وهي تعرف بان الشعر ليس هو الواقع حتى وان استخدمت احيانا المباشرة في دعوتها المرأة المغيبة للتمرد .
لكن لو تمعنا في فعل (إنهضن ... إنهضن يانساء الخليقة ...) مثلا كما في قصيدة
( تنحو كي تعبر النساء )لاكتشفنا بان فعل النهوض هو دعوة للمرأة من اجل ان تمنح ذلك السر الذي لا تلده إلا هي ، انه سر الخصب ، السر الذي يجعل شريكها ان يرى تلك الاشياء التي تتجوهر في اللامتناهي ، وان تمنحه (مصباح ديوجين )للبحث عن الحقيقة في نهار ساطع . انها تحمل صخرة سيزيف من اجل ان تحول كائنات االحياة واشيائها من سكونيتها الى ديناميكيتها:

(إنهضن ... إنهضن/ يانساء الخليقة / وصفوة الكائنات / إنهضن الى البياض / دورن رغيف القصائد /إشعلن قناديل الحكايا / إحبكن الكلام الذي / يشف كجوهرة / ويجرح كالنصال / إعبرن نهر الكتابة /الى ضفة الوجود/ كل جسد كون/ كل قصيدة أنثى /كل امرأة لغة! )
ان التحريض ليس من مهمات الشعر ، لان الشعر يخرب الوعي الساكن ، يهدمه ، يفككه ، ثم يبني وعيا جماليا خالصا .انه يؤشر جوهر الاشياء ويدخلها في الكون الابداعي ، فتتشكل لغة وعالم جديدان .هذه اللغة هي التي تجعل من الشعر مرشد لامراة كانت ملتبسة بالماضي ، وعليها ان تنهض الان لتستقبل الحياة.

الذاكرة المطلفة
تتحدث الشاعرة في ديوانها ( غبطة الهوى ـ عناقيد الفتنة ) بكثافة عن الجسد المنتظر في بهاء النور القدسي الذي يتكيف ويتحول الى كينونة جديدة يرتبط الجسد فيها بالخصب واالتصوف ويكون بعيدا عن الاثارة والاغراء المجاني والبورنو ، لانه جسد خارج خطيئته ، جسد يمتلك قدرة الولادة والفناء وفي ذات الوقت يمتلك النبوءة والقوة الابدية التي لاتزول ، انه جسد يمتلك حريته وتكامل جوهر وجوده المشع ، فهنالك تماهي بين الروح والجسد :
(من يجئ / الى جنة الحب / القلب / أم الجسد ؟/ من يغادرها أولا / تاركا في الفضاء / حسرة / لاتحد ؟)
ان حرية الجسد هنا له علاقة بلغته الخاصة التي تحول الكلمة الشعرية الى فعل بصري مؤثر ، انه الجسد الذي يمتلك جميع احاسيس الكائن الحي لانه جسد يمتلك ذاكرته المطلقة هذه الذاكرة غنية باسرار الحب مما تجعل من المراة ان تقوم بفعل الخلق :
( لو قلت لي أحبك / أصير طائرا من نور / أرف في رحابة الفضاء / وأنشر البهاء في المدى / وأعبر العصور / لأوقظ الموتى / بلمسة الجناح / وازرع النرجس والاقداح / مطارح القبور/ كأنني إلهة النشور .... / لوقلت لي أحبك .)
وعندما يصبح مثل هذا الجسد بذاكرته البصرية وتحولاته ،موضوعا للقصيدة ، سيكون للشعر زمنه الخاص أي الزمن الشعري ، وهذا هو بالذات الذي يخلق سر الشعر الذي يساعدنا ان نكون خارج الزمن الواقعي اثناء زمن تمثل القصيدة ، وهذا يعني بانه الزمن الابداعي :
(ما الشعر ؟/ قيل انه الارواح /وقيل الكُنهُ /والسر!)
يبدو انه شعر يقترب من شعر المتصوفة وغزلهم الصوفي ووجدهم ، لكنه وجد يستدعي الحبيب ( الرجل الذي بدونه لايكتمل الوجود ) لينهضه مثل رعشة التوهج من الوجود الساكن :
(غير ان الجسد الذي خاتلته وهناً / في غفلة الضوء / الجسد الذي لاغيته في رعشة الوهج / الجسد الذي جالدته في لذة الرهج / لم يزل يستشرف النشوة إذ تعبر / والهمسة إذ تخفت / والصمت الذي أيقضه الصمت / والموت الذي يولد في اللحظة / في غيبوبة الوصل /
...............
..............
لم يزل يرشف مذهولا /ماتبقى من ثمال الرشفة الاولى / في كاس الجسد )
ان قصائد هذا الديوان مبنية على سرد هو شجن يذكرنا بالف الليالي العربية ، تسردها شهرزاد المعاصرة لا خوفا من الفجر التي يمكن ان يقرر فيه هذا الشهريار ، الوجودي والعابث ، ان يحز رقبتها كقربان لفتنة الذكورة ، وانما سرد هاجسة ان تغري المراة الرجل للدخول الى مملكتها عندها سيكتشف الفردوس الانثوي .
هل محكوم علىالمرأة ـ الشاعرة ان تصرخ مع قريناتها من النساء :
(أي اغتراب عارم / يلف هذا الكون / وأي متكأ تأوي إليه سرائري / وأي أرض أستجير/ إذا التضاريس تمادت / في اختلاط مبهم /أو نأت كالبعد / او ماجت /كأختلاط السديم )
نعم .. اذن هو الاغتراب في هذا الوجود الذي يلف الكائن الحي وأيضا تلك الاشياء الحية التي تترأى ساكنة في عتمة ظلام العقل والروح .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) في بهو النساء ـ اسرة الادباء والكتاب ـ البحرين 20051
غبطة الهوى / عناقيد الفتنة ـ المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت 20042



#فاضل_سوداني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحضور الابداعي للكتابة عن المسرح
- باشلار و ظاهراتية الصورة الشعرية
- منفى المثقف في شمال الكوكب
- لا رحيق لزهور تنبت في أرض غير أرضها
- جــدلية الأحــلام بين المتنكــرين و الرعيــة عندما يتحول الم ...
- توهج الذاكرة ........مرثية لعامل الطين وقارئ الفلسفة محاولة ...
- ذاكـــرة المــرآة
- الأقمــــار المنســــية
- عزلة الشاعر في أحلامه - عدنان الزيادي إنموذجا
- النار المتوحشة…. وتحولات المثقف المتكيف
- توهج الذاكرة الفنان إبراهيم جلال وغربة المسرح في وطنه
- خليل شوقي وليالي شجون المسرح العراقي
- توهج الذاكرة عندما يسرق زمن الفنان
- المثقف المتكيف وأبخرة الثقافة الموبوءة
- الفضاء السميولوجي لعمل الممثل
- الوعي البائس للمثقف المتكيف
- مثيولوجيا الجسد في الطقس المسرحي البصري
- جدلية العلاقة بين المسرح والمدينة العربية
- شيزوفرينيا الذات في فلسفة سورن كيركغارد
- العنف وهستيريا الروح المعاصرة في النص الشكسبيري


المزيد.....




- هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب ...
- حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو ...
- بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
- الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
- مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو ...
- مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق ...
- أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية ...
- حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
- تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - فاضل سوداني - تعاويذ الحب وتوهج الجسد في بهو النساء