|
التفكير في مواجهة التكفير
سامي_مراد
الحوار المتمدن-العدد: 1864 - 2007 / 3 / 24 - 09:51
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
من أين جئنا إلى أين نسيرما الهدف من وجودنا الإنساني ما هي مكانة الإنسان في الكون هل التبرير للحياة هو الحياة نفسها أم الحياة بعد الموت هذه المسائل الكبرى الصادمة للبشرأجبرتهم على تحريك أدمغتهم لوضع الإجابات عليها إذا ما استطاعوا فمنهم من اعتقد أنه يمتلك حلولا جاهزة لها ومنهم من سعى إلى الاقتراب منهاوبقي السؤال الكبير والمهم والشائك الذي يخطر على البال باستمرار هل هناك حقيقة مطلقةوهل يوجد من يمتلك هذه الحقيقة المطلقة إن أهواء المنتفعين من كهنة فقهاء العتمةتعمل على تضييع مسار الحقيقةبسيرها نحو الظلامية الفكرية المناقضة للعقل المنفتح والمنطق الإنساني الحر ووصل التردي في المشهد الفكري والسياسي العربي والإسلامي إلى التفكير الأعمى المنغلق بجعل هؤلاء يطلقون نار الجهل والتخلف على المفكرين المتنورين وعلى كل ذي رؤيةجديدة مبتكرة وإخضاع المجتمعات لمحاكم تفتيش العصور الوسطى الأوروبية بعد احتكارهم للحقيقة ومحاكمة الآخر المختلف عنهم بالرأي والفكر من منطق حقيقتهم هم ونحتوا ثالوثا مقدسا من المحرمات الدين والجنس والسياسة ومنعوا الاقتراب منهابعقل متفتح أو بقراءة نقدية موضوعيةلما هو قائم وسائد لكن المستقبل المتطور سيكون محكوما بالتغيير فحركة التغيير دائمة مستمرة لا محالة في أمكنة كثيرة وأزمنة عديدة اقتحم بعض المفكرين والفلاسفةوالأدباء والعلماء المعتقدات الجامدة والقيم السائدة والتقاليد الموروثة فانتقدوها وعملوا على تطويرها أو تغييرها لأنهم في نظرهم ليست أزلية أو خالدة وليست مقدسة فالمقدس لديهم هو الحقيقة الحقيقة فقط التناقض والتضاد وصراع الأضدادقديم قدم الوجود نفسه وقدم الحياة البشرية نفسها صراع بين عشق الحياة والنور وعشق الموت والظلمة طرفان متناقضان عبر عنهما العديد من الفلاسفة على مر الزمان والمكان أما في الربع الأول من الألفية الثانية الميلادية مثل الطرف الأول ابن رشد ومثل الطرف الثاني الغزالي الإمام أبو حامد الغزالي الذي ولد في المنطقة الشمالية الشرقية من بلاد فارس وعاش في القرنين الحادي عشر والثاني عشر كان منظرا أيديولوجياللدولة الإسلامية وملتحقا بحاشية السلطان السلجوقي الأعظم نظام الملك درس الفلسفة في بغداد ثلاث سنوات فقط ثم تصدى للخطاب الفلسفي بصورة دوغماتية متعصبة ضده فقال عنه أنه خطاب متهافت متساقط متناقض لأنه حسب رؤيته عجز عن إثبات حدوث العالم وكفر الفلاسفة الذين آمنوا بقدم العالم و حذر من تعاطي الفكر والفلسفةوليس هذا فحسب بل أيضا أفتى بتحريم دراسة الرياضيات فهي حسب اعتقاده آفة عظيمةلأن المتعاطي بهاقد يعجب بمنهجهاودقة براهينهافيحسن اعتقاده بالفلسفة ومن ثم ينقادإلى الاعتقاد فبما يقرر في الإلهيات كما حرم دراسة الطبيعيات وقال إنها آفة أيضا لأنها مبنية على القول بالسببية وفي هذا إنكار للبعث الجسماني يوم القبامة وإبطال لمعجزات الأنبياء التي أيدهم بها الله كتحويل النار التي كانت ستحرق إبراهيم إلى ماء باردة وتحويل العصا في يد موسى إلى أفعى لقد اتجه الغزالي نحو التصوف لأن المتصوفين حسب رأيه هم السالكون بطريق الله لأنهم يشاهدون في بقظتهم الملائكة وأرواح الأنبياء ويسمعون فيها أصواتا وهذا يتفق مع ذوي العقلية الرجعية الغيبية المتخلفة المؤمنة بالسحر والشعوذة والخرافات قي أيامنا هذه لقد كفر الغزالي فلاسفة المسلمين ولا سيما ابن سينا في كتابه تهافت الفلاسفة لاعتقادهم بثلاث مسائل هي قدم العالم وعلم الله بالكليات دون الجزئيات وبالحشر للنفوس وليس بالأجساد لكن استنكر هذا التكفير بشدة الفيلسوف الأندلسي القرطبي ابن رشد الذي ولد بعد وفاة الغزالي بخمسة عشر عاما رادا عليه في كتابه تهافت التهافت وفند المسألة الأولى بقوله أن العالم لا يمكن الجزم فيه بأمر معين فلا برهان على أنه قديم ولا دليل على أنه محدث والمذاهب في تفسير العالم ليست متباعدة جدا ولا يجوز تكفير بعضها بعضا وفي المسألة الثانية قال ان الفلاسفة يقولون ان الله يعلم الجزئيات بعلم غير علم الإنسان ولا معنى لتكفير الفلاسفة أما المسألة الثالثة في حشر الأجساد بعد الموت فليس هناك برهان قاطع على تواجد الإنسان بالجسد والنفس معا أو بالنفس فقط وهناك اجتهادات مختلفة وعلينا ألا نكفر أيا منها نلمس أن المنهج الذي قامت عليه فلسفة ابن رشد فيه احترام للعقل بعكس منهجية الغزالي الذي أدى به إلى إتخاذ موقفا سلبيا من الفلاسفة بسبب أقوالهم في المسائل الإلهية وقد وجد بعض المسلمين أنهم رافضون لوظائف الإسلام من عبادات ومحتقرون لشعائر الدين كالصلوات واعتقد أن مصدر هذا هو سماعهم لفلاسفة كبار كسقراط وأفلاطون وأرسطو ولهم علومهم الهندسية والمنطقية الدقيقة ولقد قال ابن رشد أن الفلاسفة أعطوا العقل الأهمية الأولى في البحث أما الغزالي ربط عقله وفكره بالوحي الإلهي وأعلن استنكاره لتأويل آيات القرآن والاجتهاد والتفسير وقال إنها بدعة مذمومة لأنها مخالفة للسلف وأفتى بتحريم خوض العلماء والوعاظ فيها وقال: من خالف السلف فهو مبتدع لأنه مذهب الصحابة والتابعين للرسول محمد فكل خير في إتباعهم وكل شر في الابتداع بعدهم هذه جذور السلفية التي ترفض الإبداع وتهتم بالنقل لا بالعقل وبالتكفير بدل التفكير فقد نحى الغزالي منحى تكفيريا في علاقته بالفلسفة والعلوم وهو رائد التزمت والتعصب والأب الشرعي للفكر الإسلامي السلفي الأصولي التكفيري الإقصائي الاستئصالي الذي لايعترف بالآخر مطلقا أما ابن رشد فقد نحى منحى معاكسا تماما منحى عقلانيا وله آراء مبتكرة في مؤلفاته وشروحه لمؤلفات فلاسفة اليونان القدماء أمثال أفلاطون وأرسطو وكون مذهبا خاصا به يتجه إلى أسس البرهان ويرفض كل ما يتنلقض مع العقل والفكر المستنير وكان يشكل حلقة وصل بين الفكر العربي الإسلامي والفكر اللاتيني الغربي بإتجاهه نحو التجديد والتنوير و إهتم الغرب بكتب ابن رشد بسبب تطهيره لكتب أرسطو من الآراء الدخيلة عليها بعد تمحيصها وقد درست أوروبا كتبه مئات السنين لكن ملايين الطلاب العرب حتى بين أوساط الدراسات العليا في الفلسفة محرومون من دراسته في الجامعات أما في الغرب فدرست كتبه وخاصة كتاب تهافت التهافت في جامعات فرنسية وأوروبية غيرها وأميريكية فكان له تأثير كبير حتى في كبار رجال الدين المسيحي كالقديس توما الإكويني فالغرب تبنى أفكاره وطورها وتطور معها لدرجة أن بعض أتباعه من فلاسفة الغرب شكلوا تيارا فلسفيا سموه الرشدية استمر من القرن الثالث عشر حتى السادس عشر وهذا التيار تبنى مواقف معارضة للاهوت المسيحي التقليدي وتعاليم الكنيسة الرسمية خاصة في قضيتي وحدة العقل وخلود العالم ودعوا إلى عدم احتكار الكنيسة للحقيقة وطالبوا بالحد من سلطتها على عقول الناس اعتبر ابن رشد العقل رائد الإنسان الأخير وفضل الحقيقة العقلية على الحقيقة البديهية ودافع عن الفلاسفة وكان متعاطفا ومناصرا للمرأة التي اعتبرها مظلومة من قبل المجتمع فرأى أن بإمكانها القيام بالأدوار الاجتماعية التي يقوم بها الرجل تماما أي أنه كان واعيا لما يسمى في عصرنا الحالي بالجندر أو النوع الاجتماعي من الأقوال التي آمن بها ابن رشد وتدل على عقلانيته بعض الشباب يحسبون الدين جهلا والشيب يحسبون الجهل دينا ومقولة الإنسان لا يستطيع أن يصل إلى الحقيقة كلها كما أكد مقولة الإمام الشافعي رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب أي أنه يعترف بالآخر ولا ينكره ولا يقصيه ولا ينكر عليه خلافه بالرأي بعكس الغزالي الذي خلق تيارا سلفيا في قرطبة حيث كان يعيش ابن رشد حاول تدمير الحضارة بتفكيره الإعمى فكان يعتبر المسلم الذي يغني ويرقص ويحاول إسعاد نفسه كافرا وملحدا وهذا التيار مستمر إلى وقتنا الحاضر الذي يرددشعار لا اجتهاد مع النص أي لا ضرورة لإعمال العقل في تفسير القرآن من جديد ويجب أخذ الاحتهاد عن المسلمين الذين عاشوا منذ مئات السنين حتى لو تناقض ذلك مع الأدلة والبراهين والإثباتات العلمية الحديثة وإذا ما اجتهد فيلسوف أو مفكر أو عالم أو أديب يستخدم ضده العنف بدل مقارعة الحجة بالحجة أو استخدام الجدل والمناظرة وكل رأي جديد مبدع يقابل بتأليب الناس ضده ويتهم بالكفر ويقدم للمحاكمة أو يهدر دمه أو يغتال مثلما حدث مع المفكر اللبناني حسين مروة والمفكر المصري فرج فودة اللذين اغتيلا بسبب أفكارهما الحرة والروائي المصري الحائز على جائزة نوبل نجيب محفوظ الذي طعن بسكين بسبب روايته أولاد حارتناو المفكر المصري نصر حامد أبو زيد الذي حكم عليه بتطليق زوجته بسبب اجتهاده في النص القرآني ورائدة الحركة النسائية في العالم صاحبة رؤى التمرد والإبداع نوال السعداوي التي وضعت أكثر من مرة على القائمة السوداء أي قائمة الموت لجرأتها في طرح قضايا الحرية والعدالة الاجتماعية وحقوق المرأة وأستاذ العلوم السياسية في الكويت الذي حكم بالسجن لإختلافه مع التيار السلفي والناقد السعودي عبد الله الغذامي صاحب المشروع النقدي الجديد الذي هوجم بشدة والكاتب الهندي سلمان رشدي المهدور دمه حتى الآن بسبب روايته آيات شيطانية وفي شهر آذار الحالي تعرض جماعة إسلامية هندية مكافأة مقدارها أحد عشر ألف دولارا لمن يقطع رأس الكاتبة البنغالية تسليمة نسرين بعد اتهامات لها بالالحاد وهي التي حازت على جوائز عالمية على رواياتها إن تحالف التيارات الدينية السلفية الرجعية مع السلطات الحاكمة الديكتاتورية الشمولية في البلدان العربية والإسلامية لكم الأفواه وطمس المعرفة وعدم التساؤل والتأكيد المستمر على قصور العقل وما على المسلم إلا أن ينقل الفقه والتفسير والتشريع عن السلف دون مراعاة للعقل وطبيعته المتغيرة وعليه أن يعيش في الماضي البعيد جدا وينسى أنه يعيش في القرن الحادي والعشرين عصر التكنولوجيا والفضاء إن استخدام العقل يؤدي إلى التفكير المنطقي الحر فيلغي الخرافة التي يتكيء عليها الحاكم الديني والحاكم السياسي في حكمه لكن بحكم التطور والتغيير سترمى في مزبلة التاريخ مقولة كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار التي يتم تكفير ومطاردة كل مبدع جديد تحت ستارهاالمراجع 1 ـ فلسفة ابن رشد الطبيعية د.زينب صدقي2 ـابن رشد فيلسوف قرطبةد. ماجد فخري 3 ـ مدخل لمؤلف ابن رشد : فصل المقال في تقرير ما بين الشريعة والحكمة من الإتصال د. محمد عابد الجابري
#سامي_مراد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|