حمزة رستناوي
الحوار المتمدن-العدد: 1863 - 2007 / 3 / 23 - 08:39
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
حوارات غالبا ً ما تنتهي ببوس الذقون, و العبارات المكرورة حول التسامح و الاحترام المتبادل , حوارات تنتهي بالإجماع الوهمي على القيم المشتركة الإيمانية و ضرورة مواجهة هجمة التشكيك بالإيمان من قبل الملاحدة الماركسيين و الادينين , ثم يعود كل المشاركين إلى قواعدهم سالمين غانمين .
دائما ً هناك حذف للقضايا الحساسة من جدول الأعمال , و عدم البحث فيها تجنبا ً للفتنة " لعن الله مطلقها"
يلفّون و يدورون , لا يجرؤن على فتح الملفات المدشَّنة تاريخيا ً منذ زمن.....
هل الاحترام المتبادل يقتضي المجاملة في قضايا فكرية بهذا الحجم ؟!
أم أن الاحترام المتبادل و المشترك الإنساني يجب أن ينعكس في رؤية جديدة و إصرار على فتح الملفات الشائكة كبداية لإقامة حوار إبداعي منتج .
كل الأديان الثلاثة التاريخية" السماوية" تختصر الحقيقة من خلال مقولات الدين الحق و الفرقة الناجية , نحن المؤمنون و البقية كفار , نحن أهل الجنة و البقية أهل النار ؟
هذا التصور القروسطي لا يتماشى و غير قادر على مواكبة المصالح الحيوية للعصر و العولمة الثقافية . و غالبا ً ما يستغل هؤلاء العقائديون صراعات الإمبراطوريات الكبرى أو تستغلهم لإبقاء نار الحرب المقدسة مضرمة ,مما يؤدي إلى بقاء الصراعات المزمنة فاعلة بما يعيق مشروع إقامة العيش المشترك و يعيق إقامة مجتمع مزدهر , بل قد تنتهي نضالات هؤلاء العقائديين إلى تشكيل كونتونات و إمارات إسلامية غير قادرة على التعايش وسط عالم غير مؤمن؟!
إن ممثلي الأديان التاريخية" السماوية" الثلاثة يقرّون بأن حرية الضمير و التسامح و المحبة و الرحمة و الدعوة بالتي هي أحسن, هي من مقومات الدين و لكنهم
1- يتنافسون في تأكيد أسبقيتهم و أحقية كل واحد منهم بالقيم التوحيدية و الأخلاقية
هؤلاء يقولون أن التسامح لدينا أكثر, و أولئك يقولون أن التوحيد لدينا أنقى
2- يتغاضون عن, أو يلجئون إلى تخفيف شدة النصوص التي لا تتماشى مع قيم التسامح و المحبة و حرية الضمير, و لا يعرضون إلا بضاعة المحبّة في هذه الحوارات, أما ثقافة الكراهية و القتل و رفض الآخر فهي ليست للتصدير الخارجي , إنها بضاعة وطنية نكثرها عند اللزوم؟
وجميعنا يعلم أو بحاجة إلى التذكير أن هذه القيم الأخلاقية الكبرى بصيغتها المقوننة هي من منتجات الحداثة و عصر التنوير الأوربي , و لم تنتجها مجتمعات الكتاب المقدس الإسلامية أو المسيحية أو اليهودية قبل عصر التنوير, و أعتقد أن مجرد محاولتهم تأصيل هذه القيم و إلباسها لبوس ديني أو إدعاء أسبقيتها هو أمر إيجابي , و دليل شعور ممثلي هذه الأديان بالنقص و الفوات مما حرضهم عل تبني هذه القيم بنسب متفاوتة مع مشاكل أكثر وضوحا ً في الإسلام مثلا ً , و أضحى ممثلي الأديان ينقبون في تراثهم عن جذور للحداثة ليدَّعوا أن دينهم هو دين الحداثة و العلم
فكل ما هو إيجابي له جذور في اللاهوت الديني و الكتاب المقدس.
- هل يستطيع المسلمون أن يقرؤا الأناجيل و العهد القديم خارج إطار النظرة التقليدية المرسّخة عبر المماحكات و الجدالات التاريخية التي تنظر إلى الأناجيل و العهد القديم ككتب مزورة عن نسخ أصلية , و قد أكد الله عبر قرآنه ذلك و كشف جريمتهم التاريخية التي لا تغتفر؟ .
إن هذه النقطة بالذات هي قنبلة موقوتة قادرة على تفخيخ و نسف كل جسور الحوار بين المسلمين و المسيحيين
إذ كيف أحاور الآخر و أتهمه بالتزوير أو أنه يتبع كتاب مزوّر, و أنا بذلك أشكك في ملكاته العقلية و نزاهته و أخلاقياته.
و على الطرف الآخر من الجسر كيف نحاور أناس يحصرون الخلاص على يد الكنيسة, و يقولون بالخلاص الحصريّ على يد الإله المجسَّد يسوع , و لا يعترفون بأي وحي سماوي بعد المسيح و ينظرون إلى محمد كمختلق ٍ و مُدّعي
إن الخطوة الأولى في إقامة الحوار هو الاعتراف بالآخر , و هذا يعني في الحالة المسيحية الإسلامية الاعتراف بالكتاب المقدس لدى الطرف الآخر و النظر إليه على أنه كتاب يحظى بقداسة لدى مجتمعات و أناس عديدين , و أن هذه القداسة تشترك مع قداستي بالجذر التوحيدي
و لكن هل تنتهي الحوارات الإسلامية المسيحية عند التركيز على القيم الإيمانية و الأخلاقية المشتركة للإيمان بنفس الإله؟!
بالتأكيد هذا لا يكفي؟!
- إن المجتمعات الإسلامية باعتبارها المجتمعات الأكثر تخلفا ً تنتج دراسات دينية أكثر انغلاقا ً و تخشّبا ً, لا تزاول منطق التبجيل و التكرار, و لذلك كانت المجتمعات الغربية هي الأقدر على صعيد نقد الظاهرة الدينية بمذاهبها و فرقها المختلفة بما فيها المسيحية , ذلك كون نقد المسيحية لا يشكل لديهم محرّم و جرم يستحق العقاب و الاستهجان
- ينبغي تحرير الإيمان من الرداء الكهنوتي بألوانه و تفصيلاته المختلفة الإسلامية و المسيحية و اليهودية , فتحرير الإيمان من المالكين الحصريين, و الوكلاء المتطوعين يعطي الإيمان قوة هائلة, بوصفه إيمان يليق بنا كبشر و كأناس متساوين أحرار, و لسنا مجرد روبوتات و شخصيات كرتونية يتحكم بها الإله الذي يلعب دائما ً دور المُحْرج, فالإيمان الاعتباطي و المتحرر من القانون و القائم على القهر و العبودية هو إيمان الأغبياء, و الإيمان عبر دكاكين الكهنة و الإيمان الأوتوماتيكي بهذه الصيغة له آثار جانبية ضارة أكثر من الفوائد المحتملة
- أن تكون مؤمن وفق الطريقة الإسلامية هذا جميل , أو أن تكون مؤمن وفق الطريقة المسيحية أو اليهودية هذا جميل , و لنغلّب الإيمان على طريقة الإيمان, و نترصد شكل الإيمان و انعكاساته على علاقتنا مع الآخرين , فالإنسان أولا ً و الإيمان الذي يرتقي بالإنسان ثانيا ً, و طريقة أو سبيل أو مذهب الإيمان عندئذ لن يشكل عائقا ً حقيقيا ً إذا انطلقنا من مقولة بسيطة أن الله خلق الدين لخدمة الناس و لم يخلق الناس لخدمة الدين أو خدمة الله, فالله غنيٌّ عن العالمين
- العلاقة بين المسلمين و غير المسلمين يجب لا أن تكون مرجعيتها النصوص المقدسة وحدها, ذلك أن هذه النصوص لا يمكن تجريدها من السياق التاريخي لنزولها , و إذا قمنا بسلخ هذه النصوص عن تاريخيتها فسنقع في إشكالية الدلالات المتناقضة للنصوص التي تتكلم عن علاقة المسلمين بغير المسلمين على سبيل المثال, و إذا أخذنا بنظرية الناسخ و المنسوخ فذلك يؤكد لنا أن تغير الظروف و الواقع الاجتماعي و المصالح يؤدي إلى ولادة نصوص مقدسة جديدة تأخذ هذه المتغيرات بعين الاعتبار, فعلاقة المسلمين بمشركي قريش في مكة, تختلف عن علاقتهم بهم في يثرب , و العلاقة مع اليهود في بداية المرحلة المدنية تختلف عن العلاقة معهم في المرحلة المدنية المتأخرة؟ فكيف لنا أن نقوم بسحب فعالية هذه النصوص إلى ظروف وواقع و مصالح اجتماعية مختلفةً ؟
فهل هناك صيغة محددة و تصور واحد يحكم علاقة المسلمين و اليهود في " عصر النبوة" , و المسلمين و اليهود في بيت المقدس " العهدة العمرية", و المسلمين و اليهود في أندلس القرن العاشر الميلادي , و المسلمين و اليهود في فلسطين قبل الاحتلال الصهيوني لفلسطين , أو بعد الاحتلال الصهيوني
أو علاقة الجالية الإسلامية مع الجالية اليهودية في مدينة برلين مثلاً, و هل نحتكم إلى قوانين البلد المضيف أم نطبق قوانين الشريعة الإسلامية في الحقبة المدنية أم الراشدي أم الأموية أم الفاطمية أم العثمانية أو نطور صيغة أخرى؟
إن ذلك من التعسف بمكان, فلكل علاقة محدداتها و امتداداتها السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية المختلفة و المتبدلة
و هل صيغة " قتل – جزية – إسلام" قابلة للتطبيق و عادلة و مقبولة؟!
و كيف نتعامل مع الأديان الأخرى غير التاريخية "السماوية" ؟!
كلها أسئلة على المتحاورين المفترضين الإجابة عنها, و أنّا لهم الإجابة ؟!
..................
* كاتب و شاعر سوري
#حمزة_رستناوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟