محمود عبد الفتاح
الوتر العازف دائما للحن الإختلاف
على مقهى ليمينوس بمدينة طنطا دخل مصطحبا فتاته , جلس على الطاولة التي بجواري ، متجاهلا عمال المقهى وجمهور الجالسين أمسك بيديها وراح يتحدث بصوت خفيض معلقا عينيه بعينيها , رويدا رويدا أخذ صوته في الإرتفاع حتى بلغ حد الصياح متحدثا عن الفعل المنعكس الشرطي ونظرية بافلوف والمدرسة الألمانية في التحليل النفسي ونقد الفرويدية , توجه إليه أحد عمال المقهى طالبا منه الهدوء مراعاة للمكان وللآخرين , انتفض واقفا ورمي بعض النقود على الطاولة وخرج مهرولا وفتاته تحاول اللحاق به .
إكتمل عقد الخلية الأولى في كلية الآداب جامعة طنطا وبعد انتهاء اللقاء – الذي لم يكن هو من المشاركين فيه – إستوقفني في أحد الممرات " بلاش تقعدوا هنا ياكابتن " قالها ولم ينتظر ردا أو تعلقا .
على المقهى العثماني في شارع الجلاء يطول بنا الصمت حيث الآخرون لايكفون عن الحديث الطويل المتكرر عن أزمة الثقافة وأزمة السياسة وأزمة الأزمة , نعم أزمة الأزمة هكذا قال صديقنا خبير الأقطان .
ونخرج مأزومين إلى شارع البحر نملأ رئتينا بهواء الفجر المغسول بالندى فيجلجل صوتك بأشعار محمود درويش ومظفر النواب ومحمود الشاذلي وغيرهم , وفجأة تتوقف عن المسير معلنا بصوت جهوري يسمعه الراجعون من صلاة الفجر والعسس والمخبرون : " لم تكن امرأة العزيز أزمتك يايوسف بل هم اخوتك يايوسف هم أزمة الأزمة " .
في خيمة صغيرة على سطح إحدي العمارات الشاهقة كان يسكن شاعر كفر الشيخ الرقيق " العبد لله بن سلامه " صاحب الشروط الصعبة حيث قرر أن يكون خادما للحزب وليس عضوا فيه وعلق لافتة ورقية في صدر الخيمة كتب عليها "خادمكم ومضيفكم ولست واحدا منكم " , في هذه الخيمة كنا نلتقي أنا ويوسف الذي كان بين الناس محمود وآخرين نرتب المهام ونوزع الأدوار وكنت دائما يايوسف تختار أن تلعب أصعب الأدوار , كنت دائما تختار أن تكون الوتر العازف دوما للحن الإختلاف .
في رثاء المناضل الإشتراكي/ محمود عبد الفتاح
بقلم :د/ أحمد نصار