|
!!زواج من أجل الطلاق
صالح سليمان عبدالعظيم
الحوار المتمدن-العدد: 1864 - 2007 / 3 / 24 - 13:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أذكر في فترة الطفولة تلميحات الرجال من جانب وهمسات النساء من جانب آخر حينما كانوا يتحدثون عن إمرأة مطلقة. كان الطلاق نادراً ما يحدث، وكانت المطلقة بالنسبة للمحيط الاجتماعي مثار حديث وخوف وتوجس وغيبة ونميمة. لم يكن أحد يتحدث عن الرجل بوصفه مُطلّق؛ فالرجال سرعان ما يتزوجون، بغض النظر عن أعمارهم، وعن وظيفتهم، وعن حالتهم الصحية، حتى لو ظلوا بدون زواج فلا غبار عليهم، ولن يصبهم شيئ يخص سمعتهم أو شرفهم مثلما هو الحال مع ما تواجهه المرأة في العالم العربي بشكلٍ عام والمرأة المطلقة بشكلٍ خاص. ففي المجتمعات العربية الراكدة تحت وطأة الهيمنة الذكورية في كافة مظاهر حياتنا اليومية، تدفع المرأة المُطلقة ثمناً باهظاً لإحباطات الرجل ونزواته وإنفلاتاته واضطراباته وتحولاته المزاجية والشعورية، إضافة إلى وطأة الجماعة الاجتماعية الضاغطة عليها.
ولم تكن نسب الطلاق في الماضي القريب مثلما هى عليه الحال الآن في عموم عالمنا العربي، بل يمكن القول إن الطلاق كان موجوداً فقط بين فئات اجتماعية معينة، في الغالب الفئات الأكثر ثراءً والأكثر تحرراً وتحملاً لتبعات الطلاق ومشاقه المادية والاجتماعية والنفسية الجسيمة. أما معظم الفئات والطبقات الاجتماعية الأخرى مثل الطبقات الوسطى والدنيا، ناهيك عن سكان المناطق الريفية والنائية، فلم يكن الطلاق من مفردات حياتهم وممارساتهم اليومية. فالأسرة والإرتباط بها، وتحمل المشاق من أجل تربية الأطفال ورعايتهم، حتى ينهون تعليمهم، ويشتغلون، وربما يتزوجون، كانت من أجّل وأهم المهام التي يضعها الزوجان على كاهلهم، ويتعاملون معها بمنتهى الجدية والتفاني والإخلاص.
أما الآن، وبعد التحولات الهائلة التي شهدتها المجتمعات العربية، وبشكلٍ خاص منذ السبعينيات، فقد شهدت المجتمعات العربية تصاعداً هائلاً في نسب الطلاق والتفكك الأسري، وتشتتاً للنشأ وتعرضهم للكثير من صنوف الحرمان العاطفي من جانب الأبوين، لم تشهده من قبل. فقد وصلت نسبة الطلاق في السعودية إلى 24%، كما وصلت في الكويت إلى 35%، والمغرب 23%، وفي موريتانيا 42%،و قطر 38%، وفي الإمارات 36%، والبحرين 34%، كما وصلت إلى معدلات مخيفة في مصر والأردن. وبشكلٍ عام فقد زادت نسب الطلاق في كل الدول العربية، بحيث يمكن القول بأن المتوسط العام للطلاق يكشف عن أنه من بين كل ثلاث نساء يتزوجن، وفي بعض الحالات من بين كل إثنتين، سوف تجد حالة واحدة منهن نفسها مطلقة بعد فترة وجيزة من الزواج. وهى نسبة مخيفة وبالغة الخطورة إذا ما وضعنا في إعتبارنا الإرتفاع غير المسبوق في نسب العنوسة في العالم العربي. ويعني ذلك، أن العالم العربي سوف يواجه مشكلات عديدة تتعلق بهذه الأعداد الهائلة من النساء غير المتزوجات، سواء المطلقات أو العوانس، مع ما يرتبط بذلك من مخاطر اجتماعية وأخلاقية جمة.
ومما يزيد الوضع خطورة أن الطلاق ذاته لم يعد يرتبط بمرحلة عمرية معينة، ولا بشريحة اجتماعية معينة، ولا بالحالة الإقتصادية، ولا بالمستوى التعليمي، فقد إنتشر وعم وشمل كل الفئات والمستويات الاجتماعية والإقتصادية والتعليمية المختلفة، إلى الحد الذي أصبح يمثل ظاهرة عامة تمس كل الأوساط والشرائح الاجتماعية المختلفة، ولا يثير حفيظة أحد، كما لا يثير إندهاشه مثلما كان الحال عليه في الماضي القريب. ومن اللافت للنظر هنا، هو تزايد أعداد المطلقات تحت العشرين من العمر، واللاتي لم يمر على زواجهن غير أشهر قليلة معدودة، وفي بعض الأحيان مجرد أسابيع قليلة، وهو ما يجعل الزواج مجرد نزهة قصيرة، لا تستحق عند الكثيرين عناء الحفاظ عليه، وعدم التفريط فيه. فالزواج أصبح مجرد خطوة قصيرة محدودة التأثير من أجل إتمام خطوة أخرى أكثر تأثيراً وهولاً وهى خطوة الطلاق، وكأن شعار اليوم يتمثل في: الزواج من أجل الطلاق.
ورغم ما أشرنا إليه سابقاً من الهيمنة الذكورية المجتمعية، فإن مناقشة أسباب إزدياد نسب الطلاق في المجتمعات العربية لا يمكن إرجاعها إلى الرجل وحده، بقدر ما يمكن إرجاعها إلى أسباب مجتمعية عديدة تشمل الرجل والمرأة والأسرة والأقارب وباقي المؤسسات المجتمعية الأخرى، إضافة إلى الأدوار التي يجب أن تضطلع بها مؤسسات المجتمع المدني المختلفة. من هنا يمكن القول بوجود أسباب عديدة وراء حدوث الطلاق في العالم العربي، يأتي في صدارتها ظاهرة الزواج السريع، الذي يتم بين العائلات، ولا يتيح قدراً ما من التعارف بين الشريكين، الأمر الذي ينتهي بالفشل الذريع، بعدما يكتشف الطرفان صعوبة التوافق والإختلاف الهائل في الطباع فيما بينهما. وهو الأمر الذي يرتبط بعدم الوعي من جانب طرفي العلاقة بخطورة الزواج وأهميته والمستلزمات المرتبطة به. فالكثيرون يقبلون على الزواج، رجالاً ونساءً، بحكم الأعراف الاجتماعية التي تملي عليهم الزواج عند بلوغ سن معينة، بدون فهم حقيقة الزواج، والمخاطر المرتبطة به، وعلى رأسها الطلاق.
كما أن التفاوت الكبير في العمر يلعب دوراً كبيراً في الإنتهاء إلى الطلاق. فالكثير من الفتيات أُجبرن على الزواج من رجال يفوقهن عمراً بشكلٍ مبالغ فيه، إما بسبب العادات والتقاليد البالية التي لا تقبل أية مناقشة من الفتاة فيما يختص بزواجها، وإما بسبب الضغوط الإقتصادية التي تجعل الأسرة والفتاة يقبلا بهذه النوعية من الزواج تخلصاً من الكثير من المشكلات المادية، خصوصاً إذا كان الرجل المتقدم ثرياً. ويلعب تفاوت المستوى التعليمي والثقافي دوراً كبيراً في تأجيج الخلافات الناجمة عن إستعلاء طرف على طرف آخر، وعدم التوافق فيما بينهما.
ورغم ذلك، فإن هناك نسب مرتفعة من الطلاق حدثت بين أزواج وزوجات متقاربي الأعمار والمستويات التعليمية والثقافية والاجتماعية، بل إنه يمكن القول الآن أن نسب الطلاق تتزايد يوماً بعد يوم بين هذه النوعية من الأزواج والزوجات، وهو الأمر الذي يفاقم من مخاطر الطلاق وتفشيه في المجتمعات العربية المعاصرة. وهناك العديد من الأسباب وراء تصاعد نسب الطلاق بين الفئات المتعلمة والمتقاربة المستوى الاقتصادي والاجتماعي والعمري إلى العديد من الأسباب يمكن إجمالها فيما يلي. عدم التريث في الزواج، والتسرع في الإقبال عليه، فالكثير من شباب وشابات هذه الأيام، يقبلون على الزواج بمجرد إنتهائهم من تعليمهم الجامعي، بدون أن يدركوا حقيقة ما هم مقبلون عليه، وبدون أن يمنحوا أنفسهم فسحة من الزمن من أجل فهم الطرف الآخر، والتعرف على طباعه ومزاجه وخصائصة. وما يحدث في الواقع أنهم يقبلون على الزواج، ويتمونه، ويتركون عملية فهم الطباع والخصائص للمستقبل؛ بمعنى أنهم يتركون ويهملون ما يجب فعله في الحاضر المعيش لظروف وأقدار وتراتيب المستقبل. وما يحدث أنهم يكتشفون بعد أيام أو أسابيع أو أشهر قليلة من الزواج بعد الشُقة فيما بينهما، الأمر الذي يؤدي لزيادة الجفاء والعداء، ويؤدي لا محالة إلى الطلاق.
وإذا كان الأزواج والزوجات لا يتريثون في إتمام الزواج وعقد القرآن، فإنهم لا يتريثون أيضاً في مواجهة مشكلات الفترات الأولى من الزواج. وهنا يقع على عاتق الأسرة العربية والمؤسسات المجتمعية المختلفة مهاماً جسيمة من حيث تنوير الشباب والشابات الجدد بحقيقة الزواج، ومعني تقديم التنازلات بين طرفي العلاقة، وخصوصاً في الفترة الأولى من الزواج. إن عدم التريث في إتمام عقد القرآن، والزواج المتسرع، يلغي فترة التعارف بين الزوجين، وما كان يجب أن يحدث في فترة ما قبل الزواج، يجدان أنفسهما في مواجهته بعد الزواج. إن فترة ما بعد الزواج من أخطر الفترات التي يواجهها طرفا العلاقة من حيث قدرة كلا منهما على فهم الآخر من ناحية، وعلى تقديم بعض التنازلات للطرف الآخر من ناحية أخرى. وهذا الفهم والتنازل لا يجب أن يعني في مخيلة أيا منهما الإنتقاص من الطرف الآخر، أو إنتهاك حريته والهيمنة عليه. فالزوج يجب أن يقدر مشاعر زوجته، كما يجب على الزوجة أن تقدر مشاعر زوجها.
يقدم الإعلام العربي المعاصر صورة غير حقيقة للمرأة بوصفها رشيقة وجميلة وفاتنة وجذابة دائما، وهو الأمر الذي يتعارض مع واقع المرأة العربية التي تواجه العديد من المشكلات الإقتصادية والتحولات الجسمية بسبب الحمل والرضاعة وغيرها من الأسباب البيولوجية التي تعتريها، والتي يجب أن يتفهمها الزوج. هذه الصورة الكاذبة والمخادعة، تضر بالشباب المقبل على الزواج، الذي ما أن تمر بضعة شهور من الزواج حتى يجد زوجته في حال غير الحال، وفي تحول غير ما كانت عليه، مما يضفي عليه وعلى توجهاته قدراً كبيراً من الملل والجفاء وتردي العلاقة نحو زوجته، وهو ما يفضي لا محالة إلى تصاعد الخلافات والرغبة في الطلاق.
إن العالم العربي المعاصر مُواجه بطوفان هائل من حالات الطلاق التي أصبحت مثلها مثل أية ممارسة مجتمعية أخرى. فلم يعد الطلاق أبغض الحلال، بقدر ما أصبح لدى الكثيرين أيسر الحلال. واللافت للنظر أن الكثيرين الذين يقبلون على الزواج بدون فهم المخاطر المرتبطة به يقبلون أيضاً على الطلاق بدون فهم النتائج والعواقب الناجمة عنه، وبدون أن يدرون معنى أن ينفصل شخصان قامت بينهما علاقة حميمة لفترة من الزمان، وبدون أن يدركون التحديات الهائلة التي يواجهها الأبناء وهم موزعون ومشتتون بين الأم من ناحية وبين الأب من ناحية أخرى، وبدون أن يعون المخاطر الهائلة المرتبطة ببنية المجتمع ككل. ورغم الثمن الهائل الذي تدفعه المرأة المطلقة، بشكلٍ خاص، في مجتمعاتنا العربية الذكورية والتقليدية، فإن المخيف في مسألة الطلاق أن المرأة حينما تدفع ثمناً باهظاً، فإن علينا جميعاً أن نعي أن المجتمع برمته سوف يدفع أثماناً أشد هولاً مما تدفعه المرأة المطلقة، إجتماعيا وسياسيا وأخلاقيا، وهنا تكمن مخاطر إتساع نسب الطلاق والعنوسة على السواء.
#صالح_سليمان_عبدالعظيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فورا بوش، جرينجو بوش
-
عن الحب والرومانسية وأشياء أخرى
-
ثقافة النكد في العالم العربي
-
حرب الأفيون الأمريكية
-
إثنان وثلاثون عاماً على رحيل أم كلثوم
-
قصص قصيرة جداً
-
مواجهة خطاب التنميط والعنف الغربي بين التناول العلمي والإلتز
...
-
!!محافظون وثوريون
-
أزمة العلوم الاجتماعية في العالم العربي
-
!!أستاذ الجامعة بين استحكامات البنية واستحقاقات المهنة
-
ذووا الدم البارد والعقلانية الخبيثة
-
!!مذكرات سمير أمين وعصر الرأسمالية الشائخة
-
نهوض المرأة في تقرير التنمية الإنسانية العربية الرابع
-
!!لا تعايرني ولا أعايرك
-
البنية النفسية لذوي الجنسيات المزدوجة
-
الأستاذ شعارات
-
الصحافة العربية والإنفلات الإلكتروني
-
بقايا الوعى بين مخاطر الاستعلاء وأوهام الاستقواء
-
!كفاية، إحنا وصلنا للنهاية
-
الإخوان المسلمون والإخوان الأقباط
المزيد.....
-
آخر ضحايا فيضانات فالنسيا.. عاملٌ يلقى حتفه في انهيار سقف مد
...
-
الإمارات تعلن توقيف 3 مشتبه بهم بقتل حاخام إسرائيلي مولدافي
...
-
فضيحة التسريبات.. هل تطيح بنتنياهو؟
-
آثار الدمار في بتاح تكفا إثر هجمات صاروخية لـ-حزب الله-
-
حكومة مولدوفا تؤكد أنها ستناقش مع -غازبروم- مسألة إمداد بردن
...
-
مصر.. انهيار جبل صخري والبحث جار عن مفقودين
-
رئيس الوزراء الأردني يزور رجال الأمن المصابين في إطلاق النار
...
-
وسيلة جديدة لمكافحة الدرونات.. روسيا تقوم بتحديث منظومة مدفع
...
-
-أونروا-: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال
...
-
رومانيا: رئيس الوزراء المؤيد لأوروبا يتصدر الدورة الأولى من
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|