أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - صائب خليل - المسلمون والعلمانيون – اضطهاد متبادل















المزيد.....



المسلمون والعلمانيون – اضطهاد متبادل


صائب خليل

الحوار المتمدن-العدد: 1864 - 2007 / 3 / 24 - 13:01
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يخاف العلمانيين والإسلاميين بعضهم البعض بشكل مبالغ به, سببه اضافة الى التأريخ الفاشل في الحوار والمعايشة, واضافة الى احداث عنف متناثرة هنا وهناك, بعضها معلوم المصدر واخر مجهول. إضافة الى ذلك هناك حملة اعلامية قوية تهدف الى اظهار الخلاف بين مسلمي وعلمانيي الشعب الواحد على انه صراع حياة او موت لامجال لإدارته بشكل يضمن حياة كريمة ديمقراطية للطرفين.

ربما كان اشد انواع الإضطهاد دلالة الإضطهادات البسيطة مثل التدخل في الشؤون الخاصة للآخرين مثل تحديد لباسهم ومأكلهم ومشربهم وتصرفاتهم. ورغم ان المسلمين هم المتهمين الأساسيين بمثل هذه الإضطهادات (كما يحدث في ايران من شروط على الملابس) الا ان "العلمانيين" ليسوا ابرياء من مثل تلك الممارسات, كما سنرى لاحقاً

لايضطهد المسلمين في دول الغرب فقط, كما تشير التقارير الصادرة من الأمم المتحدة ودول اوروبا الغربية, والتي لن نتطرق اليها في هذا الجزء من المقالة, بل سنكتفي بما يحدث داخل الدول الإسلامية نفسها. فاحياناً, تأتي مبادرة الإضطهاد من حكومات الدول الإسلامية نفسها حفاظاً على سلطتها التي يدعمها الغرب في الغالب, كما في مصر او الجزائر مثلاً. ففي بلاد المسلمين انفسهم, يحدث الإضطهاد المتبادل, سواء كان المسلمون اصحاب السلطة ام العلمانيون

من الجدير بالذكر هنا التنويه الى بعض النقاط العامة الهامة وهي:

1- ان الإضطهاد (الظلم) الإسلامي يتميز بالعنف (القتل احياناً) والعشوائية النسبية حيث انه غير مقنن, وانما يعتمد على فتاوى القادة الإسلاميين, وهو ما يجعله مقززاً ومخيفاً بشكل خاص, بينما الإضطهاد العلماني للإسلام يجد عادة فرصة لوضع نفسه ضمن قوانين (ظالمة كما سنرى) ويكون اقل عنفاً.
2- الإضطهاد الإسلامي, خاصة عندما يتخذ شكل العنف, يكون موجهاً نحو اشخاص محددين غالباً, في حين يصيب الإضطهاد "العلماني" المسلمين جميعاً بلا استثناء بالضرر, حيثما وجد.
3- الإضطهاد الإسلامي معرض الى اضاءة اعلامية شديدة معادية تجعل من كل حدث, خبراً عالمياً, في حين لايمتلك المسلمون مثل تلك الإمكانية الإعلامية لموازنة الأمر بالمقابل.
4- العنف الإسلامي او الإضطهاد الإسلامي هو الوحيد (مقابل العلماني والمسيحي واليهودي..الخ) الذي يوصف فوراً باعتباره دينياً,اي يتم التركيز الإعلامي على هويته الإسلامية في حين تلف الغشاوة بقية اعمال العنف التي يرتكبها علمانيون او مسيحيون او يهود ويتوزع اللوم على هوياتهم القومية والإثنية والتنظيمية والشخصية اضافة الى الدينية. صحيح ان بعض الجرائم التي يرتكبها مسلمون يمكن اعادتها الى تعليمات دينية, لكن في معظم الحالات لا يكون ذلك هو الحال, الا ان الإعلام يتجاهل هذه النقطة الأخيرة عادة.

إضطهادات إسلامية

عندما يصبح كل شيء في حياتك محرما

مشكلة الأسلام الأساسية في التعايش مع المجتمع الحديث برأيي هو كثرة التحريمات غير المقنعة والمثيرة للضحك احياناً. ففي مقالة بقائمة المحرمات نقرأ "الكيمياء محرمة بلا جدال" (ابن تيمية) و "تحريم دراسة اللغة الإنجليزية" (ابن عثيمين) و "تكفير من يقول بأن الأرض تتحرك" (ابن باز) و "تحريم أجراس المدارس والمنازل" (ماهر بن ظافر القحطاني) و "غسل اللحم قبل طبخه (بدعة)" (ابن تيمية) و "كرة القدم حرام إلا بالكثير من الشروط" (عبدالله النجدي) وهذا يرى مثلاً, "الشرط الخامس عشر: لا تجعلوا ما يسمى بـ (الاحتياط) وهو ما إذا تعثّر أحدكم أدخلتم بدلاً عنه. إذ هذا هو صنيع الكفار في أمريكا وغيرها." حيث يستند الى "فتوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ورسالة فضيلة الشيخ حمود التويجري رحمهم الله تعالى في تحريمهم لكرة القدم." وفي الرياض ـ شهر ربيع الثاني 1423هـ, تم تحريم إهداء الزهور من قبل هيئة كبار العلماء, و ابن جبرين, وكذلك هناك "تحريم دخول المرأة للانترنت" لـ (عثمان الخميس) كذلك تم تحريم لبس الكعب العالي للمرأة من قبل هيئة كبار العلماء على اساس انه " يعرض المرأة للسقوط، والإنسان مأمور شرعا بتجنب الأخطار، بمثل عموم قول الله (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) وقوله (ولا تقتلوا أنفسكم)."
ويجد ابن عثيمين ان "الذهاب إلى (الكوفيرات)" حرام فيقول "ثم ما الفائدة من أن نجعل المرأة كأنها صورة من مطاط ليس فيها شئ من الشعر.
وما يدرينا لعل في إزالة الشعر الذي أنبته الله بحكمته مضرة على الجلد ولو على المدى البعيد."

ومن معرفتي الشخصية ينكر المسلمون المتعلمون علاقة معظم تلك التعاليم بالإسلام, وفي هذا نقطة تستحق الإنتباه, لكن بالمقابل يبدو انهم لا يجهدون انفسهم في التصدي لما يعتبرونه اكاذيب ادخلها الحمقى والقاصدين الأذى على الدين, فهم يتحملون بعض مسؤولية ذلك ايضاً.

عار عليك يا مصر/بالأمس محنة ابو زيد واليوم نوال السعداوي

التكفيرات والتهديدات واعمال العنف الإسلامية والتدخل في شوؤن الآخرين وفي ملابسهم وطعامهم وشرابهم وكتاباتهم ومقولاتهم.
عن فضيحة التهديدات الإسلامية الأخيرة للدكتورة نوال السعداوي كتبت, مشيرة الى فضيحة سابقة مشابهة ضد الدكتور نصر حامد ابو زيد الذي اضطر الى الهرب الى هولندا بعد تكفيره و"تطليق زوجته شرعيا" منه, كتبت قائلة: "لطيفة الحياة " في الحوار المتمدن: "متى ستتوقف مهزلة التكفير هذه؟ متى سنرفع الوصاية على العقل؟ متى سنعي أن الأصل في الإنسان هو الاختلاف وليس النمطية التي هي سمة منتجات المصانع والمعامل؟"

"هل من حق فرد أو جماعة أو مؤسسة أو فكر احتكار الدين؟هل من حق بشر أن يتأله ويحاكم الناس؟
مازلت أتذكر جلوسي أمام الدكتور ناصر حامد أبو زيد في ندوة دولية بالمكتبة السعودية بمدينة الدار البيضاء، إذ كان يتحدث فكنت أنا أتساءل بيني وبين نفسي: ترى ما ذنب هذا الرجل؟ ما لذي قاله حتى تلفظه مصر من أحضانها؟"
"إذا كانت الجامعة المصرية كمناخ يفترض فيه احتضان الاختلاف والتنوع الفكري هي نفسها من تزعمت لغة التكفير فرحمة الله عليك يا مصر ويا مصريين ويا عرب."

"أعتقد انه بعد محنة الدكتور نصر حامد أبو زيد، والتي كانت وصمة عار في جبين الجامعة المصرية بل، وكل المؤسسات والمنابر والوزارات التعليمية في مصر لا يمكن أن يفاجئنا ما يحصل للدكتورة نوال السعدواي اليوم. فمصر التي شهدت ولادة فكر النهضة وحَضَنَت كبار كتابها ليست هي مصر نفسها التي تطارد عقولها وتحاكمهم وتبلغ في أحكامها عليهم حد التكفير والردة والطرد من جغرافيتها. هذه، مصر التي تصفق لعمرو خالد وما يمثله من مد ثقافي تحاكم نصر حامد أبو زيد وتطارد نوال السعداوي."

"إن رهان مساندة هؤلاء العقول وأمثالهم هو رهان مساندة الحوار والحرية والتعايش، هو رهان مساندة الإسلام الإنساني، رهان مساندة دين الإنسان الذي هو دين الله الذي سيظهره على الأديان جميعا،رهان المستقبل."
ثم تضيف: " القران بريء من أفعال هؤلاء، القران لا يقول بطرد الناس من بلدانهم وتكفيرهم، القران لا يطالب بختان الرجال حتى ينسب إليه ختان الإناث، القران لا يمنع أحدا من النقاش ولا يوقف أحدا عن التعبير، القران لا يؤسس لذكورية ثقافية ولا يضطهد انثى، القران ضد الإرهاب الفكري و التأله البشري، القران يدفع للنقاش ويشجع على السؤال ولا يخيفه أبدا، القران نفسه من يقول:"قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين".

يعني أفلح القوم عندما ولوا أمرهم ذكرا!

وبالطبع يتعرض اضطهاد المرأة من قبل الإسلاميين الى النقد الشديد, فتكتب هويدا طه في الحوار المتمدن عن "التحريمات" والتدخلات الشخصية: "الحق أنك تذهل وتصاب بالدهشة وربما اليأس من هذا (التديين) لكل قضايانا.. هذا (الرجوع) في كل صغيرة وكبيرة للفقهاء والأئمة الذين رحلوا عن عالمنا منذ ألف عام.. هذه (الاستقالة أو الإقالة) للعقل المتمكنة منا.. هذا التعلق بأهداب (الفقه والشرع) في كل أمورنا.. بدءً بكيفية دخول الحمام وحتى مسائل الحكم والقضاء والولاية مرورا بكل أوجه الحياة التي نعيشها.. هذا شيء غير معقول."

تتساءل هويدا : "كيف نشق الطريق إلى المستقبل وعلى أكتافنا ابن حنبل والشافعي والمالكي وأبو حنيفة يعطلوننا هذه العطلة! المستشارة نهى الزيني تقاوم معارضة (ذكور القضاء المصري) لتولي المرأة المنصب.. لكنها ساقت حجة دينية عندما قالت:"عمر بن الخطاب ولى أم الشفاء قضاء الحسبة وأحد الخلفاء العباسيين ولى كهرمانة ولاية القضاء"، وهذا أمر غريب.. طيب وإذا لم يكن عمر بن الخطاب أو ذلك الخليفة ولى أم الشفاء أو كهرمانة ذلك المنصب ماذا كانت المرأة المصرية ستفعل الآن؟! أي مأزق هذا؟!" لتنهي مقالها بذكاء محرج قائلة: " ثم يأتي من يقول إن القوم لن يفلحوا إذا ولوا امرأة أمرهم.. قال يعني همه دلوقتي.. فالحين!" (*)

قائمة سوداء" تتضمن اسماء فنانات غير محجبات

وعن حرب الحجاب, يلفت النظر خبر من مصر حيث قامت عدة فنانات مصريات محجبات بإصدار "قائمة سوداء" تتضمن اسماء فنانات غير محجبات "دأبن على مهاجمة وانتقاد" الفنانات التي يرتدين الحجاب، ومن المتوقع أن تثير هذه الخطوة بحسب رأي الكثيرين من النقاد الفنيين عاصفة كبيرة من الجدل في الأوساط الفنية المصرية.
وتتضمن تلك "القائمة السوداء" حاليا اسماء خمس فنانات مصريات معروفات هن يسرا ونادية الجندي وإلهام شاهين ونبيلة عبيد وليلى علوي، وأكدت المحجبات أن تلك الأسماء اعتادت الهجوم على الحجاب بسبب أو من دون سبب، بل قامت بعضهن بالضغط على المحجبات لإثنائهن عن قرار ارتداء الحجاب مثلما فعلت نادية الجندي مع المذيعة بسمة وهبة ويسرا مع حنان ترك، مثلما أكدت الأخيرة في تصريحات صحفية لها، وأحدثت ضجة كبيرة، وذلك وفقا لما ذكرت صحيفة "الجزيرة" السعودية.
وتتصدر كلا من الفنانات المحجبات سهير رمزي وسهير البابلي وصابرين وعبير صبري تلك الحملة، وفي هذا الصدد أكدن أنهن "لن يكتفين بعد الآن بموقف المتفرج إزاء الهجوم الذي تتعرض له المحجبات بل سيبادرن إلى الهجوم، لأنهن لسن في موقف الضعيف والحجاب ليس وصمة عار يخجلن منها، بل هو شرف لكل إنسانة أن ترتديه".

إضطهادات علمانية

رغم ان الحملات الهادفة لمنع ربطة الرأس (الحجاب) في اوروبا, والتي تقودها عادة جهات واحزاب عنصرية مضادة للإجانب والمسلمين بشكل خاص, الا ان مثل هذا العداء التشريعي لم يصل الى ما وصل اليه في داخل الدول الإسلامية نفسها, من قبل قوى غير اسلامية (علمانية) تفرض رأيها على المجتمع الإسلامي فيها. سنأخذ مثالين على ذلك من دولتين, عربية (تونس) وغير عربية (تركيا).

تونس
فتمنع حكومة الرئيس التونسي زين العابدين بن علي ارتداء التونسيات للحجاب منذ سنوات، وكان وزير الشؤون الدينية التونسي أبوبكر الأخزوري قد برّر في تصريح شهير له منع الحجاب في تونس بأنه "لباس طائفي قادم لتونس من الخارج ويرمز إلى شعارات سياسية "وصافا إياه بـ"النشاز
وقد حصلت عدت صدامات بين الطلبة والحكومة حول الموضوع حين منعت السلطات مئات الطالبات مرتديات الحجاب من المشاركة في الامتحانات الجامعية بمختلف الكليات والجامعات، و"كذلك سحب البطاقاتّ الطلابية منهنّ"، وهو ما اعتبروه "نيلا من الحرية الفردية".
ويرى المسؤولون ان قرار منع الطالبات التونسيات المحجّبات "قرار قانوني" بما أنه جاء تنفيذا لمقتضيات القانون الذي "يمنع اللباس الطائفي" في تونس., فيما تراه الطالبات "اعتداء على الحرية الشخصية وحقّ المعتقد الذي يكفله دستور البلاد". (**)

في تركيا
و حتى عندما يحصل المسلمون على حكومة اسلامية منتخبة من قبلهم, لايسلموا من مثل هذا الإضطهاد.

ففي تركيا, ذات الأغلبية الساحقة المسلمة, وحيث تم انتخاب حزب اسلامي للحكم (للمرة الثانية بعد التآمر على الأولى من قبل الجيش) يتم فرض قوانين "رادعة" للإسلام واللباس الإسلامي, والتي تتخذ احياناً مظاهر مثيرة للضحك والأسف. فمثلاً اضطر الرئيس التركي قبل شهر الى الاعتذار من القصر الملكي الهولندي لعدم تمكنه من استقبال الملكة ومشاركتها في الحفل الموسيقي للفرقة النحاسية الهولندية الذي اقيم بتركيا احتفاء بزيارة الملكة بياتريكس، حيث ستشارك سيدات تركيات محجبات في الحفل. ويقضي القانون الذي تم تشريعه عام ١٩٢٤ بمنع تواجد المحجبات في الأماكن العامة التابعة للحكومة أو داخل البنايات الرسمية، ويمنع بالتالي تواجد رئيس البلاد بهذه الأماكن مع السيدات المحجبات أو المسؤولين رفيعي المستوى بتركيا!

وليست بعيدة عنا الحادثة المأساوية التي تناقلتها الأنباء قبل نصف عام حين اطلق محام تركي (البرسلان ارسلان) النار على قاض فقتله وجرح اربعة قضاة اخرين بعد ان حكم القاضي بمنع مدرسة تركية من تولي منصب مديرة مدرسة باعتبارها لم تكن قدوة حسنة للطالبات لأنها كانت ترتدي ربطة الشعر بعد خروجها من المدرسة, والذي كانت تخلعه في المدرسة تنفيذاً للقانون!
القت المعارضة التركية مسؤولية الجريمة على الحكومة الإسلامية واتهمت الحزب الحاكم بانه يسعى الى "التسرب الى نظام التعليم"!
كذلك يذكر ان المعارضة تقف بشدة بوجه ترشيح رئيس جمهورية اسلامي باعتبارها لاتقبل رئيساً ترتدي زوجته ربطة الشعر!
أن من يحتج على فرض الملابس الإسلامية في ايران مثلاً, ولا يجد ضيراً في هذا لن ينجو من تهمة النفاق.

العلمانية المتطرفة اصبحت ثقلاً

بسبب هذه الأحداث وامثالها يرى عالم الإجتماع المعروف والأستاذ في جامعة البوسفور فاروق بيرتك انه يجب اعادة النظر في الفصل الشديد بين الدين والدولة في تركيا. ولا يتفق فاروق مع العلمانيين المتشددين من الأتراك بان العلمانية في تركيا في خطر. ويرى ان الزمن تغير وان ارتداء ربطة الرأس يجب ان ينظر اليه كخيار شخصي. ويشير الى حادث قتل القاضي العلماني المتشدد الذي يراه حزب (CHP ) العلماني المتشدد بانه هجوم مباشر على الجمهورية. يقول الأستاذ فاروق: "جميع البحوث تشير الى ان الغالبية العظمى من الناس في هذه البلاد لاتنوي تحويل الدولة الى دولة اسلامية يكون للشريعة الإسلامية سلطة فيها, وانهم يقبلون حقيقة بلادهم العلمانية. لكن "العلمانية" التركية تعيش ازمة حسب رأي الأستاذ فاروق. لقد اخذ الأتراك نموذج الثورة الفرنسية لكن العلمانية التركية اكثر تطرفاً حتى من "اليعقوبية". ففي تركيا لايسمح لمن ترتدي ربطة الرأس بدخول الأماكن العامة مثل الجامعة او البرلمان. اما بعد حادثة القاضي, فيتساءل المسلمون بغضب: "الم يعد اذن ممكناً ارتداء ربطة الرأس في اي مكان؟" يرى فاروق ان "تلك الحرب قد انتهت" وانه "حان وقت السلام" بين الطرفين, واعادة تعريف "العلمانية" وان ارتداء ربطة الرأس على سبيل المثال يجب ان تعتبر خياراً شخصياً. ويشير البروفسور الى ان دولاً اوربية مثل هولندا والمانيا تسمح للكنيسة ان تلعب دوراً في الإدارة ا لعامة للدولة, وهو ما يراه غير مناسباً لدولة علمانية حديثة.
بالطبع لا يملك الإسلاميون ما يتيح لهم من الأصوات (الثلثين) ان يغيروا الدستور الذي وضع دون رضاهم, وكذلك هناك تهديد العسكرتاريا التركية المدعومة من الغرب واسرائيل. يحدث كثيرا ان تضطهد الأقليات في الديمقراطيات في العالم, اما ان تضطهد الأغلبية من قبل الدستور فهو من الغرائب الجديدة نسبياً!

الفن : ساحة اضطهاد متبادل
المتدين فى السينا المصرية

يضيء السيد تامر سمير سراج نقطة غفلنا عنها طويلاً في السينما العربية الحديثة وهي التركيز على الإسلامي بشكله الوحشي المتخلف, متناسية الشكل الأكثر شيوعاً في الحياة الواقعية والذي نعرفه جميعاً من حياتنا اليومية, والذي يتميز بالطيبة والبساطة, وهي الصورة التي كانت السينما القديمة تعرضها ايضاً.

يكتب تامر سراج في الحوار المتمدن (العدد: 1855 ): "المتدين دائما فى السينما المصرية ذو لحية طويلة وتكشيرة كبيرة على جبينه ويمسك بمسبحة لمجرد اللعب بها دون اى تسبيح وهو ظالم او حرامى او صاحب شركة توظيف اموال او صاحب مساكن شعبية تغش فى مواد البناء او بائع للوهم وهو جحود , عصبى جدا لا يشاركه احد فى الرأى وهو صاحب الرأى الاوحد الصواب , زير نساء بعض الاحيان وهو قاتل وهو ايضا سياسى لا يفقه شىء فى السياسة سوى البحث عن حكم اسلامى صارم وهو يحرم كل شىء ويصدر الاحكام الدينية من خياله وهو محامى للجماعات الاسلامية والارهابية وهو طماع وامير جماعة ارهابية وهو ايضا طالب بسيط دخل الخلايا الاسلامية المتشددة والارهابية ويقتل المشاهير ويذبح الاطفال ويفجر الاماكن العامة دون وعى حيث أن على عينه غشاوة ."

ويلفت الكاتب في مقاله النظر الى افلام وحيد حامد المتهجمة على المتدين وكذلك الى عادل امام والذى آثر دائما الهجوم على المتدين فى الواقع وفى الاعمال الفنية مثل فيلمه " كراكون فى الشارع " و فيلم "الارهابى" حيث يقوم المتدين وهو الارهابى الغبى الذى يرمى باحكام الكفر على كل الخارجين عن طوعه فيقول على لسان احمد راتب امير الجماعة " مهدورٌ دمه " والتى يقولها وهو يغمس يده فى اللحوم ليكمل طعامه. (***)

الصورة العنيفة للمتدين تستقبل لدينا بسهولة كبيرة فهي الصورة التي تؤكدها كل الأخبار, ونحن في استقبالها لا نتذكر الأغلبية المسلمة البسيطة المسالمة التي نعرفها في حياتنا اليومية, والتي نأمل من خلال الديمقراطية والإقناع ان تكون لها الغلبة الكمية على المجموعات المتطرفة العنيفة. لكننا بإنكارنا لتلك الأغلبية المسالمة فأننا نفقد مثل تلك الفرصة وندفع بها الى نفس البوتقة مع الداعين الى العنف الديني, والذين يجب ان يحاسبوا بشكل شخصي وحازم على ما يقومون به.

مجنون ليلى يواجه مجانين الوصاية الدينية

هذا هو العنوان الذي اختاره إبراهيم المصري لتقديم رأيه حول المشكلة التي حصلت في البحرين مؤخرا بعد عرض مسرحية لمارسيل خليفة فيها, بين نواب اسلاميين والفنانيين المنتجين للمسرحية.
فقد قرر مجلس النواب البحريني تشكيل لجنة تحقيق حول مهرجان "ربيع
الثقافة" الذي افتتحه عرض للموسيقار اللبناني مارسيل خليفة حين صوت المجلس الذي يهيمن عليه الإسلاميون السنة والشيعة الأسبوع الماضي لصالح اقتراح تقدمت به كتلة "الاصالة" بتشكيل لجنة تحقيق حول مهرجان "ربيع الثقافة" وخصوصا بعض مشاهد العرض الافتتاحي "مجنون ليلى" المأخوذ عن كتاب للشاعر البحريني قاسم حداد قام بتلحينه الفنان مارسيل خليفة.
رئيس أسرة الأدباء والكتاب في البحرين ابراهيم بوهندي قال "إنها سابقة خطيرة لإخضاع الابداع للمساءلة والتحقيق في الوقت الذي كفل فيه الدستور حرية التفكير والابداع الثقافي والفني".
وقال بوهندي "قررنا خوض معركة للدفاع عن حرية التعبير والابداع وسنحشد كل المثقفين والفنانين للتصدي لهذه السابقة الخطيرة على ابداعنا وحرياتنا (...) التأويل الذي تم الأخذ به لتشكيل هذه اللجنة يفتح الباب لتأويل كل نص أدبي بهذا الاجتزاء وهذا خطير جدا".

أما إبراهيم المصري فيصف ما حدث حيث كان حاضراً العرض فيقول:
"المكان مسرح الصالة الثقافية في المنامة، الذي امتلأ هل نقول: حتى الحافة، بجمهور بحريني وعربي وأجنبي جاء ليشاهد عرض مجنون ليلى الذي قدمه ولمدة يومين الفنان مارسيل خليفة مع فرقته الموسيقية والشاعر قاسم حداد صاحب كتاب مجنون ليلى الذي أخذ عنه مارسيل عرضه المؤلف من موسيقى، غناء، شعر، رقص باليه."

ويثير المصري نقطة ممتازة حين يبين ان مخاوف الإسلاميين من "انتشار الفاحشة" لم يكن لها ما يبررها فيقول:
"وبعد انتهاء العرض كان الحضور مبتهجاً حقاً وحقيقة، ولم أشاهد أنا على الأقل أي مشاهد تدل على شيوع الفاحشة تلك التي يتحدث عنها مجانين الوصاية الدينية بحماس منقطع النظير، وما من فاحشة في الحقيقة إلا تلك التي يرتكبها هؤلاء الذين ابتلينا بهم من الرجل نصف الأمي حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين وحتى أحدث رجل دين أو داعية متبطل يرى في نفسه رسول العناية الإلهية لهداية الناس إلى الصراط المستقيم" (****)

خاتمة

نلاحظ هنا نقطتين: الأولى هي ان العنوان الفرعي المتناظر الذي اخترته ( الفن: ساحة اضطهاد متبادل ) ليس صحيحاً تماماً, فالصراع ليس متناظراً تماماً حيث ان "العلمانيون" يلجأون فيه الى "غش الإعلام" حسبما يراه المسلمون, بينما يلجأ المسلمون الى محاولة "المنع", وهي نقطة تسجل ضد المسلمين. فالصحيح هو تقبل عرض "الغش" وتبيان الكذب والخطأ فيه (في موضوع "المتدين في السينما المصرية") بدلاً من الكسل المتمثل بمحاولات المنع (كما في مسرحية مارسيل خليفة). وهو ايضاً يدل على عدم الثقة بالنفس وبالناس حيث تعتبر الجهات الإسلامية ان اي "غش" قادر بالضرورة على "افساد" الناس لما هو غير صالحهم, وعلى عدم قدرتهم على كشفه والرد عليه ومقابلته بما يعتبرونه صحيحاً.

الملاحظة الثانية هي ان الإسلاميين حاولوا منع عرض مسرحية مارسيل باستخدم اساليب ديمقراطية حديثة لاعلاقة لها بالعنف! وهنا قد يعترض علماني ان اي تقييد لحرية التعبير عن الرأي امر مناقض للحداثة والديمقراطية, وهو صحيح, لكن صحيح ايضاً ان هذا المستوى من مخالفة الحداثة والديمقراطية يحدث في جميع البلدان الديمقراطية حتى الغربية المتطورة منها من قبل المسيحيين مثلاً. وهناك امثلة لاحصر ولا عد لها لمثل هذه المحاولات التي تنجح حيناً وتفشل احياناً ولعل اخرها محاولة بعض الأحزاب المسيحية بقيادة حزب ( SGP ) البروتستانتي الهولندي منع عرض لـ "مادونا" اعتبروه يستعمل رموزاً مسيحية (الصليب) بشكل مهين.
ان كانت مثل تلك المحاولات في هولندا لاتثير الغضب والقلق فيجب بالتأكيد ان لاتثيره في دولة متأخرة نسبياً مثل البحرين, ولا يجب ان يستغلها العلمانيون للإستدلال على استحالة الحياة (الديمقراطية) بوجود المسلمين في البرلمان. انها اذن ليست "سابقة خطيرة" بهذه الدرجة كما قال ابراهيم بوهندي, ومن حق الجميع مراقبة مجريات الأمور بما فيها حرية التعبير ومناقشتها ضمن مقاييس الدستور, وهذا بالضبط ما نفعله عادة تجاه الإعلام السلبي العنصري مثلاً. فإذا تبين ان الدستور ضيق في بعض نقاطه على مجالات ابداعية ايجابية فيجب محاولة تغيير تلك النقاط في الدستور وبطرق دستورية فقط, وحتى يتم ذلك يجب تحمل مثل هذه الخسائر المؤسفة بالنسبة الى العلمانيين. هذا ما يحدث في كل مكان ديمقراطي في كل العالم. أن الحكم على الدساتير في البلدان الإسلامية بمقاييس اكثر طموحاً مما في الغرب الديمقراطي نفسه مسألة تعجيزية لن تستطيع الديمقراطية الجديدة الهشة تحملها.

سطر الختام, هو ان الخلاف بين العلماني والإسلامي ليس مستحيل لايمكن "ادارته" لكن ينبغي على الطرفين ان يرى المشكلة التي يتسبب بها للآخر خاصة حينما يجافي الصدق في طرحه او يلجأ الى الأساليب الغاشمة في فرض رأيه. على الطرفين ان يتحلى بالشجاعة اللازمة لإجتناب الكذب والتحيز حتى عندما يخدمه, من ناحية, وان يثق انه قادر على الدفاع عن رأيه الذي يراه صائباً, واقناع الآخرين به, بالكلام والوسائل الشرعية بعيداً عن العنف. ومن ناحية ثانية فأن الإعتقاد الخفي المغوش بان كل من الطرفين سيتمكن في النهاية من الغاء الآخر وتحطيم فكره او وجوده والتخلص منه, اعتقاد خاطئ جداً لايصمد للمنطق وهو اضافة الى ذلك خطير جدا.

إن من سيتمكن يوماً من حقن الطرفين بالشجاعة والثقة بالنفس اللآزمتين لقبول تحدي اعتبار النقاش الخالي من الكذب والمراوغة كسلاح وحيد, من سيتمكن من ايقاضهما من الوهم العجيب المسيطر, بامكانية التخلص من الآخر ليحكم كما يشتهي ووفق مقاييسه, سيكون له الفضل الأكبر في اطلاق حمامة الديمقراطية والسلام في اجواء هذا الشرق المشحون بالتوتر والخوف وعدم الثقة بالنفس وبالمقابل...ليضع حداً للأحزان والهزائم المستمرة.


(*) http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?t=0&userID=272&aid=91237#
(**) http://www.alarabiya.net/articles/2006/05/30/24206.htm
(***) http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?t=0&userID=0&aid=91217
(****) http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?t=0&userID=285&aid=91859



#صائب_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -لواكن- العراق الذين لانراهم..
- االعلمانية والديمقراطية الإسلامية – الجزء 2 - غض النظر عن ال ...
- إنتخابات حكومات المحافظات الهولندية غداً
- العلمانيين والديمقراطية في عالم اسلامي
- الفرق بين ازعاج عمار الحكيم و دماء المواطن العراقي
- شيعة العراق صفويين ومجاهدي خلق عرب اقحاح
- إعدام المدن بلا محاكمة
- الهنود الحمر يجيبون وفاء سلطان
- وفاء سلطان: -عدنان القيسي- العلمانيين
- أرهاب بريء من الطائفية
- البحث عن راحة الإستسلام: رد على هجوم زهير المخ على مبدأ السي ...
- الوحي زار حاكم العراق في المنام
- مسرحية الإعدام ودفع العراقيين لخيار بين الجنون واحضان الإحتل ...
- إعدام ومقاييس مختلة -1
- محاكمة العراق الناقصة، قمة عالمية في العدالة يصعب تكرارها
- مقطعان ملفتان للنظر من رسالة صدام حسين الوداعية
- الخوف من محاكمة الحقائق- رد على سامر عينكاوي
- ارهابيي الرياضة والرمز: وعي متقدم لاطائفي
- دفع المالكي الى الإنتحار
- القابض على الجمر: مراجعة للتهم الموجهة الى جيش المهدي


المزيد.....




- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - صائب خليل - المسلمون والعلمانيون – اضطهاد متبادل