|
مهيمنات السلطة وإثرها في تشكيل الوعي الغربي
عامر عبد زيد
الحوار المتمدن-العدد: 1863 - 2007 / 3 / 23 - 11:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الإهداء: إلى زوجتي الغالية وأبنائي غدير وغزوان وزين العابدين اعتزازاً
الشكر والتقدير: إلى الصديق الشاعر عبد الأمير خليل مراد والصديق الناقد خليل المشايخي لما بذلاه من جهد في قراءة الكتاب من الناحية اللغوية، كما ، وشكراً مكتب أهله للطباعه والنشر.
الفصل الأول :مهيمنة الكنيسة الفصل الثاني: مهيمنة الدولة الفصل الثالث: مهيمنة العولمة
تمهيد عام
إن السلطة تمر بمراحل حتى تتشكل في شكلها النهائي كسلطة إذ تبزغ كقوة تشكلت عبر نسيج من العلاقات داخل الواقع الاجتماعي والثقافي ، وتكون هذه القوة نتيجة مباشرة التقدم والتقني للعلم الذي يحدث تغييرا في النسيج الاجتماعي فتكون الطبقات الاجتماعية نتيجة له وليس هو نتيجة لها بوصفها من نتائج التقدم والتقني للعلم . تتحول القوة إلى سلطة ، عندما تصبح تلك القوة صاحبة سيطرة كنتيجة لحاجة الصراع التي تخوضها مع القوة المضادة التي تتوجه بسيطرة تلك القوى وتصبح عندها سلطة فاعلة تملك فعالية سياسية ، لأنها ساعتها سوف تكون مالكة لأدوات الإنتاج المادي ، والرمزي ، فالمادي : هو الذي يقبل القياس كالجسم وكما هو الحال في الجسم الطبيعي . والرمزي لا يقوم على الواقع بل ما يكونه الأخر عن الواقع ، فهناك من يرد الواقع الاجتماعي الذي يتخذه الأفراد كصورة عن الواقع ، لكن النظام الاجتماعي ليس حصيلة لجمع تلك المستويات الفردية ( كما هو في الانتخابات ) بل هو يتشكل بفعل التمثيل الذي تكونه السلطة المالكة لأدارته . فتلك السلطة تعتمد التمثيل متى تسبغ المشروعية عليها ، وقد ظهرت سلطات تعاقبت في الهيمنة على الفكر الغربي وهي :
الأولى – سلطة الكنيسة : برزت تلك السلطة كقوة في أول أمرها في مقاومتها ( لروما) إلا أنها استطاعت إن تفرض سيطرتها عندما انهارت روما تحت رماح البرابرة ، استطاعت الكنيسة إن تكون سلطة وهي تراوح بين نص القديس أوغسطين الإيماني ونص القديس توما الذي يندرج في سلالة كتابات أرسطو إذ كان القديس توما حريصا على نظام فاضل راسخ في رؤيا العالم الوجودي – النظري كانت السياسة تخدم هدفا أسمى يرتكز بدوره إلى نظام أوسع يمكننا معرفته وكان التفكير السياسي فنا يقود الناس إلى السعادة في عالم غير كامل – وهو فن على نهج الطريقة التي نظم بها الله الطبيعة (1) .
لكن سرعان ما ظهرت قوة جديدة دخلت في صراع مع الكنيسة الاوهي ( الملكية ) ، اذ كانت الملكية تمثل بداية ظهور مهيمنة الدولة التي مرت بمراحل كانت السلطة أو الحق المطلق للملك ثم سلطة الدولة كما قدم وصفا لها جون لوك ثم الجمهورية الفرنسية مع موتيسيكو اذ كانت هناك مراحل تشكل الملكية بدايتها . في وقت كانت الممالك كلها تخضع لسلطة الكنيسة تعرضت للحرمان ، لكن ، اتاح النمو التقني للعلم ظهور هذا النموذج الثاني للنظم السياسية الذي تشكل في عصر النهضة ويقترن به عموما اسم ( ماكيافلي ) يرشد ماكيافلي الأمير إلى أذكى طريقة للحفاظ على دولته ، وكان هذا يشكل انفصالا مهما جدا عن التقليد الغربي السياسي إذ لم يعد يحسب حسابا للاعتبارات الميتافيزيقية ولا الأهداف المقصودة ابعد من سلطة الأمير إذ الهدف الأسمى هو ازدياد سلطة الأمير ورسوخها لا حرية المواطن وفضيلته ولا سلامته وطمأنينته ، وقد عرفت في الأدب الكلاسيكي وهي التي تمثل السلطة الملكية اذ حدث تطابق بين الأدب والملك فالأدب هو الملكية (2) ، وقد تغلبت المعرفة العملية والتقنية على الاعتبارات الميتافيزيقية ، وبانت المسائل الاستراتيجية أساسية . وقد قاد ذلك إلى الحداثة التي صاحبت النهضة وكانت ترمي إلى إيجاد حلول للمشاكل التي خلقها النمو المدني والاقتصادي والسياسي هذا من جهة ومن جهة أخرى كانت تسعى إلى بناء رؤية ومنهج يشكلان استجابة ويخلقان قطيعة مع تلك القيم التي شكلت الرأسمال الرمزي التي عبرت عن فكرة ( العصر الذهبي ) القائل إن تاريخ البشرية هو تاريخ تدهورها وان الفكر هو تاريخ أخطائه (3) .
وقد تحالفت سلطة الدولة الملكية مع العلم الذي كان يزودها بمنجزاتها التي تجعله غير محتاج إلى عون ( صكوك الغفران ) الكنيسة ، وقد حاولت الكنيسة التي اتخذت من حريق ( برتو ) ( 1548 – 1600 ) ومن إرهاب غاليلو (1564 – 1642 ) أسلحة ضد الفكر ألنهوضي الأمر الذي دفع ديكارت ( 1596 – 1650 ) إلى المهادنة إلا إن ذلك لم يحل دون :
أولا – النزعة النقدية القائمة على استبعاد مكونات الفكر الفلسفي والعلمي الوسيط الذي لم تمر مكوناته من خلال منافذ المعرفة ( الحواس والعقل ) بل مدت إلى العقل عبر التبني . ثانيا – اعتمدت البنائية لتشكل منهجا جديدا ينجز المهمة الأولى ( النزعة النقدية ) ويرسم إبعاد نظرية معرفية جديدة للعالم ( طبيعة ومجتمعا وإنسانيا ) وينجز عن طريق الاعتماد على هذا المنهج ، إعادة قراءة التراث السابق وتقويمه من زاوية نقدية (4) . تقوم على رفض اللاهوت وتعمل على بناء نظرية علمية (5) . كما لدى ( كوبر نيكوس ) ( 1473 – 1543) وكيلر (1571 – 1630 ) او ديكارت (1596 – 1650 ) ، وقد ساهم في قوة تلك الحركة لسلطة الدولة الملكية اتساع الاكتشافات الجغرافية في القرن الخامس عشر واكتشاف الطرق البحرية إلى الهند و اكتشاف أمريكا قد انعشت التجارة واتساع نفوذ التجار التي اعتمدت عليها الملكية كبديل عن الإقطاعيين الذي انهار نظامهم بعد إن أصبح حجر عثرة إمام النمو التجاري وتدفق ذهب أمريكا وفضتها فاغرق أوربا وتسرب إلى كل ما في النظام الإقطاعي من ثغرات ، وقد استبدل الإنتاج الحرفي بنظام العمل اليدوي مما سمح بتطور إنتاج النسيج لكن ازدادت حدة الاضطهاد للجماهير البرجوازية الصغيرة والعاملة في المدن فقد تفجرت الثورات البرجوازية الرامية إلى هدم النظام الإقطاعي (6) . وفتح المجال إمام تطور الرأسمالية وإيقاف الحروب الدينية التي كانت تشنها الملكية على المخالفين لها ، والتفرد في صنع القرار السياسي . فظهر نموذج ثالث ( نظرية داعي المصلحة العليا للدولة ) المرحلة الثالثة من تطور الفكر السياسي ، وهي تتميز من المرحلتين الأخريين مع إن جميع المنظوين الأوائل ل ( نظرية داعي المصلحة العليا للدولة ) قد ظهروا في وقت متزامن مع ماكيافلي وتضامنوا غالبا معه وقد أعدت برامج مخصصة للتطبيق العملي في تنظيم الأفراد وضبطهم مع الاستمرار في استخدام التيار التقليدي للفكر السياسي من اجل إخفاء مخططاتهم .. لكن هذا التيار أصبح واضحا أكثر مع ظهور البرجوازية كقوة فاعلة (7) ، اذ لم يعد الهدف سعادة الأمير بل إخضاع الرعايا لنظام أكثر صرامة إلى توسيع مجال السلطة من اجلها ألذات .
لقد جاء فكر جون لوك (1632 – 1704 ) الذي انطلق من نقد السلطات السابقة ذات الجذور الدينية التي تقوم على إن أمر الله هو الذي قرر تلك القواعد وجعل لها عقوبات بالمقابل يصنع قواعد ميثاق اجتماعي عبارة عن اتفاق بين أفراد يجتمعون ليستخدموا قواتهم الجماعية في وضع تلك القوانين الطبيعية موضع التطبيق مكتفين بالتالي عن إنقاذهم بقوتهم الفردية . إذ من حق الرعية ان تثور على كل انتهاك للقانون ، وقد حدث هذا عندما اجبر الملك على ترك عرشه وحل محله الملك الجديد ( وليم 1689 ) الذي قبل بشروط البرلمان فيما يخص الحكم المدني ورسالة التسامح (8) . كانت تلك أحدى العلامات في غياب السلطة الملكية إما العلامة الأخرى فهي سقوط الملكية في فرنسا حيث ظهر ( المفكرون الانسانيون ) المتأثرون ب ( جون لوك ) كان هدفهم التصدي للملكية هذا من جهة إما من جهة أخرى فكانت المعرفة الإدارية تسعى إلى تجميع المعلومات حول بيئة الدولة نفسها وسكانها ومواردها والمشكلات التي عليها إن تواجهها إذ أصبحت دراسة السكان هدفا سياسيا كما هو في روح القانون – مونتسكيو حول المناخ والجغرافيا والسكان لقد أصبح للبرجوازية هيمنة كبيرة على الدولة التي كانت تسعى إلى تحقيق القوة من خلال تامين هذا الفرد ومراقبته إذ أصبحت الجريمة تشكل انتهاكا لشروط العقد الاجتماعي بكون المجتمع بأسره ضحية لها بعد إن كانت في زمن الملكية تشكل اعتداءً على جسد الملك أصبحت مع الدولة البرجوازية تشكل انتهاكا للقانون والمجتمع وقد كانت البرجوازية التي أصبحت تملك أدوات ( الإنتاج المادي والرمزي تعيد إنشاء تمثل للواقع وتقدمه على انه حقيقة ، وهي تعتمد على الدولة والمؤسسات في فرض تلك الايدولوجيا التي تحولت إلى فعالية سياسية تعتمد التمثيل في تعزيز دور الرأسمالية في صنع القرار وهذا يظهر من خلال تلك النزعة التنظيمية والإدارية المنظمة والعاملة على بناء إداري منظم وقد تحول إلى نزعة مؤسساتية فرضها التحكم بالواقع والسيطرة عليه وجعله في خدمة المشروع الاقتصادي الرأسمالي وقد اضطلعت تلك النزعة أيضا بعمليات تشريع قانوني تهدف إلى منح المؤسسات التي تعد مسوغا عقليا لممارساتها . حتى أصبحت تلك النزعة الفردية لا تعثر فيها على ملكوت الإنسان ، إلا في الكائن الداخلي وفي نهاية المطاف بشكل لا واقعي بعد ان عملت الرأسمالية على تنظيم المجتمع وبأسره لصالحها وعلى صوتها اذ تعمل كايدولوجيا تطعن بالايدولوجيا المضادة وتقدم مضمونها الطبقي سابغة عليه طابع الشمول فيصبح بالتالي قابلا للتلقي كحقيقة عامة شمولية تتجاوز المضمون الطبقي الخاص ، معتمدة في تحقيق هذا الهدف على الصحف بعد إن أصبحت واسعة الانتشار أخذت السلطة باستخدام هذه الصحف لتوصيل أفكارها الرئيسة إلى اكبر رقعة اجتماعية ممكنة . وبهذا أمست المطبوعات الوسيلة الأولى الاعمق تأثيرا في تحقيق هيمنة أفكار الطبقة المسيطرة وجعلها أيديولوجيا ورسمية ، ومعتمدة على الاحتواء الاجتماعي فقد قامت الدولة على جذب الفرد بشكل تدريجي إلى مركزها (9) .
إما في الجانب الثقافي فقد انتقل الأدب من المرحلة الكلاسيكية والإنسانية الشمولية إلى مرحلة أخرى شبه دعائية ومباشرة عبر اعتماد الأدب كسلطة على مستوى الشكل والمضمون ، ولقد كان للتطور التقني اثره في فعالية الرأسمالية وهي تساهم في نتاج نموذج تسعى إلى صياغته داخل الحياة اليومية العامة ، حتى أصبحت قادرة على حذف أداء الآخرين والتحكم بوعيهم وبذلك يصبح النموذج الليبرالي للدولة الحديثة يستند في الأساس على جمع رأي المواطن العادي وتحديده ضمن الأطر الرسمية الموجودة ، عاملة عبر الدعائية على تجميع وتكثيف السلوكيات التي تمثل جوابا بالموافقة على استلابية المؤسسة القائمة بوساطة قبول المجتمع الذي أصبح مستعدا للهتاف بحياة النظام السياسي والحكومة الراهنة ، معتمدا بذلك على جيش من الباحثين (10) . الذين يقدمون خدماتهم في بناء وتكريس سلطة المؤسسة السياسية الغربية .
ثم تظهر المهيمنة الثالثة وهي تشكل بداية إشكالية ثالثة في الوعي السياسي والاقتصادي الغربي حيث تلمس أنها تشكل جزء من ذلك الفضاء وتنتمي إليه إلا أنها تمثل حقبة جديدة سوف تعرض لهما في هذا الكتاب .
1
الفصل الاول : المبحث الاول: تكوين الفكر الكنسي
المبحث الثاني: قراءة في الفكر الفلسفي والسياسي لمثقفي الكنيسة المبحث الثالث: في أنماط الاتصال بين الإسلام والغرب المسيحي االمبحث الرابع المبحث الرابع: جدلية العلاقة بين الإسلام والأخر في ظل مهيمنة الكنيسة
المبحث الأول: تكوين الفكر الكنسي
إن ما نسعى إليه في هذا المبحث هو تناول الثقافة المسيحية بوصفها مجموعة من المعاني والقيم والمقاييس التي يتميز بها في حالة تفاعل متبادل ، ومجموعة المؤسسات التي لها موضع وتكيف اجتماعياً هذه المعاني وتنقلها(1). فالثقافة المسيحية بهذا المعنى هي معان وقيم تنبثق عن مثال أعلى يحددها النص ( الإنجيل والتوراة ) الذي يقع خارج الزمان والمكان ، وانه صيغة واحدة يتجلى في الأمر الإلهي ( ويحدد له منهجاً يقوم على الإيمان فلا يملك حرية التفكير إلا في داخل النطاق الذي حدده النقل ، وان الفلسفة تبعاً لذلك يجب إن تكون في خدمة الدين ، وان المعرفة ينبغي إن تستهدف هدفاً واحداً هو سبيل النجاة الذي هو الغاية العليا للسلوك الإنساني كله )(2). وبذلك مثلت بعداً روحياً يكون الوعي في إطارها وعياً روحياً إلى أقصى درجات الروحية من خلال وعي الواقع المعايش على سبيل المثال, على أنه كائن أعلى غير حسي, وغير مادي وأزلي ( Eternet ) معتبرا جميع الحاجات و الأهداف , حاجات وأهداف ذوات أفق روحاني قابل للتحقق على المستوى الحياتي إلى حد كبير بأقل قدر ممكن من اللجوء إلى الجسديات. فهذا مضمونها وسرها الداخلي ، وهي بذلك تنفصل عن الثقافة المركزية في وقتها وهي الثقافة الرومانية. المسيطرة ذات الطابع الحسي المادي ( فالواقع لديها مادي ، غير قابل للتجريد ، فالحاجات تبرز. وكأنها جسدية مادية فقط ومايبغيه الجميع هو تحقيق الحد الأقصى من هذه الحاجات والرغبات عبر استقلال العالم استقلالاً كاملاً وتفترض أيضا استقلال الغرائز عند الإنسان استقلالاً)(3). وهكذا يظهر بين الثقافتين رفض متبادل ، ( فالثقافة الروحية تشكل الثقافة الحسية بالنسبة لها وهماً وخرافة وشذوذاً على الصعيد النفسي في بعض الأحيان)(4). وقد ظهرت الثقافة المسيحية على نمطين يمكن عرضهما بالشكل الأتي:ـ النمط الأول:ـ بوصفها قوة اجتماعية تدخل في علاقة مع قوى أخرى ، هي علاقة رفض ـ إخضاع أو خضوع حتى تسيطر أو يسيطر عليها. النمط الثاني:ـ بوصفها سلطة اجتماعية ، وهي القوة التي تدخل في علاقة تتحرك حتى تصبح سلطة ، فالعلاقة في حالة كمون ، ليست شيئاً يتحقق ، فقط عندما تبرز بوصفها سلطة .. ( والسلطة هي علاقة القوة التي تقبض عليها مؤسسة أو حالة اجتماعية أو طقس أو شعيرة)(5). وتصبح أيديولوجيا سياسية عندما ( تسحب المستقبل إلى الحاضر من حيث المستقبل عقلاني وتسبغه على مؤسسات الواقع ... كونها مؤسسة من اجل تغيير الواقع)(6). وعلى هذا الأساس يمكن متابعة نمطين من تطور الكنسية وهما الإتيان: النمط الأول :ـ كونها ( يوتوبيا ) تبنتها قوى اجتماعية. النمط الثاني :ـ كونها سلطة ( إيديولوجية ) عقائدية تمتلك زمام الأمور ؛ وعلى هذا الأساس تبحث عن الأطر الاجتماعية التي بزغت منها وتأثرت بها ، ودخلت في حالة صراع مع السلطة المركزية ، وباقي القوى الاجتماعية ، والفضاء الثقافي الذي تشكلت داخله ، وتظهر هذه العناصر المكونة لها بالشكل الأتي:ـ الاولاً:ـ ( طائفة من النظريات ) لاسيما فيما يتعلق بالخلاص والخطيئة ، كانت في جملتها دخيلة على المسيحية ، ولو ان بعضها يمكن تعقبه الى المذهب الاورفي ، وغيره من مذاهب الشرق الأدنى(7). إلا إن هذا العرض فيه شيء من الاقتضاب ، فان المسيحية نشأت في ارض ازدحمت في هذه الفترة بتداخلات كثيرة ، لمسناه عند الاورفيه ، الا ان الالهة الهلنستية التي مست فيها الثقافة اليونانية ملكاً مشتركاً بين جميع بلدان البحر الابيض ، فمنذ وفاة الاسكندر وحتى الفتح الروماني انتشرت هذه الثقافة رويداً رويداً امتداداً من مصر وسوريا وصولاً الى روما واسبانيا ، وفرضت نفسها في الاوساط اليهودية المستنيرة ، كما في اوساط الأعيان(8). تفاعل ذلك التراث الوافد بتراث الشرق الاوسط بعامة واليهود بخاصة ، فظهرت عبادات الاسرار التي هي قديمة قدم الحضارات القديمة وخصوصاً بعد التشجيع الرسمي ( فقد كانت السياسة الحاكمة الرومانية ترحب بالتأييد الذي تلقاه من كهنة الرسميين ، وتسعى للحصول على تأييد الشعب باقامة الهياكل ... وظلت ثروة الكهنة تزداد في جميع انحاء فلسطين وسوريا واسيا الصغرى وظل السوريون يعبدون ( حداد ـ Hadad )(9). ( واترجاس ـ Atargatis )(10). وكان لهذين الالهين مزار في ( هيرابولس ) ، وبقيت سوريا ترحب ببعث الاله تموز وتنادي قائلة: ( لقد قام اودينس (الرب) وتحتفل في اخر مناظر العيد بارتفاعه الى السماء ) وكانت تخلد الام حيث انتشرت عبادة الالهة ( ما Ma ) الى ايدنيا وايطاليا (146 ق.م)(11). ثم انتشرت (ايزيس) من مصر ، الى بلاد اليونان من القرن الرابع قبل الميلاد ، فان شعوب البحر الابيض المتوسط لم تنقطع قط عن عبادتها(12). وهكذا سيكون للام تأثير كبير في الديانة المسيحية ، وكانت عبادة ( ميثراس ـ Mithras ) الإله الذكر تنتقل في هذه الاثناء من فارس الى اقصى تخوم الإمبراطورية الرومانية ، وكان ( ميثراس ) هذا من المراحل المتأخرة من الدين الفارسي ( الزرادشتي ) ( ابن اهورا مزادا اله النور وان ميثراس يشفع على الدوام لاتباعه عند ابيه ويحميهم ويشجعهم في كفاحهم الدائم للشر ( امير الظلام ) وكهنته عزاب وعذارى في خدنة الاله. ويتناول طعاماً مقدساً من الخبز والنبيذ وكانت الاشارة التي تختم لها عيده هي رماة الناقوس(13). وقد روع الاباء المسيحين ما وجدوه من وجه الشبه بين دينهم وبين ( الميثراسيه ) وقالوا ان الثانية قد سرقت هذه العبادة من المسيحية ، وانها في الميثراسية حيل مضللة احتال عليهم بها الشيطان(14). وفضلاً عن هذا الذي اشرنا اليه من اصل نظيف ان الأناجيل جميعاً بعدها قصة حياة وموت وقيام المسيح. ومعنى الخطيئة والفداء ، وما ارتبط بها من عقائد وطقوس وقد كانت بدورها تراثاً من الثقافات القديمة للمنطقة ظل حياً وقائماً الى زمن المسيح حتى وقع في يد اليهود فاقتنصوه ، وانهالوا عليه تهويدا(15). فان المسيح الانجيلي قد جمع ثقافتين متنافرتين تماماً ، ثم دمجهما في عصر الدمج الإمبراطوري ابان السيطرة الرومانية ، وفي العصر الهليسنتي ثقافة الراعي ، وثقافة المزارع ، او الراسب اليهودي ، والتراث الوطني للمنطقة(16). إن هذه النقطة تشير الى الأرضية الثقافية التي جاء بها الفكر الديني المسيحي وما كان سائداً في تلك الارضية من افكار وعقائد كان لها الأثر في التكوين المسيحي. ثانياً:ـ التأثير اليهودي:ـ هو ذلك الجزء الذي لم يتعرض له ( المسيح ) بنفسه لا بالشرح ولا بالتعليق حول قصص الخلق والطوفان او غيرها من قصص التوراة بحسبانها مفردات صادقة مسلم بها وطلب من المؤمنين الرجوع اليها في التوراة(17) ويعرض لهذه الأصول ( رسل ) بالنقاط الاتية:ـ 1- تاريخ مقدس يبدأ ( بالخلق ) وينتهي الى مرحلة الكمال في المستقبل ويبين موقف الله من الانسان. 2- وجود طائفة صغيرة من الجنس البشري حباه الله ، بحبه دون سواها وهذه الطائفة عند اليهود هي ( الشعب المختار )(18). وهي عند المسيحيين ( الصفوة ). 3- فكرة جديدة عن معنى ( التقوى ) مثال ذلك: فضيلة التصديق التي أخذتها المسيحية من اليهودية في عهدها الأخير ، وأهمية التعميد قد تكون مستمدة من المذهب الاورفي والديانات الشرقية ، واما حب الانسان فطريقة عملية بوصفه عنصراً من مقومات الفضيلة كما تصورتها المسيحية ، جاءت من اليهودية. القانون مثال ذلك ان المسيحين قد احتفظوا بجزء من ( القانون العبري ) ؛ مثال ذلك الوصايا العشر ، لكنهم نبذوا الشعائر والطرق والآراء الطقوسية اليهودية. اعتقد اليهود أنّ المسيح سيأتيهم بالرفاهية وسيحقق لهم النصر على أعدائهم فوق هذه الارض ثم آمنوا انه لم يزل قائماً وسيظهر في مقبل الأيام ؛ اما المسيحيون فيعتقدون ان المسيح قد تحقق فعلاً في شخصية يسوع(19). لكن نجد ان المسيحية شأنها شأن اليهودية قد تأثرت بالتراث المحلي للمنطقة ، وقد تركت تلك الأوضاع الاجتماعية ايضاً تأثيراً ( فالمعرفة تتأثر بالشرائح الاجتماعية التي تلعب دوراً اساسياً في تغيير مضمون المفاهيم والافكار)(20). وقد تركت التركيبة الاجتماعية للمجتمع اليهودي اثراً واضحاً في تشكيل المعنى الذي انغرس عميقاً في لحمة الفكر فيما بعد ، فإذا ما نظرنا إلى التركيبية الاجتماعية المتكونة من:ـ اولاً/ الصدقيـــــون:ـ وهم الاستقراطية المتشككة عاشت في ايام لا تعتقد ، بالبعث ، ولا بالدار الاخرة. رفضوا الاحاديث الشفوية التي يقول بها الفرسيون. ثانياً/ الفرسيون:ـ وهم الانفصاليون ـ كما نعتهم ( الصدوقيون ) ـ أي انهم فصلوا انفسهم وقد تدنسوا بإهمال ما تفرضه عليهم طقوس التطهر. او فقد الكهنة نفوذهم بعد تحطيم الهيكل ( 70م ) واصبح الفرسيون عن طريق احبارهم المعلمين والرعاة لذلك الشعب ، ومن ابرزهم ( هلل ) ولد في بابل ( 75 ق . م ) وضع ثلاث قواعد ليهتدي بها الناس في حياتهم ؛ حب الناس وحب السلم ، وحب الشريعة ومعرفتها. ثالثاً/ والاسينية:ـ وهم الفرقة الثالثة ويعني اسمهم ـ المستحم وان اعضاءها اخذوا عقائدهم وعباداتهم من نظريات الزهاد ونظمهم التي كانت منتشرة في العالم في القرن الاول قبل الميلاد وكانوا متمسكون اشد التمسك بالشريعة المكتوبة وغير المكتوبة ، ويعيشون عزاباً زهاداً في واحة ( انجارس ـ Engads ) وسط الصحراء الواقعة غربي البحر الميت يعيشون على شكل جماعة واليها ينتسبون وينتخبون زعماءهم بالاقتراع العام .. وكانوا ينتظرون خروج المسيح ليبنى على الارض مملكة شيوعية سماوية وقد عذبوا ولم يتراجعوا عن معتقدهم(21).اذ كانوا جميعاً متفقين على ان المسيح سيخضع الكفار اخر الامر. وهنا نلاحظ التداخل الذي حصل بين المذاهب الأسطورية وكيف تداخلت في التوراة والفلسفة في أحداث لها اثر عميق في ظهور المسيحية فيما بعد. ثالثاً: ( الأثر الفلسفي ):ـ معتقدات فلسفية معينة معظمها مستمدة من افلاطون ، اذ عندما التقت المذاهب الفلسفية الإغريقية والمذاهب الدينية المصرية واليهودية في الاسكندرية. كان لها فيما بينها الكثير من النقاط المشتركة ومن تقاربها واحتكاكها خرجت مدارس عديدة كانت خاصيتها العامة التوفيقية ، أي خلط مختلف العناصر ، التي تأزرت في تكوينها(22). ومن أسباب ظهورها العوامل الاجتماعية التي ادت او ساعدت على ضعف العقلانية اليونانية وانحلالها مع القرن الاول للميلاد وفي مقدمة تلك العوامل التمزق الاجتماعي والنفسي الذي تسببت فيه الحروب المتوالية منذ فتوحات الاسكندر في القرن الرابع قبل الميلاد الى ما بعد قيام الإمبراطورية الرومانية في القرن الأول قبل الميلاد. ومع إبرازه لهذه العوامل التاريخية الاجتماعية فإنه يؤكد بكيفية خاصة على التمزق الذي أصاب العقلانية اليونانية بعد ارسطو مباشرة حيث تعدد المدارس الفلسفية المتناحرة ، وظهور الشكاك ، وانتشار اطروحاتهم مما جعل العقل اليوناني يبدو ( وكأنه يلتهم نفسه ) وهذا يعود الى ان الثقافة اليونانية كانت تعتمد الاستنباط دون اللجوء الى التجربة. وهكذا داخل هذا الرحم ظهرت ( الغنوصية ـ Gnosticism ) هذا اللفظ اليوناني يعني معرفة مبدئها ان العرفان الحق ليس العلم بواسطة المعاني المجردة الاستدلال بوصفه فلسفة انما هو العرفان الحدسي التجريبي الحاصل على اتحاد العارف(23). وإما الغاية فهي الوصول الى عرفان الله على هذا النحو بكل ما في النفس من قوة حدس وعاطفة وخيال ، فالغنوصية الصوفية تزعم انها المثل الأعلى للمعرفة ، وترجع بأصلها الى وحي انزله الله منذ البدء وتناقله المريدون سراً وتعد مريديها بكشف الأسرار الالهية ، وتحقيق النجاة ، الذي يأخذ بعدين ؛ النجاة في الحياة العاجلة من الجبرية المسيطرة على العالم السفلي بتأثير النجوم ؛ والنجاة في الحياة الآجلة بالرغم من كيد الشياطين غير ان الناجين قليلون وهم ثلاث طوائف ؛ الروحيون ، الغنوصيون ، يكفل لهم النجاة. والماديون مركبون من المادة وهي تعوقهم عن الصعود فوق العالم السفلي ، ثم الحيوانيون يؤلفون طبقة وسطا قابلة للارتفاع والسقوط(24)(25). إذ ظهرت مدارس ثلاث هي الآتية:ـ أولها/ المدرسة اليهودية:ـ التي يمثلها ( فيلون الإسكندري ) ( 30ق . م ، 50ق . م ) الذي استخدم المنهج الرمزي اذ يستخلص الأفلاطونية في كل صفحة من التوراة ، وينظر الى فيلون بأنه المبشر الاساس بالغنوصية. ويجمع تحت هذا الاسم مذاهب عديدة مسيحية تخلط التقليد اليهودي بتقاليد شعوب اخرى وبصورة خاصة الاغريق والمصريون. وكان فيلون معاصراً للمسيح شديد التمسك بقواعد دينه ، كان في الفلسفة افلاطونيا قبل كل شيء ، والى جانب الأفلاطونية كان الرواقيون والفيثاغوريون المحدثون من أهم العوامل التي تأثر بها دينياً ، نرى فيلون(26) لم يعدله من اثر في اليهود بعد سقوط أورشليم(27). إلا إن من بين آباء الكنيسة كانوا يعجبون بـ ( فيلون ) وفكره المنبعث عن تفكير عميق وكثيراً ما كانوا يلجأون الى آرائه وتفسيراته المجازية هذه الآراء التي عبر فيها ( فيلون ) عن الخلق: ان الله لكي يخلق العالم عليه أن يشكل المادة ويوجد الصلة بينه وبين الإنسان فاستخدم لذلك جمعاً من الكائنات الوسطى يسميها ( افلاطون ) افكاراً ويقول فيلون: في وسعنا ان نتصور هذه الكائنات في صورة اشخاص وان كانت في واقع الامر لا وجود لها الا في العقل الالهي بوصفها أفكار الله وقواه. وهي مجتمعة تكون ما يسميه الرواقيون ( الكلمة ) او ( العقل الالهي ) خالق العالم وهاديه. يقول فيلون: اول ماولد الله ابن الله من الحكمة العذراء وانه عن طريق الكلمة كشف الله عن نفسه ، وربما كان في وسعنا اذا تحررنا من دنس المادة والحس وتدربنا على الزهد والتفكير الطويل ان نصبح في ساعة من الساعات / روحاً خالصة ، وان نرى الله نفسه في لحظة من لحظات النشوة(28). إذ تأثر ( فيلون ) بالأدب اليهودي كما في سفر الأمثال ( 8/22 ) وما بعدها التي فيها الحكمة: ( الرب قناني اول طريقة من قبل إعماله منذ القدم. منذ الأزل مسحت منذ البدء اوائل الأرض اذا لم يكن غمر أبدْئتُ ، واذ لم تكن ، ينَابيع كثيرة المياه من قبل ان تقدرت الجبال قبل التلال ابدئت اذ لم يكن قد صنع الارض بعد)(29). ويمكن إن نوجز هذا في نظرية الأوساط التي قال فيلون بها ، تأخذ التكوين الاتي:ـ 1- ان الفكرة الأساسية هي ( إله متعالى ) مفارق لايتصل به الاعبر وسطاء. 2- الوسيط وهو لا يتميز بطبيعة بقدر ما يتميز بوظيفة فلا سبيل لتحديد ماهيته الا بمعانيه ما يقوم به ، فالوسيط هو اللوغوس او الكلمة. ابن الله كما هو الحكمة التي اتحد بها فينتج العالم. وهم ايضاً الملائكة والجن وجميع هؤلاء الوسطاء ، وهم ايضاً واسطة النفس في الصعود الى الله(30) وهكذا يصبح الموجود الأول عند فيلون هو الذي فوق العقل ويليه ( اللوجوس ) الذي يتوسط بين الأله الاعلى وبين العالم المادي ، وينطوي اللوجوس على المثل او المبادىء التي يكون منها العالم المحسوس(31). ثانياً/ مدرسة الفيض:ـ يعد فيلون والغنوص المدرسة الكبرى ( لامونين ساكاس ) و ( افلوطين 205ـ270 ) اللذين مع استعارتهما لميولهما التوحدية ، والصوفية من اسيا ومصر يتعلقان مباشرة بالفلسفة الاغريقية التي تبحث في صهر المذاهب كلهاالمتباعدة ، فلم يعد المرء حصراً مشائياً حتى ولا فلاطونياً. فأما لامونين ساكاس ( 175ـ205 ) فهو ابرز افلاطوني الإسكندرية في النصف الاول من القرن الثالث من ابوين مسيحيين ، ونشأ مسيحياً ، فلما تفلسف ارتد عن المسيحية. وكان يعرض على تلاميذه كتمان تعاليمه تقليداً للأسرار اليونانية ، وكان يقال اجمالاً انه كان يحاول التوفيق بين افلاطون وارسطو في الله والعالم والنفس يقول هذا: ( صنع الله العالم دون ان يستخرجه من مادة سابقة. وفي العالم الأجسام خاضعة للأرواح بحيث يتألف من المرتبتين كل مترابط الأجزاء ، وبحيث تدمر كل سماء التي تليها مباشرة ، فإن للموجدات جميعاً شعوراً متفاوت الوضوح بما للحكمة الالهية في تأمل سرمدي لمعانيها او هو انعكاس النظام الالهي على عقول متفاوتة النورانية. فالعناية الإلهية في ما للخالق على المخلوقات من سلطان ابوي ، والقدر هو نظام العدالة اللازم من هذا السلطان ، اما النفس: فهي جوهر روحي قائم بذاته ، فلا تتغير طبيعتها باتصالها بالجسم ، وهذا الاتصال عبارة عن ميل فيها الى الجسم ، وفعل فيه شبيه الله في العالم ، وهي تستطيع ان تتقمص اجساماً بشرية على التوالي ولكنها لا تتصل بأجسام حيوانية لأنها إنسانية(32). ومن ابرز ممثلي هذه المدرسة الفيلسوف افلوطين الذي سنشير الى فلسفته ، فافلوطين ( 205ـ270 ) ولد في بوليس من اعمال مصر الوسطى تعرف على ( ساكاس ) ولزمه احدى عشرة سنة ، ثم انتقل الى روما حيث عاش كتب رسائل متفرقة جمعها تلميذه فورفوريوس ( 233ـ305) وكانت اربعاً وخمسين ، وقدم لها بترجمة لحياة ( افلوطين ) التساعية الأولى خاصة بالإنسان. والثانية والثالثة بالعالم المحسوس والرابعة بالنفس والخامسة بالعقل والسادسة بالوجود والدائم او العالم العلوي. وبقيت جميعاً(33). فيما يتعلق بالمنهج فإنه يعتمد منهجين: أحدهما صاعد وآخر نازل ، فيما المنهج الصاعد: يؤكد فيه أَن الغرض هو الذهاب الى الخير وهناك سبيلان للذين يصعدون: الاول يبدأ من اسفل ، والثاني سبيل الذين وصلوا الى المعقول ، فواجبهم ان يتقدموا فيه الى قمته(34). فيما يتعلق بالجدل النازل:ـ يأخذ افلوطين بالنظرة الرواقية في الواحد بقولهم: ( ان درجة وجود موجود من الموجودات ترتهن بدرجة اتحاد اجزائه من كومة الحجارة ) مروراً بالجسم الجماعي: الجوقة او الجيش ، او انتهاء بالكائن الحي الذي تتمسك كلها بتوتر النفس(35). فيقول افلوطين: ( فوجود الوجود لايمكن ادراكه الا بإرجاعه الى وحدة اكمل ). لكن وحدة افلوطين مختلفة عن وجود الرواقين الذين يرون الوحدة ( مصدرها العامل الذي ينفذ الى المادة فيمسك بتوتر اجزائها ) اما افلوطين الذي يتصور الوحدة ( فكل وحدة هي على الدوام ، بقدر او بأخر من نوع وحدة علم من العلوم ، فالعقل في العلم واحد ، لانه يتأمل موضوعاً واحداً ، وما يضفي وحدة على الوجود الادنى هو تأمل المبدأ الاعلى ومن هنا فإن الوجود الوحيد هو التأمل الضمني ، الصامت للنموذج ، المعقول الذي تحاول محاكاته ، والحيوان والنبات او أي شيء من الاشياء لاتحصل على صورتها الا بقدر ، ما تتأمل النموذج المثالي المنعكس فيها(36). إن التأمل هنا يظهر لنا فاعلية يقوم بها الكائن ابتداءً من العقل الاول حيث التأمل اداة تنتقل الوحدة من المادة الى الصورة ، فهو يظهر لنا جذرين: الأول افلاطوني: وجود جزئي مقابل وجود كلي للمثل. الجذر الثاني هو الانتقال من مادة الى صورة أي انتقال من استعداد بالقوة الى وجود بالفعل والحركة شبيهة بالشوق الذي يقوم به العالم باتجاه العقل الارسطي لكن هذا التصور للتأمل وان كان يحوي تلك الجذور الا انه يبقى بعيداً عن تدخل الصانع ، وعن شوق العالم ، بل هو فيض نوراني ، ( وذلك لان الموجودات ، مثلها مثل الاشياء الجميلة ، لاتكون قادرة على استقباله الا بقدر ما يملؤها هو بنوره(37). وانعكاس بهذه البلاغة والصورة الأستعارية التي تشبه الواحد بالشمس التي لها الفعل الأول في الكائن, وعلى هذا وضع الأقانيم الثلاثة التي هي:ـ أولا / (الواحد) أو الأول, وهو مالا يكون فيه, وجود لأي انقسام, فهو لاشيء أذ لا وجود فيه لشيء متمايز, وهو كل شيء, لأنه قوة الأشياء قاطبة, وهو بوصفه سابقا على موجود أخر, وهو واحد بوصفه مبدأ موحدا أو هو فيه بصفته غاية, لكن هذه التعابير لا تعين ماهيته لأنه بحصر المعنى ليس شيئا ولا واحدا أو أخيرا, وأنما هو فقط عدم مترفع عن الماهية وعنه ينتج بلا وعي, وعن غير أرادة, ومرده الى ضرب من الغزارة كغزارة الينبوع. حينما يطفح(38). وهذا ما يسمى بنظرية الفيض, (الأنبثاق) بلا زمن. ثانياً / ( الاقنوم الثاني ) الذي هو في آن معاً وجود وعقل ، وعالم معقول فهو اولاً في صورة العالم المعقول ، الواحد ، وقد انفرج اذ اجاز القول وتكاثر فالوجود الا متمايز في الواحد ، وهنا افلوطين لايعتمد على التصنيف الارسطي بل يعتمد على القسمة لدى افلاطون ، وذلك لان الانتقال بطريقة القسمة ( من الكل الى الاجزاء يمكن فيه للأجزاء ان تبقى محتفظة بغنى الكل)(39). ثالثاً / ان الاقنوم الثاني ( عقل ). فالعقل هو مايعرف الوجود الماهية .. وقد تبنى صفة ارسطو المعرفة ان الشيء المعلوم في العلم هو الذات التي تعلم ويأبى التسليم بأن المعقولات توجد خارج العقل ، فالعقل رؤية للواحد ومن ثم هو معرفة بالذات ومعرفة بالعلم المعقول. رابعاً / الاقنوم الثالث ( النفس ) لمَّا كان الواحد ينتج العقل فإنّ العقل ينتج اقنوماً ثالثاً ، هو النفس ، فهي كلمة العقل الكلي مثلما العقل كلمة الواحد وفعله(40). فالنفس:ـ لا تنظم إلا أنها تتأمل بتأثير يفيض عنها بغير ارادتها بوصفها مهندساً يتصور اشكالاً هندسية ، فإذا بها ترتسم من تلقاء نفسها ، فليس لها وظيفة فعالة وربانية الى جانب وظيفتها التأملية ، وانما هي تأمل محض ومن دون ان تبارح الأعلى ، يكون تأملها هو فعلها(41). ثم يأتي المنهج الصاعد وهو يأتي عبر فعالية التأمل التي تقوم بها النفس ، وهو يشترط ان تكون صورة حتى لا يمنعها مانع من ان تمتلىء وتستنير ، فتلك غايتنا وراحتنا في هذه الحياة الدنيا ، وفي حالة تحقق ( الرؤية نرى أنفسنا ساطعين نوراً مليئين نوراً معقولاً ، والاتصال لا يتحقق بالحدس العقلي بل ( ان الاتصال بالواحد ضرب من ( التماس ) لايستطيع الا بانة عنه الا الذين يذوقونه وهم قليل(42). وهذا التصور يعود الى التجربة الفردية ذات الطابع الصوفي ، حيث الغنوصي ( الى نفسه بوصفه منفياً في هذا العالم وكأنه ضحية جسده الخاص ، الذي يحدده بوصفه معبداً وسجناً قد ألقى به الى العالم ، حيث عليه ان يجد سبيل خروجه)(43). وهذه التجربة قد حاز عليها افلوطين مرات قليلة ، ثم نلاحظ ان هذا التصور الفيضي لافلوطين تضمن إنزال الله من عليائه وتساميه واستقلاله الاقنومي ودمجه بدرجات الوجود كأنه ليتوحد مع كل كائن في ذاته ويتوجد جميع الكائنات من المثلث الفيضي الى عالم الأفلاك ، الى عالم الهيلولى ، ويصبح الكون وحدة دائرية كبرى يأخذ غايتين هما: الغاية الاولى:ـ روحية دينية الجذور تحثه على نشدان الخلاص والاتحاد بالله لاسترداد فطرته الأصلية الخبرة السعيدة. الغاية الثانية:ـ فلسفية المنحى تحثه على ابطال الكثرة في واجهة الوجود لاكتشاف الوحدة في الله(44). وبعد هذا التأصيل للأثر الفلسفي عند افلوطين ، نلاحظ ان هذه الفيوضات الإلهية التي تهبط في الأنظمة الغنوصية من الله الأعلى حتى العالم المادي ، وتستمر هذه الاتجاهات في الظهور منذ الفترة التي اخذت فيها المسيحية بالانتشار بين اليهود المتهلينين. وهنا اعتقاد بان إنجيل القديس يوحنا ـ وهو اول الرسل واكثرهم قرباً من يسوع ـ كان قد تم تأليف هذا الإنجيل اساساً لمحاربة الغنوصية المتولدة ، فإن المبشرين بالإنجيل الثلاثة الأولى يتوجهون الى يهود فلسطين قائلين لهم: هذا المسيح الذي تنتظرون قد جاء ، انه يسوع الذي تظهر فيه لكم كل الصفات المنسوبة للمسيح من قبل الأنبياء ). فيما يتوجه الأنجيل الرابع لـ ( يوحنا ) الى المتهلينين ليقول لهم: ( هذه الكلمة التي تتحدثون عنها والتي بها صنع كل شيء التي هي النور والحياة ، صارت لحماً وسكنت بيتنا انسباؤه لم يستقبلوه ، لكن استقبلوه انتم ، ليجعل منكم ابناء الله ) ، وهذه الكلمة هي اقرب ما تكون لتاؤيلات فيلون منها الى افلوطين ونلاحظ ان نظرية افلوطين لم تختلف في الاقانيم عن النظرية الفيلونية ( نسبة الى فيلون ) في الوسطاء ، فالكلمة التي تعاقب او تثبت ليس لها الا الاهتمام بخير البشر ، اما الاقنوم الافلوطيني ، فلا تعتمل فيه اية ارادة خير ، او اية نية لأنقاذ البشر ، وذلك هو التعارض بين الورع السامي والنزعة العقلية الهلنستية(45). فالمسيحية وسعت من دلالة المسيح باستخدامها الميتافيزقيا في اطار عقيدتها الجديدة وبخاصةً بالتوفيق لدى فيلون الذي جمع بين الرعوية(46). التوحيدية والتصور المتعالي للإله الفلسفي ، وفي هذا الاطار لم يعد الامر يقتصر على شخصية المسيح الاله الانسان ( المختار ) بل اصبح يتعلق بجانبه اللاهوتي بوصفه ( الكلمة ) ، وهو مفهوم يرد الى الرواقيين ، ومن قبلهم افلاطون وهببر الهليطس وسيظهر اثر هذه في أعمال ادريجيين ( 185ـ254) من تلاميذ امونيوس ساكاس معلم أفلوطين(47). وهكذا توجه القديس يوحنا الى تلاميذ فيلون حيث يؤكد على فكرة التجديد ، أي هي تطرح تصورات طوبوية اذ ( تبد اليولوبيا تعبيراً عن الحنين الى التغيير لما هو واقع بأدوات غير واقعية والأهداف محض تخييلية ، لا تبذل أي جهد حقيقي في محاولة فهم موضوعي للظروف القائمة ، وانما تتجاوزها بنوع من القفزات التخيلية فتبعث على عمليات الحلم الجماعي التي لا تقتصر على افراد او فئات بل تأخذ بتيارها مجتمعات وامماً بكاملها(48). والواضح إن المسيحية في هذه الفترة من تاريخها اتسمت بالطوباوية في مواجهة تلك الضغوط التي تعرض لها المسيحيون داخل المجتمع اليهودي. كما هي حال السيد المسيح وصلبه ، وما واجهه المسيحيون من قبل السلطات الحاكمة من تعذيب. وهكذا قدمت التصورات الطوباوية المسيحية بقيام السيد المسيح وتحقيق العدالة المنتظرة وكانت الحياة الثقافية قد تحولت منها تلك الجمعيات المتعددة ، فانها اما بقيت محافظة على تنظيمه العقلاني كما هو الحال مع الافلاطونية المحدثة ، او نزعت: في اوساط اخرى الى التحول الى ديانة سرية خالصة بشعائرها وطقوسها وأسرارها ، مما جعل الحياة العقلانية تابعة برمتها للحياة الدينية(49). إذ طرحت مفاهيم ( كالاستشهاد ) ، وهذا يتعين علينا ان ننظر الى الموقف الاجتماعي للمسيحية الاولى بوصفها مجموعة مضطهدين ، ايضاً ذات صلة بالمذاهب الدينية التي تؤمن بالاخرة مع توقع التحول التلقائي ، حيث تمثل الشهادة الطريق الاسرع والأشر ف إلى تطابق العالم الأخر(50) لكن هذا الوضع تغيير عندما تحولت الى قوة اجتماعية وبالتالي تشيع الشرعية على وجودها بوصفها سلطة فاعلة تعبر عن الله وتغير وتحتكر احقية هذا التمثيل لكن يلاحظ ان سلطة الكنيسة مرت بمرحلتين هما:ـ الاولى:ـ ان فكرة الدولة لم تجد مكانها في المسيحية لهذا اقتصرت تعاليمها على الشؤون الروحية فكانت ديناً فحسب ، ولهذا ما يبرره اذ كانت الكنيسة ترهب دائماً جانب القائمين على السلطة الزمنية ، وتوجس خوفاً من محاولتهم النزوع الى وقف انتشار الدين او الاضرار بالقائمين عليه ... لذلك حاولت ان تنزع هذه السلطة لتحقيق الاهداف المسيحية الكبرى ، وهي انتشار الدولة العالمية ، دولة الله في الارض وعلى رأسها الكنيسة(51) وهذا يبرره ما شهدته الديانة المسيحية من تاريخ طويل من الاضطهاد. ولهذا كانت المسيحية متثره بهذا المنهج منذ رجالها الاوائل ، وهذا واضح في خطاب القديس بولص للرومان اذ عبر عن عمق ما جاء به العهد الجديد من الله ، وللسلاطين مكانة هي مرتبة من الله ). ولذلك يلزم ان يخضع له ليس بسبب الغضب فقط ، بل ايضاً بسبب الضمير ، اذ هم خدم الله مواظبون على ذلك فأعطوا الجميع حقوقهم )(52) وعلى هذا مضت القرون الاربعة على قيام المسيحية لم يختلف فيها البابوات على المنحى الذي سبق وان أرساه القديس ( امبروز ) للإمبراطور سلطة على المملكة الدنيوية بما فيها المملوكة للكنيسة اذا شاء القيصر ذلك ، وكان ذلك يعني أن السلطة الزمنية تسمو على السلطة الدينية ، ولعل ذلك يرجع الى رغبة المسيحين. أول عهد المسيحية في استرضاء الحاكم(53). لكن بعد اعتناق القيصر المسيحية لأسباب كثيرة بدت الكنيسة تخشى سلطته الزمنية لتشمل الدينية كما كان متعارفاً عليه قبل المسيحية. هناك انقسمت الكنيسة قسمين: يذهب قسم من رجالها بان الكنيسة جزء من الدولة وليس الدولة جزء من الكنيسة أي خضوع الكنيسة يكون للدولة على حين ذهب آخرون الى القول بأن مسائل الدين تخص القساوسة والقيصر جزء من الكنيسة ، ولايعدو أن يكون أبناً من أبناء الكنيسة شأنه في ذلك شأن سائر المسيحيين(54). وقد خاضت الكنيسة تناقضات داخلية أيضا وذلك لان أفكارها ذات أصول متباينة واطر اجتماعية مختلفة ومما أدى الى خلافات عقائدية ، كما هي الحال مع المذهب الذي رفضته الكنيسة ( اريوس )(55). إما المرحلة الثانية وهي الفترة التي قويت بها سلطة الكنيسة وسلطة البابوية وهذا يشمل ثلاثة مستويات. 1- المستوى الديني وهو ما تمثله القوة الدينية المرتبطة بالأسرار المقدسة برمتها. 2- المستوى التشريعي ( القانوني ) أصبحت الكنيسة مصدراً للقانون ومسؤولة عن تشريعه. 3- المستوى التعليمي وذلك عندما أصبحت هي الراعية الأولى لتلك المدارس الدينية وبالتالي المحركة لها ، وما تخرجه من رجال دين يهتمون بالفكر والأدب ولابد أن يكونوا مرتبطين بالكنيسة بوصفها السلطة الزمنية فهي تراقب مدى التزام السلطة الزمنية ( الدولة ) بالقانون ، لان الكنيسة هي التي تجسد الإرادة الإلهية. أدى هذا الى إخضاع الفرد لأنظمة سياسية تابعة للدولة ، واخرى دينية تابعة للكنيسة(56).فمن خلال المسوّغ الديني القائم على حق مقاومة الجور فالأمير مكلف بمراعاة القوانين الإلهية لانه يتلقى سلطانه من الله ، والكنيسة مكلفة من قبل الله بالاشراف على مراعاة تلك القوانين ، ومن ثم مراقبة سلوك الامراء ومراعاتهم للقوانين الإلهية(57). وقد ظهرت سلطة الكنيسة مجسدة بسلطات البابا وقد ظهرت تلك السلطة بفعل ضعف السلطة الزمنية السياسية التي سقطت تحت رماح البرابرة ،سنة 478م ، وعدم قدرة البرابرة على قيام سلطة مركزية فأزالت الصفة المركزية لروما مما أدى إلى ظهور سلطة الكنيسة التي اصبحت تمثل الهيبة للثقافة القديمة في زمن غابت فيه لدى الغزاة ومن ثم تحالفت الكنيسة مع الأمراء ، والإقطاعيين ضد السلطة المركزية ، وادى هذا الى اضعافها ومن ثم ساهمت ظروف معينة في قوة الكنيسة ، منها: ان الإقطاعيين كانوا مسيحاً ومن ثم يشعرون بتبعيتهم للمسيحية العالمية. اسهم هذا في قوة الكنيسة وضعف الدولة المركزية بشكل جعل كل الإقطاعيات تؤدي ما عليها من معونات وضرائب الى الكنيسة التي حلت محل السلطة الزمنية(58) وقد أثرت الكنيسة في الحياة الغربية في كل شيء حتى في الجوانب الفنية ، حيث اتسم الفن المسيحي بالنزوع الى الروحية والتجريد ، وايثاره للاشكال المسطحة التي هي اشبه بظلال لا جسم لها ، ولم تكترث بالحياة العضوية بما فيها من لحم ودم ، اذ اصبحت الفكرة اهم بالتدرج من الكل الخارجي(59). إن المكانة العليا التي احتلتها الكنيسة في جميع بقاع اوربا ادى بالسلطات السياسية الى الخضوع للتعليمات الكنسية بما تمثله من قوة القمع والارهاب كما ان الاعتقاد الذي ظل سائداً طوال العصور الوسطى ، وحتى بداية القرن السادس عشر ، هو ان الكنيسة مؤسسة مقدسة لها وحدها الحق في فرض معايير الدين والاخلاق ، بل والتنظيم الاجتماعي والسياسي وكان يتربع على هذا رأس هذا الجهاز ( البابا ) الذي يخضع له الملوك وتعد اوامره وتوجيهاته مقدسة وتوصف بالعصمة(60).
لمبحث الثاني قراءة في الفكر الفلسفي والسياسي لمثقفي الكنيسة
تشكل العنوان ثريا النص ، بوصفه يحوي الدلالة التي تضم المفهوم الذي تقوم عليه الرؤية العقائدية والمنهج الهادي الذي يعبر عن تلك المنظومة الرمزية التي لأتحمل حقيقتها في ظاهرها بل أنها تستر تلك الحقيقة مما يفتح باب التأويل والقراءة في ذلك الميراث الفلسفي الذي تركه مفكرو الكنيسة : أوغسطين ،توما الأكويني . لقد وجدت الكنيسة خير مدافع ومنظر لأفكارها في نص القديس أوغسطين الايحاني ونص القديس توما الذي ندرج في سلالة كتابات أرسطو إذ كان القديس توما حريصا على نظام فاضل راسخ في رؤيا العالم الوجودي كانت السياسة تخدم هدفا أسمى يرتكز بدوره إلى نظام أوسع يمكننا معرفته وكان التفكير السياسي فنا يقود الناس إلى السعادة في عالم كامل وهو من على نهج الطريق التي نظم بها الله الطبيعة. فالأفكار ليست مجرد صور أو مرايا ، بقدر ماهي استراتيجيات معرفية لفهم العالم والتعاطي معه .بهذا المعنى كل فكرة هي عبارة عن قراءة لتفسير واقع اوتاويل حدث أو شرح ظاهرةاو ترتيب صلة. ومن هنا فهذه القراءة تتخذ محور بحثها في المنتج الفكري الذي تركه هؤلاء المفكرون ،أي إننا إزاء مضمون إيديولوجي عقائدي يتخذ من الكنيسة السلطة المرجعية والمضمون الابستمولوجي بوصفه المنهج الذي يشكل نوعية التفكير الذي يسبغ على تلك الرؤية الإيديولوجية طابعا عقلانيا ينتمي إلى الفضاء الفكري الوسيط وعلى هذا الأساس جاءت موجهات البحث في الأتي : مشكلة البحث :-إن لكل بحث لابد من مشكلة تكون الدافع الذي يدفع الباحث من اجل إيجاد حل لها فالمشكلة تنطلق منها وتتمثل في التاويلات الفكرية التي قدمها مثقفو الكنيسة منطلقين من تحيزاتهم العقائدية التي تحاول إسباغ الطابع العقلاني على وثوقيات العقيدة المسيحية التي تعتمدها تعتمدها مؤسسة الكنيسة ، وتحقيق العقلانية تلك يكون من خلال توظيف الأدوات النظرية العقلية اليونانية والتوفيق بينها كمنهج ورؤية وبين التصور العقائدي يعتمد الثوابت النصية والرؤية الإيمانية التوحيدية ، وهذه التاويلات أساسا ماهي سوى استجابة هؤلاء المفكرين لمواجهة الانتقادات التي تواجها المؤسسة الكنسية من قبل خصومها أي أنها تنطلق من حاجة معاصرة عقائدية تحاول العودة إلى الميراث العقلاني من اجل مواجهة الخصوم الذين يعتمدون العقل :كالافلاطونية المحدثة أو المانوية أو التيارات الانفصالية داخل الفكر المسيحي ذاته . غاية البحث : الوقوف عند الميراث المسيحي والإضافات التي أحدثها في تاريخ الفكر والتداخلات الفكرية التي أنتجتها والتنا صات التي تقود إلى مرجعيات متنوعة ، انه مسعى إلى كشف الإضافة في مجالات الفكرفي الحقول التقليدية التي هي الوجود والنفس ونظرية المعرفة وفلسفة التاريخ انطلاقا من تاويلات مسيحية تتباين أو تتفق بين الميراث الاوغسطيني وتوما الاكويني حدود البحث : انه محاولة للبحث في حقبة الكنسية المتمثلة في نصين الأول منها نص أوغسطين الذي يمثل النص المؤسس داخل الفكر المسيحي وبين نص توما الاكويني ، وهو في الواقع يمثل تيارين متصارعين لهم مواقف متباينة في الحياة المسيحية بين التيار الاوغسطيني أي امتدادات نص أوغسطين في العصور الوسطى وتصوراته المثالية الافلاطونية المحدثة وبين التيار التوماوي الذي يمثل تصورات عقلية ارسطية والاسلامية . فان حدود البحث تتعلق بالوقوف عند النصين وتبيان الاتصال والانقطاع بينهما .وهذا ما تجلى في ملامح فلسفة مسيحية تحاول إيجاد حلول لمشاكلها المتنوعة وقراءتها المتنوعة هي الأخرى . .
إما القديس اوغسيطين (354م) فقد شغل مكانا كبيرا في الفكر المسيحي الفلسفي واللاهوتي نظرا لما له من ثقل في زمانه وفي ما بعده إذا كان له إتباع يشغلون مكانة مهمة في المجتمع الكنسي وهم الاوغسطينيون . لقد كان مفكرا داخل تلك الثقافة التي تشكلت داخل ظروف سياسية واجتماعية ومرجعيات كثيرة متباينة وخاضعة لموجهات التي جاءت خاضعة للسلطة الكنسية التي شكلت السلطة المرجعية الفاعلة في تشكيل وظهور فلسفة القديس اوغسيطين الذي يمكن أن نحدد مباحثه في اتجاهين :الأول – التنظير الميتافيزيقي في مجال الوجود والنفس والمعرفة .الثاني – التنظير السياسي في مجال دولة الله . وفي كلا المجالين هناك عملية تعاضد بين الفكر والممارسة السياسية ، إما بالتنظير الميتافيزيقي الذي يسبغ الشرعية الدينية والعقلية على المنطلقات العقائدية بوصفها رؤية كونية وسباغ الشرعية على الممارسة السياسية ، ذا الأمر يكمن في المنطلقات الفكرية .
:الأول – التنظير الميتافيزيقي في مجال الوجود والنفس والمعرفة
نجده من العلاقة بين الله والطبيعة محل بحث ذي أهداف دينية ، وقد انعكس هذا في تناوله للوجود فرغم إن تصورات اوغسيطين جاءت انعكاسا مباشرا للسلطة الكنسية وانعكاسا للمشاكل التي كان يتصدى لها اوغسيطين من اجل إيجاد حل لها مما ترك أثرا عميقا تردد صداه في الاتجاهات الاوغسيطينية حتى إن الاتجاه الارسطي لم يكن خارج بشكل كامل بل كان له موقف معين من اوغسيطين ومتأثراً به من هنا تأتي أهمية القديس اوغسيطين بوصفه يمثل نص مؤسس داخل الخطاب الكنسي ، لهذا وجدنا من الواجب أن نتطرق إلى الوجود لدى اوغسيطين في هذا المضمار .
1– الوجود عند اوغسيطين:- فلقد اخذ اوغسيطين في نظرته إلى الأشياء بالتفرقة المشهورة بين الصورة والهيولى كما طرحها أرسطو إلا انه هنا يأخذ بموقف أفلاطون القائل : إن الهيولى ليست غير الصورة العارية عن الكم ، وعلى هذا فإذا أردنا أن نفهم ماهية المادة ، وجب علينا أن نجردها من الصور .(2)
فالعالم في الأصل ( مادة رخوة Kaios ) ، أي غير معينة غامضة ، لا تدرك في ذاتها بل بالاستدلال على كل ما تعقله عنها ، وانه المكان والمحل الذي نحصل فيه على الصورة المعينة لأنه إذا كان الأصل معينا أو كان له صورة ، انه ذاتية فليس يفهم التغير الذاتي ، وعليه فليس العناصر مبادىء الأشياء ، لأنها معينة من جهة ، ولأنها من جهة أخرى تتحول بعضها إلى بعض فيدرك هذا التحول على أنها صورة مختلفة تتعاقب في موضوع وحد غير معين في ذاته (3) .
ويرى أوغسطين الهيولى على أنها ( قوة ) قادرة على اخذ الصورة ، أو على هذا فالهيولى مبدأ للوجود ، وليست الوجود الحقيقي (4) . وقد كان هناك مذهبان هما : المذهب الأول – الذي يقول" إن الوجود أصله عنصر مادي" .المذهب الثاني – الذي يقول" أن اصل الوجود جوهر عقلي" .و لقد اخذ اوغسيطين بالمبدأ الثاني الذي وجدناه مع هرقليطس نارا إلهية ، حية ، عاقلة ، وهي حياة العالم وقانونه ( اللوغوس) وهو ذاتي ضروري وهذه النار هي الله (5) . وهي العقل عند كساغوراس الذي ليس اتفاقا ولا قدرا ، انه العقل ألطف الأشياء واصفاها ، بسيط مفارق للطباع كلها إذ لو كان ممتزجا بشيء أخر أيا كان لشابته سائر الأشياء ، لما استطاع وهو ممتزج إن يعقل القدرة التي يعقل بها ، وهو خالص عليم بكل شيء قدير على كل شيء بذاتة ، حرك المزاج الأول في نقله ، فامتدت الحركة واتسعت في أدوار متتابعة حتى عمت الكل (6) . ا- موقف أوغسطين من أفلاطون : عن الهيولى يقول أفلاطون : انها قد وجدت مع الصانع ،و لم تكن من خلقه (7) وان اخذ اوغسيطين بهذا القول وهو ما يجعله يواجه الصعوبات آلاتية : 1- هناك صانع وهيولى ومثل ، أي هناك تعدد وتباين . 2- هناك علاقة بين هذا والثالوث الموجود بشكل متزامن ، و هو أن الصانع يصنع وفق المثل العالم في المادة الأولى التي هي الهيولى 3- ثم طبيعة العلاقة بين العالم والله هل هو كما في التصور اليوناني كون الإله متعاليا على العالم أم هو راع لهذا العالم بحسب مفهوم العناية المسيحية ولقد استثمر اوغسيطين مفهوم الوحدة التي قام به أفلوطين عندما دمج العالم بالإله . ومن ثم قال بالفيض ، إلا إن اوغسيطين يقول بما قال بها النص : أي الخلق من العدم لهذا ارجع هذا إلى الخالق الذي هو اللوغوس ( الكلمة ) ومن هذا فان رد اوغسيطين على أفلاطون بقوله : ( فالله هو الموجود والخالق من العدم للهيولى )(8) ، وبذلك لم تعد هناك مادة قديمة ومن ثم دمج المثل في عقل الإله ذاته فأصبح الإله هو الواحد ، وهو المتصف بكونه إرادة ، وعقلا فقد خلق الله العالم من خلال خيرية الله ثم أرادته ، والخير لا يفعل إلا الخير والوجود خير من العدم . ولهذا أوجد العالم فالعالم من حيث وجوده ، فيض من خيره ، ومن ثم انه أوجد العالم بإرادته ، وكان سبب الخلق ، لأنه إرادة ذلك وكل إرادة تستلزم بالضرورة عقلا ، بخاصة إن في العالم نظاما في الضرورة وصفه بالعقل إلى جانب وصفه بالإرادة والخلق جاء مرة واحدة ، وليس باستمرار (9) ب- موقف أوغسطين من أفلوطين : فهو يخالف الفيض لدى أفلوطين على مستويين :
الأول – قوله بمفهوم العلل (Seminales Rationes ) وقد اخذ هذا من الرواقية القائلة بان الأشياء كانت في البدء في حالة كمون على شكل بذور ، وهذه تنمو من بعد ، فتكون الأشياء (10) . فهناك علة وحيدة التي هي في الوقت نفسه الرابطة بين العلل .بمعنى أنها تحتوي في وحدتها جميع الأصول البذرية التي فيها ينمو ويتطور كل موجود جزئي وهذا العالم المترابط المؤلف من (LOGOI ) أو عقول ، يؤلف بدوره كونا من قوى أو إذا شئنا من أفكار إلهية فاعلة تقوم مقام المثل الافلاطونية .(11) لكونها كافية بعضها في بعض ، بحيث إن كل حي فهو ( كزاج كلي ) من ذريته جمعاء (12) .
ليس العالم صادرا عن الله صدورا ضروريا قديما ، كما ذهب إليه أفلوطين والمانويون (....) كان الخلق (... ) خلق الله بعض الأشياء بالفعل ، وهي الدائمة الثابتة على صورتها ، والبعض الأخر بالقوة ، وهي الكائنة الفاسدة الطائفة الأولى تشمل الملائكة والنور والعناصر الأربعة والكواكب ونفس الإنسان الأول ، والطائفة الثانية تشمل النبات والحيوان خلقها الله في ( أصول بذرية ) غير محسوسة أودعها طين الأرض على إن يتعهدها بعنايته ويبلغها إلى النضج ولظهور أجيال الأحياء (13) .
الثاني – قوله بمفهوم العناية وبهذا يعارض الموقفين القائلين بان الله يخلق العالم ثم يتركه كما هو الحال لدى أرسطو وأفلاطون ، وبين القائلين بالفيض بوجود خالق بسيط واحد ليس مركبا ، يفيض منه العقل الغول ، وهو العقل المسئول عن ظهور التعدد ، فقد أكد هنا على إن الخالق يرعى العالم ، ومن جهة أخرى كونه مستقلا عنه . فالأشياء التي خلقت لتحفظ لابد لها من أن يحفظها ، وهذا هو فعل الله ، ولولاه لفنيت الأشياء ، لان وجود الأشياء مستمد من وجود الله . ولو توقف الفيض الإلهي لصارت عدما (14) . ج- دوره في استقرار فكرة التوحيد: ويلاحظ أن مع المسيحية استقر مفهوم التوحيد ، إذ أصبح يشكل مكانة مركزية ، ولابد إن يرجع إليه كل شيء ، ومن ثم يشغل مركزا رئيسيا في تفسير العالم (15) وهو يحوي بعدين كونه كاملا ولا متناهيا ، فهو كامل ، لان واجبي الوجوب بذاته (Aseity ) أي موجود بفضل ذاته ، فهو يتمتع باستقلال عما هو خارجه ، وعما هو داخل ذاته (16) . وبذلك فقد كانت فكرة الوجود فكرة مركزية هذا يعني إن الوحي المسيحي قد اثر في تطور الميتافيزيقيا بإدخاله فكرة التوحيد بين الله والوجود ، وقد تضمن ذلك تعديلا في التصور المسيحي للكون ، فلو كان الله هو الموجود (Being) فان ذلك لا يعني انه هو الوجود الكلي الشامل فحسب (Toumesse ) (... ) انه الوجود الحقيقي بصفة خاصة ، وهذا يعني إن كل شيء أخر - ماعدا الله – ليس إلا وجودا جزئيا لا يستحق اسم الوجود على الإطلاق (17) . فالله الذي يقول في سفر التكوين _ إصحاح 3-14) وأنا أكون ما أكون – Ego Sumqui ) وفي عبارة أخرى في سفر ملاخي في ( الإصحاح الثالث أية 6) وهي : ( أني أنا الرب لا أتغير ) (18) .
ويقول القديس اوغسيطين : ( ابتدأت في نفسي : بأنك أنت ، أيها الإله المدبر الموجود ، ما جعلت هذا الكتاب مصدقا ومقدسا عند أهل الخافقين ، إلا لغرض منك ، وهو إن نبحث في هذا الكتاب عنك . وبه نتوسل إلى الاعتراف بك ، واعتناق إيمانك ) (19) . والواضح من هذا إن الوجود تم تأصيله داخل الكتاب المقدس بوصفه النص المؤسس في الديانة المسيحية ، ولما يوصل البحث النظري الموروث عن اليونان وبين سلطة النص التوحيدية ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فان الأشياء لايمكن إن توصف بالكمال ، إلا هو ، وكلها توصف بالتناهي إلا هو فهو لامتناه ومن ثم فان علاقته بالعالم علاقة ليست بوصفها علاقة الصانع بالعالم ، وهو التعالي .
وهو يقبل بوجود تعددية ، ولا علاقة له باله الفيض ، والغنوص ، المتعالي فرغم إن الأخير جاء خطوة نحو الوحدانية ، إلا انه شكل تباعدا لهذا الإله ، مما يجعل من العقل الأول ، هو المسؤول عن الخلق ، ويشمله بعنايته .
2 – النفس عند اوغسيطين : كان لدى القديس موقف في النفس يحاول إن يجمع بين المرجعية المسيحية واليونانية ، وان كان اقرب إلى افلاطون ، في العلاقة بين النفس والجسد ، على أنها علاقة الربان بالسفينة هي ذاتها التي وجدناها لدى أفلاطون ، فيعرفها على أنها صورة الله ، روحانيتها تجعلها واحدة غير منقسمة كما إن الله واحد ، والعقل والإرادة والذاكرة ، يجعل منها ثلاثة في وحدتها ، كما إن الله ثالوث وليس في النفس قوة متمايزة منها وإنما هناك أفعال لها مختلفة ، على إن النفس متغيرة مثل كل مخلوق ، والتغير يتم في موضوع ، وموضوع التغير المادة نفسها من هذا الأتي :
إن النفس صورة وروحانيتها تجعلها غير منقسمة ، كما إن الله واحد ، ومن ناحية أخرى إن للنفس وظائف ، وهذا يجعلنا إزاء صنفين : أولا – كونها واحدة ، لأنها روحية ، أي غير عادية ، ومن هنا يقول :/ أنها ثابتة لان التغير من صفات المادية (20) . إلا انه أقام علاقة بين النفس والله في تأكيده إن للنفس الإنسانية ميزة واضحة ، وهي ليست في الواقع انعكاساً لله .0 لكنها نوع من تكرار الله نفسه على مستوى الكون المخلوق . لقد ميز القديس أوغسطين بهذا الخصوص ما نسميه صورة عما نسميه مشابهة . فالإنسان وحده يستطيع إن يفتخر بأنه صورة الله ، وباقي العالم يتحول إلى مشابهة فيه ، نرى بسهولة كيف أن العلاقة بين الله والإنسان تسمح لمعرفتنا أن تكون مفهومة بعبارات المشابهة .
ثانيا – النفس عند اوغسيطين تنقسم من حيث وظيفتها إلى الذاكرة والإرادة والعقل ( الذاكرة في ما يتعلق بالذاكرة التي تناولها القديس اوغسيطين في الباب العاشر من كتابه ( الاعترافات ) الذي بين أن الشعور بالزمان مصدر الذاكرة رغم أن الذاكرة لا تحوي تمثلات حية أو صور تخيلية بالشعور ، وعلى هذا يقسمها إلى المقومات آلاتية : (أولا) الزمن يولد الانتباه بالشعور الحاضر(ثانيا) الذاكرة ، وهذ1ه تولد شعور الماضي .(ثالثا) التوقع وهذا يولد الشعور بالمستقبل . ثم يصل إلى نتيجة من تحليله لمفهوم الذاكرة مفادها : ( إذا كان الإنسان لا يدراك ذاته إلا إذا فكر وهذا يؤدي عن طريق الذاكرة إلى إثبات وجود الذات ، لان الذاكرة هي التي تؤكد لنا دوام ألذات (21) . ثم يجعل هذا التصور للذاكرة مرتبطا بتصور شمولي للنفس في اكتشافها لذاتها ، وذلك عبر ( التأمل في طبيعتها الروحية ، فهي الذاكرة (22) . وذلك لان النفس لا ترى نفسها إلا بعد معرفة الذات ، وذلك بالاستدعاء في الذاكرة فالنتيجة إن الذاكرة أول دليل على روحية النفس لا ماديتها ، رغم انه يجعل الذاكرة مكانا محددا الدماغ بقوله : ( الحركات توجد في وسط الدماغ ، والذاكرة في مؤخرتها (23). والتفكير ( الفهم ) وهي وظيفة للنفس ، آذ من خلال التفكير تنظر النفس إلى ذاتها ، وتفهمها ، لا تولد معرفتها ، مثلما لو كانت مجهولة من ذاتها سابقا . لقد كانت معروفة بذاتها ، بمعنى أنها عرفت ماذا تحتوي الذاكرة حتى ولو لم تفكر فيها (24) . ومن هنا كانت استحالة التعلم بالتلقين . لم يبق إلا إن تنكشف الحقائق في النفس ( بالتأمل والعكوف على ألذات من خلال ... تأمل الأشياء التي يراها المتأمل بعين بصيرته ، ويدركها بحدسه ويلمسها بشعوره ويحياها بنفسه ، و نلاحظ مدى الترابط الذي أكد عليه اوغسيطين ان ( هاتين الحقيقتين : الذاكرة والتفكير متحدتان بثالثة هي المحبة والمودة التي هي الإرادة ) (25) .
فإذا كان الشعور بالذات ( إما بالتأمل في طبيعتها الروحية التي هي الذاكرة ، وإما بالتأمل في وظيفتها التي هي الفهم ، وإما البحث عن مبدأ نشاطها الذي هو الإرادة ، فهي المبدأ الفاعل لكل معرفة ، ولكل حكم ) وقد ربطها بالعلم الإلهي ، والعناية الإلهية من خلال بعدين :
1 – من خلال تأكيد سلطة حرية الاختيار من جهة . 2 – تحديد علاقتها مع إرادة الله في الخير كما في الشر ، ويظهر حل اوغسيطين بين الاثنين ، أي بين حرية الاختيار والعلم الإلهي .إذ يؤكد عدم وجود تعارض فيما بينهم بقوله : ( نحن لا نفكر أبدا إن الله يسلم سلفا كل الإحداث المستقبلية ، وبأنه من جهة أخرى ، ومع ذلك نرغب ما نرغبه ، وبما إن هناك علما إلهيا بإرادتنا ، وهذه الإرادة نفسها ، بوجود علم الهي ستوجد ) (26) . وهذا يعني إن العلم لا يتعارض مع الإرادة بل انه ضامن لها بهذا المعنى ، وعلى هذا يؤكد إن الخطيئة نتيجة للإرادة لا بفعل المادة . وبالتالي فهو يرد على الغنوصية الذين لا ينسبون خلق المادة المتصفة بالشر إلى الله ، بل يجعلونه منزها عنها ورفض اوغسيطين هذا القول ، لأنه يتناقض مع المسيحية التي ترى الخلق- حسب التوراة - دور الله فيه فاعل ، فان ( القول بان المادة هي في إن معا مخلوقة في التخطيط المسيحي (... ) وأعجب اوغسيطين ، بالقول بان المادة لا يمكن إن تعتبر شرا حتى ولو لم تر منها شيئا سوى مبدأ بسيط للامكان ولليقين (27) . ويضع تسلسلا يجعل من النفس الملائكة سابقة للنفس الإنسانية ويفرق بينها وبين الله من جهة و الموجودات الجسمية من جهة ثانية ، فالملائكة يختلفون عن الله في كونهم مخلوقين وبهذه الحالة ، فهم متغيرون بالطبع وحاصلون على موضوع للتغير ، ويفترقون عن الجسمية في إن تأملهم لله يثبتهم دون تغير بالعقل فيجعل اتحاد المادة والصورة فيهم دائما ويجعلهم خارج الزمان (28) وعلى هذا الأساس يكون الله على قمتها أو تكون المادة أدناها ، وهذا قادنا إلى إثبات علم الله وطبيعة ، وبالتالي تعزيز الوحدة الإلهية .
أ – اصل النفس : عندما يبحث عن أصل النفس ، فانه اطلع على الآراء المانوية القائلة إن النفس صادرة عن ذات الله ، هذا القول يستلزم إما إن النفس قديمة هبطت إلى الأرض وتعود إليها بالتناسخ وقد رفض هذا القول لأنه يقود إلى أمرين : اولهما : انه حديث خرافة معارض للشعور والعقل ، فإننا لا نذكر حياة سابقة . ثانيهما : محال أن تتقمص النفس جسما حيوانيا أو نباتيا لما بين الطرفين من مغايرة تامة . ثم برفض القول إن النفس تولد من بذور (29) مادية أو من نفس حيوانية إلا إن الرأيين يبطلان روحية النفس الإنسانية . ثم ينظر في الرأيين الآتيين : الروح تأتي للولد عن طريق الأب بالوراثة ، والرأي الثاني إن الروح تخلق خلقا من جديد (30) . الأول أخذه عن الكتاب المقدس الذي يقول إن الله خلق نفس ادم : فهل تقول إن النفوس صدرت عنها بالتوالد كان اوغسيطين يميل ميلا ظاهرا للأخذ بهذا القول . ولكنه لم ير كيف يكون هذا التوالد ، ووجد فيه خطرا على الشخصية الإنسانية . كما انه كان يعتقد بامكان خلق الله لكل نفس على حده . لتحل في جسم المولود ، ولكنه لم يتقيد بهذا الرأي الثاني (31) .
والواضح انه بقي مترددا بين الاثنين كما هو موقفه في ( الاستدراكات ) إلا انه كان يميل إلى الأول الذي كان يفسر فكرة الخطيئة في المسيحية التي توارثها الأنبياء عن ادم جيلا بعد جيل (32) . وبهذا فانه استدل على الله من خلال اصل النفس سواء كان ذلك بالخلق الجديد أو بالتناسل .
ب- مصير النفس وخلودها : لقد شكل المعاد أهمية كبيرة في الديانة المسيحية بشكل فاعل لم يكن بهذا الشكل في الديانة اليهودية وفي هذا الموضوع يأخذ اوغسيطين بموقفين : الأول : في بداية حياته إذا كان قد تأثر بالافلاطون إذا اتخذ معه دليلين هما : 1- إن الحقيقة غير فاسدة ، والنفس محل الحقيقة ، فالنفس غير فاسدة (33) . والحقيقة هي المثل التي أدركتها النفس ، ومنها تستمد خلودها ، مما يعني أنها غير فاسدة رغم موقف اوغسيطين من التذكر موقفا مغايرا لما قال به أفلاطون عندما نعته بأنه حديث خرافة لهذا جاء بمفهوم جديد اللتذكر مرتبط بالذاكرة ، وهي أحدى وظائف النفس .
2- إن النفس تدرك ذاتها وتدرك أنها قبلت وجودها من الموجود بالذات ، وليس للموجود بالذات ضد سوى اللاوجود وليس اللاوجود وجود حتى يسلب النفس وجودها . ثانيا – رغم هذه الأدلة إلا أن اوغسيطين في أخر حياته لا يتحدث عن خلود النفس باليقين نفسه الذي تحدث به في مطلع شبابه ويقول : بان البرهان على خلود النفس من الناحية العقلية ليس برهانا يقينيا كل اليقين ومن هنا يقيم برهانه على أساس الأيمان بالمسيحية (34) . وهذا ما شهدته حياته ذاتها ، كما يظهر بشكل ظاهر في كتاب الاعترافات ، إذ يقول في احد المقاطع ( لأتعرض إذنا صاغية لشهوتك الخبيثة ، فانك إن سمعت لها تموت نعم أنها تقدم لك لذة ولكن ماهي لذاتها بالقياس إلى النعيم السماوي)(35) .وهنا يقوم تصور لخلود النفس وبالتالي اثبات الله من خلال التعلم السماوي الذي اقامه الله .
ج – طبيعة العلاقة بين النفس والجسد : في تحديد هذه العلاقة بين النفس والجسد نراه مترددا بين موقف أفلاطون الذي كان اقرب إليه منه أرسطو ، ولو انه قال مرة بما قال به أرسطو من إن النفس صورة الجسم لكن رأيه الخالص ، كان الفصل التام بين الروح والجسد (36) . إلا إن رغم قربه إلى أفلاطون نرى موقفه مترددا بين الاثنين ، وذلك لأغراض شرعية اوجبتها النفس ، ففي الوقت الذي يقول أفلاطون والمانوية إن الإنسان النفس فحسب ، وان الجسم غلاف لها أو سجن ، فانه شيء رديء بذاته وان اتصالها به عقاب على خطيئة فان هذه الأقوال تعني إن الإنسان مركب قسري من جوهريين متنافرين بينما المسيحية تعلم انه كان طبيعيا صورة الله جسما وتنفخ فيه النفس ، وجعل انفصالها بالموت هو العقاب وأعلن انه سيردهم الواحد للأخر بالبعث فانه يستكشف في النفس ميلا طبيعيا آن تحيا في الجسم ،و هي التي تمنحه صورته وحياته . فالنفس هي( الإنسان الباطن ) والجسم هو ( الإنسان الظاهر ) (37) .
والنفس موجودة في الجسم ، بأكمله ولو انه حاول من بعد إن يقول بمراكز للوظائف النفسية المختلفة ، ويقول إن الحركات توجد وسط الدماغ أو الذاكرة في مؤخرتها (38) . وهذا القول في جزئه الأول يتعارض مع أفلاطون عندما يقسم النفس حسب أجزاء الجسم وهو يقترب من أرسطو الذي يرى النفس وحدة ، إلا انه يقول بمراكز الإدراك .
أما الجزء الثاني في إعطائه أماكن للإدراك فانه يتوافق مع قوله : إن النفس واحدة وظائفها ثلاثة : العقل ، والذاكرة ، والإدراك (39) . 3-المعرفة عند اوغسيطن: لقد شكلت المعرفة أصلا فاعلا في فكر اوغسيطين فقد كان ينتهج منهجا يقينيا يقف معارضا للاتجاهات التي ظهرت في الثقافة الهلنستية ، والتي اتخذت الشك طريقا للمعرفة فانتقدت أدواتها وأبطلت إمكانية حصولها ، وقد اعتمد اوغسيطين في يقينه على الافلاطونية المحدثة التي وجد من خلالها طريقا للمعرفة هي الوجود أي المعرفة المباشرة العيانية ، وكان اوغسيطين ازاء ثلاثة خيارات وهي آلاتية :
الخيار الأول : عند أفلاطون وأفلوطين في ما يتعلق بالتذكر وإثره في المعرفة ، ومؤداته انه لما كانت النفس سابقة في وجودها على البدن حصلت على العلوم ، لكن بما إن الكتب المقدسة لم تنص صراحة على ذلك إذ لم تبق فقد خلقت النفس منذ الإنسان الأول ، ولم يقسم الإنسان بأي عمل خيرا كان أم شرا قبل الولادة . إما الخيار الثاني : بما يتعلق بالفكر بوجود أفكار فطرية في النفس كان ممكنا لاوغسيطين قبوله لهذه النظرية ، لأنها لا تعارض الأيمان ، إلا انه يصرح في محاورة ( النظام – Derdine ) بان الذاكرة ملكة حية محضة ، غير مقيدة للحكم الذي يقدم بتأمل الحقائق الخالدة وبرؤيته الله .
كذلك لا تؤدي تحليلاته للذاكرة – في حديث( النفس Soliloquia ) إلى مذهب الأفكار الفطرية . أما الخيار الثالث : فهو الذي يعرضه في محاورة ( المعلم ) والذي يشكل موقفه من نظرية المعرفة الاقلاطونية القائلة بالتذكر ، فيصبح موضوع التذكر ليس هو لماض ، بل الحقائق الأبدية الخارجية على الزمان ، أي التذكر الحاضر ، فالنفس وهي صورة الله تحتوي على الحقائق الأبدية وعندها تتم معرفتنا لها بفضل من الله ، فتحقق مما كان موجودا ضمنا .
وبهذا تكون المعرفة" تذكر" ، يحتفظ اوغسيطين بمعنى ( التذكر ) مستدلا بمعناه الافلاطوني معنى اشراقيا (40) . فتعتمد على الحدس كأداة في الحصول على المعرفة إلا انه أيضا اعتمد على الافلاطونية بما يتعلق بالحس من ناحية أخرى ، وهي المدركات المادية فيما كانت الأولى المدركات المعنوية فيما يتعلق بالناحية الأولى ( المدركات المعنوية نراه يثبت إمكانية الوجدان ( الإشراق ) عبر الحدس الاشراقي أو ذلك عبر تحديد معنى الإشراق ، ثم إثباته ، تلك المعرفة معتمدا على الشعور الذي يبني الزمن ، ويجد فيه اصالته ، ثم إن الشعور يصبح مصدرا لكل لغة ، ولكل فكرة حقيقة آو خاطئة ، فاللغة كما ورد في ( محاورة المعلم ) التي يبين من خلالها إن الدلالات والإشارات هي نفسها مهملة ، ويجب إن تمحي أمام الفحوى ، أو المؤدي ، فهذه الدلالات والإشارات للحاسة (... ) فالفكر يسبق الدلالة ، لان هذه لم تصبح شيئا عبر تحديد الطريقة القائلة بحدس مباشرة بوصفها تجربة حية . وتصبح اللغة ويصبح الله عنده باطنا في كل شيء بعد تحليل مظاهر وجوده الإنسانية ، أي إن حدس الفيلسوف هو في أساسه حدس ديني ورؤيته الفلسفية هي روية إلهية ، وان شئنا قلنا : إن الله نفسه هو الذي يتحدث على لسان الفيلسوف او لما كان الحدس الفلسفي بحاجة إلى صورة ذهنية متوسطة بين الفكر الخالق والواقع المادي ، وجد اوغسيطين هذه الصورة الذهنية المتوسطة في اللغة وبخاصة في الكلمة(41) .
ثم عمل على إثبات الشعور وما يتبعه من حدس إشراقي ، وذلك من خلال اتخاذه منهجا سيرد به على الشكاك باعتماده الشك بوصفه وسيلة للإدراك إمكانية المعرفة ، وبدأ اوغسيطين الشك فقال : إن الناس مختلفون في الحياة والتذكر ، والعلم ، والإرادة ، والحكم أهي تنتسب إلى الهواء أم إلى النار أم إلى الدم ، ولكن هؤلاء جميعا متفقون على أنهم يشكون فهناك إذن حقيقة هي الشك . وهذه الحقيقة تقتضي أيضا حقائق أخرى مرتبطة بها وهي الحياة ، والتذكر ، والعلم ، والحكم ، والإرادة (42) . لان صفات الذي يشك إن يتذكر ، ويعلم ويحكم . وقد استدل من خلال هذاعلى نقطتين : الأولى : إن الشك موجود ، وهو حقيقة لا يداهمها الباطل . والثاني : إن العمليات النفسية المرتبطة بهذا الشك هي كذلك حقائق يقينية . ومعنى هذا إننا قد وصلنا إلى إثبات وجود حقائق يقينية التي منها تستدل إلى وجود ذات تقوم بكل هذه العمليات النفسية (43) .
فكان هذا المنهج يثبت ما تطرقنا له في الفقرات السابقة التي عرضنا فيها للشعور . وعبر هذا الاستدلال يجعل ألذات إزاء مصدرين للمعرفة مصدر حسي هو المدركات المادية ، ومصدر وجداني حدسي إشراقي ، وهو المدركات المعنوية . شكلت المدركات الأولى والمدركات المتعلقة بالعالم الخارجي فيما تعلقت المدركات الثانية المعنوية بالعالم الداخلي ( الشعور ، وهو ما شكل الخيار الثالث الذي يقوم على الحدس الديني ، يقول اوغسيطين : المسيح هو الحقيقة ، وهو المعلم الداخلي يصفه بأنه ، وهو المسيح ، أي قوة الله الدائمة والحكمة الخالدة ترجع إليه كل نفس ناطقة ، لكن لا ينكشف لها إلا بحسب قدرتها وإرادتها الحسنة أو السيئة وخطأ أحداهما ليس خطأ الحقيقة التي يرجع إليها إذ لا يخطىء النور الخارجي بل تخفى أعيننا الحسية ، وهو النور الذي يرشدنا للأشياء المرئية بقدر ما تستطيع التمييز(44) ومن هنا فان دور الفرد هو استقبال المعرفة من الخارج والتمييز بينها من جهة ، ومن جهة ثانية التحكم بالجسد والنفس ، وهي القدرات مما يجعل الفرد يسيطر على أرادته ، فتكون مؤهلة له وللحصول على المعرفة المكتسبة بالحدس والإشراق . والشعور والسعادة ، ( فالنظرية الاشراقية (45) ليست طريقا للمعرفة فحسب بل هي أيضا وسيلة للحصول على السعادة فالمعرفة الحق هي معرفة الحقائق الأبوية من المعلم الداخلي ، وأساس هذه الحقائق وجود الله يكشف عن نفسه من داخل الفرد ويتم لهذا الأخير معرفة به (46) . وكما يقول اوغسيطين : إننا نرى الماديات في ضوء الشمس ، فكذلك خلقت النفس الناطقة بحيث تستطيع إن ترى المعقولات في ضوء اللاجسمي (47) . وانه مرئي لنا أكثر من مصنوعاته المادية ) و( إن الله شمس النفوس ) (48) .
وأول هذه المدركات المعنوية مثل الله والنفس والملائكة يكون بفضل حكم كلي يصدر عنا بفضل إشراق من الله . لقد جعل اوغسيطين من معرفة الذات الغايات المتميزة للشعور وبهذا المعنى ، فانه بوحدة الذات والموضوع المحقق في الشعور ، تستطيع هذه المعرفة إن تكشف لنا شروط الحقيقة (49) . وبذلك فانه قد أقام ثلاثة مفاهيم هي الله والعالم والنفس على أسس عقلية ، وبذلك قدم تبريرا فلسفيا للعقيدة انه تخضع لمحنة الكنيسة . الثاني – التنظير السياسي في مجال دولة الله ( فلسفة التاريخ) : فان اوغسيطين بعد إن أكمل بناء العقيدة على أسس عقلية مقدما لها تبريراً فلسفياً ، يحاول من ناحية أخرى إن يقدم لها تأملا سياسيا يقترب إلى حد بعيد فهي فلسفة التاريخ من خلال ( نظرية العناية الإلهية ) . إذ تشير نظرية العناية الإلهية إلى إن التاريخ مسرحية ألفها الله ويمثلها الإنسان ، أي إن وقائع التاريخ تخضع للمشيئة الإلهية ، ولولا هذا التدخل الإلهي لأصبح التاريخ كومة مضطربة من عصور متراكمة في عبث أو مأساة رهيبة بداية معقولة أو نهاية مقبولة .
وقد اتخذت نظرية الإلهية طابعا مسيحيا بعد قيام المسيحية ، وقد تبلورت لدى اكبر فلاسفة اللاهوت المسيحي أوغسيطين ، حيث كانت الظروف السياسية متهيئة لظهور نظرية تدافع عن المسيحية إذ كانت الإمبراطورية الرومانية على وشك السقوط ، وكانت الفكرة الشائعة وان انحلال الدولة راجع إلى انتشار المسيحية باعتبارها قد أضعفت من ديانة الدولة والهة الرومان فانبرى اوغسيطين يدافع عن المسيحية باعتبارها المثل الأعلى للدولة أو بالا حرى "مدينة الله "على الأرض ، حيث ذهب إن الشر قد دخل العالم بمعصية ادم ، وكما إن في الإنسان نزعتين : نزعة حب ألذات إلى حد الاستهانة بالله ، ونزعة حب الله إلى حد الاستهانة بالذات ، وكذلك في المجتمعات مدينتان المدينة الأرضية أو مدينة الشيطان ، والمدينة السماوية أو مدينة الله ، تعمل الأولى على شر الظالم ونصرته وتجاهد الثانية في سبيل العدالة ، ولقد كانت مدينة الله مختلطة بمدينة الشيطان حتى ظهور نبي الله إبراهيم ثم تميزت المدينة السماوية فأصبحت في بني إسرائيل ، والمدينة الأرضية في سائر الحضارات التي بلغت ذروتها عند الحضارة الرومانية ، ولكنها مع انفصالهما وتباينهما كانا يتقدمان معا ويمهدان لظهور السيد المسيح الذي مـّهد بني إسرائيل له روحيا، ومهدت الحضارات القديمة له سياسيا وفقا لتدبير من العناية الإلهية ، ولقد انتهى التمايز بظهور المسيح ، ومن ثم يجب إن تتم الوحدة بين الجانب الروحي ممثلا في الكنيسة والجانب السياسي ممثلا في الدولة . ولما كانت الأخيرة تسعى إلى الخبرات المادية الدينوية بينما تجعلها الكنيسة وسيلة لغاية روحية أسمى فانه يجب إن تخضع الدولة للكنيسة. وقد أكد اوغسيطين إن تكون الدولة دينية بل تسيطر الكنيسة على الدولة من اجل تحقيق السعادتين : سعادة الدنيا وسعادة الآخرة تشرف الكنيسة على الدولة حتى توجهها إلى الحياة الآخرة وتمكن الدولة الكنيسة من تحقيق أغراضها .
وقد رفض التعاقب الدوري مؤكدا فردية الواقعة التاريخية ومن ثم استحالة تكرارها ، إن صلب المسيح من اجل البشر كي يفدي خطاياهم حادثة فردية لا تتكرر (50) . وقد استوحى من مذهب القديس اغسيطين السياسي ، وهو المذهب الذي كان يطمح ببناء مدينة الله على الأرض ، كان يطمح لبناء نظام سياسي لا يأخذ بعين الاعتبار متطلبات هذه الحياة الدنيا ، بل تحقيق المجد الأعظم للعلي القدير على الأرض . وهكذا يبدو من جديد إن المقدس والسياسي كانا في وضعية اندماج ، ولن يكون للكنيسة سبب كي تقوم منعزلة في العالم .
ولقد كانت الكنيسة في ظل الحبر انوسوت الثالث Innocen III الذي يعبر في القرن الثالث عشر عن ذروة المطمح الثيوقراطي قد عززت الكنيسة إستراتيجيتها الثيوقراطية ( ليس علي نفي مدى السياسي ، بل علي تأكيد حقها في ملاحظة الأمير في ميدانه الخاص ، في الوقت الذي يرتكب فيه المعاصي . هذه الأهلية تعود إلى صفة " الحبر الأعظم" التي يدعيها البابا كما تعود الى تفوق الروحي على الزمني ) (51) . إن الملاحظ إن هذا التنظير السياسي منح الكنيسة سلطة متعالية روحيا على كل ماهو دينوي زماني ، من خلال ثنائية مقدس ( روحي ) مدرس مادي ، أو الكنسي والسياسي وهي أيضا تعود إلى مرحلة من اكتمال التنظير السياسي لسلطة الكنيسة التي استبعدت تلك التصورات الألفية* ( لكن الكنيسة قبلت ( بالتاريخ ) ولم تعد نهاية العالم هي الحدث الأكبر الذي كان عليها انتظاره في عهود الاضطهاد العالم ، هذا العالم بكل خطاياه ومظالمه وهمجيته ، سوف يستمر والله وحده هو الذي يعلم متى ينتهي ، وكان هناك شيء أكيد واحد هو إن هذه النهاية لن تحصل غدا بانتظار الكنيسة تحقق ملكوت السماء على الأرض ، وبمعنى ما تحقق دمار العالم القديم .. ولعلنا نستطيع إن نتبين في رفض الكنيسة رسميا لعقيدة أو ظهور لعقيدة التقدم . كانت الكنيسة قد قبلت بالعالم على ما كان . عليه ، وهي تسعى إلى جعل الوجود البشري اقل شقاء مما كان عليه في إثناء ألازمات التاريخية الكبرى (52) .
أما القديس توما الاكويني:- فهو فيلسوف له شأن كبير في تناول قضايا لاهوتية وفلسفية وقد مهدنا الى ذلك وهنا نحاول أن نعرض إلى الأتي : اولا التنظير الميتافيزيقي : حيث كان قد مهد إلى دخول المنطق البرهاني الارسطي بحيث يتجاوز الافلاطونية المحدثة التي كانت قد تركت تأثيرا في الاتجاهات المسيحية كالاوغسيطين والرشدين وقد حاول القديس توما ان يقدم معالجة كانت تمهيدا إلى ظهور المنهج العقلي وجاء هذا في المجالات آلاتية :
لقد شغل الوجود اهتمام الفلاسفة المسيحيين الذين اهتموا بمعالجة قضاياهم العقائدية التي اهتمت بالفكر اليوناني الإسلامي بحثا عن مرجعيات واليات فكرية ممكن أن يعتمدوها في معالجة تلك القضايا ومنها مسالة ( الوجود والماهية ) في هذه المسالة كانت هناك مرجعيات اعتمدها القديس توما تعود الى بويس Boece في القرن السادس ومحاولا لأول مرة تقريبا شرح أرسطو ، ثانيا ظهور اريجين Erigene في القرن السادس وتركيزه على الأفكار وترتيبها وان كانت مخلوقة . ثالثا – الترجمة لأعمال المسلمين (53) .حيث أشاد القديس توما صرحا عقليا تسكن الأشياء منه الأدوار الأولى لأنها جواهر مركبة من مادة وصورة ، والملائكة والنفوس في الأدوار الثانية ، لأنها جواهر روحية بسيطة ما زالت لم تلوثها المادة وان كانت فيها نوع روحي والقوة التي تصير إلى فعل . فالملاحظ هنا انه يقدم توصيفا تسوده التراتيبية والتنسيق من الأدنى إلى الأعلى وهذا ما تناوله في الفصل الثاني من كتابه ( الوجود والماهية ) (54) . اذ تناول في هذا الفصل الوجود بعد إن حدد الدلالة العامة للفظ الوجود – والماهية ، فالوجود ينقسم على الأجناس العشرة مستبعدا الوجود الذي يعني بصدق القضايا ، إما الفصل الثاني فانه يتناول الماهية في الجواهر البسيطة ( الله ) والمركب ويستبعد الابتداء بالبسطة ، ويعلل ذلك بالقول ( لما كانت ماهيات هذه الجواهر البسيطة ) ، اخص علينا ينبغي إذن إن نبدأ بماهيات الجواهر المركبة حتى يتيسر لنا الدراسة إذ بدأنا بالأسهل (55) .
لقد انطلق القديس متابعا أرسطو ومختلفا مع الافلاطونية المحدثة واغسطين ايضا فانه ( يرى إن الوجود إنما يكمن في الجزئيات وحدها ومن هنا يستدل على وجود الله . إلا إن موقف توما الاكويني مع أخذه بنظرية موحدة إلى الوجود يؤدي إلى ثنائية في ميدان المعرفة ) (56) ، وقد اخذ هذا من ابن سينا الذي يقول بالمادة المشخصة انه ( ليس هو المادة ذات الابعاد المحددة ) (57) .. فيقول ( إن ماهية الإنسان وماهية سقراط لا تختلفان إلا كما في المادة المعينة ) وعلى أساسها يقدم تصنيف لمراتب الوجود بنسبة للموجودات المختلفة ( إن النفس لا تتشخص إلا في البدن الذي هو فعلها ) (58) .
إما تحديده لمعنى الجنس والعقل فيقول:( ..0 يختلف معنى الجنس والفصل حسب استعماله في الجواهر أو الجواهر المحسوسة ففي الجواهر المحسوسة يؤخذ الجنس مما هو مادي من الشيء ويؤخذ الفصل مما هو صوري فيه ) . ويأخذ بتصورات ابن سينا ( توجد الماهية في الجو اهر المركبة من مادة وصورة حيث يكون الموجود منها ثم إن القديس توما الاكويني يؤكد الاختلاف بين الجواهر المركبة والجواهر البسيطة و من ذلك فرقان هما :
الأول – هو أن ماهية الجواهر المركبة يمكن إن تكون كل ألاجزاء بسبب تعيين المادة ، ولذا لا تضاف ماهية المركب إلى المركب على أي نحو كان ، فلا تدل إلا على الكل من حيث انه لا يوجد هنا موضوع مغاير للصورة يمكن إن تقبلها إليها . الثاني – ماهية الله ( الجوهر البسيط ) إن تحديد ماهية الله يعتمد على تمييز الله من سائر الموجودات ، وهذا ما يدل عليه بالصفات السلبية التي تقول ما ليس هو غير ( تنزهة عما لا يليق به بوصفه العلة الأولى فتؤدي بنا إلى انه تعالى بسيط كل البساطة ) (59) . إما المسالة الثانية التي يدافع فيها القديس توما عن الكنيسة غير التنظير الميتافيزيقي أي العلاقة بين الله والعالم ، وهذه الأشياء تجعلنا نعمل على مصير نشاطها في النقاط آلاتية :
أولا- الوجود والضرورة: الله الذي يقع فيما وراء الأشياء المحسوسة كلها ، والذي يؤكد وراء جميع التحديات بوصفه فعلي الوجود المطلق في حالة تحقيق فعلي خالص . إن فكرتنا عن الله وهي مماثلة ضعيفة لواقع حقيقي يعلو ويقبض عليها من جميع الجوانب ويغدو الله هو السبب الكافي لجميع الأشياء أو قد وصفه بعضهم بوصفه موجودا كاملا فيما وصفه أخر موجودا لا متناهيا (60) وقد نظرت التصورات الفلسفية المسيحية مؤكدة على توحد ألذات عبر وحدة الوجود والماهية وصولا إلى الدليل الوجودي الذي يقوم بوصفه اللغة الوحيدة التي يمكن تصورها لوجود فكرة الله في النفس البشرية (61) .
ثانيا – الموجودات وحدوثها : بعد الحديث عن الوجود الكامل وعلة ذاته التي ستصف بالكمال والشمول حتى يغدو كل شيء سواه هابطا الى عالم الظاهر الحقيقي مقابل الحق الإلهي ( الله هو الوجود الحقيقي الذي لا يتغير ) (62) . وهو عالم واجب الوجود ، بالمقابل هناك العالم الممكن ( كل شيء باستثناء الله يمكن إلا يوجد وكل ما عدا الله لابد أن يستمد وجوده بالضرورة من الله (63) ، وطبيعة العلاقة القائمة بين الكمال والممكن ( أو لاالله والعالم ) هي :
1- فكرة العلية : وهذه الفكرة هي تشكل علاقة بين الوجود الضروري ( الله ) والوجود الممكن المخلوق ( فالقول إن هناك علة يستلزم وجود شيئين اثنين حيث ينتقل شيء ما من وجود العلة إلى معلولها (64) . 2- فكرة المماثلة : يرى توما الاكويني العلة انتقال جزء من (أ) إلى (ب) فان ذلك يعني إن المعلول لابد أن يكون مماثلا للعلة (ا) وهو نمط جديد من العلاقة ( وهو احد براهين أفلاطون من مثل فالموجودات ليست لها صفات بالذات ولكنها حاصلة عليها بالمشاركة فما هو بالذات مثال الجمال في المأدبة ، ومثل الخير في الجمهورية (65) 3- فكرة الغائية : هذه الفكرة دفعت الفكر إلى طرح الكثير من الأسئلة تتخذ الغاية من الخلق هدفا لها فإذا كانت الغائية استبعدت في النظرية العلمية إلا أنها ستبقى أساسا في الفلسفات الدينية التي تبحث عن القصد الكامن وراء الخلق لان هذا مرتبط بتصورات كثيرة ما ورائية في البحث في العقل والأيمان قد حدد القديس توما الاكويني العلاقة بين الفرعين الأيمان والعقل والحدود الفاصلة بينهما أو ثمة حقائق فلسفية مباحة للعقل البشري وحقائق إيمانية تجاوز قدرته حيث يقول ( لايمكن للعقل البشري إن يبلغ بملكته الفطرية إلى إدراك جوهر الله بذاته لان معرفة عقلنا تبدأ بمقتضى نمط الحياة الحاضرة ولهذا فان ما لا يقع تحت الحواس لا يمكن أن يدرك من قبل العقل البشري ، إلا إذا أجرى استنباطه يرى منها كنه الجوهر الإلهي ، لأنها لا تعدو إن تكون معلولات لا تضاهي شرف العلة (66) ، وهذا في مجال التنظير للقضايا اللاهوتية باعتماد البرهان الارسطي . 2
- ثانيا التنظير السياسي : لقد كان للقديس توما موقف من السياسة وهو بهذا يعود أيضا إلى أرسطو ويحاول أن يقارب بين أفكاره ومنهجه ألبرهاني . لقد كانت هناك فكرة سابقة لفكرة القديس توما كانت تلك الفكرة تقوم على تحديد مسافة سلطة الملكية وحتى يتم تجاوز حظر الظلم فهناك إذن ( اتفاقية مشروطة ) بين الأمير والشعب ، ولا يجدر بالأمير أن يأمر ، إلا بالنظر هذه المرجعية التوافقية . وظهور هذه المرجعية التوافقية . إبان ذروة النزاع بين الكنيسة والإمبراطورية . كنتائج لاستراتيجية الكنيسة الساعية إلى تقليص مصادر السلطة الزمنية . ولقد توافق تدخل الشعب في الخصومة بين البابا والإمبراطور مع الجهود التي بذلها البابا لدفع الإمبراطور إلى الاتكاء ضمن ميدانه وحصره به : لا يستطيع ان يفعل الأمير الزمني ما يحلو له ، لا لأنه غير معفي في القانون – بل لأنه مرتبط بعقد مع شعبه وكان البابا يحتفظ بحق التدخل في حالة لم يحترم العقد . وهكذا ظهرت فكرة العقد وفكرة دفعة القانون وفكرة التمثيل وجاء توما الاكويني في القرن الثاني عشر كي يكرس هذه الاستقلالية للسياسي .
فالقراءة الارسطية للمسيحية التي تدين بها للقديس توما الاكويني تتجاوز كثيرا الإطار المطلوب : أنها تحكم كامل الرؤية عن مدينة الله التي كانت القرون الوسطي تحتفظ بها . لقد عاش في عصر حيث كان البناء الدولاتي شغل السياسة الشاغل وهو قد لعب دورا سياسيا أكثر منه دينيا . وكان تعاطف هذا اللاهوتي مع الحزب الجيليلني Gibelin ، حزب أنصار الإمبراطور، معروفا ، وكان دوره كمستشار في البلاط ملحوظا ، وبخاصة في عهد ( سان لويس ) وكانت وظيفته كمنظر للكنيسة أساسية67 .
أن من الملاحظ هنا أن التأكيد الذي نلمسه عند اوغسيطين من فصل السلف بين القديس الروحي والدينوي السياسي ، لكن من خلال قيادة الروسي القديس الكنسي لدولة السياسة ، فان هذه النظرية بحسب ما عرضا قد تمت حتى ظهرت فكرة الثقافة وظهور البابا والكنيسة باعتبار الرقيب الديني على سير سلطة الدولة وخضوعها للقانون . أما مع القديس توما الاكويني فهو يمضي في التنظير السياسي ويقر هذه الثنائية إلا انه يعطي فرصة اكبر للسياسي ولهذا دافعان : الأول – تأثره بالاتجاه العقلي ألبرهاني الذي كان لارسطو اثر كبير فيه والموقف السياسي للقديس فهو بالإضافة إلى انتسابه إلى الكنيسة فهو ذو صلة أيضا بالسلطة التي يمثلها السياسي بحسب ما سبق عرضه .
ولان الانتماء إلى المدينة لا يكون ممكنا إلا إذا كان مختلفا عن الانتماء إلى الكنيسة ، فان اللاهوتي الاكويني لا يتصور ثنائية الزمني والروحاني شقاءا أو لحظة من لحظات مقامرة البشرية ، على غرار تصور المسيحية المعدلة ، لكنه يتصوره كنظام شاءه الله ، وعلى الإنسان إن يفكر ويتصرف وفق هذا النظام . وهكذا إذا تبقى استقلالية السياسي مطروحة دوما ، بدليل إن فيلاي Villey) لم يتردد في أن يرى بذور فكرة العلمانية في البناء الذي شيده القديس توما الاكويني(68
إن السياسي لدى القديس توما محكوما بما يصنع هويته ، ولان السياسي متباين في المدى الديني ، فهو يرتبط بالعلل الثانوية وبتفويض الله ، ولأنه متطابق مع نظام وتخطيط اللاهين فهو لا ينظم من الله ، بل يخضع لقوانين الطبيعة التي تتحصل بواسطة العقل . إذن لا يرد ميدان الإنسانية إلى العمل الشرعي للسلطة السياسية إلا إذا ظلمت هذه الأخيرة ( مينية للقانون الطبيعي والعقلي فقد أكد القديس توما : ( كي يكون لإرادة ما ننظم قيمة القانون ، يبنغي إن تكون خاضعة لتنظيم العقل (... ) ، خلاف ذلك تصبح إرادة الأمير جورا أكثر منها قانونا ) (69.
وان البعد العلماني هناك فكرة دولة الحق ، ومبدأ الشرعية وكل مقامرة الحق الطبيعي ، التي ترتسم في إعمال توما الاكويني ، وهذه الأفكار سوف يكون لها تأثير فيما بعد على سمات البناء الدولاني الذري ، الأولى المرجعية التوافقية التي هيأت فكرة الدولة التي تستمد مصدرها عن الشرعية الشعبية والمرجعية .
الثاني : المرجعية المستندة إلى الحق الطبيعي التي ترسم دولة لا يمكن أن تلجأ إلى الإكراه إلا إذا وضعت الحق الطبيعي أي احتماليا فوق سيادة الشعب . وقد ظهر هذا عبر الصراع بين الثقافة الديمقراطية المتمثل في المرجعية الأولى والثقافة التشريعية المتمثل بالمرجعية الثانية . وقد كانت أفكار توما السياسية لها ما يعارضها من الاتجاه الفرنسيكاني ، لدى دانس سكوت Dunsscot وغليوم دوكام يعود بالدرجة الأولى الى التخلي عن فكرة النظام الطبيعي لصالح لطرحة القدر الكلية قدرة الله : بان كل شيء يتأتى من الله لكنه وباسم هذا المبدأ يسقط فكرة النظام البشري القائم مسبقا ويستبدلها بفكرة القراءة التجريبية التي لا تحتفظ من هذا النظام إلا بالوجود العيني لإفراد مخصوصين ، فالسلطة هي قضية علاقة بين فاعلين خصوصية(70.
المبحث الثالث في أنماط الاتصال بين الإسلام والغرب المسيحي لابد من التساؤل عن الكيفية التي حدث بها الاتصال بين المسيحية والإسلام عبر المدينة اذ تشكلت فعاليات سلطة الإسلام والقواعد التي قامت عليها العلاقات بين الإسلام واليهودية ومع الهجرة الى المدينة تحققت للإسلام دعامة اجتماعية وسياسية منذ (622م) اذ أصبحت الأمة مجتمعاً تاريخياً مزوداً بدولة، ومؤسسات وله أهداف سياسية وعسكرية واقتصادية (اتجه الخطاب القرآني في الأعم الأغلب الى شؤون الدنيا الى تأسيس المدينة الإسلامية وتنظيمها والى التشريع للفرد والمجتمع في العبادات والمعاملات معاً)(1)(وبذلك تشكلت السلطة الإسلامية بفعل ظروف داخلية واخرى خارجية ساهمت في الثقافة العربية الإسلامية في ظل السيادة العليا للقران ظهر هذا المجتمع وشكله القانوني في وثيقة المدينة التي جسدت الدستور السياسي الذي يحدد العلاقة داخل المدينة ويقرر السلطة الإسلامية اذ يحدد العلاقة بين المؤمنين (مهاجرين وانصار والعلاقة بأهل الكتاب من اليهود الذين يعيشون في ظل الإسلام وقد خضع اليهود لهذه السلطة عندما اتفقوا مع الرسول (ص) على جملة امور وردت في الوثيقة وبذلك يكونون اقروا الخضوع للسلطة الجديدة، وقد دخل الرسول في حوار مع المسيحيين في نجران. وقد اتخذ الإسلام بعدين: الأول يقوم على محاربة الشرك بوصفه خطاب اللا عقل مقابل خطاب العقل القائم على التوحيد اما البعد الثاني: فيقوم على نقد وتقويم لتاريخ النجاة اليهودي والمسيحي هذا من الجهة الإسلامية اما من الجهة الاخرى اي المسيحية واليهودية وكيف تشكلت صورة الإسلام في المخيال المسيحي(2) وبالتالي كيف تشكلت تلك الصورة القروسيطة المسيحية عن الإسلام اي كيف تمثل العالم المسيحي صورة الإسلام وكيف اورثها الاستشراق(3). اي هناك اختلاف بين الإسلام كما هو مبين صورة في المخيال المسيحي واليهودي، وقد اتخذت تلك الصورة للإسلام في المخيال المسيحي موقفاً مسيحياً اتجاه الإسلام بوصفه الآخر الخارج عن نظامه وقد اتخذ منه موقفاً معادياً في اغلبه، وهو وليد ذلك المخيال الذي عكس طريقة إدراكهم للصور ومحاكمتهم للاشياء ثم في تصرفاتهم وسلوكهم(4). وقد وقف اليهود من قبل من الإسلام موقفاً متمثلاً بشعورهم بالازدراء يغذيه إحساس بالتفوق الديني تجاه كل ما يمكن ان يظهر بوصفه تلفيقاً للتقليد التوراتي، الا ان هذا التفوق كان يستند ايضاً على ارث كتابي عتيق وعلى غرور قومي وثقافي. ان ما رفضه اليهود في دعوة يسوع ذلك الشخص المتطور داخل اليهودية يرفضونه كذلك في محمد (ص) ذلك العنصر الغريب والخارجي. واذا كان مسيحيو نجران اكثر تحفظاً واقل عدائية فذلك دون شك بسبب بعدهم عن صراع والنفوذ الذي يجتاح المدينة. هذا بالإضافة الى كونهم عرباً. وهذا نوع من التعاطف القاعدي للقران مع المسيحية، خال من النقد الذي كان موجهاً نحو العنصر اليهودي في المدينة والذي وضع نفسه رقيباً ونموذجاً الا ان تقلص اليهودية في المدينة جعل من المسيحيين موضوع اهتمام الفاتحين العرب. لقد قيل ان مسيحية الشرق القائلة بالطبيعة الواحدة للمسيح قد عجلت بقبول السيطرة السياسية للفاتح العربي لأنها كانت تأمل منه تسامحاً كبيراً. حتى اصبح الشرق المسيحي المتقدم اكثر من الغرب، يعيش تحت وصاية دولة متسامحة. ولان المسيحية الشرقية قد فقدت التعبير والقوة السياسية بان تطور موقفها تجاه الإسلام يفقد كل اهمية، وبمقدار ما تتقدم في الزمن فتماهى المسيحية السياسية مع الغرب الأوربي لتبلغ القرون الوسطى الأسس الانفعالية لتمثله الإسلام(5). ذلك التمثل المجبول اساساً بالعداوة. ولكن خلال العصور الوسطى الاولى لم يستطع الغرب المحصور في آفاق ضيقة ان يفرز رؤية متجانسة ومتحققة بوصفها غاية عن الإسلام حيث ان التقليد الكاروليجي لم يعرف هذه المفاهيم لكن الامور اخذت منحى اخر عندما اكتمل قوام الثقافة القروسطية، وعندما قذفت أوربا بنفسها نحو الخارج بفعل الحروب الصليبية(6) لكن كانت هناك قنوات اتصال نمت وتوسعت بين الطرفين ، كثيرون من عوام المسلمين يظنون ان العالم الإسلامي في عصوره الزاهرة كان مقفلاً في وجه العالم المسيحي، كما ان كثيراً من المسيحيين يعتقدون ان العالم المسيحي كان في عزلة تامة عن العالم الإسلامي وانه لا يدين له بأي شي، ولم يتأثر به في قليل ولا كثير وقد ظهر هذا لدى المؤرخين والمفكرين الذين تأثروا بالنزعة الأوروبية خصوصاً في القرن التاسع عشر حتى انهم اوغلوا في هذا الامر بوصفه جزءاً من الإرث الصليبي من هذا الأثر الفلسفي الذي هناك الكثير من يعمل على تجاهله او تحجيم دور المسلمين في تحقيق إضافة في هذا النطاق والواقع ان العالمين (الإسلامي والمسيحي) كانا على اتصال بين الثقافتين كانت متعددة متنوعة بفضل روح التسامح التي جاء بها الإسلام وقبوله للتعايش مع مختلف السلالات والثقافات الأوليات في المناطق الإسلامية شرقاً وغرباً(7) ويمكن ان تصف القنوات التي شهدت الاتصال بالآتي: 1- القنوات الاجتماعية: مثل المساكنة والمثاقفة قنوات المصاهرة وقنوات السياحة وقنوات السفارة وقنوات الحج الى الأماكن المقدسة وقنوات التجارة والملاحة، وقنوات الجوار، وقنوات القراصنة والآسر والرق وقنوات الحرب. 2- القنوات الثقافية: وهي قنوات الاستغراب والتفاهم باللغة نفسها وقنوات التلقي وقنوات الترجمة. لقد ساهمت تلك القنوات في الاتصال وتبادل الخبرات فلقد كان لهذه القنوات مجال واثر فاعل في التأثير والتأثر بين الثقافتين وخصوصاً اثر الإسلام في الغرب فقد كان للحرب وخصوصاً في اسبانيا وما يتبعها من انتقال المدن من المسلمين الى ايدي الأسبان فان هذا الامر يعني بقاء المسلمين تحت يد هؤلاء وهم الذين عرفوا (المدجنينMudejares) وكان لهؤلاء اثر في نقل الصناعة والحرف والفنون والثقافة من ثقافة مزدهرة الى اخرى تعاني التخلف ومن بين هذه المدن (طليطلهToledo-) التي استعادها الأسبان كان لها دور مهم فيما بعد(8) وكان ايضاً للمجاورة وما يتبعها من علاقات كالزواج المختلط الذي كان شائعاً بين المسلمين والمسيحيين داخل الأندلس(9). وقد كان لكل هذا اثر عميق في الغرب منها: أسباب التشكل: تغيرت بنية الثقافة المسيحية عما كنا قد عرضنا له في الفصل الأول من تكوين الفكر المسيحي عرضنا لمرجعيات ذلك الفكر والاشكالات الاجتماعية والسياسية التي تبلورت داخلها الثقافة المسيحية وظهرت داخلها سلطة الكنيسة. وقد ظهرت تغيرات واضحة ومهمة في القرن الثاني عشر والثالث عشر ولعل ابرز دليل على هذه التغيرات البنيوية هو انتقال الثقافة من بنية الخطاب الديني الى بنية الخطاب الذي ادخله كل ما استطاع من الموروث اليوناني والإسلامي ولذلك عرفت القرن الثاني عشر من خلال النمو الحضاري والمدني والثقافي، وما صاحب ذلك من ظهور طبقات جديدة ساهمت في خلق تغيرات اجتماعية وثقافية مهمة وما صاحب ذلك من تغيرات (اجتماعية –ثقافية) وعوامل (جيو سياسية) تعرض لها الغرب وساهمت في بلورة شخصيته ونعني هنا ان الأسباب تعود لما واجهه الغرب من تغيرات بفعل عوامل داخلية واخرى خارجية. اولاً/ الأسباب الداخلية: يعود هذا السبب الى داخل الثقافة ذاتها من التراكمات الاجتماعية والثقافية التي كان المجتمع قد أنتجها خلال تلك الانشقاقات السياسية التي واجهها المجتمع المسيحي والذي ساهم في بلورتها بوصفها اتجاهات فكرية كرد فعل للصراعات السياسية حتى تجذرت في الاخر بنية ثقافية تقوم على مرجعيات معرفية وهذا ما يخبرنا به (ادوارد جونو) عندما يصف ذلك القرن (الثاني عشر) بقوله:(اذا كان المؤرخون مختلفين حول الاعتراف لعصر شارلمان بلقب عصر النهضة فكلهم تقريباً مجمعون على وجود نهضة في القرن الثاني عشر، ويرى الاب شينو (Chenu ) ان السنة 1100 هي (عقدة) في المنحى العظيم الذي تكونه ((إعادة الاستيلاء على رأسمال الحضارة القديمة)) ففي تلك السنة تحركت أشياء كثيرة كانت ان تبدو حتى ذلك الحين جامدة: انهزام الإقطاعية الكبرى امام الملكيات الفنية، ولادة مدن، تحرر الطبقات الريفية، الحروب الصليبية،…الخ وبذلك الوقت رأت النور اهتمامات ثقافية جديدة فقد اريد للغة اللاتينية ان تستعيد باسها ونقاءها وبرز الاهتمام بالحقوق الرومانية وبالعلوم الطبية، وازدهرت المدارس الدينية، وباختصار قام نشاط فكري كبير، فوضوي قليلاً ربما، ولكنه غنى بالبشائر(10) ويصفه اميل برهييه بقوله: ( انه قرن عرف فيه الفكر تقدماً حثيثاً ومتنوعاً صاخباً وملتبساً ايضاً: فمن جهة اولى حاجة ماسة الى المذهبية والوحدة تولدت عنها تلك الضروب من الموسوعات اللاهويته التي عرفت باسم (الإحكام) ومن الجهة الثانية فضول عقلي كبير ترجم عن نفسه في بعض الأوساط يعوده الى النزعة الآنسة القديمة وبالتفات جديد الى علوم المجموعة الرباعية. ولنضف ان تراث العصور القديمة راح يتكشف رويداً رويداً عبر ترجمات لمؤلفات كتاب كانوا لا يزالون مجهولين الى ذلك الحين، وان المكتبات اغتنت)(11). ان هذه التغيرات جاءت انعكاساً للصراع بين سلطة الكنيسة وحلفائها من الإقطاعيين والدول وحلفائها من الطبقة الجديدة (البرجوازية) والتجار ساهمت في ظهور تلك الحركات الهرطقية التي حاربتها الكنيسة واقامت رداً على ذلك محاكم التفتيش ورهبانيات الصدقة وقرارات التحريم وغيرها حتى تحافظ على رهبتها وبقائها كان كل ذلك له تأثير على الثقافة، التي اثرت في القرن الثالث عشر(فهو العصر العضوي الأمثل الذي حقق الوحدة الروحية او الكاثوليكية ألحقه صوب هذا القرن اتجهت أحلام جميع اولئك الذين يعتقدون ان السلم الاجتماعي مستحيل اذا لم يقم على اساس ايمان مشترك يوجه الفكر والعمل ويلحق به الفلسفة والفن والأخلاق وربما كان حقيقة انه لم يمر عصر توطدت فيه اطر الحياة الروحية وتوضحت كالقرن الثالث عشر. كانت الظروف عهدئذ مناسبة للغاية، فقد كانت نهضة المدن القومية والتجارة تيسر تبادل الافكار وجامعة باريس التي لعبت دورا مهما في عهد "فيلب اوغست"، لقد أثمرت تلك الأوضاع (الجيوسياسية) في خلق بنية ثقافية هي وليدة تلك الظروف وجاءت استجابة لها وبالتالي جاءت فيها إضافة وتجديد على مستوى المرجعيات اليونانية وهنا نكتشف دور التراث الإسلامي. ولقد جاءت الظروف السياسية والاقتصادية مواتية اذ ساهمت في بناء العقل الغربي المسيحي، وقد ظهر هذا من خلال تلك الحوادث والجدل بين الفرسكانين والدومنيكان والرشديين اللاتين في صراعهم الفكري الذي استمد جذوره من الظروف السياسية والعقائدية. ثانياً/ السبب الخارجي:- هذا السبب الذي يأتي من الخارج ويحدث تاثيراً في الداخل، وهذا يعود اساساً الى الوضع (جيوسياسي) الذي ظهر في الغرب المسيحي، وكيف رفع شعارات دينية كان يرغب في تحقيقها كان لهذا الامر كبير التأثير، وبالاضافة الى جوانب اخرى للاتصال سبق شرحها ساهمت في تشكيل اثر إسلامي في الغرب. لكن الغرب اتخذ من الإسلام موقفين متباينين كان لهما اثر كبير في تشكيل اثر عميق في البنية الثقافية المسيحية الغربية، وقد اتخذ هذا التعامل موقفين: الاول/ وهو الموقف الرافض الذي قدم تصوراً خاصاً عن الإسلام وهو وليد فضاء معادٍ، وقد اتخذ الغرب الوظيفتين التاليتين ازاء هذا: الوظيفة الدينية:- تمثلت بالدفاع عن الله تجريبياً، اي انها غذت الصراع مع الإسلام بشكل تعبوي ديني وذلك من خلال اسباغ الشرعية على نفسها بوصفها تمثل المعنى الصحيح وتسقط الخصم في الضلال اي انها دخلت في (رهانات المعنى) من خلال اسباغ الشرعية على نفسها بوصفها تمثل الدين القويم واسقاط الإسلام في الضلالة. الوظيفة العقائدية (النظرية):- وهي التي استلهمت الصراع مع الإسلام في تشكيل وعي مسيحي ازاء العالم الإسلامي، وقد اتخذ كل من الوظيفتين الرؤيتين الأولى تغذت من الحروب الصليبية فيما الثانية تغذت من العالم المدرسي الذي تغذى من المواجهة المسيحية في اسبانيا، الوظيفة الأولى وما تعتمده من رؤية تشكلت داخل الصدام المسلح بين المسيحية والإسلام، وهذه الرؤية الشعبية هي المادة التي استثمرتها الكنيسة في بناء يوتوبيا تداعب فيها عواطف الريفيين والغاية كانت دينية سياسية تعبر عنها سياسة الكنيسة القائمة على إنشاء مخيال مسيحي يصور الإسلام بشكل شعبي وقائمة على شعار انقاذ قبر المسيح من المسلمين، وكانت تلك احدى رسائل الوظيفة الدينية في الدفاع عن الله على المستوى الشعبي، لقد اتخذت هذه الوسائل الآتية: 1- لقد كانت الافكار التي تدور حول نهاية العالم بعد الالف من معاناة المسيح والافكار التي تتعلق بالعالم الاخر احد ينابيع الفكرة الصليبية مضافاً اليها الظواهر الطبيعية، وما صاحبها من تقلبات ومجاعة وامراض كانت تتغذى بواسطة الرؤية الشعبية والدينية الى قوى غيبية من ناحية ويتم ربطها باقتراب نهاية العالم والأفكار الألفية والأخروية من جهة اخرى. ولقد كان الناس الذين سيطرت على وجدانهم تلك الأفكار لضمان الخلاص، وقد تحولت مشاعرهم هذه الى التأكيد على ضرورة الرحلة الى بيت المقدس. 2- لقد كانت الحوليات والمؤرخات اللاتينية التي ساهم كتابها أنفسهم في صياغة الايديولوجية الصليبية الاولى ونجاحها، وهو ما يعني انهم كانوا يتوخون ان يصوغوا نموذجاً مثالياً يكون عامل جذب دائم في حالة الدعوة الى حملة صليبية. 3- ثم شكلت فكرة الحج وفكرة المكافأة التي ينالها الصليبي من ناحية اخرى. وقد تطورت فكرة المكافآت في مفهوم الغفران الصليبي الذي تطور ليصل الى صكوك الغفران(12) وقد تم تشكيل مخيال عاطفي يؤكد على صور نمطية تم اختزالها وقد وظفت تلك الابعاد في الرؤية الشعبية لغرض التعبئة الدينية اذ تتحقق فيه اكتمال الازمنة عبر اجتماع الامم حول المدينة المقدسة الام مركز العالم. (وتغدو هذه الصور وكأنها حارسة للذاكرة من تحولات الزمن، الامر الذي يجعلها متموجة ولكنها حاضرة باستمرار)(13) الثاني/اما الرؤية العالمية المدرسية: وهي الرؤية العالمة القائمة في المركز الفكري والثقافي لا الرؤية الشعبية، ومن الملاحظ ان الرؤية العالمة قد جاءت داخل الوظيفتين سواء الدينية ام العقائدية والفكرية) القائمة على تحقيق تماسك عقلي للمقولات النظرية وضبط صحتها، ولهذا (فالتأمل الميتافيزيقي) يبحث عن عقلنة العقائد(14). وهنا يجب التميز بين الخلاف الموجه ضد الإسلام وتأثير الفلسفة الإسلامية على المدرسيين عنصراً اساسياً في تاريخ الفكر. ولكن هذا الاعتراف من جهة، يقابله من جهة ثانية الرفض بوصفه ديناً واخلاقاً، هذا مع العلم انه في كل الحالات مأخوذ بعين الاعتبار، وهكذا يفصل الغرب اسهام الفكر العربي الإسلامي من حكمه على قيمة الإسلام، وعلى هذا فهناك رؤية فكرية تهيأت في القرن الثاني عشر، ثم توسعت في القرنين الثالث عشر والرابع عشر، لتمتد حتى العصر الاستعماري دونما تغيير في أسسها المكونة، وهذه الرؤية تنطلق من عداء للنبي(15) ولقد شكل هذا الموقف تحولاً في التعامل مع الإسلام اذ يقول (بطرس الجليل) رئيس ديركلوني الذي قام بجولة على الحدود الفرنسية مع الأندلس فتعرض الى الإسلام والمسلمين فقال:((يجب ان نقاوم الإسلام لا في ساحة الحرب بل في الساحة الثقافة)) فتشكل لهذا الغرض فريق من المترجمين كانت مهمته ترجمة القران لقد أدرك انه لإبطال العقيدة الإسلامية يجب التعرف عليها(16). بالإضافة الى هذا التأثير الخارجي للإسلام فإن له اثراً كبيراً في تشكيل الوعي الغربي وساهم في بلورة ثقافته بشكل فاعل ومتميز ورغم موقف الغرب العدائي من الإسلام الا انه اجتهد في التعرف على الفكر العربي الإسلامي، وهذا هو جوهر مانريد البحث عنه. اي الاثر العربي –الإسلامي بشكل عام وابن سينا بشكل خاص. ويقول (الان دي لييرا) في كتابه (التفكير في العصر الوسيط): (ان هذا الخطاب الفلسفي لم يولد من تلقاء نفسه، بل لقد تعلمه أصحابه واستوعبوه انطلاقاً من مصدر محور معروف هو ذلك التصور للحياة الفلسفية الذي صاغه فلاسفة بلاد الإسلام الورثة الأوائل للفلسفة اليونانية في القرون الوسطى(17). فاذا كانت الفلسفة في غالب الاحيان، هي قراءة لتاريخها، فإننا نعتقد انه لم يكن في وسع أوروبا باللاتينية المسيحية، في اواخر القرون الوسطى ان تقرا فكر الأوائل من اليونان لولا اطلاعها على القراءة العربية الإسلامية لهم، وبالفعل ولدت أوروبا جديدة بعد عبور هذه الثقافة لسلسلة جبال البرانس فكان ان قسم تاريخها العلمي والفلسفي الى ماقبل تاريخ العلم والفلسفة ومابعدها وجعل الثقافة العربية فكراً ولغة جزء لا ينفصل عن التراث الغربي
المبحث الرابع : جدلية العلاقة بين الإسلام والأخر في ظل مهيمنة الكنيسة
لاشك أن العنوان يمثل العتبة المفضية إلى النص ، بل هو النص ، وقد تم تكثيفه حتى يغدو العنوان هو القول الوجيز الذي يشي بدلالة النص ، وعلى هذا الأساس جاءت مفردة ( جدلية ) لتكشف الحقل الدلالي الذي تنتمي إليه ، فهي تمتلك ماضيا عميقا في تاريخ النظر الفلسفي .
وقد تم تناولها من قبل أفلاطون في حديثه عن العلاقة بين المثالي العقلي والعالم الجزئي الحسي ، ولهذا كانت هناك تصور أخر يكون الجدل ( بالكتيك Dialectic ) تظهر فيه الممكنات آلاتية : 1- الجدل هو القياس المؤلف من المشهورات والمسلمات والغرض منه إلزام الخصم وإقحام من هو قاصر عن إدراك مقدمات البرهان ( تعريفات الجرجاني ) .
2- عند سقراط هو فن الحوار بمرحلتيه التهكم والتوليد. 3- عند أفلاطون هو المنهج الذي يرتفع العقل به من المحسوس إلى المعقول ، لا يستخدم شيئا حسيا ، بل ينتقل من معان إلى معان بواسطة معان .(1) .
وينقسم الجدل عند أفلاطون إلى جدل صاعد وجدل نازل ، الجدل الصاعد يدفع الفكر إلى التدرج من الإحساس إلى الظن إلى العلم الاستدلالي إلى التعقل المحض . والجدل النازل هو النزول من ارفع درجات المثل إلى أدناها ووسيلته . من هذا المفهوم (الجدل) نلاحظ بعدين ، الأول : انه يقدم وصفا لفعالية واحدة هي الحوار بين طرفين والبعد الثاني هو انه يحتوي فعاليتين : الأولى الصاعد وهو الذي ينطلق من الجزئيات صوب الكليات ، والثاني من الكليات صوب الجزئيات وهذا يعني انه يحوي تفاعلا بين الهوية التي تمثل الكليات الثقافية : التي هي مجموع طرائق التفكير والعمل والشعور في ارتباطها المتعدد بالطبيعة والإنسان والمطلق ، وهذه الكليات تمثل الهوية بالمقابل الحوار بين الثقافات والتثاقف يشكل تفاعلا بين ألذات ( الهوية ) والأخر . وبهذا حولنا المسألة من البعد المثالي إلى توظيف قد لا يكون واضحا في الجذر الافلاطوني .
يفر ق أرسطو بين الجدل والتحليل الذي موضوعه البرهان أي القياس المنتظم من مقدمات صادقة أولية سابقة في العلم على النتيجة وأبين منها وعلى لزومها . إما الجدل فموضوعه الاستدلالات التي تقوم على مقدمات محتملة أي أراء متواترة أو مقبولة عند العامة .الاستدلال هو فن يتوسط الخطابة والتحليل (1) .
5- عند هيجل الجدل هو المنهج الذي من شانه أن يبرز تماسك المتناقضات ووحدتها ويكشف عن المبدأ الذي يقوم عليه هذا التماسك وهذه الوحدة (2) . 6- ويفهم باشلار الجدل بمعنى ( التكامل) علاقة جدلية ، ( أي تكاملية )، ( يرى باشلار إن يقدم مفهوما للجدل يستمده من الدروس التي يمكن أن نتلقاها حين نكون على يقظة فلسفية إزاء معطيات الفكر العلمي المعاصر (3) .
والجدل يتصف بصفة خاصة كونه موقفا ( ديناميا) للفكر الذي يتمتع بالتطور الذي لا يقف عند حد ، فالفلسفة الجدلية : هي الفلسفة المتفتحة التي تقبل إن تعيد النظر باستمرار في حقائقها ومبادئها . وعندئذ يمكن أن تتأمل بهذه المفردة ، في ضوء العلاقة بين الإسلام والغرب بالاتي : 1- العلاقة الجدلية بين ألذات ( الإسلام) والأخر ( الغرب المسيحي ) هي علاقة تكاملية كل طرف يحقق التكامل من خلال علاقة بالأخر . 2- وهي دينامية ، أي ليس ثابتة ، بل هي عرضة للتغير والتفاعل وهذا يعود إلى أثار داخلية اجتماعية وسياسية واقتصادية وفكرية تولد سلطات جديدة ، وأخرى خارجية تفرضها عوامل التحدي التي يمثلها الأخر على المستوى الفكري والسياسي والعسكري .
فالجدلية علاقة حوارية بين طرفين تتصف في كونها تجعل الهوية تتسم بتغير وليس جامدة بل هي تدخل في حوار تكاملي تعيد من خلال الحوار بناء ألذات وخلق الرموز التي تعيد تماسك ألذات إزاء الأخر دون إن نعني إقصاء التمركز حول ألذات ولا تعني الذوبان داخله بل هي حوارية – جدلية التكامل ( والدينامية ) بمعنى أنها ليست ثابتة فالرهانات (*) التي تشكل الصراع ، لم تعد ذاتها طيلة فترة الصراع في العصور الوسطى غيرها في عهد الاستعمار في ظل مهيمنة الدولة ، وغيرها في عهد العولمة رغم إن ماضي الصراع لايمكن إن يختفي ، لكن لا يمكن أن تكون ( رهانات المعنى ذاتها ) ، بل ما تبقى منها هو إرادة القوة التي تقوم على الإقصاء والهيمنة جامعة بين التمثيل والمعرفة من جهة ، والقوة السياسية والمادية من جهة أخرى . التي تشكل ذات جماعية (Grou self ) ( إن صيغة معينة للانا تتحقق في حالة وجود جماعة تضم في عضويتها عددا من الأفراد يشعرون بالتعاون في ما بينهم ، وباختلافهم عن أو تعارضهم مع جماعة أخرى )(5) . إن الجدلية بقدر أنها لا تهاجم الهوية فأنها تؤكد إن الهوية تضمن داخلها شيئا من الغيرية ، فالعلاقة ( بين مفهوم ألانا والأخر ثمة تلازم بين مفهوم ( صورة ألذات ) ومفهوم ( صورة الأخر ) فاستخدام أي منهما يستدعي تلقائيا – حضور الأخر . ويبدو إن هذا التلازم على مستوى المفاهيم هو تعبير عن طبيعة الإلية التي يتم وفقا لها تشكل منهما فصورتنا عن ذاتنا لا تتكون بمعزل عن صورة الأخر لدينا ، كما إن كل صورة للأخر تعكس – بمعنى ما – صورة للذات (6) .
3- وهي قابلة إلى أن تعيد النظر في ماضي تلك العلاقة وكشف الكراهات والاقصاءات التي تركها كل طرف الى الأخر الذي يشكل حوله متخيلا يمارس بناء صورته انطلاقا من إرادة الصراع ، معتمدا صورا نمطية تعبر عن تلك الكراهات ، وتغدو أجزاء من الذاكرة الجماعية (*) – التي يتم بناءها عبر السرد التاريخي التخيلي - ، في حين هذه الصور مجرد صفات ابتدعها الخصم ضد خصومه بفعل إرادة الصراع ومحاولته النيل منهم بإسقاط عليهم صفات سلبية من خلال خلق هوية متعالية تتخذ من الخيال وسيلة لتحقيق تلك الغاية ( فالخيال يقوم في الكلية الاجتماعية وله دور في تشكل النظام الاجتماعي فهو كالاسمنت المسلح في تشكيل وحدة الجماعة ، فالخيال إذ يتلقى كل التصورات ذهنيا على الرغم من أنها ليست محسوسة أو واقعية وليست من نمط عقلي منتظم انه يحرك الممارسات الفردية والجماعية الحاسمة )(7) .
وكشف تلك الإرادة القائمة على القوة والإقصاء يفهم أن العلاقة لا يمكن إن تكون ثابتة وقابلة إلى أن تكون أكثر قدرة على الجدل والحواراذ تهمنا هنا الإشارة إلى ( أمرين اولهما هو إن صورة ألذات وصورة الأخر قابلتان للتغير والتعديل رغم ما يبدو عليهما من ثبات ، والأمر الثاني هو إن ما يتشكل لدينا من صور لذاتنا أو للآخرين لا تكون دائما وفي جميع الحالات نقية ومحددة بل غالبا ما يختلط فيها الواقعي بالمثالي ، ويتداخل فيها الداخلي أي رؤيتنا لحقيقة أنفسنا ) بالخارجي ( أي ما نريد إظهاره للآخرين ) إن نثبتها في أذهاننا عن هذا الأخر ، في حين تغيب عنها عناصر أخرى لا نراها أو لا نريد الاعتراف بها ولكن بدون معرفة الأخر عمليا يظل التعامل معه في حدود الصورة التي نراها أو نريدها ) (8) .
فالجدلية بهذا المفهوم تقوم على التكامل بدل ( المركزية الغربية ) والجدلية من ثم ( دينامية) بدل إرادة التأييد ألقيمي التي تفرضها الاطروحات السياسية وتقوم على النقد بدل البقاء على ما هو قديم وما يحمله من مخلفات الصراع ، برغم انه أختفى على مستوى الصراع إلا انه بقى في الذاكرة الجماعية عبر التعليم والأدب وغيرها من قنوات الاتصال .
بل يفترض إن تكون هناك فعالية تكامل حواري يتم على أساسه بناء وتقويم الكليات التي شكلت الهوية الثقافية ومن ثم تشكل الذاكرة ، دون إن تتجاوز الهوية لأنها تشكل الخصوصية التي يفترض أن تزودنا بما يضفي الشرعية على وجودنا ويحقق الصلة بالتراث من جهة وبالحاضر وتحدياته من جهة أخرى .
انطلاقا من هذه الثوابت حاولنا هنا قراءة تاريخ العلاقة مع الأخر ، والعمل على كشف ما أصابها من مهيمنات السياسة وما تركته من تأثير عليها ذي طابع تمثيلي تخيلي إسقاطي يخالف الحقيقة يسقط الخصم من اللاعقل .
ومن هنا حاولنا عرض نظرة الأخر إلى الذات العربية – الإسلامية ونظرا للمراحل التي مرت بها تلك النظرة سواء ما شهدته الحروب الصليبية في الكنيسة أو الصراع الاستعماري وخطابه الاستشراقي أو ما تتركه اليوم العولمة من مقولات مثل نهاية التاريخ (*) وصراع الحضارات (*) أو حرب الإرهاب (*) لهذا اخترنا فترة العصر الوسيط وكيف تشكل متخيل غربي مسيحي حول الإسلام . والغاية كشف ظروف تشكل صورة الإسلام في العقل الغربي المسيحي وماهي السلطات الفاعلة في تلك الصورة المتخيلة حول الإسلام من خلال كشف العلاقة بين الإسلام والأخر الغرب المسيحي وفيه تظهر النقاط آلاتية .
أولا- أنماط الاتصال :
بعد إن تشكلت سلطة الإسلام إذ تحققت لها دعامتها الاجتماعية والسياسية عام 622 م ، كان قد دخل الرسول الكريم (ص ) حوار مع المسيحيين افضى هذا إلى إن أصبح المسيحيون جزء من الدولة الإسلامية (9) ، أما في الغرب فقد كانت الكنيسة هي ممثلة العالم المسيحي بعد غياب الدولة الرومانية وقد ظهرت بين الطرفين الإسلام والغرب المسيحي أنماط اتصال متنوعة ، ( عندما اكتمل قوام الثقافة القروسطية ، وعندما قذفت أوربا بنفسها نحو الخارج بفعل الحروب الصليبية ) (10) ، كانت هناك قنوات اتصال تمت وتوسعت بين الإسلام والغرب المسيحي حيث ( كانا على اتصال بين الثقافتين بفضل روح التسامح التي جاء بها الإسلام وقبوله ، للتعايش مع مختلف السلالات والثقافات ) (11) ، فكان الامتزاج كبيرا خلال تلك القرون التسعة التي تجاوز فيها العرب والأسبان بحيث لم يقتصر على أوقات السلم حسب ، بل شمل أوقات الحروب أيضا وغطى معظم أجزاء شبه الجزيرة الايبيرية ، حتى المؤرخ الأسباني ( روبير تولوبيث Robergo lopez ) يحق هذا الوضع بقوله : ( انه لن يعرف أبدا متى أو أين ينتهي الشرق أو الغرب في ايبيرية )(12) وعلى هذا يمكن أن نصف القنوات التي شهدت الاتصال بالاتي :
1- القنوات الاجتماعية : مثل المساكنة والمثاقفة وقنوات السياحة وقنوات السفارة وقنوات الحج إلى ألاماكن المقدسة ، وقنوات التجارة والملاحة وقنوات الحرب ( فلقد اختلط العرب بالسكان المحليين ، وامتزجت حضارة الشرق بالغرب وتغلغت بشكل فعال في شبه الجزيرة الايبيرية ، ومنها انتقلت إلى أوربا بطرق مختلفة فمهدت الطريق لتأثير اكبر وأكثر أهمية وفاعلية من حدود الأندلس ذاتها ، أي المناطق التي كانت تقع فعلا تحت الحكم العربي من شبه الجزيرة الايبيرية ، لتشمل كل شبه الجزيرة ، ومن ثم الانتشار إلى المناطق المتاخمة في أوربا ) (13) .
2- القنوات الثقافية : وهي قنوات الاستغراب والتفاهم باللغة نفسها وقنوات التلقي وقنوات الترجمة ( كان المستعربون (Mozarabes ) في طليطلة العناصر التي أسهمت في عملية النقل ، وهم نصارى الأسبان الذين عاشوا مع المسلمين في الأندلس ، وكانوا يسمون بعجم الذمة . وقد تعلموا العربية وكثيرا من العادات والتقاليد الإسلامية ، لكنهم احتفظوا بديانتهم النصرانية ، لهذا سموا بالمستعربين . وكان هؤلاء بحكم معرفتهم اللغتين العربية والأسبانية القديمة ينتقلون بحرية من أراضي الأندلس إلى الأمارات الأسبانية كما سكن كثير منهم في مناطق الحدود المهجورة التي تقع بالقرب من الممالك الأسبانية وبالتدرج أصبح هؤلاء بما يحملون من فكر وحضارة جزءا من أسبانيا النصرانية في شمال شبه الجزيرة الايبيرية ، فمهدوا الطريق لانتقال الثقافة والفكر العربي إلى أوربا (14) . ولقد أسهمت تلك القنوات في الاتصال وتبادل الخبرات فلقد كان لهذه القنوات مجال واثر في التأثير بين الثقافتين لاسيما اثر الإسلام في الغرب فقد كان للحرب لاسيما في أسبانيا وما يتبعها من انتقال المدن من المسلمين إلى أيدي الأسبان فان هذا الأمر يعني بقاء المسلمين تحت يد هؤلاء وهم الذين عرفوا ب ( المدجنين Mudejares ) وكان لهؤلاء اثر في نقل الصناعة والحرف والفنون والثقافة من ثقافة مزدهرة إلى أخرى تعاني التخلف ومن بين هذه المدن ( طليطلة Toledo ) التي استعادها الأسبان كان لها دور مهم فيما بعد (15) ، وكان أيضا للمجاورة وما يتبعها من علاقات كالأزواج المختلط الذي كان شائعا بين المسلمين والمسيحيين داخل الأندلس (16) .
ثانيا – تشكل الهوية الثقافية المسيحية وأسبابها :
تشكلت الهوية المسيحية التي تغيرت فيها بنيتها الثقافية عما كانت عليه في العصور السابقة ، فقد طرأت تغيرات حداثوية أسهمت في اتساع رقعة هيمنة الكنيسة . وقد ظهرت تغيرات واضحة ومهمة في القرن الثاني عشر والثالث عشر ولعل ابرز دليل على هذه التغيرات البنيوية هو انتقال الثقافة من بنية الخطاب الديني الى بنية الخطاب الذي ادخل الموروث اليوناني والإسلامي ، ولذ لك عرف القرن الثاني عشر من خلال النمو الحضاري والمدني والثقافي ، وما صاحب ذلك ظهور من طبقات جديدة أسهمت في خلق تغيرات اجتماعية وثقافية مهمة وما صاحب ذلك من تغيرات ( اجتماعية – ثقافية ) وعوامل جيوسياسية ) تعرض لها الغرب المسيحي وساهمت في بلورة شخصيته .
إما أسباب ذلك التشكل فهي تعود إلى ماهو داخلي وماهو خارجي وهي كما يأتي : 1- الأسباب الداخلية : يعود هذا السبب إلى ما داخل الثقافة ذاتها من التراكمات الاجتماعية والثقافية التي كان المجتمع قد أنتجها خلال تلك الانشقاقات السياسية التي واجهت المجتمع المسيحي التي أسهمت في بلورتها بوصفها اتجاهات فكرية كرد فعل للصراعات السياسية حتى تجذرت في الأخر بنية ثقافية تقوم على مرجعيات معرفية وهذا ما يخبرنا به ( ادوارد جوتو ) عندما يصف القرن الثاني عشر بقوله : ( إذا كان المؤرخون مختلفين حول الاعتراف لعصر شارلمان بلقب عصر النهضة فكلهم تقريبا مجمعون على وجود نهضة في القرن الثاني عشر ويرى الأب شينو (Chenu ) إن السنة 1100 هي ( عقدة ) في المنحى العظيم الذي تكونه ( إعادة الاستيلاء على رأسمال الحضارة القديمة) ففي تلك السنة تحركت أشياء كثيرة انهزام الإقطاعية الكبرى أمام الملكيات الفتية ، ولادة مدن تحرر الطبقات الريفية ، الحروب الصليبية ... الخ . وازدهرت المدارس الدينية وقام نشاط فكري كبير فوضوي قليلا ربما ، ولكنه غني بالبشائر (17) .
من الملاحظ أن هذه الإحداث الثلاث كان لها اثر عميق في تشكل الهوية الغربية المسيحية التي كان للأخر حضور واضح في تشكل تلك الهوية . فإذا كانت الهزيمة في الحروب الصليبية قد تركت هذا التأثير القائم على النهضة فماذا بالمقابل ترك لنا الانتصار في تلك الحروب ؟ (*)
2- الأسباب الخارجية : أي تلك الأسباب التي تنبعث من الخارج وتركت أثرا عميقا في الداخل فقد ( عملت الاندفاعة الإسلامية على بلورة وعي إسلامي بالذات ، وكيف صورها عن الأخر (...) وجعلت الواقعة الإسلامية تتعامل مع الأخر من موقع التفوق والاقتدار ، كدين وثقافة وحضارة ، لكن الافتراق الإسلامي للقارات المحيطة بالبحر المتوسط ، بقدر ما كان جارفا ومثيرا للدهشة ، اعترضته مقاومة هائلة ، مثلت البؤرة المسيحية أهم التحديات التي واجهته (..) فان المسيحية ستنظم اكبر هجوم مضاد على الإسلام في القرون الوسطى من خلال الظاهرة الصليبية ، ستسنفر المسيحية كل الطاقات والإمكانيات وستعبىء كل الوسائل ، المادية والرمزية وستؤجج المشاعر وتحرك المخيلات لتنظم أكثر الحملات المضادة قوة وعنفا لاستعادة ما نعت ( بالأماكن المقدسة ) ولضرب الإسلام في أكثر مناطقه اقترابا وحيوية .
(...) ويرى ( مونتغوموي واط ) إن أوربا الوسيطة أفرزت ظاهرتين لايمكن لأي باحث جاد إن يتعامل معها بلا مبالاة . تتمثل الأولى في ( الصورة الشائهة تماما التي ولدتها أوربا عن الإسلام ، وتبرز الثانية في التجذر الهائل الذي تمكنت الايدولوجيا الصليبية من ترسخيه في قلوب وعقول الأوربيين عن ألذات وعن الأخر ) ، وجاءت الصور المشوهة للإسلام ليتعين النظر إليها بأنها إسقاط للجانب المظلم في الشخصية الأوربية (18) .
ولقد ظهر لنا إن هذا الموقف المعادي من الإسلام وهو وليد قضاء معاد ، وقد اتخذ الغرب المسيحي الوظيفتين الآتيتين إزاء هذا : الوظيفة الدينية : تمثلت بالدفاع عن الله تجريبيا ، أي أنها غذت الصراع مع الإسلام بشكل تعبوسي ديني ، وذلك من خلال إسباغ الشرعية على نفسها بوصفها تمثل المعنى الصحيح وتسقط الخصم في الضلال ، أي أنها دخلت في ( رهانات المعنى ) من خلال إسباغ الشرعية على نفسها يوصفها تمثل الدين القويم وإسقاط الإسلام في الضلالة ( إن ارتباط نمط الإدراك بالخليقة الدينية ينشط آليات المتخيل ، ويجعل البعد الأسطوري يعيش حياة خاصة يغدو فيها الواقع بعدا يصعب القبض عليه . بل تصبح للأسطورة وظيفة تفسيرية لا يهم فيها إن كانت صائبة أو خاطئة ، تعكس الواقع أو تشوهه ، ما دامت قدرتها على التمثيل تعرض ذاتها على الذاكرة الجمعية وتجثم بكل ثقلها الواقعي على المستقبل . هكذا تساهم في تأسيس سلوكات في العمق وبهذه الصفة تغدو مشاركة في الواقع (19)
ولقد استثمرت الكنيسة في بناء يوتوبيا تداعب فيها عواطف الريفيين والغاية كانت دينية سياسية تعبر عنها سياسة الكنيسة القائمة على مخيال مسيحي يصور الإسلام بشكل شعبي وقائمة على شعار انقاذ قبر المسيح من المسلمين ، وكانت تلك أحدى وسائل الوظيفة في الدفاع عن الله على المستوى الشعبي ، لقد اتخذت هذه الوسائل آلاتية :
1- لقد كانت الأفكار التي تدور حول نهاية العالم بعد الإلف من معاناة المسيح ، والأفكار التي تتعلق بالعالم الأخر احد ينابيع الفكرة الصليبية مضافا إليها الظواهر الطبيعية ، وما صاحبها من تقلبات ومجاعة وإمراض كانت تتغذى بواسطة الرؤية الشعبية والدينية إلى قوى غيبية من ناحية ، ويتم ربطها باقتراب نهاية العالم وألا فكار الألفية والاخروية من جهة أخرى . ولقد استثمرت السلطة الكنيسة إثارتها لرغبات الفردية التي تشكل لديها رغبة وحدانية لضمان الخلاص ، وقد تحولت مشاعرهم هذه إلى التأكيد على ضرورة الرحلة إلى بيت المقدس .
2- لقد كانت الحوليات والمؤرخات اللاتينية التي ساهم كتابها انقسم في صياغة الإيديولوجية الصليبية ونجاحات ، وهو ما يعني أنهم كانوا يتوخون إن يصوغوا نموذجا مثاليا يكون عامل جذب دائم في حالة الدعوة إلى حملة صليبية . 3- ثم شكلت فكرة الجمع وفكرة المكافأة التي ينالها الصليبي. وقد تطورت فكرة المكافآت في مفهوم الغفران الصليبي الذي تطور ليصل إلى صكوك الغفران (20) . وقد تم تشكيل مخيال عاطفي يؤكد على صور نمطية اختزالية للأخر وقد وظفت تلك الأبعاد في الرؤية الشعبية لغرض التعبئة عبر اجتماع الأمم حول المدنية المقدسة ألام مركز العالم ( وتغدو هذه الصور وكأنها حارسة للذاكرة من تحولات الزمن ، الأمر الذي يجعلها متموجة . ولكنها حاضرة باستمرار ) (21) . ذاك بان البشر لا يعيشون فقط على الحقيقة ، بل يمكن القول بان الخطأ أو الوهم يشكل الثقل الأكبر في تشكيل وعيهم .
الوظيفة العقائدية ( النظرية ) : لقد استعملت الأنظمة اللاهوتية إلى حد كبير مصادر العقل الافلاطوني – الارسطوطاليس ومسلماته البديهية من اجل تشكيل هذا المفهوم الأساس القائل بوجود معنى أولي واصلي تنبثق عنه كل المعاني اللاحقة وكل المشروعيات وكل الحقائق .
فنحن هنا إزاء رؤية عالمة قائمة في المركز الفكري والثقافي القائمة على تحقيق تماسك عقلي للمقولات النظرية وضبط صحتها ولهذا ( فالتأمل الميتافيزيقي يبحث عن عقلنة العقائد ) (22) . وتعود هذه الرؤية إلى أصول بعيدة في تعاملها مع الإسلام منها :
1- يوحنا الدمشقي الذي أسهم ، بشكل تأسيسي ، في رسم بعض ملامح المسلم ، ذلك انه حاول التشكيك بكون الإسلام دين إبراهيم الحنيف من خلال وصفه المسلمين ، على نحو لا يخلو من الخبث بالسرازانيين ( Saracens ) . ويبدو إن يوحنا الدمشقي هو أول كاتب بيزنطي استخدم هذا التشويه الايتمولوجي لأغراض الجدل العنيف وتحفيز الذاكرة . كذلك يصف المسلمين ب ( المفسدين ) . وصّور ، من جهة ثانية ، الرسول الكريم (ص ) على انه واحد من إتباع بدعة اريان وبانه استقى من الاريانية القائلة بان : ( الكلمة ) و ( الروح ) لا يعدوان كونهما مخلوقين لله ، واقتبس من النسطورية ما يتعلق بعدم تأليه الابن المتجسد كما يعتبر القرآن نتاج لأحلام اليقظة ويصور الرسول الكريم (ص) كشخص مضلل وينتقد ، بقوة ما يعتبره معاملة لا تليق بالنساء من قبل المسلمين (23) .
2- وهناك رؤية فكرية تهيأت في القرن الثاني عشر ، ثم توسعت في القرن الثالث عشر والرابع عشر ، لتمتد حتى العصر الاستعماري دونما تغيير في أسسها المكونة ، وهذه الرؤية من عداء للنبي وللإسلام موقف صدامي رافض الإسلام بالنبذ والإقصاء ، الذي جسد بعدا سياسيا اتخذ ثلاثة إبعاد . نقد الرسالة القرآنية وحياة النبي الكريم (ص ) والمؤسسات الاجتماعية الإسلامية (24) . ولقد شكل هذا الموقف تحولا في التعامل مع الإسلام إذ يقول ( بطرس الجليل ) رئيس دير كلوني الذي قام بجولة على الحدود الفرنسية مع الأندلس فتعرض إلى الإسلام والمسلمين فقال : ) يجب إن نقاوم الإسلام لا في ساحة الحرب بل في الساحة الثقافية ) فتشكل لهذا الغرض فريق من المترجمين كانت مهمته ترجمة القرآن ، لقد أدرك انه لأبطال العقيدة الإسلامية يجب التعرف عليها (25) .
إن ذلك التصور الذي أقامه الفكر المسيحي في ظل مهيمنة الكنيسة ( يرجع لعنف الأحكام المتخيلة على الإسلام إلى طبيعة الشغف الإسلامي وما تولد عنه من إرادة قوة تمكنت من انتزاع مناطق شاسعة من سيطرة المسيحية (...) افضى إلى تكوين الصور النمطية التكوينية للوعي واللاوعي المسيحي من الإسلام طيلة الزمن الوسيط (26) . وأيضا إن القوى الاجتماعية في الغرب المسيحي قد اعتنقت هذه الإيديولوجية الصليبية وفق تفسيرها الخاص الذي يتناسب حيث كانت الحركة الصليبية إفرازا للتفاعل بين الكنيسة والإقطاع فأنها كانت تسعى بالضرورة إلى تحقيق الأهداف الكنسية التي كانت البابوية قد بلورتها حيث كانت تتركز حول السيادة المطلقة للبابا على العالم المسيحي . كما إن الحركة الصليبية كانت من ناحية أخرى ، محاولة لتحقيق أهداف الناس العلمانيين الذين خضعوا للتنظيم الإقطاعي فبينما كانت البابوية تحارب ضد الملكية من اجل السيادة والسمو ، كان النبلاء والإقطاعيون يتطلعون إلى بناء سلطتهم الإقليمية على حساب الملكية ، إما البرجوازية الممثلة في القوى التجارية الإيطالية على وجه الخصوص فقد رأت في المشروع الصليبي فرصة هائلة للسيطرة على تجارة البحر المتوسط وتجارة العالم (27) . كانت هذه هي الدوافع الكامنة وراء الحرب التي اعتمدت الوظائف السابقة في رسم متخيل رمزي يسقط اكراهات الغرب على الإسلام ولوصفه بالصفات التالية :
1- في ( الوثنية ) أولى الصور تمثل في اعتبار الإسلام دينا وثنيا ، وبان نبوة الرسول الكريم محمد (ص) مشكوك في صحتها وصدقيتها وبان كل ماهو جيد في الانجيل يوجد في القرآن قول باطل . 2- في العنف: وهنا تكرست الصور النمطية الثانية عن الإسلام من حيث كونه دينا عنيفا شعاره السيف والحرب والقتال . وكانت الكنيسة في حاجة إلى تضخيم العلاقة بين الإسلام والعنف للتغطية على التحول المذهبي الكبير الذي طرأ على الموقف المسيحي من الحرب ، لذلك تمت صياغة مبدأ الوعد بالجنة لكل الذين يموتون في المواجهة ضد أعداء الأيمان ، أي ضد المسلمين .
3 - في الشبقية وإما الصورة النمطية الثالثة التي صاغتها المخيلة المسيحية الغربية عن الإسلام فتتعلق بحياة النبي الكريم (ص ) وبعلاقاته بالمرآة وبموقفه من المسألة الجنسية فان المخيلة المسيحية لم تكن بتضخيم وتشويه عقيدته وسلوكه ونمط حياته، بل اضافت اعتبارات ( سيميولوجية ) تتعلق بلونه وهيئته لدرجة ، كشف فيها المسلم ، في العصر الوسيط ، مخاوف وهلوسات اللاوعي الجمعي المسيحي ومثل اكبر مصدر للخوف شهدته الأوساط المسيحية في ذلك الوقت (28) . ويبدو إن هذا لنمط من التخيل الموجه ضد الأخر ( العربي – المسلم) كان وليد أزمة تعيشها الثقافة المسيحية في الغرب حيث أزمة انهيار النظام الاجتماعي ومحاولة بناء منظومة رمزية وذاكرة وفي هذا يقول رينيه جيرار : " الرعب الذي يتولد في الناس من جراء تواري الطابع الثقافي والفوضى العامة ولان الجماهير لا تستطيع إن تؤثر على الطبيعة فهي تبحث عن إي سبب في متناولها يروي تعطشها للعنف (29) وهذا ما فعلته الكنيسة في الوظيفة الدينية .
إن هذا التوصيف ينظر إلى تلك التصورات التي تشكل نسيج من الاستعارات المتداخلة بالتراكم المجازي والصور التخيلية فأنها تعود في أصولها إلى إرادة الصراع التي تقوم على منطق القوة وما تبعه من صراع مرير تم تغليفه بإطار فكري لإسباغ الشرعية عليه وتحويله من إطار الواقع التاريخي وما تكمن وراءه من سلطات متصارعة إلى كليات ثقافية عقائدية تتجاوز الزمن وتسقط في التأييد ألقيمي والمعرفي وتنجز فلسفة للحضور الدال والمدلول وانطباقهما في إن الدراسات المعاصرة تقترح رؤية جديدة تتمثل فيها حضور الدال وغياب المدلول ، أي إن المعنى لم يعد ذاته ما تقدمه الأيديولوجيات العقائدية في العصور الوسطى بل هي نصوص بحاجة إلى كشف ذلك الثاوي وقد ضبط ابن سينا الخطاب ( وصنفه إلى ( مصّدقٌ) و ( مخيّلأ) والمصّدق هو ما اعتمد فيه صاحبه النزاهة ورجاحة العقل والمخيل هو ما اتبع فيه صاحبه ضروبا من التعمية والتزييف والخطاب المخيل يلقم المتلقي طعما فيوقعه في شركه بدون عناء وصاحبه ماهو في صنعته حاذق في ترصده يقول " لكن الناس أطوع للتخيل منهم للتصديق (....) وربما شغل التخيل عن الالتفات إلى التصديق والشعور به (30)
فان الخطاب الذي تقدمه السلطة اللاهوتية وتعتمد استعارات وتوصيفات تداعب الرغبات الفردية ، وتعتمد السرد الذي يتخذ من اللغة أداة إقناع يعتمد الترميز ما اذ كان هذا الأخير ( هو التخارج أو محاولة الخروج من العدم ومن السبات البيولوجي البحت ، فكل ما لا رمز فيه وكل ما لا يخضع أو كل ما يصعب ترميزه أو الاحاطة به يظل يتقهقر إلى العدم ويسقط في الظلام الأبدي . فان الفرد إذا حرم من الرموز اللغوية لا يفكر فالفرد والمتوحش البدائي الذي لم يستعمل الرموز اللغوية لا يستطيع إن يفكر أو إن يقوم بعملية حسابية ابتدائية (31) . فان أهمية الرموز مشحونة بالقداسة والأسطورة فجوهر المتخيل رموز تسبح في الخيال وتقوم في الذاكرة الاجتماعية والحركية الفردية وبالتالي ( لا يكون من شأن العالم الاجتماعي إن يقرر أيا من المعتقدات هو الصحيح في الواقع وايهما الخطأ .
وكما أشار ايكو (1971 فان منظومة المعتقدات الفاعلة ضمن مجتمع غير محدد لا بالحقائق المنطقية أو التاريخية ولا بالأدلة الواقعية )(32) . رغم أهمية الرموز ونحن لا نقلل من شانها بل ننبه لهذا الشأن الخطير ورغم إن العقائد لا بحصرها منطق إلا أننا نركز على التوظيف الإيديولوجي لها الذي يحاول أن ينتج تصورات وكأنها حقيقة مطلقة في حين هي تسقط في النسبية وهذا يعني أن معناها ليس ثابتا بل بحاجة إلى التأويل والتفسير الذي هو تعبير بالكلمات والأفكار عما يطرح نفسه في الإدراك الحسي والذهني ، وذلك بهدف لفت الانتباه إلى التفاصيل والعلاقات الداخلية ضمن الشيء نفسه ، تلك التي قد لا تلحظها أية نظرة تنقصها الدقة والنباهة والعزيمة .
من هنا فان قراءة هذه التصورات تحاول تحليل ذلك البعد التخيلي الاسقاطي الذي يتسرب إلى داخل العقيدة لتصبح وسيطا رمزيا بين الذات والأخر في ظل فعالية الإقصاء للأخر وإعادة تبرير ذلك الإقصاء بإسقاط كل الاكراهات عليه والتي هي إسقاطات نفسية ، ومن هنا فان تلك الإسقاطات لم تظهر إلا بالجدل السلبي مع الأخر من خلال إقصاءه وعزله في حين المراد هو الجدل الايجابي الذي يعطي للأخر مجال للتحاور والاختلاف والقبول بالاختلاف ، الذي يشكل سلوكا نفسيا وسياسيا واقتصاديا ، مثلما تم قبول منطق الاختلاف داخل ألذات من خلال التحولات والصراعات من مهيمنة سياسية إلى أخرى يجب قبول ذلك الأمر مع الأخر الخارجي .
وهنا تكمن أهمية البحث في تلك التصورات الاسقاطية التخيلية التي انتجتها مهيمنة الكنيسة خلال العصور الوسطى والتي دخلت النصوص التفسير المقدسة والتربية والثقافة حتى شكلت اللاشعور الغربي تجاه الأخر العرب ( الإسلام) وكان هذا الأمر حقيقة في حين هو مجرد إسقاط سياسي نحو الخارج مثلما انتجت الكنيسة إسقاطات نحو الداخل في موقفها من العلم والدولة الملكية والتعبد وغيرها . فإذا كانت هذه الإسقاطات قد أصابها التغير بفعل النهضة والحداثة فلماذا لا تكون هذه الجدلية أيضا صوب الأخر بوصفه شريكا تاريخيا . بدل منطق الإقصاء الذي يعتمد مخيالا جمعيا تجاه العرب المسلمين وعلى هذا فان تلك النصوص التي أنتجتها الثقافة المسيحية في ظل مهيمنة الكنيسة التي أعادت قراءة الميراث النصي للإنجيل والتوراة بحيث يمكن ملاحظة إن للنص بعدين ، الأول من جهة مؤلفه ومعناه اللغوي والحرفي الملاصق والثاني من جهة متلقيه وقرائه ( ذلك انه في إثناء تلقي النص تتشكل المخيالات الفردية والجماعية . وهذه المخيالات المتشكلة في أذهان البشر هي تتحكم بدورها في البشر في طريقة إدراكهم للأمور ومحاكمتهم للأشياء وفي تصرفاتهم وسلوكهم . وهكذا يحصل التمفصل بين أثار المعنى الناتجة عن القراءة والمعتبرة بأنها تمثل المعنى الصحيح والوحيد للنصوص ، وبين الإيديولوجيات التي تجيش الجماهير من اجل خدمة إرادة القوة والهيمنة ) (33) . هكذا جاءت تلك القراءة للنصوص والإسقاطات التي خلقت معنى لم يكن مفكر به داخل النص فهذه القراءة وليدة بعد تاريخي جديد تم إسقاط معنى جديد على النص وذلك لإسباغ الشرعية على المؤسسة التي اعتمدت بناء الوعي عبر خلق نماذج جديدة يتمتعون بجاذبيتهم الشخصية ومساعدة الظرف التاريخي لهم (*) . هكذا يظهر معنى جديد وليد لكل الاكراهات التي ظهرت خلال الحروب الصليبية مما يجعل المعنى الجديد وليد الحاجات السياسية والعقائدية التي أنتجت تمثيل يتلاعب بالرغبات وبإمكانية اللغة ويسقط الذاكرة في كوابيس الصراع .
لكن اليوم في ظل ذلك الاختلاف الوجودي بين الماضي والحاضر يجب كشف إن تلك النصوص ليست حقيقة بل هي وليدة الظرف التاريخي وإسقاطاته مما يجعل معناها عرضة للقراءة والتفسير بين الحال والقصد والقول والعمل ( يكون كل تطور أو تغير يطرأ على حياة المرء وواقعه ، نوعا من إعادة تركيب لكل ما ورثه(....) تتجاوز الهاجس اللاهوتي القائم بالقوة إلى الأصول والهاجس العلماني القائم على إن الحقيقة بمثابة فردوس مفقود تمثله قيم العقل وفي كلا الوجهين تعامل الحقيقة بفعل غيبي ما ورائي بمنطق ثبوتي أحادي إما بوصفها زمنا أول ينبغي استعادته بالارتداد نحو الماضي الذي لا ينفك يتقدم علينا ، أو بوصفها زمنا أخيرا ينبغي اللحاق به بالتقدم نحو المستقبل الذي لا تنفك تتراجع عنه . ولهذا فالمستلب لا يستعيد هويته ولا يألف حقيقته لان الهوية ليست ثابتة بل تختلف عن نفسها ولان الحقيقة ليست جاهزة أو متعالية ، بل هي تصنع وتتغير بقدر ما نبحث عنها أو نتقدم صوبها ) (34) . وعلى هذا فالمنطق الجدلي الحواري وليس الاقصائي هو المنطق القائم على الدينامية والتكامل الحضاري الذي يقول إن ألذات تحوي ضمنا الأخر فهذا المنطق الثنائي أجرائي ، أما الحقيقة فهي إن ألذات لايمكن إن تظهر بدون الأخر – ومنطق الحوار هو الكفيل بكشف الكراهات التي مازالت مترسبة في التربية والتعلم والنصوص الثقافية التي تم إنجازها في تلك الحقبة العائدة الى عصور الوسطى في ظل مهيمنة الكنيسة التي تناسلت في كل الاستشراق والعولمة كما سوف يمر علينا .
الفصل الأول: مهيمنة الكنيسة
1-الهوامش :التمهيد 1- اوييودريقوس ويول رايينوف ( مشيل فوكو مسيرة فلسفية ) ترجمة : جورج أبي صالح ، مركز الإنماء القومي ، بيروت ( د.ت) ، ص 120 . 2- رولان بارت ، هسهسة اللغة ، ترجمة منذر عياش ، مركز الإنماء الحضاري ، ط 1 ، حلب ، 1999 ، ص 3- عبد السلام بن عبد ألعال ، الميتافيزيقيا والعلم والايدولوجيا ، بيروت ، ص 25 . 4- و5- محمد جلوب فرحان ، بنية الفكر الفلسفي الحديث ، مكتبة بسام ، الموصل ، ( د.ت) ، ص 19 . 6- ل – سيفال ، لمحة عن تطور المجتمع منذ بدء التاريخ ، دار دمشق ، ( د.ت) ، ص 34 . 7- اوييودريقوس ويول رايينوف ( مشيل فوكو مسيرة فلسفية ) ، ص 126 . 8- عربي أسلام ( جون لوك ، سلسلة إعلام الفلاسفة ، دار الثقافة ، القاهرة ، (د.ت) ، ص 54 . 9- ادوارد سعيد تمثيلات المثقف . م / الموقف الثقافي ‘ 1 – 2 ، بغداد ، ص 10- علاء طاهر – نظرية هابر ماز النقدية / / الفكر العربي المعاصر ، ع1 ، مركز الإنماء القومي ، بيروت ، 1986 ، ص 51 .
2-هوامش المبحث الاول
(1) فردرك معتوق ، تطور علم الاجتماع المعرفة ، ط2 ، بيروت ، 1982، ص78. (2) عبدا لرحمن بدوي ، فلسفة العصور الوسطى ، ط2 ، 1979، مقدمة (س). (3) فردرك معتوق ( المرجع السابق ) ، ص95 (4) المرجع السابق ، ص95. (5) مطاع صفدي ، القوة والقروية ( المعرفي / السلطوي ) م / فكر عربي معاصر مركز الإنماء القومي 1986، ص5. (6) مطاع صفدي ، العقلانية وايديولوجا التقنية م / فكر عربي معاصر مركز الإنماء القومي ع 16، 1981، ص15. وانظر بول ريكور ، الخيال الاجتماعي ومسألة أيديولوجيا واليوتوبية ت: المنصف عبد الحق م / فكر عربي معاصر ع ( تموز ـ اب ) 1989، ص95. (7) برتداندرسل ، تاريخ الفلسفية الغربية ، ت زكي نجيب محمود ، لجنة التأليف والترجمة والنشر ، الكتاب الثاني. (8) اله حداد ، اله وثني سوري قديم. (9)اميل برهييه ، تاريخ الفلسفة الهلنستية الرومانية ت جورج طرابشي ط1 بيروت ص34 ، ص147. (10) ، ( 11،12) ديورانت قصة الحضارة ، ديورانت قصة الحضارة ، ت: فتح الله المشعشع ، بيروت ، ( د . ت ) وانظر محمود القمني ، الاسطورة والتراث ط2 القاهرة ، 1993، ص38.
(13) فراس السواح ، دين الانسان ، منشورات دار علاء الدين ، دمشق ، ط1 ، 1994، ص48. وانظر ديورانت قصة الحضارة ص169. (14) ديوارنت قصة الحضارة ، ص169. (15) محمود القمني ـ الاسطورة والتراث ، ص179. (16) المرجع السابق ، ص182 وانظر خليل احمد خليل ، مضمون الاسطورة ، في الفكر العربي ، ط2 ، دار الطليعة ، بيروت ، ص62ـ63. (17) محمود القمن الاسطورة والتراث ص179 وانظر على شوك ، الاساطير بين المعتقدات القديمة والتوراة ، دار اللام لندن ، 1987 ، ص78ـ86. وانظر فراس السواح مغامرة العقل الاول. دار الكلمة بيروت ، ص211. (18) روجيه غارودي ، الاساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية ت محمد هاشم دار الشرق ج2 ، 1998 ، ص54. (19) برتراندرسل ن تاريخ الفلسفة الغربية ، ص14. (20) فردرك معتوق ، تطور علم اجتماع المعرفة ، ص156. (21) ديورانت قصة الحجضارة ، ص174، وانظر طيب تيزيني من يهوه الى الله ج3 ، المجلد1 ، دمشق ، 1980، ص87، وانظر زياد منى ، بنو اسرائل جغرافية الجذور ، دار ا؟لأهالي ، ط1 ، دمشق ، 1995، ص212ـ ص213ـ ص215. وانظر محمود الشريف ، الاديان في القرآن ، دار المعارف بمصر ، 1970، ص107ـص127. (22) لويس مينارد ، هرمس ( مثلت العظمة ) ت ، عبدالهادي عباس ، دار الحصاد للنشر والتوزيع ، ط1 ، دمشق ، 1998، ص34. (23) انظر محمد عابد الجابير ، تمكوين اتلعقل العربي مركز دراسة الوحدة العربية ، ط4 ، بيروت ، 1989، ص166ـص167. وانظر توفيق الطويل ، مقدمة في الفلسفة دار النهضة العربية القاهرة (ت) ص302. (24) يوسف كرم ، الفلسفة اليونانية ، ص244ـ245. (26) فيلون:ـ كان لموقفه حيال التوراة وفلسفية اليونان ، وتأويل كثير من نصوصها تلك ، فإن القارىء لما كتبه (فيلون) يحس بان الشريعة والفلسفة هما المصدر للتفكير فإن الحقيقة واحدة لاتناقض نفسها ، انظر:ـ د. محمد يوسف موسى ، بين الدين والفلسفة العصر الحديث للنشر ، ط3، بيروت ، 1988،ص114ـص115. (27) برتراندرسل ، المرجع السابق ، ص33، ويوسف كرم / المرجع السابق ، ص247ـص249. (28) ديورانيت ، المرجع السابق ، ص104ـص105، وانظر يوسف كرف / المرجع السابق ، ص245 (29) ديورانيت ، المرجع السابق ، ص105. (30) ديورانيت ، المرجع السابق ، ص105 ، واميل رهييه ، تاريخ الفلسفة الهلنستية الرومانية ، ص228. (31) يوسف كرم ، الفلسفة اليونانية ، الطبعة الجديدة ، بيروت ( د.ت ) ، ص286. (32) يوسف كرم ، الفلسفة اليونانية ، ص286. (33) المرجع نفسه ، ص288. وانظر نجيب بلدي ، تمهيد تاريخ مدرسة الإسكندرية ، وفلسفتها دار المعارف بمصر ، 1962، ص77. (34) المرجع تالسابق ، ص 288، وانظر الرسالة الثالثة من التساعية الاولى ، ص1. (35) اميل برهييه ، المرجع السابق ، ص244. (36) المرجع السابق ، ص245، يوسف كرم ، المرجع السابق ، ص290. (37) اميل برهييه المرجع السابق ، ص246 والملاحظ التي يبديها نجيب بلدي ، تمهيد لتاريخ مدرسة الاسكندرية وفلسفتها ص 38ن فيقول فلاسفة اليونان كانوا يوجهون المناقشة والتجربة الانسانية فالحكمة نظر ومشاهدة ، فيما الرواقيون والابيقوريون ، فكانوا يهدفون الى حكمة عملية أخلاقية ، اما مفكروا العصر الاسكندري فهم يهدفون الى حكمة الهية دينية وسعادة ، حكمة فيها خلاصة النفس باتحاتدها بالاله. فخلاص النفس عند الاسكندريين قائم على الاتحاد بالإله ... فالحكمة يتحقق بها خلاص النفس واتحادها بالإله ، فهذا التفكير يدور حول مسألتين رئيستين ، مسألة النفس ومسألة الإله ، وتقوم الحكمة الجديدة في معرفة النفس التي تبحث عن خلاصها ، ثم في معرفة الإله الذي يتم خلاص النفس بتحادها به ). (38) المرجع السابق ، ص247. (39) المرجع السابق ، ص259. (40) يوسف كرم ، المرجع السابق ، ص293. (41) اميل برهييه( المرجع السابق ) ، ص54. ويوسف كرم ، المرجع السابق ، ص290. (42) يوسف كرم المرجع السابق ، ص288ـ289ـ290. (43) امبرتوايكو ، التأويل والتأويل المفرط ، ت ناصر الحلواني ، الهيئة العامة لقصور الثقافة ، افاق ت 1996،ص92. (44) غسان خالد ، افلوطين ، منشورات عويدات ، بيروت ، ط1 ، 1983، ص33ـص34. (45) اميل برهيية ، تاريخ الفلسفة الهلنستية الرومانية ، ص34ـ37. (46) الرعوية:ـ هو الاله الراعي الذي يرعي الخلق كما يراعي الراعي اغنامه وهو تصور توحيد يكون بمقتضاه يتدخل الاله في الطبيعة وهو يعلم كل كبيرة وضغيرة ويدعى الكون على عكس منالتصور الارسطي يسعى بعامة الى جعل دور الله لبلوغ الكمال. فهو الله متعالي على عكس الاله الرعوي. انظر مشيل فوكو ، نحو نقد العقل السياسي م/ فكر عربي معاصر ، مركز الانماء القومي ع 43، ص54ـص55. (47) برتداندرسل ، حكمة الغرب. ت . زكريا ابراهيم ، ط1، الكويت ، ص243. وانظر اميل برهييه ( المرجع السابق ) ص243. (48) مطاع صفدي ، العقلانية وايدلوجيا التقنية في المشروع الثقافي العربي. ص15. (49) اميل برهييه ، العصر الوسيط والنهضة ، ت جورج طرابيشي ، دار الطليعة ، بيروت ، ص8. (50) بلراين تيونر . علم الاجتماع والاسلام ت: ابو بكر احمد ،مكتبة الجسر ، جدة 1990، ص94. (51) ابراهيم دسوقي اباظة ، وعبد العزيز الغنام ، تاريخ الفكر السياسي ، دار النجاح ، بيروت ، 1973، ص103ـص104. (52) عبدالجبار عبد مصطفى ، الفكر السياسي الوسيط ، والحديث ، وزارة التعليم والبحث العلمي ، ط1 ، 1982، ص30، وانظر برتدان بادي ، الدولتان ، الدولة والمحجتمع في الغرب وفي دار الاسلام ، ت: نخلة فريغر ، المركز الثقافي العربي ، ط1، 1996. (53) ثروت بدوي ، اصول الفكر السياسي والمذاهب السياسية الكبرى ، دار النهضة العربية القاهرة ، 1967، ص106. (54) جورج سباين ، تطور الفكر السياسي ، الكتاب الثاني ، ترجمة جلال العدوسي ، دار المعارف ، بمصر ، ط4 ، القاهرة 1971، ص274. (55) (اريوس) يذهب نسبه الى اريوس وهوكاهن اسكندري نثقف خال ان (الالماني) ليس معادل (الآب) بل مخلوق له ، جاء (مجلس نيفي) وهاجم مبادىء اريوس. (56) ثروت بدوي ، المرجع السابق ، ص275. (57) محمد طه بدوي ، رواد الفكر الحديث واثارهم من علم السياسة ، المكتب المصري الحديث ، للطباعة والنشر ، الاسكندرية ، 1967، ص54. (58) عبدالجبار عبد مصطفى ، الفكر السياسي الوسيط ، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ، بغداد ، 1982، ص35. (59) ارنولدهاوزن ـ الفن والمجتمع عبر التاريخ ، فؤاد وزكريا ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، ط2 ، بيروت 1981، ص147، وانظر ج كومي ، اجاكوب ، تراث العصور الوسطى ، محمد بدران ، محمد مصطى ، زيارة مؤسسة سجل العرب ، 1965، اذ يتناول اثر تلك الموجهات الدينية في الفن النحت والرسم والادب والفلسفة والتربية. (60) عبدالجبار عبد مصطفى ، المرجع السابق ، ص39.
3-هوامش المبحث الثاني
1- القديس اوغسيطين 354 م في ( طاجسيطيا Tagaste ) وهي ألان ( سوق أواس) نبعد مئة كم من مدينة عنابة بالجزائر . 2- عبد الرحمن بدوي ، فلسفة العصور الوسطى ، ط1،بيروت 1979، ،ص 21 . 3- يوسف كرم ، تاريخ الفلسفة اليونانية ، الطبعة الجديده ، بيروت ( د.ت) ص 84 . 4- عبد الرحمن بدوي ، المرجع السابق ، ص 49 . 5- يوسف كرم ، تاريخ الفلسفة اليونانية ، ص 18 . 6- المرجع نفسه / ص 42 -43 . 7- عبد الرحمن بدون ، فلسفة العصور الوسطى ، ص 29 . 8- المصدر نفسه / ص 29 ، وانظر : برتراند رسل ، تاريخ الفلسفة الغربية – الكتاب الثاني(د.ت) ، ص 8 . 9و10- عبد الرحمن بدوي ، المرجع السابق ، ص 30 . 11- إميل برهييه ، الفلسفة الهلينستية والرومانيةـ،ت:جورج طرابيشي ،ط1،بيروت ، ص 70 . 12- يوسف كرم ، الفلسفة اليونانية ، ص 277 . 13- يوسف كرم ، تاريخ الفلسفة الأوربية في العصر الوسيط (د.ت)، ص 41 . 14 – عبد الرحمن بدوي ، المرجع السابق ، ص 38 . 15- المرجع السابق ، ص 30 ، وانظر : اتين جلسون ، روح الفلسفة المسيحية في العصر الوسيط ، دار الثقافة ، ط2 ، القاهرة ، 1974 ، ص 268 . 16- المرجع السابق ، ص 80 . 17- المرجع السابق ، ص 94 . 18- المرجع السابق ، ص 96 ، وانظر : برتراند رسل ، المرجع السابق ، ص 81 . 19-اوغسيطين ، الاعترافات ، مراجعة الأب لويس موسوم الفرنسسكاني ، ط4 ، القاهرة ، 1975 ، ص 94 – 95 . 20- يوسف كرم ، تاريخ الفلسفة الأوربية في العصر الوسيط ، ص 32 . 21- عبد الرحمن بدوي ، فلسفة العصور الوسطى ، ص 31 . 22—جان كلود فرس ، القديس اوغسيطين ، ترجمة عفيفي رزق ، ط1 ، بيروت ، 1982 . 23- المرجع نفسه ، ص 36 . 24 – القديس اوغسيطين محاورة المعلم ، ترجمة حسن حنفي ، التنوير ، بيروت ، 1981 ، ص 20 ، 81 . إذ تخطى نظرية التذكر في محاورة ( المعلم ) بتقدم ملحوظ قبل ان تتحدد إبعادها نهائيا في كتاب ( الاعترافات ) وفي كتاب ( التثليث ) . 25- جان كلود فرس ، المرجع السابق ، ص 37 – 38 . 26- المرجع السابق ، ص59 ، وفي مجال العلم الإلهي ممكن إن ترى كتابين هما : الأول : محموم قاسم ، نظرية المعرفة عند ابن رشد ، مكتبة الانجلو المصرية ، القاهرة ( د .ـ) ، والثاني محمود قاسم محي الدين بن عربي مكتبة القاهرة الحديثة ، ط1 ، القاهرة ، 1972 . في الأول بين ابن رشد المسجيين في مجال العلم الإلهي والثاني بين ابن عربي وليبنز في نفس الموضوع . 27- اتين جلسون ، روح الفلسفة المسيحية في العصور الوسطى ، ص 36 . 28- يوسف كرم ، المرجع السابق ، ص 32 – 33 . 29- المرجع السابق ، ص 33 . 30- عبد الرحمن بدوي ، فلسفة العصور الوسطى ، ص 32 . 31 – يوسف كرم ، المرجع السابق ، 34 . 32 –عبد الرحمن بدوي ، المرجع السابق ، ص 33 . 33- يوسف كرم ، المرجع السابق ، ص 34 . 34-عبد الرحمن بدوي ، المرجع السابق ، ص32 . 35- القديس اوغسيطين ( الاعترافات ) ، ص 148 . 36- عبد الرحمن بدوي ، المرجع السابق ، ص 33 . 37- يوسف كرم ، المرجع السابق ، ص 34 . 38- عبد الرحمن بدوي ، المرجع السابق ، ص 33 . 39- المرجع السابق ، ص 32 . 40- حسن حنفي ، نماذج من الفلسفة المسيحية في العصر الوسيط ، ص 18 هامش 1 . 41- عبد الرحمن بدوي ، المرجع السابق ، ص 63 ، وحسن حنفي ، المرجع السابق / ص 20 ، 13 . 42- المرجع السابق ، ص 63 ، يوسف كرم ، تاريخ الفلسفة الأوربية في العصر الوسيط ، ص 32 . 43- المرجع السابق ، ص 63 ، يوسف كرم ، المرجع السابق ، ص 33 – 34 . 44- حسن حنفي ، المرجع السابق ، ص 91 . 45- إن نظرية الإشراق لدى اوغسيطين سيكون لها شان لدى المدرسين باتجاهاتهم الثلاث لدى الاتجاه الاوغسيطيتي والاتجاه الارسطي الذي يمثله القديس توما وموقف دنس سكوت . 46- المرجع السابق ، ص 28 . 47- يوسف كرم ، تاريخ الفلسفة الأوربية في العصر الوسيط ، ص 36 . 48- المرجع السابق ، ص 36 . 49- جان كلود فريس ، القديس اوغسيطين ، ص 33 . 50- احمد محمود صبحي ، فلسفة التاريخ ، ص 166 – 170 . 51- برتران بادي ، الدولتان ، ترجمة : نخلة فريغر ، المركز الثقافي العربي ، ط1 ،1996 ، الدار البيضاء ، ص 18 – 19 . 52- موسيا الياد ، مظاهر الأسطورة ، ترجمة نهاد خياطة ، دار كنعانت للدراسات والنشر ، دمشق ، ص 66 53 – حسن حنفي ، نماذج من الفلسفة المسيحية في العصر الوسيط ، ص 210 – 211 . 54 – توما الاكويني ، الوجود والماهية ، ص 248 . 55- المرجع نفسه ، ص 148 . 56- برتراند رسل ، حكمة العرب ، ط2 ، ص 266 ، وأميل برهييه ، المرجع السابق . 57- توما الاكويني ، الوجود والماهية ، ص 250 ويشير المترجم في هامش (2) ، وانظر :/جواشون ، فلسفة ابن سينا ، ص 100 – 101 . 58- توما الاكويني ، الوجود والماهية ، ص 274 – 275 . 59- يوسف كرم ، تاريخ الفلسفة الأوربية في العصر الوسيط ، ص 178 . 60- اتين جلسون ، روح الفلسفة المسيحية في العصر الوسيط ، ص 79 – 80 . 61- المرجع نفسه ، ص 81 . 62- المرجع نفسه ، ص 91 . 63- المرجع نفسه ، ص 100 . 64- المرجع نفسه ، ص 124 . 65- المرجع نفسه ، ص 126 . 66- إميل برهييه ، العصر الوسيط والنهضة ، ص 174 . 67- برتران بادي ، الدولتان ، ترجمة نخلة فريغر ، المركز الثقافي العربي ، ص 23 . وتقرأ تبعا :CF. not tamment villey(m), Laformationde La pensee Juridique . moderne, Paris monch restien 1975. p.116. et suiv .67 68 المرجع نفسه ، ص 23 وتقرأ تبعا له Villey (M.) , “ Laicitte, incertitude.emoloilite . du. Droiut naturel” , al ., pratiquesdu.droit et conscience chretienne , Paris , lecerf , 1962 , p.110 et suiv . 69 االمرجع نفسه ، ص 24 . 70 المرجع نفسه ، ص 28 –29 . 4-الهوامش:المبحث الثالث 1. محمد عايد الجابري، صراع المعقول واللامعقول، في الفكر العربي المعاصر، مركز الانماء القومي م/ فكر عربي معاصر، مركز الانماء القومي ع/20، 21، 22، 1982، بيروت، ع 19، ص14، وانظر على او مليل، السلطة السياسية الثقافية مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1996. 2. المخيال. مخيال فردي او جماعي، والمخيال اشتقاق حديث وهذه المخيالات المتشكلة في اذهان البشر هي من تصرفاتهم وسلوكهم، انظر محمد اركون، الاسلام وأوربا، الغرب، ت هاشم صالح، دار الساقية، ط1 1995، ص22، ويرى (بول ريكور) انه ليس بسيط، ولكنه مزدوج ما يسمح باكتشاف بنينة الصراعية الداخلية، انظر محمد الجويلي، الزعيم السياسي والمخيال الإسلامي بين المقدس والمدنس دار سراي للنشر، تونس، 1992، ص34-35. 3. لغرض الوقوف على وجهة نظر المستشرقون انظر سعد محمود عبد العاني، مناهج المستشرقين، ط1، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، 1989، وانظر ادوارد سعيد، الاستشراق، المقدمة، ت، كمال ابو ديب، المؤسسة الابحاث العربية، ط1، بيروت، 1981. 4. محمد اركون، الاسلام وأوربا، المرجع السابق، ص26. 5. انظر محمد نور الدين افاية، الغرب والمتخيل والمركز الثقافي العربي ط1، الدار البيضاء، ص14-15-16 (حيث تصدر عن تمثيل صورة نمطية ملتبسة عن الذات والاخر بل تصبح قوة منتجة للأساطير والقصورات المغلوطة، ويغدو بالتالي متخيلاً حين يتحول من ماهو واقعي الى ما هو متخيل متمثل). 6. هشام جعيط أوربا والإسلام صدام الثقافة والحداثة دار الطليعة ط1 بيروت، 1995. 7. عبد الواحد ذنون، اثر الاندلس في الفكر الغربي في محور: اثر الحضارة العربية الاسلامية في الفكر الغربي، بيت الحكمة، 1997، ص72. 8. ادوارد جونو، الفلسفة الوسيطة. ت على زيعور دار الاندلس، ط2 ،بيروت، 1979، ص91. 9. اميل برهييه، العصر الوسيط والنهضة، ص61.
10. محمد المكي الناصري، قنوات الاتصال بين الثقافة الإسلامية والثقافة الغربية، سلسلة (الندوات) صادرة عن مطبوعات اكاديمية المملكة المغربية، مكناس، 1991، ص45. 11. مونتكمري واط، تأثير الاسلام على اوربا في العصور الوسطى، ت عادل نجم عبود، الموصل، مديرية دار الكتب والنشر، 1982، ص45 12. عبد الواحد ذنون، اثر الاندلس في الفكر الغربي في محور: اثر الحضارة العربية الاسلامية في الفكر الغربي، بيت الحكمة، 1997، ص72. 13. ادوارد جونو، الفلسفة الوسيطة. ت على زيعور دار الاندلس، ط2 ،بيروت، 1979، ص91. 14. اميل برهييه، العصر الوسيط والنهضة، ص61. 15. قاسم عبد قاسم، ماهية الحروب الصليبية، عالم المعرفة، الكويت، 1990، ص149 وانظر حول الحروب الصليبية، احمد شلبي، التاريخ الاسلامي، جـ5 القاهرة 1967، ص410 وانظر: ستيفن رنسمان، تاريخ الحروب الصليبية، ت : لبازالعريني، جـ1 بيروت، 1968، ص236-135. 16. محمود نور الدين افاية، الغرب المتخيل، ص21 17. وانظر:- الطاهر لبيب من تقديمه (صورة الاخر العربي ناظراً ومنظوراً اليه مركز دراسات الوحدة العربية، ط1 بيروت، 1999، ص19-25. 18. محمد اركون، الإسلام ، أروبا، الغرب، ت هاشم صالح، ط1، 1995، ص70.
5-هوامش المبحث الرابع 1- مراد وهبة وآخرون ، المعجم الفلسفي ، دار الثقافة الجديد ، ط2 ، 1971 ، ص 69 . 2- المرجع السابق ، ص 69 . 3- محمد الوقيدي ، فلسفة المعرفة عند غاستون باشلار ، دار الطليعة ،بيروت ، ط1 ، 1980 ، ص 147. يقدم باشلار توصيفاً لتاريخ العلوم اذ يقدم ثلاثة تصورات هي " 1- مفهوم العائق الابستمولوجي الذي يعبر به باشلار عن كل مظاهر التعطل أو التوقف أو النكوص التي تحدث في سير تاريخ العلوم ، 2- مفهوم القطيعة الابستمولوجية وهو المفهوم الذي يعبر به باشلار عن القفزات الكيفية التي تحدث في تاريخ العلوم ، 3- مفهوم الجدل وهو الذي يعبر به باشلار عن العلاقة الجدلية التي تقوم في تاريخ العلوم بصفة عامة بين القطيعات والعوائق ثم عن العلاقة الجدلية التي تقوم داخل العمل العلمي بين النظرية الرياضية والتحديب الفيزيائي " ، ص 107 . (*) الرهانات : يقول محمد أركون ( اقصد بكلمة ( رهانات ) هنا انخراط كل متكلم عن طريق خطاب في لعبة الصيرورة الكونية للعالم ، وانه منخرط على هيئة اللاعب تماما ، فلعبة صيرورة العالم تسبه اللعبة بالمعنى الحرفي للكلمة ) انظر : محمد أركون ، الإسلام ، وأوربا ، الغرب ، ترجمة هاشم صالح ، دار الساقية ، ص 24 . 5- فتحي أبو العينين ، صورة ألذات وصورة الأخر ، ضمن ( صورة الأخر العربي ناظرا ومنظورا إليه ، تعريب الطاهر لبيب ، مركز دراسات الوحدة العربية ، ط1 ، بيروت ، 1999 ، ص 812 ، دراسة قدم منه معالجة وافية لهذه العلاقة حيث ضمن تنوميات على ذات الموضوع المركزي . 6-المرجع نفسه ، ص 812 (*) المخيال ، مخيال فردي وجماعي والمخيال اشتقاق حديث وهذه المخيالات المتشكلة في أذهان البشر هي من تصرفاتهم وسلوكهم ، انظر : محمد أركون ، الإسلام وأوربا، الغرب ، ص 22 ، ويرى بول ريكور انه ليس بسيطا ، ولكنه مزدوج ما يسمح باكتشاف بنية الصراعية الداخلية ، انظر : محمد الجوبتي ، الزعيم السياسي والمخيال الإسلامي بين المقدس والمدنس ، دار سري للنشر ، تونس ، 1992 ، ص 34 – 354 . وانظر سعيد ملوس ، معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة ، دار الكتاب ، بيروت ، ط1 ، 1985 ، ص 87 . (*) الذاكرة الجماعية 7 - محمد أركون ، الإسلام ، أوربا ، الغرب ، ترجمة : هاشم صالح ، دار الساقية ، ط1 ، 1995 ، بيروت ، ص 75 . 8- فتحي أبو العينين ، صورة ألذات وصورة الأخر ، ص 813 . (*) نهاية التاريخ (*) صراع الحضارات (*/) حرب الإرهاب 9و10 – محمد أركون ، الفكر الإسلامي قراءة علمية ، ترجمة هاشم صالح ، بيروت ، مركز الإنماء القومي ، 1987 ، ص 157 وانظر : محمد عابد الجابري ، صراع المعقول واللامعقول في الفكر العربي الإسلامي ، العدد 20 و21 و22 ، بيروت ، مركز الإنماء لقومي ، 1982 ، ص 13 – 14 ، وانظر : علي اوسلسيل ، السلطة السياسية الثقافية ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، 1996 . 11- محمد المكي الناصري ، قنوات الاتصال بين الثقافة الإسلامية والثقافة الغربية ، سلسلة ( الندوات ) صادرة عن مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية ، مكناس ، 1991 ، ص 45 . 12 و13 – عبد الواحد ذنون كطه ، اثر الأندلس في الفكر الغربي ، ضمن ندوة فكرية ( اثر الحضارة العربية الإسلامية في الفكر الغربي ) بيت الحكمة ، سلسلة المائة الحرة ، 5 تموز 1997 ، ص 69 . 14- المرجع السابق ، ص 71 وانظر : W.M. Watt, A History of Islamic Spain Islamic Surveys4 , Edinbuigh,1967,p.171 . 15- مونكمري واط ، تأثير الإسلام على أوربا في العصور الوسطى ، ترجمة : عادل نجم عبود ، الموصل ، مديرية دار الكتب والنشر ، 1982 ، ص 45 . 16- عبد الواحد ذنون ، المرجع السابق ، ص 72 . 17- ادوارد جونو ، الفلسفة الوسيطة ، ترجمة علي راشد ، دار الأندلس ، ط2 ، بيروت 1979 ، ص 91 . (*) سؤال حيوي ومهم ممكن إن تلتمس الإجابة في كتاب ماهية الحروب الصليبية ص (18) محمد نور الدين افاية ، الغرب المتخيل ، المركز الثقافي العربي ، ط1 ، بيروت ، 2000 ، ص 124 ، 128 . 19- المرجع السابق ، ص 132 . 20- قاسم عبد قاسم ، ماهية الحروب الصليبية ، عالم المعرفة ، الكويت ، ص 149 وانظر : الحروب الصليبية ، احمد شلبي ، التاريخ الإسلامي ، ج 5 ، القاهرة ، 1967 ، ص 410 وانظر ستيفن رنسمان ، تاريخ الحروب الصليبية ، ترجمة لياز العربي ، ج1 ، بيروت ، 1968 ، ص 2326 ، 235 . 21 – محمود نور الدين افاية ، الغرب المتخيل ، ص 21 .، وانظر : الطاهر لبيب من تقديمه ( صورة الأخر العربي ) ص 19 ، وانظر :وانظر : مرسيا الياد ، مظاهر الأسطورة ، ترجمة نهاد خياطة ، دار كنعان للدراسات والنشر ، دمشق ، ص 66 22- محمد أركون ، الإسلام ، أوربا ، الغرب ، ص 70 . 23 – محمود نور الدين افاية ، من الغرب المتخيل ، ص 130 وانظر : الدكتور نبيل ساهاس ، الشخصية العربية في الجدل المسيحي مع الإسلام ، الاجتهاد ، ع 28 ، 1995 ، ص 127 – 128 . 24 – هشام معيط ، أوربا والإسلام ، صدام الثقافة والحداثة ، دار الطليعة ، ط1 ، بيروت ، 1995 ، ص 13 . 25- محمد عابد الجابري ، المثقفون في الحضارة الإسلامية ، مركز دراسات الوحدة العربية ، ط1 ، بيروت ، 1995 ، ص 27 . 26- محمد افاية ، المرجع السابق ( لم تكن الكنيسة منسجمة ولا موحدة وكانت هناك فوارق عقائدية ومؤسسية كبرى بين الكنيسة الشرقية والمسيحية الأوربية ) . 27 – قاسم عبده قاسم ، ماهية الحروب الصليبية ، ص 58 . 28- محمد نور الدين افاية ، المرجع السابق ، ص 13 – 14 . 29- رينيه جيرار كبش الفداء ، ترجمة : منار أنور ، دار شرقيات ، القاهرة ، ط1 ، 1998 ، ص 22 . 30- مختار الفجاري ، خطاب العقل عند العرب ، ط3 ، 1993 ، تونس ، ص 55 . 31- سامي ادهم ، تفكيك العقلي اللغوي ، م/ الفكر العربي المعاصر ، ع 70 -71 ، مركز الإنماء القومي ، بيروت ، ص 29 – 30 32- خوان بابا بوفتان ، العمارة وتفسيرها ، ترجمة سعاد عبد علي مهدي ، دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد ، 1996 ، ص 33 . 33- 34 – على وب الاستلاب والارتداد ، المركز الثقافي العربي ، ص 20 – 212. (*) وهذا الأمر يمكن إن يتطرق إلى النماذج المثالية للهيمنة الشرعية : الهيمنة القانونية التي هي ذات طابع عقلي ، والهيمنة التقليدية التي تقوم على الأيمان بقداسة التقاليد وشرعية الشرعية السلطة المملوكة ، والهيمنة الكاريزمائية التي هي ذات طابع انفعالي وتتطلب الثقة الكاملة برجل استثنائي ، بسبب قداسته وبطولته . او مثاليته ، انظر : جورج بالاندييه ، الانثربولوجيا السياسية ، مركز الإنماء القومي ، بيروت ، 1986 ، ص 402 .
الفصل الثاني هيمنة الدولة
المبحث الأول : هيمنة الدولة والخطاب السياسي
المبحث الثاني: اشكالية الحداثة
المبحث الثالث: إشكالية فلسفة التاريخ
المبحث الرابع: القراءات العربية والاستشراف
المبحث الأول : هيمنة الدولة والخطاب السياسي
المدخـــــل: مفهوم الدولة مفهوم حديث و التصدي له يعد مهيمنة سياسية شكلت سلطة عملت على إنتاج خطاب سياسي فرض قيمة على الأشياء بوصفه تصوراً للوجود فإننا إذ نتعامل مع مفهوم السلطة يكون فيه الإكراه أمرا أساسيا فالسياسة في الواقع ميدان محتكر من الطبقات المسيطرة يميل فيه الخاضعون للسيطرة لاعتقاد أنهم غير مؤهلين في هذا المجال: لذلك يقصون أنفسهم بأنفسهم من الحياة السياسية فيتنازلون عن سلطتهم في اخذ القرار(1). إن السلطة القائمة على ثنائية ( المسيطر – الخاضع ) يجب إن تقيم ثقافة تبرر هذا الوضع وتقيم مؤسسات تجعله مستمراً عبر إعادة إنتاج السيطرة لتحافظ على تلك الثنائية حيث لا وجود لأفكار محضة ذاك ان الانتاجات الفكرية ( مثل الفلسفة والإيديولوجيات وكذلك الأدب والخيال والإبداع تنبع من البنى الاجتماعية السائدة في زمنها )(2). على وفق المخيال الذي يمنح المسيطر الشرعية ويضع المسيطر عليه بذلك على هذا فالسلطة مرتبطة بديناميكية للهيمنة الثقافية حيث هناك ترابط بين المعرفة من جهة والقوة السياسية من مهمة ثانية حيث ( لايمكن أن ندرس الأفكار والثقافات والتاريخ بجدية دون الانتباه إلى دراسة محرك القوة أو بتحديد أدق تراثيات السلطة )(3). إما على المستوى الواقعي فالحديث عن مفهوم الدولة يشير الى الحديث عن صراع القوى بين الدولة باطارها العلماني من جهة والكنيسة باطارها اللاهوتي من جهة اخرى والتداخل والتقاطع بين الاثنين وما انتج ذلك من ثقافة واعادة انتاج السيطرة عبر القوة والثقافة معاً ، وهذا يقودنا ايضاً الى مفهوم الدولة ذاتها باطارها العلماني فانها ايضاً الموزع بين الملكية وسلطة الشعب لوجود اختلاف بين الاثنان على المستوى الطبقي بين الطبقة الاستقراطية النبيلة وبين الطبقة البرجوازية الوسطى حيث لكل منهما منظومته القيمية وهي تتوزع في الفن والادب والثقافة. انها تشكل صراعاً اجتماعياً وما يقدمه كل طرف من تمثيل عن الاخر يظهر في مخيال كل طبقة عن الاخرى وما يتم انتاجه من صور نمطية. هذا من جهة وبين سلطة الدولة والمجتمع المدني من جهة اخرى ونظرة كل مفكر الى مدى التعامل مع الدولة.
الاول: تأصيل مفهومي للدولة المعنى اللغوي يشير الى السيطرة ؛ فهي تدل على الاستيلاء والغلبة والشيء المتداول فيكون مرة هذا او مرة لذلك ويقال: ودارت الايام ودارت ، والله يداولها بين الناس وتدال احدى الفئتين على الاخرى ، ويقال: دالت عليهم والجمع الدول(4) فان اللغة تمنح الجذر السيطرة والغلبة والتداول بين الفئات. اما المعنى الاصطلاحي state فهي تنظيم سياسي يكفل حماية القانون وتأمين النظـــام لجماعـة من الناس تعيـش على ارض معينة بصفة دائمة. ويردّ جان بودان ( 1530-1596) سلطة الدولة الى سلطة الأب القبلي ، ويعتبر الدولة اتحاداً من عدد من الاسرات تحت سلطة حاكم ذي سيادة(5). وهناك تعريف أخر: أنها جمع من الناس مستقرون في ارض معينة مستقلون وفق نظام خاص. او هي مجتمع منظم له حكومة مستقلة وشخصية معنوية تميزه عن غيره من المجتمعات المماثلة له. فالدولة اذن هي الجسم السياسي والحقوقي الذي ينظم حياة مجموع من الافراد يؤلفون امة والفرق بين الدولة والامة ان الدولة هي الامة منظمة في حين ان الامة جماعة من الناس تجمعهم صفات واحدة ومصالح واهداف مشتركة(6). والدولة هي نظام كلي يشرف على امور المجتمع برمتها، ولهذا النظام أحكام وقوانين شرعية يطيعها الافراد ويخضع لأوامرها لانها صممت من اجل ضمان سعادتهم وراحتهم وتحقيق اهدافهم وحل النزاعات التي قد تنشب بينهم. والدولة لا تعتبر مصدر القوانين فحسب بل هي القوانين ذاتها ، حيث ان هناك ترادفاً بين مصطلح الدولة ومصطلح القانون(7). لكن الدولة هي القانون الكلي الوحيد من نوعه في المجتمع فهي التي تشرع القانون وهي المنفذة له محتكرةً استخدام الاكراه ( بادعائها تحقيق الصالح العام للدولة والشعب على حد سواء )(8). وقد ذهب ( ديجي ) الى تبرير خضوع الدولة للقانون بنظرية التضامن الاجتماعي. وعلى أي الاحوال فان الادارة في الدولة القانونية ليس لها ان تتصرف الا بموجب نص قانوني(9) وهنا تظهر هيمنة الدولة باعتبراها مصدر القرار والذي يعمل على تنفيذه لكنها مرت بمراحل طويلة حتى تشكلت بهذه الصورة ويعطي هابر ماز للمفهوم الحديث عن الدولة ازدواجية (( الدولة القومية )) حيث يقول: لم يستطع الشكل ما – قبل – الحديث للامبراطورية التي توحَّد شعوباً كثيرة كما كانت حال المملكة الرومانية القديمة والروسية والعثمانية. وقدَّمت ضمانةً للتصرف الفردي والجماعي في الفسحة التي تخلو من الدولة. وكما خلقت الدولة الرسمية قاعدة التجانس الحضاري والاثنين التي جرى على اساسها منذ اواخر القرن الثامن عشر تحويل الدولة الى ديمقراطية وقد انبثقت الديمقراطية والدولة القومية كتوأمين من الثورة الفرنسية اما من ناحية حضارية فكلاهما يوجدان في ظل القومية وينعكس تاريخ نشوء الدولة القومية في تاريخ مفهوم الانة Natio فهذه الكلمة كانت تعني عند الرومان إلهة الولادة والاصل فالامم جماعات اصل متدرجة جغرافياً بوساطة المسكن والجوار وحضارياً بوساطة الاشتراك في اللغة والعادات والتقاليد لم تندمج سياسياً بعد في تنظيم رسمي ويستمر استعمال مفهوم (( الامة )) بهذا المعنى في القرون الوسطى ، وقد دخل هذا المفهوم الى اللغات الشعبية في القرن الخامس عشر. حتى كانط يقول: (( ان الجمهور الذي يعرف نفسه متحداً بوساطة الاصل المشترك وبانياً كلاَّ شعبياً يدعى امة ( gens ). ولكن استعمالاً لغوياً منافساً لهذا الاستعمال نشأ في بدايات العصر الحديث فصارت الأمةُ حاملةً للسيادة فقد مثَّلت الطبقاتُ (( الأمةَ )) تجاه (( الملك )) وتداَخلَ منذ أواسط القرن الثامن عشر معنياً (( الأمة )) كجماعة الأصل الواحد و (( الشعب الدولة )). ثم أصبحت (( الأمة )) مع سياسي ((esﹸsiey )) والثورة الفرنسية مصدر السيادة الرسمية. فكلُّ امة يجب ان تمتلك حق تقرير المصير السياسي. وهكذا حلَّت الجماعةُ الإدارية الديمقراطية محلَّ السياق الاثني. وكما يقول الارنست رينان Ernest: (( إن وجود الأمة هو تصويت يومي ))(10) ومع هذا فان فكرة الدولة تبقى قائمة على الإكراه والطاعة المقترنة بالخضوع (يميز الدولة عن غيرها من المجتمعات ، حقها في طلب الطاعة ).
ثانياً: العوامل التي أسهمت في بزوغ مهيمنة الدولة في العصر الوسيط وآثارها في ظهور بذور الدولة هناك الكثير من التصورات حول العلاقة بين الدولة والظروف التي أسهمت في ظهورها حيث تنوعت فهناك من يرى: بان ابتكار الدولة ليس له علاقة وطيدة مع نشأة رأسمالية السوق أو توسعها. فإذا كانت الدولة قد انطلقت في القرن الثالث عشر ، كما يوحي بذلك كثير من المؤرّخين ، فانه ينبغي أن نسلّم بأنها قد تطورت بفضل نمو الاقتصاد الريفي وتغذت منه. وإذا كان القرن الرابع عشر قد طبع بقوّة فترة ثانية من سياقة المؤسساتي، فينبغي علينا أن نقر ، بان الدولة عرفت أيضا كيف تتغذى من نتائج ألازمة الاقتصادية وبأن عملية التحول السياسي التي صنعت التاريخ الغربي تخضع لعوامل مستقلة الاستقلال التام . ان ابتكار الدولة امر سياسي بطبيعته ؛ ومن المحتمل ان يلامس هنا احد الابعاد الاكثر تعقيداً والاكثر غرابة للتطّور الغربي(11). أ- يشكل الإقطاع احد أثار هذا العصر. فان العصر الوسيط أسهم في خلق تجمّعات سياسية خاضعة للسيطرة ذاتها ، و جعلها تتأقلم مع المكان وتستقر. وقامت لعبة الأمراء على تركيز هذه العملية وتثبيتها ، وعلى مضاعفة الروابط بين أفراد البلاط والجماعات التي كانوا يحكمون سيطرتهم واختصار عليها حيث كانت اللعبة تقوم على العمل على ما سنته سلطتهم من اجل ضمان امنهم الذاتي فضلاً من ضمان امن رعاياهم. لكن عملية تصوير الدولة وكأنها نتيجة" للتجديد" فأنها تتجاهل المصادر الإقطاعية للنسق الدولاتي (( فالنظام الإقطاعي كان يقدّم للملك موارد هيّأ استخدامها المتعاظم هذه القفزة النوعية باتجاه نظام سياسي جديد: لاشك إن لجوء الملك إلى النظام الإقطاعي مهد السبيل تدريجياً لتهديم هذا النظام وأدّى إلى عملية احتكار للسياسي ... وتبقى مشكلة الانتقال من (( الإقطاعية الطارئة )) إلى (( الإقطاعية الإدارية )). وبالتأكد يمكن القول إن هذه القفزة النوعية نحو الدولة المبتكرة هي التي سمحت (( للسيد الإقطاعي الأعلى )) بدك النظام الإقطاعي من فوق ، بتحويل المنطق الهرمي إلى منطق مصادرة .. وقد توسعت شرعية الدولة القائمة على حماية الأمن وتقليص الشكوك ( لدى النبلاء ) وهذان أمران لا يعكسان تراجع العنف بقدر ما يعكسان مصادرته لمصلحة الدولة .. ومن فكرة الاحتكار فكرة المؤسسة العسكرية تقدم الدولة في ظهور الوظائف الدبلوماسية والعسكرية بشكل صيرورة من المؤسسات(12). ب- إشكالية الصراع بين الدولة والكنيسة واثر ذلك في ظهور هذا الشكل السياسي لقد قام الخطاب السياسي الغربي على انفصام تاريخي بين الأخلاق والسياسة ، فكان هذا الخطاب هو النتيجة التي أفضت إليها حالة الصراع بين الكنيسة والملكية على فرض سيطرتها على السلطة الزمنية أي الصراع بين فرض سلطة الكنيسة التي أعطت لنفسها حق مراقبة الملوك وعزلهم ، وبين سلطة الملك الذي حاول إن يجعل من حكمه ذا طابع قدسي عندما قدم نفسه بوصفه ممثلاً للارادة الإلهية وبالتالي (( الحق الإلهي )) كل هذه قاد كلا القوتين إلى تجييش مثقفيها دفاعاً عن سلطتها ، ومدى مشروعيتها ، فالسلطة الكنسية اعتمدت حق المراقبة والعزل التي منحتها لنفسها (( بعد إن تحوّلت المسيحية الرومانية شيئاً فشيئاً إلى كنيسة انطبعت تدريجياً بسمتين أساسيتين ، وهما السمتان المشتركتان بين البيروقراطيات كلها اولهما التخصص العائد إلى وظيفتها التقديسية والثاني البنية التراتبية وهي تردّ إلى تنظيمها حول سلطة منحها الله إيّاها ))(13) فظهر ما يسمى بـ (( الحق اللالهي )) للملك من خلال تاريخ الكنيسة الرومانية نتوصل إلى فهم ثابت مزدوج ففي كل مرة كانت هذه الكنيسة تستشعر أنها مهددة في نزاهتها كانت تتصرف كما يتصرف أي تنظيم بيروقراطي يرى نفسه في خطر فهي كانت تعيد رسم الحدود التي تفصلها عن الخارج ، وهكذا اظهر الصراع بين الكنيسة والملك انفصالاً (( بين الدين والدولة في الغرب ولكن السلطة الكنسية أرادت إخضاع الأمير سلطتها فكانت إستراتيجية الدولة التي سعت إلى الرد على موقف الكنيسة بان جعلت من الأمير جامعاً للسلطة السياسية والدينية معاً عبر مصطلح ( الحق الإلهي للملك ) السلطة الكنسية ردت على الملكية بطرح فكرة ( التعاقد ) وهي التي طرحت فكرة سلطة الشعب والتعاقد مع الملك. إن العامل الاقتصادي يشكل احد علامات سلطة الدولة: التي يمكن إن نلاحظ فيها على نحو مطرد أنها مرت من خلاله اقتصاديات اوربا وكان لها اثر في تطور النظام السياسي عبر الحقب آلاتية: أ- حقبة الإعداد في بناء الاقتصاد العالمي القديم ( الرأسمالية التجارية ) ( 1450-1776) ويمكن ملاحظة الدور السياسي للرأسمالية التجارية التي تجد أصولها في الطبقة الوسطى في العصور الأوربية الوسيطة – والتي لعبت دوراً سياسياً بالغ الأهمية في اوربا اذ تميزت العصور الوسطى الأوربية أساسا بالصراع الاجتماعي بين قوى ثلاث هي النبلاء والكنيسة ، والطبقة الوسطى – وكانت هذه القوى الثلاث تعكس مصالح اجتماعية متمايزة ، فالنبلاء هم القوة الاجتماعية المعبرة عن نظام الإقطاعي الذي اخذ يسود اوربا رويداً رويداً بعد إن انقسمت الإمبراطورية الرومانية إلى إمبراطورية غربية واخرى شرقية عام 395م وقد سقطت الغربية على أيدي القبائل الجرمانية 476. ومن هذه الطبقة الوسطى النامية ، اخذ يتوافر عماد الحركة المركزية المتموضعة في أقطار محددة الإقليم في مواجهة النزعة الإقطاعية أو الفيدرالية للنبلاء والنزعة العالمية للبابا وكنيسته الكاثوليكية وقد دار الصراع بين هذه القوى الاجتماعية الثلاث: النبلاء والكنيسة والطبقة الوسطى نابعاً – كما مر بنا – من تباين المصالح الاجتماعية مؤدياً الى ثلاثة اتجهات متباينة هي: الاتجاه الاقطاعي والاتجاه العالمي الروحي ، والاتجاه الملكي المركزي. فقد واضب الملوك والطبقة الوسطى على تأكيد النزعة المركزية ومخاطبة الشعب وتحقيق بعض الإنجازات ومنها: إنشاء مجالس تمثيلية تقوم على مبدأ الانتخاب والأغلبية وكان لها دور بالغ الأثر في تشكيل إرادة لها صفة الجماعة نسبياً مما وطد نفوذ المركزية ثم قامت دولة مركزية في نهاية العصور الوسطى بدءاً من بريطانيا في أواخر القرن السادس وبعدها فرنسا وأسبانيا. ولما ظهرت حركة الإصلاح الديني في القرن السادس عشر اكتسى الولاء المذهبي طابعاً قومياً وقد تحالف الملوك مع حركة الإصلاح الديني ذات الشعبية الواسعة وانتهى الأمر بتوطيد سلطة الملوك بفرض النزعة العلمانية ، وقد تقدمت الطبقة الوسطى على جناحين من المركزية والعلمانية في القرن السابع عشر والثامن عشر وأفرزت في ذينك القرنين (( رأسمالية تجارية )) وقد استطاعت هذه الرأسمالية إلغاء جميع التعريفات الجمركية والاحتكارات المحلية وعوائق الاتصال وان تقيم بالتالي سوقاً واحدة في كل دولة واحدة وبذلك توفرت حياة اقتصادية مشتركة دعمت اثر اللغة المشتركة التي تكونت تدريجياً في العصور الوسطى. ولكن يمكن إن نحدد ابرز النتائج السياسية التي أفرزتها ظهور الطبقة الرأسمالية الأوربية فيما ياتي:ـ علمانية النظم السياسية وسلطان الدولة المركزية على وحداتها كافة ومبدأ القومية كأساس لتكوين الدولة(14). إلى جانب هذا تمت إحداث رافقت ذلك منها الاكتشافات الجغرافية الكبرى في القرن الخامس عشر حيث رفعت المبادلات القائمة بين مختلف بلدان أوربية وسرعان ما جاء ذهب أمريكا وفضتها فاغرقا اوربا وتسرب إلى كل ما في النظام الإقطاعي من ثغرات وصدوع بصفتها عناصر تهديم ، ولما كان الإنتاج الحرفي لم يعد يكفي لسد الحاجات المتزايدة استبدل في البلدان المتقدمة بنظام المعمل اليدوي(15). ب- الحقبة الرأسمالية الصناعية المبكرة 1776-1870 لقد قامت رأسمالية تجارية من رحم الطبقة الوسطى وأخذت تغذ حثيثاً مسيرة تطور أوربا البرجوازية اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً ، فكانت الرأسمالية التجارية قد قطعت شوطاً كبيراً في تحقيق (( التراكم الأولى لرأس المال )) ومهدت الطريق لنشأ (( الرأس المال الصناعي )). لقد شهد بناء النظام الدولي للرأسمالية في هذه الحقبة ظاهرتين أولاهما: تباطؤ حركة السيطرة ( الأفقية ) لأوربا على العالم الخارجي وهذه الظاهرة تعود إلى انشغال أوربا في حركة الاختمار والتغيير التي شهدتها ثم إن بريطانيا كانت قد أصبحت تملك من القوة الاقتصادية والبحرية ما يؤهلها للوصول إلى جميع المستعمرات دون عائق ثم ظهور مذهب الحرية الاقتصادية والظاهرة الثانية: هي تكثيف (( التوسع الراسي )) في المستعمرات .. وتعود هذه الظاهرة إلى ظهور الرأسمالية الصناعية بالذات.اذ كانت هذه السلع محل تبادل نظراً لندرتها وطابعها الكمالي والبعد الجغرافي بين طرفيها غير معروفة القيمة ومن ثم غير محددة الثمن وهو ما اتاح للطرف الأوربي بفعل تفوقه العسكري والاقتصادي ان يمارس النهب الواسع والتحويل المباشر للقيمة عبر ممارسة القهر. لكن ظهور المصنع كان يقتضي احداث انقلاب في هذه العلاقة كلها: فالمصنع ينتج سلعاً جاهزة للاستخدام وانتاج هذه السلع للانتاج والمنتجين – من جهة اخرى ، ومن هنا يتعين التركيز على تحويل المستعمرات الى منجم وسوق(16). ج- الحقبة الثالثة هي الرأسمالية الصناعية المتقدمة والرسمالية المالية ( 1870-1914). بعد الثورة الصناعية التي تركزت اهم الخصائص الجديدة لعملية التصنيع في اثنتين: الأولى: الانتشار الجغرافي لهذه العملية بحيث شملت جميع دول اوربا الغربية تقريباً وصولاً إلى الولايات المتحدة واليابان. الثاني: الامتداد الرأسي لعملية التصنيع بحيث انتقلت من نمط التصنيع القائم على صناعات السلع الاستهلاكية إلى نمط التصنيع القائم على صناعات السلع الرأسمالية. وكان لهذا تأثير على النظم الاجتماعية إذ شهدت الدول الأوربية في حقبة 1870-1914 تغير في نظمتها الاجتماعية تمثلاً في تبلور الطابع البرجوازي لها جميعاً ... ونقصد بتبلور الطابع البرجوازي تبلور الأساس الاقتصادي للطبقة الرأسمالية ( أو البرجوازية ) وتوسع أدوارها السياسية(17). إما على المستوى السياسات الخارجية: فقد تبلور نظام جوهره يقوم على الإمبريالية Imperialism والكولونيالية حيث يعبر هذا المفهوم عن المضمون الذي تقدمه الرأسمالية الصناعية المتقدمة والرأسمالية المالية في علاقتها بالعالم الخارجي ويصل بنا هذا التحديد إلىالمفهوم الإمبريالية التي تقوم الإمبريالية على الحقائق آلاتية: 1- إن الإمبريالية تجد جذورها في التقدم النوعي للصناعة بالتطور الشامل والسريع لصناعات السلع الرأسمالية ، وفي التفاوت بين الدول الرأسمالية ومن جهة والعالم غير الاوربي من جهة أخرى وفي طبيعة النظام الاجتماعي للرأسمالية القائم على الاحتكارات وسيطرة البنوك ورأس المال الحالي. وأخيرا في طبيعة الميكانيزمات السياسية الخارجية للدول الساعية إلى السيطرة. 2- إن الإمبريالية مرت بمرحلتين زمنيتين أساسيتين تبدأ اولهما من 1870 إلى 1900 وفيها تم التحضير أو التشكل التدريجي لملامح الإمبريالية .. فقد شهدت النمو الحثيث المتدرج للاحتكارات والبنوك الكبرى ورأس المال ، وللصناعات الرأسمالية والثقيلة خاصة ، والتحالفات السياسية الثابتة في القارة الأوربية. وثنيهما: تبدأ من 1900 إلى 1914 وهي مرحلة (( التطور الطبيعي للرأسمالية والإمبريالية )). وعلى أساس الملامح التي تشكلت تدريجياً ثم تحددت نهائياً اخذ التطور يسير في مجراه الطبيعي الجديد ليصوغ حياة البشرية. 3- إن الإمبريالية نزوع Tendency أو توجه Orientation ناحية السيطرة .. ولذلك فإن الامبريالية ليست هي النظام الدولي للرأسمالية ، أنها بالا حرى الشرط الضروري لقيام هذا النظام. 4- إن الإمبريالية حقيقة شاملة ، اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية وعسكرية(18) وهذا أدى إلى ظهور الكولونيالية Colonialism وهي ( اقامة وترسيخ الحكم – فترة ممتدة من الزمن – على شعب غريب عن القوة الحاكمة ومنفصل عنها وخاضع لها )(19). لقد ظهرت ملامح جديدة لهذه الحقيقة التي جاءت نتيجة لهذا الصراع بين الكنيسة الدولة والذي قاد إلى حدوث قطيعة معرفية وقيميه بين الاثنين ويمكن ملاحظة ذلك في التأثيرات آلاتية: 1- التأثيرات المعرفية والقيمية: على مستوى المنهج والرؤية ، حيث نلاحظ إن المشاكل التي واجهتها الحداثة كفكر وكفاية في مهيمنة الدولة كانت ترمي إلى إحداث تطور وحل للمشاكل التي خلقها النمو المدني والاقتصادي والسياسي من هنا كانت إشكالية الحداثة التي هي جملة المشاكل التي واجهها الفكر الغربي من اجل إيجاد حلول لها وسعياً إلى بناء رؤية ومنهج يشكلان استجابة ، ويخلقان قطيعة مع تلك القيم التي عبرت عن فكرة (( العصر الذهبي )) فقد كانت الكنيسة ترى إن تاريخ البشرية هو تاريخ تدهورها وان الفكر هو تاريخ أخطائه مثلما كان التاريخ بصفة عامة تأريخ إحداث يتخذ صورة حوليات تقف عند إثبات الوقائع في تفردها وتشتتها ، فكذلك كان تاريخ الفكر تاريخ أراء وفرقاً وأشخاصا(20) فكانت تشكل قيماً هي قيم الطبقة المستفيدة الإقطاعية المتحالفة مع الكنيسة(21) وهكذا جاءت المعرفة فاعلة في الأتي: أولا:ـ النزعة النقدية القائمة على استبعاد مكونات الفكر الفلسفي والعلمي الوسيط الذي لم تمر مكوناته من منافذ المعرفة ( الحواس والعقل ) بل مرت إلى العقل عبر التبني. ثانياً:ـ اعتمدت البنائية تشكيل منهج جديد ينجز المهمة الأولى (( النزعة النقدية )) ورسم إبعاد نظرية معرفية جديدة للعالم والطبيعة ومجتمعاً وانساناً وينجز عن طريق الاعتماد منهج علمي يباشر بهدم المرتكزات الفكرية لنظرية ( بطليموس والعمل على تشكيل مرتكزات جديدة تشكك بموقع المرتكزات السابقة وترفض اللاهوت وتعمل على بناء نظرية علمية(22) وكان لـ (( كوبر نيكوس )) ( 1473-1543 ) الفضل الكبير في بناء ملكة جديدة وأكدها ( كلير ) ( 1571-1630 ) ثم نشاط غاليلو ( 1564-1642 ) الفلسفي والعلمي وعمل فرنسيس بيكون ( 1561-1626) على مستوى المنهج العلمي وكان الفرق بين (( ديكارت )9 ( 1596-1650). إن ثورة ( ديكارت ) الحقيقة ترتبط بذلك الأساس التحريري للعقل من سلطة الماهيات ، والمعرفة بالماهيات ، التي كانت شارة حضارة ما قبل العلم التجريبي. وبما كانت أساسية الثورة الديكارتية ترتبط حتما بتحول معاناة الاغتراب الحضاري ، من مسألة الأصل الإلهي أو الطبيعي للإنسان ، إلى مسألة تأصيل الإنسان في عالمه الموجود هو فيه ، والموجود قبله وبعده ، فما دام العقل يتوجه أولا إلى معرفة هذا العالم ، فانه لابد إذن من قيام منهج ، بدلا من تلقي الاعتقاد(23). كان لذلك التقدم العلمي اثر في (( إعادة قراءة التراث السابق وتقويمه من زاوية نقدية))(24) يقوم على اعتماد منهج علمي أي الذي يعتبر مستقلاً عن الإنسان الفرد نوعاً من الاستقلال هو المعيار العام الذي كانت تقاس به المعقولية والأخلاقية ..الخ والمنظومات الفلسفية الكبرى منذ أفلاطون وأرسطو إلى فلاسفة القرون الوسطى والمذاهب الفلسفية المثالية في العصر الحديث ، حتى المادية منها كالماركسية ، كانت مؤسسة كلها على تصور موضوع للعقل: فنظام الطبيعة واطراد الحوادث فيها وفق قانون السببية الذي يعبر عنه بالقول مأمن شيء الأ ولة سبب ، هذا الاطراد والقانونية السببة بتوافقات مع نظام العقل البشري وكأن هذا جزءً من ذاك أو مظهراً من مظاهره. والمعقولة هي توافق وتطابق الفكرة مضموناً ونظاماً مع موضوعها ونظامه ، فالشيء يكون معقولاً عند ما تكون موجودة في الأذهان مطابقاً لوجوده في الأعيان ومثل ذلك القيم الأخلاقية التي تتمتع بنوع من الاستقلال عن الفرد ، فالخير خير ليس فقط حسب رأي هذا الشخص أو ذاك بل هو كذلك في نظر جميع الناس. فكأن (( الخير )) موجوداً في مستقل الإنسان. ومن هنا كانت المعقولية ، معقولية الحوادث ومعقولية السلوك البشري(25). بالمقابل كان العقل الادواتي هو ملكة التصنيف والاستقراء والاستنتاج التي يتميز بها الإنسان التي هي عبارة عن نشاط تجديدي تقوم به حينما تمارس عملية التفكر. وما يميز هذا (( العقل الاداتي )) هو انه يولي كل عنايته واهتمامه للمنهج. أي لطريقة عمله بغض النظر عن محتوى الموضوع الذي يمارس على فاعلته. فهي إذن مجرد أداة ووسيلة لتحصيل المعرفة بالموضوع وهو (( ذات )) لان شغله الشاغل خدمة ألذات والمحافظة على الفرد والجماعة .. لان اهتمامه الوحيد هو المنفعة الذاتية(269. وقد ترك هذا المنهج أثرا بعيداً عن العلاقة بين السياسة والأخلاق لدى الغرب الذي جعل السياسة بعيدة عن الأخلاق بل المنفعة هي الدافع الوحيد له. حيث عملت الرأسمالية على تنظيم المجتمع بأسره لصالحها على صوتها للمها كايدولوجيا تطعن بالايدولوجيا المضادة.
ثالثاً:ـ سلطة الدولة والمخيال السياسي بعد الحديث الذي تطرقنا فيه إلى تجذ ير مفهوم الدولة وملامح تشكلها عبر الزمن نود هنا تناول المخيال السياسي الذي أقامته السلطة السياسية باعتباره يشكل المسوغ لوجودها، وتضفي علها المصداقية إن المخيال يشكل خطاباً إعلاميا وسياسياً لكن هذا الخطاب يقوم على ثلاث ركائز: السلطة الفاعلة واللغة التي تشكل كل ذلك المنتج الفلسفي والأدبي الذي يدور حول الدولة متخذاً منها مجال التأمل بوصفها مركزاً لخطاب والغاية منه مقولتا: الزمان، والمكان، اللذين يشكلان محيط التخيل بل الحديث عن المركزية الأوربية كونها تشكل التفوق المكاني الأوربي باعتبارها تمثل تفوقاً معرفاً وحضارياً، وتشير إلى الزمان الذي يؤكد على الزمن المستقبل الذي يتحقق بحق الحكم بالرفاهية والتقدم والتفوق العلمي والحضاري الذي يغدو الأجل الذي حرك تلك الحضارة الآلية التي تحكم بالهيمنة على مقدرات الكون وجعلها في محل السيطرة لجنسها المتفوق فهي الثلاثة :السلطة ، واللغة ، ومقولتي الزمان والمكان يمثلان محور الخطاب التخيلي الذي تم إنتاجه إعلاميا موجه إلى الرغبة الفردية التي مثلها المواطن الذي يتلقى هذا الخطاب للدولة التي تمثل دولة الرفاهية. ويمكن إن نستعرض هذه البنية بالاتي: 1- السلطة: إن السلطة تحول من قوة اجتماعية إلى سلطة عندما تحول من مجرد قوة تصارع مع غيرها من القوى كما كانت البرجوازية قوى اجتماعية دخلت مع باقي القوى الاجتماعية سواء الإقطاع كانت أم العمال إلى أنها تحولت إلى سلطة عندما أخضعت غيرها إلى مقدراتها فان السلطة تقتضي أيضا وجود ما هو خاضع تابع أي مركز تمثله السلطة وإطراف تابع لها. وقد مرت السلطة السياسية بمرحلتين ؛ الأولى الملكية والثانية الدولة ونموذجها الجمهورية ومن الملاحظ هنا هو إن الخطاب لدى كل منهما متغير: 1- الملكية: لقد تناولنا ظروف ظهور الملكية عبر مفهوم الحق الإلهي للملك وألان نتناول مفهوم الملكية بوصفه أول مظاهر مفهوم الدولة فهي تمركز حول سلطة الملك حيث كانت سلطة جديد تولد متعددة الأسلحة إلا إن القانون(26) الذي يتخذ من الملك مصدره. إلا إن ( القانون شرعي الملك بنظرة وينظر رعاياه ). إن الخطاب السياسي يقوم على العنف فهو الذي طالب به ميكيافلي ( 1469-1527 ): (( هناك قاعدة امة بالنسبة للشعوب أنهم ينتقمون من ظالمهم إذا كانت الأضرار التي لحقتهم من الظلم تافهة ولكنهم يعجزون عن الانتقام لأنفسهم ممن يلحق بهم اكبر الظلم يعجز معه الشعب على الانتقام ))(27). إن العنف والعنف المفرط هو الأداة الفعالة في فرض الطاعة على الرغبة وعلل هذه (( على الأمير إلا يخشى أن يوصف بالقسوة ، فقسوته اشد رحمة من الأمراء الذين يتمادون ،إلى درجة تجلب الفوضى ، هذه ستصيب الشعب كله ، إما القسوة فلن تصيب إلا الأفراد ، امتماهيا أكثر منه محبوباً فان الثانية هي الأفضل ، فالشعوب بطبيعتها تحترم القوي أكثر من أن تذكر الجميل يحسن ، وهي أسرع إلى الإساءة إلى من تحب منه إلى من تهب لان الحب مرتبط بالنفع ، فإذا ذهب نفع الأمير ذهب عنه حبه له ، إما الرهبة فأساسها العقاب ، وخوف العقاب لا يزول ، الشعوب تحب وتكره بإرادتها ولكنها نهاب الأمير بإرادته والاحتفاظ بالسلطة إنما يرجع إلى القسوة الحكيمة(28). الملاحظ أن الأمير في هذا النص السياسي يتحول إلى مقياس مركزي وان العنف يُعد الوسيلة المتميزة ويذكر (( هويز )) ( 1588-1176 ) هذه المسألة عندما يؤكد أن سيرة الإنسان كلها قائمة على غريزة حب البكاء ، وكانت هذه الغريزة بالإضافة إلى الحياة الإنسانية كالحركة بالإضافة إلى الطبيعة. من الخطأ الاعتقاد بغريزة اجتماعية تحمل الإنسان على الاجتماع والتعاون ، وإنما الأصل أو ( حاله الطبيعة ) أن الإنسان ذئب للإنسان وان الكل في حرب ضد الكل ... بيد أن الطبيعة الإنسانية تشتمل على العقل إلى جانب الهوى ؛ والعقل المستقيم يحمل الناس على التماس وسائل لحفظ بقائهم اقل ... لهذا طلب السلم الذي أشترط ان ينزل كل فرد عن حقه المطلق في حالة الطبيعة ، فينزل الناس عنه صراحة أو ضمناً إلى سلطة مركزية ، وقد تكون فرداً أو هيأة تعمل لخير الشعب فتحل الحياة السياسية محل حالة الطبيعة ) (29). وهكذا يظهر مفهومان الأول(( إلا من)) الذي يوجب المفهوم الثاني هو (( التعاقد )). انه امن مشابه لذلك الذي يقول به (( ميكيافلي )) إلا انه هنا على الرغم من اختلف عنه من خلال استبعاد العنف بشكله المباشر إلا أن التعاقد مبني على الحاجة حيث الإنسان مكره على أن يتخلى عن حريته مقابل الحصول على (( الأمن )) الذي يحقق منعه. ويضع ( هويز ) قوانينة التعاقدية (( لا تصنع بالغير ما لا تريد ان يصنع الغير بك )) حيث يمضي (( هويز )) إلى تبرير السياسة الملكية القائمة سبقاً ويسبغ عليها الشرعية عندما جعل تمثل حكم القانون الطبيعي بعد استبعاده إشكال الحكم الأخرى مثل الديمقراطية التي أنموذجها ( فما هي الاستقراطية خطباء )(30) لهذا يؤكد ان أرقى إشكال الحكم هو الملكي المطلقة الذي له في تقرير المعتقدات الدينية والقواعد الأخلاقية وجعل هذا هو الذي يحقق الأمن وألا عدنا إلى التخاصم والتنابذ. إلا ن كلا من ميكافلي وهويز مرتبطان بالشكل السياسي الذي عاش في كنفه بين الأمارات الإيطالية، وبين الملكية الإنجليزية وترى في هذه المواقف بداية الطلاق بين الأخلاق والسياسة ( الطلاق قائم بين الأخلاق والسياسة ، لان فلاسفة الأخلاق يحلقون في دنيا الأحلام بينما السياسة تستند إلى قوى الواقع والحقائق الملموسة )(31) وهذه نصوص سياسة تخيلية حاولت إسباغ الشرعية على النظم الملكية الأميرية التي يعمل هؤلاء الفلاسفة في كنفها. فهي تقوم على المنفعة القوة عند ميكافلي والأمن والتعاقد عند هويز إلا أنها كلها تخضع إلى الارتهان الكامل لسلطة الملك وتشرعن العنف الذي نشأ داخل قضائه السياسي. ( فالفلسفة السياسية التي تستلهم التعاقدية سعت إلى تبيان ذلك بعناد وإصرار وخلصت بعد جهد إلى فرضية مفادها: ان هذا الاستلاب الطوعي لم يكن ليحصل ويصبح مشروعاً إلا مقابل الأمن الذي كان قدمه .. لا شك ان الدولة قد وجدت ، منذ تأسيسها ، في فكرة الأمن ليس ميزتها فحسب ، بل أيضا المصدر الهائل لقبول عملها. وهو قبول قد تمّ اكتسابه فيما بعد ، لان الواجب السياسي لم يعد له ما أسس مسبقه ترتبط بالعقيدة الدينية أو حتى بالإخلاص. كما كان عليه الحال في المجتمع الإقطاعي ، بل كان هذا الواجب ستمد من معانيه المنفعة معاينه عقلية(32) هكذا يتشكل مخيال ساسي يتخذ من الأمر أو الملك محوراً للرغبة بوصفه يشكل الأمن والمنفعة اللذين يمكن تحقهما للشعب المطيع ، وكل ما هو عكس هذا شكل المحور المعادي المفارق للقانون الذي يشكل شذوذاً يوجب المعاقبة باعتباره يعتدي على حق الملك ولهذا يظهر التعذيب بوصفه أعظم وسيلة للسلطة الملكية حيث يتم تقطع المجرمين ورشهم بالزيت المغلي ، وفي هذا يظهر التعذيب طقساً سياسياً. وكان القانون يُعتبر رمزاً لادارة الملك وكل من يخالفه يتعرض للغضب الملكي ، لان كل مخالفة تشكل اعتداء عنيفاً على جسد الملك الذي لابد ان يرد على الاعتداء وهذا الرد يشكل عرضاً مفرطاً للقوة ( كان لابد من تُبين للجمهور القوة والعظمة المخيضتين للسلطة المتمثلة بالقانون )(33). لكن هذه السلطة لم تعدم المخالفين لها ورافضين لتلك النصوص التي بررت السلطة الملكية وهكذا جاءت الأفكار المقاومة آلاتية عند كل من: 1- جون لوك: في حقبة جديدة تمثلت بظهور الطبقة البرجوازية التي كان لوك خير معتل لها بل يشكل هذا الخطاب الذي يرى أن الحالة الاجتماعية الطبيعة هي حالة يسودها القانون الطبيعي ، أي حالة سلم وحرة يتابع فيها الإنسان مصالحة بحرية طالما لا تنتقص من حرية الآخرين. ولكن ، تنقص هذه الحالة الضمانات اللازمة لسن وتفسير وتطبيق القانون عينياً. والمجتمع المدني هو الرد على هذه الحاجات ، أي إيجاد سلطة تسن القوانين وتفسيرها وتنفيذها بشكل محايد ومعترف به اجتماعياً وبانسجام مع قانون الطبيعة والقاعدة. ان المجتمع ينظم نفسه تلقائياً دون دولة والسلطة ليست نفياً مطلقاً للحالة الطبيعية ( المجتمع ) فالحالة الطبيعية تتدبر ذاتها دون دولة(34). وهذا التصور الذي يقدمه ( جون لوك ) معارض لتصور ( هوبز ) إذ نجد بين الاثنين تفادياً كبيراً وهذا يعود إلى تغيرات اجتماعية وسياسية رافقت ظهور البرجوازية التي سوف يكون لها تصور أكثر تأثيراً في الثورة الأمريكية والفرنسية حيث تبدت فكرة جديدة لمفهوم الدولة. 2- ظهور صورة أخرى لمهيمنة الدولة: لقد ظهر خطاب جديد للدولة يقوم على تصور جديد لنظرة التعاقد الاجتماعي التي تختلف عن نظرية هوبز إذ لم تعد الجريمة اعتداءً على جسد الملك إنما كان انتهاكاً لشروط هذا العقد الذي يكون المجتمع بأسره ضحية له. فمن حق المجتمع ان يرفع الأذى الذي الحق به وعليه واجب المعاقبة فان المعيار الذي تستند إليه العدالة لم يعد الملك وانما (( إنسانية )) الفرق جميعها ألموقعه على العقد الاجتماعي(35). وهذا الولاء جلُه يعود إلى الدولة اذ ظهر ( داعي المصلحة العليا للدولة ) وهي تمثل السعي إلى إخضاع أجساد الرعايا لنظام أكثر صرامة إلى توسيع مجال السلطة من اجلها بالذات(36). وهكذا ظهر في خطاب الإصلاح التنوير (( الانسانوي )) في النصف الثاني من القرن الثامن عشر إذ أنشأت مجموعة من المصلحين الانسانويين خطاباً جديداً تصدى للعنف المفرط وتجاوزت السلطة الملكية وتعظيمات الجمهور الانتقامية جعل أكثر مما ترغب فيه قياسم شعور إنساني ، طفق المصلحون يدينون (( التكفير عن الجريمة بالفظاعة في التعذيب )) فهو مرض يجب الشفاء منه حيث طالب المصلحون الانسانيون بإلغاء مشهد الفظاعة. فهم يرون ان جوهر هذه المراسيم هو العنف(37) .
المبحث الثاني: إشكالية الحداثة الغربية
إن العنوان يحيلنا إلى تلك المشاكل التي واجهتها الحداثة بوصفها فكراً وغاية ترمي إلى إحداث تطور وحل للمشاكل التي خلقها النمو المدني والاقتصادي والسياسي من هنا كانت " إشكالية الحداثة " هي جملة المشاكل التي واجهها الفكر الغربي من اجل إيجاد حلول لها وسعيا إلى بناء رؤية ومنهج يشكلان استجابة، ويخلقان قطيعة مع تلك القيم التي عبرت عن فكرة " العصر الذهبي" فقد كانت الكنيسة ترى إن تاريخ البشرية هو تاريخ تدهورها وان الفكر هو تاريخ أخطائه مثلما كان التاريخ بصفة عامة تاريخ إحداث يتخذ صورة حوليات تقف عند إثبات الوقائع في تفردها وتشتتها، فكذلك كان تاريخ الفكر تاريخ أراء وفرق أشخاص(1). فكانت تشكل قيما هي قيم الطبقة المستفيدة الإقطاعية المتحالفة مع الكنيسة(2).وبما إن تلك القيم كانت تمثل مصالحها فكان لابد إن تدافع عنها ضد الطبقات الأخرى التي تسعى إلى إسقاطها وقد كان هذا دافع الطبقة المستفيدة التي اتخذت من حريق ( برنو ) ( 1548 – 1600 ) ومن إرهاب " غاليلو " ( 1564 – 1642 ) أسلحة ضد الفكر النهضوي الأمر الذي دفع ديكارت ( 1596 – 1650 ) إلى المهادنة، إلا إن ذلك لم يحل دون:
أولا - النزعة النقدية القائمة على استبعاد مكونات الفكر الفلسفي والعلمي الوسيط الذي لم تمر مكوناته من منافذ المعرفة ( الحواس والعقل ) بل مرت إلى العقل عبر التبني. ثانيا - اعتمدت البنائية تشكيل منهج جديد ينجز المهمة الأولى " النزعة النقدية " ويرسم إبعاد نظرية معرفية جديدة للعالم وطبيعة ومجتمعاً وإنسانا، وينجز عن طريق الاعتماد على هذا المنهج، إعادة قراءة التراث السابق وتقويمه من زاوية نقدية(3). تقوم على اعتماد منهج علمي يباشر بهدم المرتكزات الفكرية لنظرية بطلموس والعمل على تشكيل مرتكزات جديدة تشكك بموقع المرتكزات السابقة وترفض اللاهوت وتعمل على بناء نظرية علمية(4). وكان ل " كوبرنيكوس " ( 1473 – 1543 ) الفضل الكبير في بناء فلكية جديدة وأكدها ( كلبر ) ( 1571 – 1630 ) ثم نشاط غايليو (1564 – 1642 ) الفلسفي والعلمي. وعمل فرنسيس بيكون ( 1561-1626 ) على مستوى المنهج العلمي وكان الفرق بين ( ديكارت) على مستوى المنهج وبيكون إذ يقول " إذا بدأنا تأملاتنا باليقين انتهينا إلى الشك إما إذا بدأنا بالشك وتحملناه في صبر لحين من الزمن. فسوف ننتهي إلى اليقين(5) وذلك عكس شك ديكارت إذ الشك عنده يبدأ فعلا باليقين الذي يترتب على الشك بالذات أي اليقين ( الكوجيتو) ومن هذا اليقين تتولد ضروب أخرى من اليقين إما عند بيكون فان اليقين ليس البداية إنما النهاية التي تغلق باب كل بحث.(6)
وكان إلى جانب هذه ( النهضة العلمية ) الاكتشافات الجغرافية الكبرى في القرن الخامس عشر اكتشاف الطرق البحرية إلى الهند واكتشاف أمريكا قد دفعت التجارة بقوة إلى الإمام وتجاوزت من حيث الأهمية جميع المبادلات القائمة بين مختلف بلدان أوربية سريعا لقد جاء ذهب أمريكا وفضتها فاغرقا أوربا وتسربا إلى كل ما في النظام الإقطاعي من ثغرات وصد وع ، بصفتها عناصر تهديم ولما كان الإنتاج الحرفي لم يعد يكفي لسد الحاجات المتزايدة استبدل في البلدان المتقدمة عن غيرها بنظام المعمل اليدوي .
اخذ راس المال التجاري الذي كان من مصلحة تطوير الإنتاج ويوسع دائرة نشاطه إلى ما وراء المدن تعزز تطور الإنتاج الحرفي في الريف وبخاصةإنتاج النسيج فكان من ذلك إن دفع الحرفي البعيد عن السوق في تبعية المتعهد الرأسمالي وقد اتخذت هذه التبعية الإشكال التالية على التوالي : - يبيع الحرفي أول الأمر منتجاته بأسعار رخيصة . - ثم يتلقى من المتعهد بعدئذ نقودا أو مواد أولية على سبيل القرض يصبح عاملا يشتغل بتصنيع المواد الأولية التي تخص المتعهد مقدما من عنده إلته الخاصة لا غير (7).
كان النظام الإقطاعي يعوق التطور اللاحق لهذه القوى الجديدة تحول الى عائق وصار إلغاؤه ضرورة تاريخية(8). فلما ازدادت حدة اضطهاد الدول الإقطاعية للفلاحين وللجماهير البرجوازية الصغيرة والعاملة في المدن انفجرت الثورات البرجوازية الرامية إلى هدم النظام الإقطاعي مما فتح المجال إمام تطور الرأسمالية لقد جاءت هذه الظروف بالحركة الليبرالية التي تقودها الطبقة البرجوازية فقد اكتسب وعيا بنفسها وشرعت بتكوين استقلال خاص بها اتجاه السلطة وذلك عن طريق تأسيس قواعد ومبادىء وخلق ممارسات ومناقشات حرة عامة(9) .
1- المشروع الليبرالي الغربي :
- جون لوك (1632 – 1704) :وقد كان لها تأثير في فكره الذي انطلق من نقد السلطات السابقة ذات الجذور الدينية التي تقوم على أمر الله هو الذي قرر تلك القواعد وجعل لها عقوبات حيث وضع اسمي ونفعي محض لا يرى في المجتمع سوى سلطة أكثر فاعلية وأكثر استقرارا لقمع انتهاكات القانون وهذا الموضوع يحدد لهذه السلطة حدا واضحا دقيقا فالمواطن غير ملزم بطاعتها إلا إذا تصرفت بموجب قوانين ثابتة دائمة لا بموجب قرارات ترتجل من وقت لأخر وثمة سلطة اشتراعية لكنها لا تستطيع إن تفعل ما تشاء ولا تستطيع على الأخص إن تتصرف بأموال الرعايا بإخضاعهم لضريبة غير مقبولة منهم فالميثاق بين الرعية والعاهل ثنائي الجانب ومن حق الرعية إن تثور على انتهاك القانون ذلك هو اصل السلطة الملكية وتلك هي طبيعتها. كان هذا النظام السياسي انعكاساً لفكر سياسي عبر عن هذه الحقبة الجديدة أي سلطة البرجوازية التي ترفق الحكم الفردي وكان جون لوك من ابرز مفكري هذه الحقبة جديدة تمثلت بظهور الطبقة البرجوازية التي كان لوك خير ممثل لها بل يشكل هذا الخطاب الذي يرى إن الحالة الاجتماعية الطبيعية هي حالة يسودها القانون الطبيعي ، أي حالة سلم وحرية يتابع فيها الإنسان مصالحه بحرية طالما لا تنتقص من حرية الآخرين ولكن لا تنقص هذه الحالة الضمانات اللازمة لسن وتفسير وتطبيق القانون عينيا والمجتمع المدني هو الرد على هذه الحاجات ، أي إيجاد سلطة تسن القوانين وتفسيرها وتنفذها بشكل محايد ومعترف به اجتماعيا وبانسجام مع قانون الطبيعة والقاعدة . إن المجتمع ينظم نفسه تلقائيا دون دولة ، والسلطة ليس نفيا مطلقا للحالة الطبيعية ( المجتمع ) فالحالة الطبيعية تتدبر ذاتها دون دولة (10)
وهذا التصور الذي يقدمه _( جون لوك ) معارض لتصور ( هوبز ) إذ نجد بين الاثنين تفاوتا كبيرا وهذا يعود إلى تغيرات اجتماعية وسياسية رافقت ظهور البرجوازية التي سوف يكون لها تأثيرا كبيرا في الثورة الأمريكية والفرنسية .حيث بعد ذلك بحوالي قرن ، في دستور الولايات المتحدة الصادر في سنة 1787 نجد أيضا القضايا نفسها بالترتيب نفسه تقريبا . والولايات المتحدة نشأت جمهورية فلم تكن هناك مشكلة ملك إنما كانت السيادة بيد الأمة كلها . ويمثلها " الكونغرس " وأساسا مجلس الشيوخ أي مجلس ممثلي الولايات الأعضاء في الاتحاد الفيدرالي . ولذلك كانت القضايا هي تنظيم الضريبة ، أي لا ضريبة إلا بقانون الأمن الشخصي ونظام ألـ (Hebeus Corpus) ، سيادة القانون ، إن لا سلطة لأحد إلا بمقتضى للقوانين أضافت الثورة الأمريكية شيئا واحدا جديدا هو إلغاء الألقاب ، فكان أول مجتمع غربي يلغي الألقاب .(11)
2- مفكري عصر الأنوار: لقد مهد لثورة 1688 في إنكلترا أو الثورة في أمريكا وفرنسا حيث ظهر رجال عصر الأنوار لدى مونتسكيو في ( روح القانون) وجان جاك روسو في ( العقد الاجتماعي ) وقد نظر هؤلاء لتلك الثورة البرجوازية التي نفذت القيم القديمة واحل محلها قيم جديدة عبر نزعة مؤسساتية غرضها التحكم بالواقع والسيطرة عليه كليا وجعله في خدمة المشروع الاقتصادي الرأسمالي وقد اطلعت تلك النزعة أيضا بعمليات تشريع قانوني تهدف إلى منح المؤسسات التي تعتبر تبريرا عقلانينا لممارستها وقد كانت فرنسا قد ظهرت بها تلك المظاهر التي تركت تأثيرا على ألمانيا وهيجل على وجه الخصوص(12). اذتظهر أثار الحداثة في المشروع السياسي الفرنسي أو " إعلان حقوق الإنسان" 3- هيجل لقد كانت ألمانيا متأخرة عن إنكلترا وفرنسا وراح هيجل يحلق في أجواء الماضي مفلسفا التاريخ باحثا في ، ومن خلاله عن حل امثل لقد كان هناك قديم لم تتوفر إمكانية تجاوزه وكان هناك جديد لم يستطع عرض نفسه بوصفه واقعا سائدا ومعينا ، كانت تلك إشكالية وجوهر التحليل الجدلي القائم على إيجاد حل مع الرغبة في الاحتفاظ بالقديم عبر فهم جديد يقوم على اعتبار الصيرورة الحقيقة الوحيدة(13) ففهم المعرفة على أنها صيرورة ، فاعتبر الجدل في الأفكار هو الأساس ونظر إلى الوعي بوصفه واقعا موضوعيا من تطور ذاتي بحكم قوانين الجدل (14) . فهو المؤسس للتاريخية عندما اخذ الماضي الثقافي مآخذ جدليا فما يشكل فلسفتنا ليس له وجود حقيقي إلا في ارتباطاته .فالتاريخ لا يعرض علينا حركة أمور غريبة عنا بل انه يقدم لنا صيرورتنا فانه قد أسس فلسفة تتجاوز الصراع بين الحسي والعقلي في مجال المعرفة في مسعاه إلى هدم الأسس العقلية التي يقوم عليها الفكر المثالي الذي يشكل الإطار النظري للنظام الإقطاعي لقد شكلت البرجوازية بنية الدولة التي اعتمدت الرأسمالية نظاما اقتصاديا وقد ظهرت خلال تلك الفترة التي تمثلت بسيطرة البرجوازية على السلطة ونمو الرأسمالية وما صاحبها من إشكالات(15) وبشكل عام تميزت ألازمنه ألحديثه،بحسب رأي هيجل،بالارتداد إلى ألذات على صورة سمات ذاتية أو أنية،وبحسب هذا المبدأ،وننمو كل المظاهر الأساسية المعنية في الشمولية الفكرية وتطورت لتحصل على حقوقها الخاصة،وعندما ميّز هيجل هيئة ألازمنه الجديدة"أو العالم الجديد" فسر الذاتية وشرحها "الحرية"وبالتفكيران مايكون عظمة زمننا هو الاعتراف بالحرية بوصفها خاصية الروح وحقيقة كونها بذاتها في هذا الإطار تتضمن كلمة "ذاتية" قبل كل شئ اربعة مدلولات : 1- الفردية في العالم المعاصر يحق للفردية المسرفة في خصوصيتها ان تبرز قيمة طموحاتها . 2- الحق في الانتقاد يتطلب مبدا العالم الحديث ان يبددما يتوجب على كل فرد تقبله في نظرة كشئ له ما يسوغه . 3- استقلالية العمل يعود للازمنة الحديثة الفضل في ارادتنا ان نكون مسؤولين عمّا نفعل .واخيرا الفلسفة المثالية بالذات :يرى هيجل انها من منجزات الا زمنة الحديثة انها الفلسفة التي تدرك علمها بذاتها.(16) 2-المشروع النقدي الغربي الحداثوي:
كانت معاناة الطبقة العمالية واحدة منها فقد ظهر ثلاثة من المفكرين هما ( ماركس ، ونيشة ، وفرويد ) ليجسدوا حلقات نقدية بارزة في تحديد ملامح فترة جديدة تجسد كشف الخطأ وتطالب برؤية نقدية للهيمنة البرجوازية وما سقطت به فالفلاسفة أناس يحملون ( متصورات ) تجسد وحدة فكرهم الذي لا يمكن إن ينفصل عن السياق الاجتماعي الذي ظهر فيه لان المفهوم الفلسفي لا يحمل شروط حياته معه عبر التاريخ إلا انه يستمد معناه من الإشكالية التي يدخل تحتها(16) . ولا تتحقق الفلسفة وظيفتها القائمة على الخلق والجدل إلا إذا اهتمت بمعالجة قضايا حقيقية عبر فعالية الإبداع والنقد الذي اضطلع به المفكرون الثلاثة ، حيث وصفهم ( ميشيل فوكو ) : " أنهم قد غيروا معنى الدليل والكيفية التي يؤول بها ، وإنهم ارسوا مفهوما لم يكن له إن يعرف من قبل هو مفهوم ( الايدولوجيا ) وأقاموا نظرية في التأويل تريد إن تتجاوز الميتافيزيقيا وتقلب الافلاطونية والهيجيلية وتقضي على الثنائيات الميتافيزيقية " (17) .
أنها تواصل نقدها لتلك القيم التي سبقت النهضة وتعمل من ناحية أخرى على كشف تلك السلطات التي قدمتها الحداثة على أنها حقائق. 1- ( ماركس ): : لقد ظهر في الغرب رد فعل اجتماعي ضد كل تلك الخروقات للحقوق فجاءت النقود الاشتراكية القائمة على نقد اجتماعي اقتصادي فان الوسائل المنتجة تولد حركة التاريخ، طبقا لتطوراتها وتناقضانها لما كان الناس في نضالهم مع الطبيعة وتناقضانها ، ولما كان الناس في نضالهم مع الطبيعة لاستثمارها في إنتاج الحاجات المادية ليسوا منعزلا بعضهم مجموعة مترابطة خلال عملية الإنتاج وهذه هي " علاقات الإنتاج " .هي بالحقيقة علاقات ملكية ( مشاعية – وعبودية أو اقتصادية أو رأسمالية أو اشتراكية ) وعلى أساسها يتم البناء العلوي سياسة حقوق ، فكر ، دين ، لكن القوى المنتجة هي التي تنشىء الوضع الاقتصادي وعلاقات الملكية عندئذ جميع الأوضاع الاجتماعية التي تطابق ذلك الوضع الاقتصادي وتتفق معه . لكن يظهر التناقض الطبقي الذي يعكس تناقض وسائل الإنتاج وعلاقات الملكية وهي أساس الصراع الذي يؤدي إلى تغير علاقات الملكية حتى تتفق مع وسائل الإنتاج ، وهذا يؤدي إلى تغيير القيم الفكرية تبعا . لقد صاغ ماركس هذه الرؤية نتيجة الظروف التي عاشتها الرأسمالية في القرن التاسع عشر ، فكان يقوم بدراسة الأسباب التي تمنع الذهن من إن يعكس بشكل مباشر بنية الأشياء وبالتالي ما هي الأسباب التي جعلت الفكر الإنساني في كل أدواره يرى الأشياء طبقا لدعواه هو لا طبقا لذاتها هي( الأشياء ) لقد كانت متصورات ( ماركس ) تنطلق من ذلك الواقع الاجتماعي الذي ساد بعد سيطرة البرجوازية – الرأسمالية في الغرب يظهر هذا في دراسته التاريخية لتكون النظام الرأسمالي انطلاقا من ( الإقطاع) ومرورا بالتوسع الاستعماري (18). وهنا نلمس المشكل الذي صاغ حقله الدلالي عبر تأويله الذي كان ينطلق من اعتبار الأعماق وليدة السطوح وانه ينظر إلى الواقع لا كشيء في ذاته وإنما في تباعده مع نفسه وكما يقول ميشيل فوكو : انه لا يؤول تاريخ علاقات الإنتاج وإنما يؤول علاقة تقدم نفسها كتأويل مادامت تقدم نفسها كطبيعة (19).وهي عباره عن ايديولوجيةالتي يعرفها:( ان الايديولوجية عملية ذهنية يقوم بها المفكر وهو واع ،الا أن وعيه زائف لانه يجهل القوى الحقيقية التي تحركه،ولو عرفها لما كان فكره ايديولوجيا ) لهذا ميز بين الوعي الصادق والوعي الزائف ،اي الايديولوجيا(21) إذ هناك في ابستمولوجية ميزت بين دلالة المطابقة ودلالة الإيحاء، وتشير دلالة المطابقة إلى النظام اللغوي الذي تعني به اللغة ما تقول ، إما دلالة الإيحاء فتكون عندما تعني اللغة غير ما تقول . بعبارة أخرى تقع دلالة المطابقة في منطقة المعني . إما دلالة الإيحاء فتقع في منطقة ظلال المعنى (22). فالمعنى الذي يشير إليه ماركس يقع بعد دلالة الإيحاء فالفلسفة هنا تضع استعارتها في الفجوة القائمة بين المعنى والإحالة . وبالتالي لا تعدو استعارته سوى سلطة مجرد تأويل إلا أنها تعتقد أنها حقيقة .وبذلك رفعت الماركسية ضد الطبقة البرجوازية الدعوة التي رفعتها البرجوازية ضد النبلاء والكنيسة ،عبر ادعاء ماركس ان الايديولوجية تخفي مصلحة طبقة ويعلل قوله استنادا الى تطور التاريخ.(23)والتي تحولت الى ممارسة سياسية سارت في اتجاهين مختلفين : احدهما الاتجاه الإصلاحي الديمقراطي والأخر الاتجاه الانقلابي الثوري ، الاتجاه الأول كان هو الاتجاه العام الاشتراكي ، في عدة من الأقطار الأوربية الغربية التي بدأ للاشتراكيين ، في ضوء ما حصل لها من تقدم سياسي ، واقتصادي ، إن الثورة أصبحت غير ضرورية ، وإما الاتجاه الثاني فقد سيطر على الحركة الاشتراكية في أوربا الشرقية ، التي لم تشهد ظروفا فكرية وسياسية واقتصادية مماثلة لظروف الغرب(24). وهذا الاتجاه الثاني هو الذي صاغ ذ لك الموقف من الديمقراطية في الكتلة الشيوعية . 2-إما نيتشة : يقدم متصوراته عبر فاعلية التأويل التي يمكن تلمسها من خلال اهتمامه باللغة التي تشكل لديه في الإحالة ونفي الواقعة الخام فالقول بالواقعة الخام هو قول بمحضور المعنى ونفي لخبث الرموز والعلاقات حيث تكمن وظيفة الفلسفة كما يقول (دو لوز) إلحاق الأذى بالحماقة (25). فالدال عنده يحيل إلى دال أخر لا إلى واقع في ذاته وما يهمه هنا الكيفية التي تسمى بها الأشياء لا معرفة ماهيتها.
فالجينالوجيا ليس رفضا للقيم فهي لا تهتم بالقيم بل بقيمة القيم(26) فان حقيقة الأحكام التركيبية القبلية لا يمكن إن تكمن في توافقها مع حالة قائمة في الواقع . إنما حقيقتها تعني فقط أنها أثبتت صلاحيتها في الواقع عبر ترابط مصلحي سابق . وفي هذا الرجوع بالحقيقة إلى المنفعة الحياتية يدفع ( نتشة) إلى الاستنتاج ليس فقط عدم جدوى المفهوم التوافقي للحقيقة بل أيضا عدم جدوى مفهوم الحقيقة (27) . لقد بدأ نتشة الهدم بحثا عن اصل الأحكام ومرتكزات القيم وكل المستندات السرية التي تقف وراءها . ان الثقافة الاوربية في راي نتشه ،منذ ألفي سنة،هي ثقافة المستضعفين الذين ابدعوا قيم العدل والمساواة والخير والضمير والمسؤوليةويتساءل نيتشه) هل يريد احد أن يطل على كهف الكهوف،حيث يصنع الانسان المثل العليا؟) ويجيب ( ان السرّ هو ما يشعر به الانسان المستضعف المغلوب.كل مايفكر به انما هو قناع للانتقام من سيده المتسلط عليه(28) هذا الموقف اتخذه من الديمقراطيةلانه علامه من علامات الانحطاط لكونها من حيث المبادئ تتعارض مع الفرد القوي الذي يسعى الى تحقيق ذاته(29) إذ يقول في "ماوراء الخير والشر": إن غاية الديمقراطية هي الحصول على الاستقلال وضمانة اكبر عدد ممكن من الناس ، وضمان استقلال الآراء وطريقة الحياة وكسب العيش ..على الديمقراطية الوقوف في وجه كل ما يبدو انه يصدر عن تنظيم حزبي لان الإعداد أو الاستقلال هم الفقراء والأغنياء والأحزاب )(30) هذا الموقف يعود إلى نظرته للديمقراطية التي فرغت من محتواها - بنظره – عندما تحولت إلى قيد للفرد . يحدد وجه الشبه بالانظمة الاستبدادية عبر اخضاع الفرد للقسر بحجة مصلحة الجماعة ،معتمده الارهاب في اطار هيمنتها التي تهدف الى القضاء على التميز والتفرد عبر المساواة المصطنعة الي تضاد الطبيعة التي لم تخلق الناس متساوين وتضاد الواقع القائم على التفاوت بحسب القدرات والمواهب وهي وحدها القادرة على الخلق والتطور اما المساواة ماهي الا وسيلة افقار .فلقد اعتمدت النتيجة الفلسفية التي خرج بها نتيشه على هدف اصيل قوامه احداث هزة عميقة في المعنى الذي انطوى عليه مفهوم الوجود على الضد من الحركة الفكرية. من الواضح أن اولى هذه الدوافع ترجع باصولها الى الاهتمام الفائق بمعنى الحياة لاسيما بعدتلك المعاناة التي ولدتها هذه ؛ واكتشاف مفاهيم جديدة عن تاريخ ظهور الحياة والاوجه المتقلبة المتحولة للمخلوق والكائن. من هنا نجد تلك الصفحات من المديح الذي كاله نيتشه لنظرياته العلميةاما النصف الثاني من ذلك القرن فقد شهد ولادة مفاهيم التطور الداروينية والنظرية الخلوية والدراسات الوراثية وظهور قانون الديناميكا الحرارية الذي كان من شأنه ادخال فكر الاعودة الزمانية في الفيزياء الكلاسيكية. ولقد خرج نيتشه بقناعة راسخة مفادها ان معرفة الوجود هي المعرفة الوحيدة القادرة على النجاة في كشف ماخفي من كنه الواقع الحي الذي ينبض فينا وانطلاقا منها يأتي السؤال عما اذكان بالامكان استخلاص معنى الجوهر الحقيقي للوجود انطلاقا من معرفتنا بوجودنا (31) وبالمقابل فان الموقف النقدي الذي ياخذ بنظرالاعتبار كل المنجزات العلمية ولهذا حاول نيشه ان يقدم التعليل الفلسفي لاعادة تقويم كل القيم ،من خلال نظرية ارادة القوة وفرضية العودالابدي للتماثلات .والترابط بين عدمية متناهية في تفكيرهابوصفها نتاج النقد الاخلاقي الشامل للتقاليد الغربية.وهاتان النظريتان واضحتان ومقنعتان :ان نهاية الفكر التيولوجي ونهاية موضوعية تخثرت امامها النتاجات الذاتية لتصبح تكوينات موجودة بحدذاتها(32) لقد فهم نيتشه أن مقياس المعرفة ليست مستقلاً مبدئيا عن مقايس الممارسة وأن ثمةعلاقة متلازمة بين المعرفة والمصلحة.اعتقد أنه توجد هنا عناصر لنظرية معرفة غير تقليدية تستحق البحث الفلسفي بقصد منهجي .(33) 3- إما ( سيجمون فرويد ) فقد انطلق من ذات المشكل فخلق متصوراته انطلاقا من الإنسان باعتباره تكوينا سيكولوجيا شخصيا ليس مجرد معطى بيولوجي تتجر شخصيته من خلال العلاقة بين ( ألانا) في حوار التشكيل والبيئة الإنسانية المحيطة بالذات.. لكن فرويد لم يكن يسعى من اجل كشف المعنى الأصلي بل أنه يبحث عن آليات اللاشعور الذي ينتج المعنى انطلاقا من اللامعنى بالمعنى يتكشف في تباعد بين نفسه وهناك هو ينفصل المعنى عن ذاته(34).
وبعد فان المشروع الاحداثوي الغربي شكل رؤية نقدية هادفة إلى كشف العوائق الابستمولوجية التي تحجب عيوبنا المنهجية والنظرية وبالتالي تهدف تلك الرؤية إلى خلق قطيعة بين الحداثة وما قبلها .
المبحث الثالث: إشكالية فلسفة التاريخ
اولا: اشكالية فلسفة التاريخ: لقد نظرنا الى فلسفة التاريخ من خلال دراسة ، العلاقات التي تشكلها الوظيفة الايديولوجية التي تحركها ،على هذا الاساس جاءت نظرتنا اليها قائمة على التعامل معها من خلال البعد الاشكالي الذي يقوم على الثنائيةالاتية: 1- وحدة الاشكالية :وهي تقوم على صعيدين : الحقبة التاريخية التي تشكل المجال التاريخي الخاص لفكر ما ،الذي يحتوي فكر جميع من ينتكمون الى هذه الحقبة ،ولقد كانت فلسفة التاريخ قد ولدت في ظل ثورة اجتماعية هي البرجوازية بوصفها تشكل طبقة اجتماعية من جهة وتشكل نظاما من جهة ثانية يقوم على الرأسمالية الاقتصادية بوصفها في تطورها وفي ظل الدولة هيمنة سياسية وفكرية فاعلة ومن خلال ( فكر الحقبة التاريخيةالتي تنتمي اليها وداخل المجال التاريخي لهذا الفكر )(1) 2- تاريخية الفكر :الحقل المعرفي والمضمون الايد لوجي ،أي ارتباطة بالواقع السياسي والاقتصادي والثقافي الذي انتجة او في الاقل تحرك فية من خلال جعل الحديث داخل التاريخ . فالحقل المعرفي:الذي تحرك فيه هذا الفكر يتكون من نوع واحد منسجم المادة المعرفية ،وجهاز التفكير وما يحتوية من مفاهيم وتصورات قائمة على "دائرة صدق " معتمدة على ادوات مفهومية واسس نظرية تتفق مع التوجهات التي تشكل ذلك الحقل ومادته المعرفية ضمن نطاق "ارادة المعرفة " التي تحدد الصدق والحق وتحاول تحقيق ترابط بين المعرفة العلمية والمعرفة السياسية داخل نظرية تؤمن وحدة الفكر والوظيفة الايديولوجية لاشكالية واحدة تتقاطع داخلها تلك العلاقة. 3- الوظيفة الايدلوجية :هي التي توظف المادة المعرفية التي تقدمها ارادة المعرفة في ايجاد حل لتلك الاشكالية التي لاتجد صدقها في تطور المعرفة بل في المرحلة التي يجتازها المجتمع من التطور اذ هناك تلازم بين التطور العلمي والتطور الاجتماعي وهو ماصطلح عليه "الحداثة" اذ بدأ الغرب مسيرته التحديثية في القرن السابع عشر على أنقاض العصور الوسطى مبشرا بجملة من المبادئ والرموز كانت تستهدف اعادة تشكيل المجتمع على اساس قيم الحرية والعدلة وحقوق الانسان ولانجاز تحولات توسل الغرب جملة من الوسائل بعضها مستحدث اصلا وبعضها يمثل تطورا طبيعيا لما كان سائدا من قبل ،فعلى المستوى السياسي طرح الغرب خيار الديمقراطية في الحكم والتفسير بوصفه طريقة لتأمين حرية وحقوق الانسان الفردوالانسان المجموعة .وعلى المستوى الفكري طرح الغرب مقابل اللاهوت أو عالم الغيب الاعتماد على عالم الشهادةأو الطبيعة فقط من خلال التجربية بدل التأويل والعقلانية بدل النصية ،اما على المستوى الاجتماعي فقد دخل الغرب شعار تحرير المرأة والدفع بهافي عملية الدورة الاقتصادية.(2) الا ان تلك الحداثة قد قدمت تصوراً يقوم على العقلانية المادية فحواها الايمان بأن الواقع المادي "الموضوعي"يحوي داخله مايكفي لتفسيره دون حاجة الى وحي او غيب وأن هذا الواقع يشكل كلاّ متماسكا مترابطة أجزاؤه برباط السبية الصلبة ،بل والمطلقة 1 -تذهب هذه المادية ان عقل الانسان قادر على الوصول الى قدر من المعرفة ينيرله كل شئ أوعلى الاقل معظم الاشياء والظواهر ،ويعمق من فهمه للواقع ولذاته . وكان الافتراض أن هذه المعرفة هي التي تضفي على الانسان مركزية الكون . 2-هذه الرؤية الاستنارية رؤية شاملة للكون فهي تحاول ان تجيب عن معظم الاسئلة المباشرة والجزئية كما تزوده بأنساق معرفية او اخلاقية وجمالية يدير من خلالها حياته . 3-تركز هذه المادية على ثبات العقل والطبيعة البشرية والقوانين العلمية.(3) ضم هذه الارضيةالمعرفية والسياسية ظهرت " فلسفة التاريخ " اذ اسهمت في تشكيلها عناصر متعددة على راسها اسلوب الممارسة النظرية التي تقوم على نظرية قوامها "التاريخ الشامل" الذي يقدم الفروض الآتية : 1- يسلم بأن جميع الاحداث التي تتم داخل مجال زماني –مكاني معين وبين جميع الظواهر التي عثرنا لها على اثر ،هناك منظومة من العلاقات المتناسقة وشبكة من العمليات تسمح بأستنتاج كل منها وعلاقات مماثلة تبين كيف يحيل كل منها عن الاخر ،او كيف تعبر كلها عن ذات النواة المركزية . 2- انه يفترض من ناحية اخرى ان المشكلة التاريخي نفسة يعم البنيات الاقتصادية والثوابت الاجتماعية واستقرار الذهنيات ،والموقف السياسي بتخصصها جميعا بالنوع ذاته من التحول .. 3- يفترض التاريخ ذاته يمكن ان يقسم الى وحدات كبرى – مراحل او فترات تترابط فيما بينها وتنطوي في ذاتها على مبدأ ترابطها (4) لقد جاءت هذه الفرضيات ضمن تطور معرفي يعارض تلك التصورات السابقة الاانه ممكن ان تدرج في سلسلتها على الرغم من ادعائه انه قد تجاوزها الا اننا في فحصنا المعرفي الاجتماعي نجده يشكل انفصالا عما كان سائدا لقد جاء مكونا اشكالية لها حقل معرفي ومضمون ايديولوجي منفصلا عن اشكالية الخطاب الديني الخاضع لمهيمنة الكنيسة والذي اوجد "دائرة صدق "تقوم على ادارة مفهومية واسس نظرية لاهوتية لدى خطين :الخط القائم على التقريب- الاوغسطيني ، والخط القائم على التوافق التوماوي – او الرشدي اللاتيني وكان يشكل آلية تقوم على وجود سلطة النص والفحص يشمل شبكة الرواية ضمن رؤية شاملة للتاريخ النجاة وهذا مختلف عما كان سائدا في العقلانية المثالية اليونانية التي اعتمدت آلية الرقابة الاستدلالية التي تركز على مضمون العبارة وشكلها ومدى صدقها او كذبها على وفق معيار منطقي .. اما فلسفة التاريخ فقد شكلت انقطاعا عن الخطابات السابقة الاانها ضمت داخله ذلك الافق المثالي الشمولي ،وكان ضمن تصور وضعي مثلته "ارادة المعرفة" في بداية القرن التاسع عشر مع العقود الكبرى لتأسيس العلم الحديث وتشكل المجتمع الصناعي بأيديولوجية وضعية ،اذ هناك انفصال على مستوى الاشكالية ببعديها :المادة المعرفية التي اصابها النقد مع كوبر نيقوس وكبلر وغاليلو والمنهج ادى ديكارت وفرنسيس بيكون وايضا النقد العلماني لدى ميكافلي وهوبز ثم اصبح اكثر عمقا مع نيوتن في الفيزياء ،وجون لوك في المعرفة العلمية والديمقراطية ،اصبحت الفردية مركز الفعل و قوة محركه في الوجود في الحرية والقانون المدني وقد امتد تأثيرها في عصر الانوار الفرنسي ومنهم فولتير الذي تأثر بجون لوك في أفكاره عن الحرية والتسامح الديني (5) . كان هذا يشكل الحقل المعرفي والمادة المعرفية التي اعتمدتها البروجوازية .في خدمة اغراضها وتبرير هيمنتها الرأسمالية التي تحولت الى سلطة عندما اعادت بناء القيم وأنشات ما يبرر سلطتها ويخضع باقي الطبقات لمنظومة القيم الجديدة التي قدمتها بوصفها حقيقة .فقد حددت فلسفة التاريخ دائرة صدقها في المفاهيم الآتية : 1-الكلية :وهي القائمة على اعتبار الحوادث التاريخية تشكل وحدة عضوية بين اجرائات المتفرقة مما يجعلها تتصف بالشمولية ،فيعيدون المدركات الاساسية في فلسفة التاريخ (هو التكامل بين اجزاء التاريخ انه نوع من الترابط بين الواقع بحيث تشكل تاريخا عالميا انها تنشد ضم اجراءات العالم كلها في اطار واحد بدايته الماضي السحيق ونهايته قد تكون اللحظة الحاضرة التي يعيشها الفيلسوف او تتجاوز تلك (6)وذلك بكونها ترفض النظر الى حوادث التأريخ وكأنها شتات غير مترابطة، بل تؤكد على الوحدة والترابط بين (حوادث التأريخ ومراحله) التي قد تبدو للبعض وكأنها مفككة)7) - 2- العلية (السببية) اي الغائية وهي التي تقوم على البحث عن سبب وراء كل حدث ،اي عن القصدية الكاملة والعمل على كشف اسبابها الحقيقية ولهذا المفهوم معنى مغاير بين المفهوم الفلسفي الذي يتسم بالشمول والمفهوم التاريخي الذي هو حبيس الجزئيات مطبوع بنسبية التاريخية .(8) بعيداً عن النظرة التي تفسر حوادث التأريخ وكأنها احداث فوضوية تحركها الصدفة العمياء او السعي اللامنهجي واختزال العلل الجزئية الى قوانين كلية تتجاوز الزمان والمكان ليفسر على ضوئها التأريخ الكلي بعد اعادة بناء الوقائع بشكل منطقي معقول(9) معنى (فلسفة التأريخ) فنقول : انها تعني النظر الى الوقائع التأريخية بنظرة فلسفية ومحاولة معرفة العوامل الاساسية التي تتحكم في سير الوقائع التأريخية والعمل على استنباط القوانين العامة الثابتة التي تتطور بموجبها الامم والدول على مر القرون والاجيال(10)
3- المستقبلية :ونرى انها تحقق هذا عبر تحليلها للاحداث التاريخية ونقدها تحاول كشف الجوانب المسكوت عنها او الجوانب التي تسهم في كشف الثاوي خلف للاحداث ،مما يمكنها من التنبؤ بالمستقبل . وبذلك تنتشل الانسان من العيش تحت وطأة الانكسارات الماضية، الى المستقبل المشرق المتفائل، وبذلك تحققت وحدة الازمنة الثلاثة، وحفزت الانسان على ان يجتهد من اجل اهدافه المشروعة(11) . 4- الموضوعية :ان فلسفة التاريخ من خلال تأملها في الاحداث التاريخية تحاول اعطاء مفهوم التاريخ تصورا نظريا ومنهجيا يقوم بالضرورة على نقد المناهج التاريخية ,وكشف العوائق المعرفية التي سقط بها المؤرخون من جهة وكشف الظواهر الاجتماعية والعمل على اعطاء تفسير لتلك التغيرات التي تحدث داخل المجتمع من خلال ربطالمجتمع بالبيئة وبالعوامل الاقتصادية وبخصواص كل امة .(12) تعتمد هذه المفاهيم التي تشكل ادوات مفهومية تحدد الاسس النظرية وشروط الصحة التاريخية أي تلك القواعد المعتمدة "بوصفها دائرة صدق" تقوم على الاتي: - الزمان :لقد شكل الزمان المحتوى مثلما شكل المكان ذلك فهما شرطان لوقوع الحدث متجاوزا بذلك التعالي في تاريخ النجاة الديني والمثالية اليونانية ،فالزمان اقوى عامل في حياتنا ،هو ذلك الذي لايحس ولا يدرك له وزن وهو الزمن . - العلاقة الجدلية والعلاقة العضوية :ان العلاقة تقوم اساسا على مبدا وهذا المبدا يمر بالمراحل الاتية: اولا: النمو والمقصود به ان ينتقل المبدا الداخلي من حالة السكون الى حالة الظهور ،حتى يبلغ نهايته. ثانيا:التبدل التدريجي باثير الظروف الخارجية . ثالثا: التبدل الموجه الى غاية ثابتة على مراحل متعاقبة يمكن تحديدها.رابعا :الانتقال من البسيط الى المركب ومن المتجانس الى غير المتجانس (13) ومن هنا فالجدلية تقوم على دراسة الصراع والتناقضات وفي جوهر الاشياء نفسها وهي تقرر اهمية العلاقة الجدلية بين الحقائق النسبية والعلاقة المطلقة بمعنى انها نسبية فكل نظرية علمية لابد لن تأتي عليها نظرية اخرى اكثر جدلية منها وتتجاوزها لكن تبقى هناك نواة من الحقيقة ليس مكتملة موجودة داخل مفاهيم عرض للمراجعة المستمرة .(14) فالجدل يقوم على ان الحكم على الاشياءئ لايمكن ان يكون نهائيا هناك باب مفتوح لاعادة النظر فيها ،واللحظة الجدلية هي الانتقال من حد الى اخر مناقض له ،او هي انطلاق الفكر بتأثير حاجته الى مجاوزة التناقض والجدل اخيرا هو التطور او التقدم .(15) - العلاقة العضوية اذ العضوية هي نسبة الى عضو وهي كل شيءمركب من اجزاء ذات وظائف متميزة ومتناسقة ،والعضوي مقابل الميكانيكي والمبدأالعضوي يقوم على الحياة تنشأعن تكوين الاعضاء واتصافها ببعض الصفات الحيوية.(16) - النسبية (الاحتمال والإطلاق)النسبي مقابل المطلق ،بهذا جاء النسبي مذهبا يقرر ان انسانية تتغير الزمان والمكان وان الفعل الإنساني يحيط بها ويصوغها وفق قوالبه الخاصة ،فلا تعجب لاختلاف صورة المعرفة باختلاف قوالب الصياغة.(17) شكلت هذه الالية مسافة للتأسيس النظري الذي يجتهد في ايجاد تفسيرات للاحداث التاريخية وكشف العلة الكامنة وراءها والغاية التي تنشدها ومن هذه التغيرات. 1-الحتمية :وهي النظرية القائلة بوحدانية الكون ،نافية وجود امكانية واحتمالات موضوعية في التاريخ كما انها تشير الى ان المستقبل هو كائن فعلي ولكن لاتولد بعد ان امر الجهدالانساني سواء بذل ام لم يبذل هو امر محتوم مقدر سلفا,وأن العقل الانساني لايغير ما هو قيد التكوين. 2- الضرورة والحرية :وهو القائل ان الحرية هي ضرورة في شكلهاالواعي و لايستطيع الفرد ان يفصم عرى التوافق بين الاثنين ،كما يقول هيجل: تستحيل الضرورة الى حرية لانها تتوارى ،بل السبب الاوحد هو انها (تماثلها)الداخلي الكامن قد تجلى اخيرا تصف ان الحال قبلها تختلف عنها بعد وقوعها وان التغير في حقيقة الامر مستمر وهو لايتوقف على مجهود اشخاص بأعيانهم ،وهذا التغير يحدث بفعل الزمن اذاً هناك تبادل مواقع بين العلاقتين، العضوية والجدلية، فالحرية اساس العلاقة الجدلية، والضرورة هي سمة العلاقة العضوية، واذا كانت الضرورة هي الشرط الاساسي لتحقيق الحرية، فان الاخيرة لايمكن ان تقوم الا على معرفة الضرورة ()حول هذه العلاقة (الحرية والضرورة)(18) . اذن من يحكم التأريخ الانساني الضرورة ام الحرية ؟ الجواب على ذلك: لاتحكمه الضرورة ، بل الحرية، لانه لو كانت الضرورة تطغي على المجتمع فهذا يعكس الجوانب السلبية على العلاقة بين الفرد والمجتمع والخاص والعام ((19). 4- السببية والمصادفة: وهي التي تنطلق من القول ان السببية في التاريخ هي محاولة كشف عن السبب ،بل عن تلك المجموعة المركبة من الاسباب والعوامل الكامنة في كل حدث ووجود المصادفة في التاريخ امر غير قابل للانكار وهذا مايكشف عنه التاريخ وقوانينه،ومن وجود جانب واضح متروك للفعل الحر وان افعال الانسان في الماضي وان كانت تخضع الى حتمية مقيدة الحدود فانها في الوقت نفسه تحتوي على عناصرمن " حرية التصرف" كانت تفاجئنا في الكثير من الاحيان ،الااننا لا نستطيع ونحن في اطار السبية الاان نضع ذلك موضع الامتحان فعلى الرغم من ان ثمةامكان معقولة كثيرة الاان الاحداث لم تحدث على الرغم من معقوليتها .وهذا يفتح مجالا للفردية داخل الاطار الاجتماعي وهو امر كثيرا ما اكد فلسفة التاريخ انطلاقا من اي نقد للعقل الاداتي وتلاعبة بالطبيعة وبأنفسنا بوصفنا بشروهذا يجعلنا امام اهمية الذات في صنع الاحداث وهذا يشكل تداخلا لخطين اي اللحظة الالية التي قدمت تفسير آليا للكون وبين اللحظة التي شكلت معها تجريبية جون لوك ومنهج النفس القائم على الذرية كان له الاثر في الكبير في توسع سلطة الذات واثرها فتشكيل المعرفة في الموضوع حتى اصبحت الذات هي المركز والموضوع هامشا( ان الانسان وكل ناطق على العموم يوجد كل هو غاية في ذاته لاسيما هو مجرد وسيلة تستطيع ان تتحكم فيها هذهالارادة او تلك على هواها ،فانه في افعاله جميعا سواء مايتعلق به هو نفسه او مايتعلق بغيره من الكائنات الناطقة يجب ان ينظر اليه على انه دوما غاية)(20).،لكن هذا يقودنا الى السقوط في المعيارية الفردية مما يحول دون التفسير الصحيح وانه لاوجود لمجتمع دون الفردمثلما لاوجود للفرد بغير المجتمع بيد لنه ليس هناك تكافؤ بين وزن كل منهما لان مما لاشك فيه ان للمجتمع الاعتبار الاول وان لقيمة الفرد الاعتبار الثاني ،لان الفرد خاضع لاشكالية اجتماعية مفروضة عليه ربما تشكلت بفضل بعض الخصائص البيئة في تقسيم العمل واثرها في تقدم الانسان وقد قال هيجل) ان الجبال تقسم الناس بينما البحار ةالانهار تقربهم) فالبيئة تؤثر في العلاقة بين الافراد وجدة تلك المادة المعرفية التي تشكل توظيفا ايديولوجيا في بناء تصور .شامل للكون على وفق النظرية الغربية التي تجعل من نفسها مركزا،لهذا الكون وهذا ما نلمسه في العوامل التي اعتمدت في تفسير حركية التاريخ وهي الآلية: ا – التفسير الجغرافي :الذي يجعل حركة التاريخ تأخذ بعدين : 1- حركة تبدأ من ضفاف الانهار الى البحار اذ بدأ هذا في النيل ووادي الرافدين ومن الحضاره الفينيقية البحرية ال اليونان . 2-وحركه قائلة بأن مركز الحضارة يسير من المناطق الجنوبية الى المناطق الباردة . ب- وقد تعمل فلسفة التاريخ على اسباغ الشرعية على الوضع القائم كما فعل هيجلفي اعتبار الدولة الالمانية التي كانت حاضره في وقته تشكل كمال الحكم وصورته العليا ،مبررا بذلك ما تعيشه المانية من تخلف اجتماعي وتقني بالمقانة مع فرنسا وانكلترا .ولقد انتقلت تلك التصورات المعرفية والايديولوجية فأسهمت كلها في رسم تاريخ شامل يضم مظاهر الاختلاف التي تعمل في اي مجتمع من المجتمعات التي تشكل مبدأاو دلالة بوصفها روح العصر او رؤية للعالم ؛يرىهيجل:(ان العالم الذي يعيش فيه الانسان هو الى حد كبير من ابتكار او اختراع الانسان نفسه وان النظم السياسية والحضارية والاجتماعيةتمثل جوهر الاجتماعي الذي تمخض عنه الدور الانساني ،فالانسان استطاع ان يديم هذا الجوهر عبر العصور)(21 ). لكن ظهرت تصورات جديدة حداثوية تقوم على تصورات عمودية لكنها ليست شاملة تقوم على الغاية والصيرورة التاريخية وممكن ان نجده في النقد الذي قدمه نتشه في طرحه تصوراً جديداً للمادية السائلة ثانيا:التحيز العرقي في الحداثة الغربية فلسفة التاريخ انموذجا: يتضح جليا في الفضاء المعرفي والسياسي الغربي ،تباين بين الداخل والخارج ،اذ تسود في الداخل قيم الحرية وحقوق الانسان والمأسسة وفي الخارج قيم السيطرة والاستعمار ونهب الثروات . كل هذا التباين يرجع بالدرجة الاولى الى عقلية الذات المتمركزة على ذاتها ،بحيث لاترى الا مصالحها وفضاءها الجغرافي والاستراتيجي. وبهذا تكون (هناك علاقة تعارضية بين الوعي والعالم ،واعطاء أولوية منطقية ووجودية لطرف الواحدية دون الاخرين وعوالمهم التاريخية والثقافية والحضارية فهو نظام معرفي يؤكد نفسه بنفي ماعداهوهو نسق ثقافي مسكون دائما بأيديولوجية الهيمنة والالغاء والنفي للخارجوالتمركز حول الذات والانحباس في مفاهيمها للداخل.)(22). لقد ساهمت جمله من العلوم العلموية المتعالية في بناء مخيال عن الذات الغربية وعلاقتها بالاخر الاطراف متطلقه من "المركزية الاوربية"عبر الهوية الثقافي التي هي اختراع اناسي اريد لنا منورائة ان نكون دومن الآخر هذه هي استراتيجية الفعل الانتروبولوجي:حشر الآخر في غيرية وعلى النحو الذي يفضي الى التمايز والعنصرية او الىالاقصاء والاستبعادعبر : 1- علم الميثولوجية:ظهرت اسطورة "الانسان الوحشي الطيب"في عصر النهضة كانت معبرة عن الاصالة والاخلاق بامتياز . لكون الثروات في المناطق الاستوائية تكسب بدون مجهود وغير محكومة بلعنة العمل مقابل بؤس الحياة في أوروبا.لقد ترسخت هذه التصورات في الاذهان الى حد أصبح الاستعمار يعتبر عملا انسانيا يخول غزو الشعوب المسملة ب"الوحشية". 2- علم التاريخ وفلسفته:كان هناك طموح غربي يتضمن بناء خطاب كوني بوصفه سلطة عليا لكل فكرولكل فعلوهذا ماحققه هيجل الذي ينطلق من اطروحة ذات شقين:في الشق الاول يشيد بالتاريخ كمرجع معتبروحيد،أما في الشق الثاني فيحط من شأن تاريخ الحضارت الشرقية ويعتبرها كمرحلةزائلة.ذا يقول هيجل:( نستطيع تعريف الاختلاف مابين الحرية في الشرق ومابين الحرية في اليونان ونظيرتها في العالم الجيرماني في الشرق ليس غير فرد أوحد هو حر "المستبد"،في اليونان الكثره هي حرة ،في الحياة الجرمانية كل الافراد هم أحرار ،اي الانسان حر لكونه انسان..)(23) 3- علم اللغات المقان "رينان":ارنست رينان حاول دائما الربط بين فقه اللغة كعلم مقارن والعرق حيث حاول من خلال بحوثه حول العرق السامي مما ادى به الى رد الآريين والسامين الى عرقين نبياين كبيرين لكن( بمجرد انتهاء انتهاء هذه المهمة "التوحيد" ينحط العرق السامي بسرعة ويفسح المجال للعرق الآري أن يسير لوحده على رأس مصائر الانسانية... خاصة بعد أن أصبح مسار الحضارة معروفا في قوانينه ،واللامساواة مؤكدة بين الاعراق حيث قال في 1883: ( كل شخص عنده شئ من التعلم في عصرنا ،يلاحظ بوضوح أن دونية المسلمين الراهنة وانحطاط الدولة والانعدام لدى الاعراق ،ناجمة عن تلقي ثقافتها وتربيتها من الدين الاسلامي فقط) ..)(34). 4- البايلوجيةالتطور:هنا تظهر نماذج من التصورات العلموية منها: سان سيمون( 1803 ) يحتج باسم العلم ،ضد مبدأ تطبيق المساواة على الأفارقة السود بحجة أن هذا الاجراء يسبب الكوارث في المستعمرات .فوجه انذارا الى رفاقه يقول:( لقد قام الثوريون بتطبيق مبادئ المساواة على السود : فلو استشاروا علماء وظائف الجسم ،لكانوا تعلموا بأن الأسود،بسبب تععضيته ،غير قابل لشرط مساو في التربية حتى ينشأعلى نفس مستوى علو لدى أي أوربي ... لقد كانا مخطئين في اعتاق عرق أدنى منهم )(25). 5- اما دارون في كتابة"اصل الانواع" الناطق بسم جيله والكاشف عن النزعات القومية في الغرب ومنظوراتها العرقية حول الشرق في القرن التاسع عشر . اذ من خلال نظريته حول التطور القائمة على مبدا النشوء والارتقاء ،افسح المجال أمام النظام الرأسمالي الجديد لضم الفكرة القديمة عن تفوق الاعراق التي دعيت بالتقدميت الى فكرة التقدم الانساني التي راجت في النصف الثاني من القرن الثامن عشر ،على سبيل المثال عند كوندورسيه.كان دارون مرتاحا لهذه النزعة التفأؤلية كما أنه كان مؤيدا لفكرة التمايز البشري مابين عرق أعلى وعرق أدنى لاشك أن هذه الافكار كانت متفرقة ولم تتصدر نتاجه الاانها تشكل بمعنى ما المحرك الاساسي لرؤياه.(26). لاشك ان لهذه التصورات العلموية متأزرة مع بعض الممارسات السلطوية أثرت في نشوء السرديات التاريخية وفلسفة التاريخ والتي ساهمت في خلق هوية غربية تقابل ماهو غير غربي معتمدة على اختلافات جغرافية من التباينات التي تسهم في تقديم تعريف للذات الاوربيه عبر التباين بين الانا والاخر هذه تساهم في خلق الهوية التي في بنائها لاتنفصل عن الغيرية (ان بناء الهوية يكون بمنزلة مخزن الاضداد )(27).ولهذا التاريخ وفلسفته دور كبير في تعميق ذلك الوهم بالهوية الغربية مقابل الاخر فدراسة التاريخ سواء أكان في المدرسة ام في الجامعة اذ تشكل اساس الذاكرة وهي ابعد ماتكون عن دراسةالحياة في الواقع والحقائق الاساسية بل هي الى حد كبير كسعى قومي يقوم على التسليم بضرورة ان تبنى فهم المطلع ولاءه المروم للوطن والارث والمعتقد)(28).وهذه السرديات التاريخية تمثل عملية مماهاة تامة خالية من الاختلاف والتعارض فهي تؤدي الى انغلاق حضاري وارهاب فكريعبر الاقصاءات الفكرية والعسكرية .
ثالثا:الروية النقدية الاشكالية فلسفة التاريخ: لقد تغيرت القوة بوجوها الثلاث :المعرفة ،والثروة،والسلطة العالم يتغير على الصعيد الواقعي وعلى الصعيد الافكار تغير المشهد الكوني على نحو تغيرت معه جغرافية العقل وعلاقات القوى بقدر ماتغير نمط العيش ومنظومة التوصيل فاصبح دور المثقف تشخيص الواقع بلغه مفهومية او المساهمة في بلورة قيم مشتركه ومعيايرت تبادلية (29).وبالتالي تصبح امكانية ادراك الارضيه الجديدة قتقوم على الاتي: 1-الحقبة التاريخية: التي تشكل المجال التاريخي الخاص لفكر ما ،الذي يحتوي فكر جميع من ينتمون الى هذه الحقبة(العولمة)التي يصفها "جان بودريان":اننا منقطعون لمنطق قوة عالمية ،لاصدع فيها قادره على امتصاص كل مقاومة ،كل تعارض، كل تعارض ،لابل تجعله داعما لها. فالعولمة هي وقلئع وانجازات وامكانات موضوعة برسم البشر أجمعين.لم تعد معها الهويات كانت عليه منقبل .بل ان حياة الانسان بالذات هي التي طرأعليها التغير ،سواء منحيث سلم القيم ومعايير الجمال ،اومنحيث وسائل المعرفة ومصادر الثروة أومنحيث نظام المعنى وعلاقات السيطرة.(30) 2- تاريخية الفكر :الحقل المعرفي والمضمون الايدلوجي الذي تحرك فيه هذا الفكر والذي يتكون من نوع واحد منسجم المادة المعرفية ،وجهاز التفكير وما يحتويه من مفاهيم وتصورات قائمة على "دائرة صدق " معتمدة على ادوات مفهومية واسس نظرية تتفق مع التوجهات التي تشكل ذلك الحقل ومادته المعرفية ضمن نطاق "ارادة المعرفة " التي تحدد الصدق والحق وتحاول تحقيق ترابط بين المعرفة العلمية والمعرفة السياسية داخل نظرية تؤمن وحدة الفكر والوظيفة الايديولوجية لاشكالية واحدة تتقاطع داخلها تلك العلاقةوهي مايصطلح"مابعد الحداثه او العولمه"وهو يمثل انقطاع عما كان سائد وهو تعبير عن تيار فكري جديد يقوم على أساس النقدوالهجوم على قيم الحداثة الغربية ومفاهيمها،والذهاب الى أبعد من ذلك الى القول بسقوط فكر الحداثة الغربي بعد أن وصل الى منتهاه.وبعد أن أخفق في تحقيق ما وعد به حيث الذاتية بدل الموضوعية والعقلانية ،والغاء الثقافة مقابل الانغلاق في الطبيعة ،والفقر بدل العدالة الاجتماعية ،والسيطرة بدلا عن توحيد طاقات المجتمع الانساني .ولم تقتصر مابعد الحداثةعلى توجيه النقد الضعيف لقيم الحداثة،وانماتجاوز ذلك الى التبشير بقيم جديدة تقوم على اساس الانفتاح الفكري المضاد لفكر الحداثةالجامدة الذي كان يتسم بصياغة الانسان الفكرية المغلقة التي اتخذت شكل مذهب فكرية وايديولوجيات سياسية تنقصها المرونة اللازمة.اما أبرز صفات مابعد الحداثة : 1- فكر يرفض الشمولية مركزا على الجزئيات والهوامش المحددة والمحلية. 2- ينبذ اليقين المعرفي برفض المنطق التقليدي القائم على تطابق الدال والمدلول أي تطابق الاشياء والكلمات . 3- يلح فكر مابعد الحداثة على اسقاط نظم السلطة الفكرية الحديثة في المجتمع ،في الجامعة في الأداب والفن وفي العلوم الاجتماعية والانسانية ،والاحاطة بمشروعية القيم المفروضة من قبل الانظمة والموسسات الاجتماعية كافة. (31).هذا التحول من المادية الصلبه الى المادية السائلة في فلسفة نتشه في الفن واللغة والجمال . يسخر من الواقع ويعدمه وهو يتعارض مع مفهوم التاريخ الذي يعتمد التذكر والتعرف، فهو يفتت الهوية ويقوضها وهو يقابل التاريخ المتصل او التراث. وهو يهدم الحقيقة ويضحي بها وهو يقابل التاريخ –المعرفة،طارحا تناولا جديدا لتاريخ يحدده الميتافيزيقة والانثربولوجي للذاكرة وبالتالي يتعلق الامر بأن يجعل من التاريخ ذاكرة حضارية وتبث فيه شكلا اخر للزمن وهذا يقوم على نقد "الهوية"التي قدمتها فلسفة التاريخ للغرب وكأنه "اي الغرب "مركز متماسك في حين هذا الغرب بالتعددية والاختلاف الداخلي ،حيث هناك صراع داخله بين منضومات متعددة وسلطات متعددة في الوقت نفسه يشكل نقدا للذات العارفة القائمة على فرض تصورات تشكل ارادة للمعرفة وهو بذلك يكشف التحيزات،فما من معرفة الاتنطوي على الصواب والخطأ وتقضي على الوقائعية الوهمية ويقدم مشروعا نقديا يقوم على رد تلك الاطروحات الوضعية التي تريد محاكمة الماضي ،فيرد نتشه(الذي هو اول من حاول تفكيك مؤسسة الحقيقة وضرب مفهوم المطابقة بقراءته للخطابات الفلسفية والماورائية ،كشبكات من المجاز والاستعاره أو كألاعيب من القوة والرغبة اوكشيفرات من الاعراض والعلامات او كافخاخ من فجوات النصوص وخدع الكتابات .(32. على ذلك ،فيعيب على هذا التاريخ الانتقادي كونه يفصلنا عن المنابع الحقيقة كلها .لقد شكلت تلك الانتقادات تصورا جديدا للتاريخ البعيد عن الغائية ,ممكن أن نلمسه في مباحث اللسانيات والانثرلوجيا والاقتصاد والنقد الادبي الذي اعتمد على مفهوم عام للتاريخ يقوم على اساس الانفصال ممكن ان نجمله في النتائج التي توصل اليها مشيل فوكو عبر تحليلاته الحفرية للمارسات الخطابية حيث تعدى منطق الحدود والقضايه نحو منطقه للفكر مستبعدة من التفكير تشكل من المنطوقات التي تتيح للمنطق ان يشتغل وللقضايا أن تلتئم(33) والذي ترك لدي موقف من التاريخ وفلسفة التاريخ النتائج الاتية:- النتيجة الاولى:فلقد كان التاريخ بشكله التقليدي يهدف الى اثبات العلاقات العلية البسيطة والتحديد الدائري او الصراع والتغير ،ترتبط بسلسله من الوقائع المفترضة ان نستخلص مما تقدم ان فلسفة التاريخ تهتم ببناء تصور( للتأريخ العام) في بعديه الزماني والمكاني من خلال تركيب الوقائع التأريخية، لذلك فهي تسترشد بالضرورة بمفاهيم ومقولات مستنبطة من دائرة البحث الفلسفي، كالمطلق، والشمول والعلة، والغاية ، والمنهج (34) ،اما الآن فالمسالة اصبحت تتعلق بتكوين سلاسل وتجديد عناصر كل منها وتعين حدودها واطرافها وابراز نوع العلاقات التي تميزها وصياغة قوانونها وتحديد العلاقات بين مختلف السلاسل ،انه يقدم صدع السلاسل الطويلةالتي رسمها تقدم الوعي أو غائية العقل . النتيجة الثانية:المكانة العظمى التي أصبح الانفصال يحتلها في الدراسلت التاريخية فقد كان مفهوم الانفصال بالنسبة للتاريخ ، يحتلها في الدراسات التاريخية فقد كان الانفصال بالنسبة للتاريخ التقليدي معطى مفتضا ولكنه يقلق الفكر فقد كان الانفصال علامة على التشتت في الفكر .اما الان فأنه اصبح احد العناصر الاساسية للتحليل التاريخي. النتيجة الثالثة:ان فكرة التاريخ الشامل وامكانياته أخذتا بالانحسار وبدا نا نلحظ ارتسام خطوط ما يمكن ان نطلق عليه تاريخا عاما يركز على وجود اشكالية عامة مشتركة هي "مشكلة العلاقات"
المبحث الرابع/ القراءات العربية
في هذا البحث نحاول التعرض الى جمله المن التصورات النقديه العربيه من الخطاب الاستشراقي بحسب ومقف كل مفكر منهما وهذا يعود الى طبيعة مشروعه النقدي ،اذ نلاحظ بينهمة تباين من الخطاب الاستشراقي ،ونحن بهذا الموقف نحاول تناول الموضوع بطريقه جديدة عبر نقد الاستشراق مع تبيان هميته ضمن المرحله التاريخية وكشف التداخلات السياسية له.
اولاً- محمد آركون" قراءته في الخطاب الأستشراق" أننا هنا نحاول أن نقف عند موقف متميز من مفكر مسلم يفكر داخل الخطاب الإسلامي عبر اللغة الفرنسية وفضاء الحداثة الغربي الذي يريد أن يكون داخله عاملا على الاشتغال على الإسلام أي أنه ليس مستهلكاً لثقافة الآخر بوصفها مركزا يحاول نقل الآليات إلى ثقافة أخرى تمثل هامشاً , بل أنه يعمل داخل الفضاء الفكري الغربي وعبر اللغة الفرنسية هذا معناه أنه يشكل ندا داخل ثقافة الآخر التي تغدو عبر هذه المشاركة ثقافة حوارية عالمية فيغدو مرتبطا بها وهذا أنتج أمرين
الأول : أنه يريد أن يتواءم معها عبر تشذيب الإسلام من كل مالا يريده الفكر الأوربي الحديث مثل قضية الإرهاب فيقول أركون : (( الفكر الإسلامي الذي يهيمن اليوم هو وليد تلك الفترة ـ أي عصر الانحطاط ـ )) ولا علاقة له بفترة الإنتاج والإبداع , أي بالعصر الكلاسيكي . والدليل على ذلك أن الخطابات الإسلامية ( أو السلفية ) التي أخذت أهمية اجتماعية وسياسية كبيرة منذ عام 1970 تعكس كل أنواع النسيان والحذف والبعثر ولتبعثر والقطيعات التي طرأت على الفكر الإسلامي في الزمان والمكان منذ القرن الخامس عشر , بمعنى أن الأسلام هو استمرار مباشر لإسلام عصر الانحطاط ( 1). ولهذا نراه يرى عملية تكامل مع العرب وليس إقصاء ( .. كل تاريخ الفكر الذي ساد في الفضاء المتوسطي . وهذا الفضاء الفكري يتطلب معالجة جديدة : اقصد يتطلب إعادة لملمة ماتفرق منه وإعادة كتابة تاريخه من جديد وبشكل مختلف عما سبق وهذه هي الطريقة الوحيدة للقضاء على الحزازات العتيقة أو على الأقل التخفيف منها . ففي الماضي كان يكتب من وجهة نظر هذه الجهة دون تلك , واليوم ينبغي أن يكتب بكل عدل وإنصاف من كل الجهات ودون استبعاد أو نبذ أي جهة (2) وفي الوقت نفسه فأنه أيضا يفترض أن على الغرب واجبا اتجاه العرب والمسلمين (أعتقد أنه يمكن لأوروبا أن تساعد الدول العربية والإسلامية على الاندماج في مناخ المعنى والقيم التي أدت إلى انبثاق الهوية الفكرية الأوربية ) (3) . أما الأمر الثاني : فهو يفترض أنه على العرب والمسلمين أن يمروا بذات المراحل الأبستمولوجية إلي مر بها الغرب وهذا أمر غير مبرر في ظل ثورة المعلومات التي أختزلت كل شيء وجعلت الكثير من الأمم من لا يعرف لها ماض كماضينا تغدو ذات شأن في عالم اليوم. أننا عندما نعرض لهذه القراءة نعي أن هذا الخطاب الأستشراقي مثلما شكل معنى هو وليد علاقة قوى حمل أسم الخطاب الأستشراقي كذلك هناك قراءة عربية صوبه هي الأخرى تعاضد فيها المعرفة مع القوة والأنتماء آذ تتعدد بتعدد المقاصد وكل منها ينطلق من ثاوي أيديولوجي يحرك القراءة وهذا يتجسد بالصراع بين سلطات الخطاب الموجود وسلطة الخطاب المنشود وكما يقول ميشيل فوكو: (نعلم جيدا أنه ليس لنا الحق في قول كل شيء , ولا الحديث عن أي شيء ) (4) وقد يكون هذا أيضا مرتبطا بالثقافة أو المجموعة فيقول على حرب: ( كل مجتمع يشكل سلطة رمزية لها محرماتها وآلياتها في ممارسة المنع والنفي , والحجب مع تفاوت مجتمع وآخر في الدرجة والأتساع )) (5) والمعنى الذي نسعى إليه أن المؤسسة تؤثر على ما ينتمي اليها انطلاقا من ثوابت ثقافية تشكل سرد ما يمنح تلك الثوابت شرعية ما . ومن هنا أيضا يختلف المثقفون في نظرتهم إلى الأستشراق ومآل الأمة يحسب ما سبق ومحمد آركون يقدم تصورا يقوم على النظر إلى الأسباب ومحاولة معالجتها عبر الطرق المعرفية فهو يقول عن رهانات المعنى وإيرادات الهيمنة ( أن مفهوم المعنى يطرح مشكلة بالفعل . فالتنافس عليه عام وشامل .. واقصد (( رهانات )) هنا انخراط كل متكلم عن طريق خطابه في لعبة الصيرورة الكبرى للعالم… أما في حال المعنى فإن اللعبة ترتد او تقفز من جديد وبشكل مستمر ثم تتعقد داخل الزمان والمكان . ويدعي المساهمون في اللعبة أنهم يؤدون أدوارهم كما يؤدي الممثل دوره(6) فأننا أيضا نلمس في موقفه هذا وصفا لموقفه من الأستشراق بوصفه خطابا معرفيا وأيديولوجيا عبر ثنائية المعرفة/ القوة وتنقل موقفه من الأستشراق عبر حوار معه في مجلة الفكر العربي المعاصر البيروتية أنه أنطلق من توصيف للواقع على أنه يعاني من عائقين يريد نقداهما معا:
الأول / اتجاه في المجتمع العربي الإسلامي ذو سيطرة وتوسع , وهو الاتجاه الذي يريد إعطاء الأولوية للحل الأيديولوجي لمشاكلنا بدل حل قائم على البحث العلمي .
الثاني / نوع من الأستشراق على الرغم من المراكمة المعرفية ؛ والمراكمة معلومات تقنية عن هذه المرحلة من التاريخ , حول تلك المسألة الخ ... دون الاهتمام بربط النشاط الباحث بالمتطلبات القائمة والملحة لمجتمعاتنا. ولهذا فهو يرفض هذا النوع من الأستشراق لأنه يقول : (( أنني أتحدث عن هذه الأسلامولوجيا التطبيقية مثل الأنتروبولوجيين الفرنسيين , ومنهم ـ روجيه باسفيد ـ حيث يلاحظ أن هؤلاء الباحثين الفرنسيين اتخذوا موقفا من الأنتولوجيا والأتترويولوجيا التي تقتصر على أن تكون وصفية , وتكتفي بالنظر عن بعد إلى المجتمعات الغربية , دون النظر إلى آثار هذه الأوصاف على المجتمعات المدروسة وقد حاول أن يبين أركون أن باستيد يبين أن البحث الأنترويولوجي حول المجتمعات , مثلا التي بدون كتابة مثل المجتمع الأفريقي له أن يبين العلاقات التي يمكن أن تقوم بين الأبحاث المنجزة على الصعيد وتطلعات وتوق المجتمعات . أي أن أركون حاول أن يتجاوز القراءة الأستشراقية معرفيا عبر مقارنتها صوب الدراسات الحديثة إلا أنه يرفض بالمقابل تلك المطالبات ذات الدوافع السياسية والداعية إلى التشكل في كل ما يأتي من الغرب, يصف هذا الموقف ( أنه موقف أصفه بالظلامية ) وبالمقابل يعلل ظهور الأستشراق وتلك المواقف الرافضة له بالتجذير لحدث الأستشراقي بالقول : أن الفكر الغربي , أبتداءا من القرن ( 16 ) أصبح أكثر إشعاعا وتوسعا وبنجاح ثقافي معلوم على النقيض من هذا كان الفكر العربي قد بدأ يتراجع ليصبح فكرا تابعا . ثم أنه ينتقد من يحمل هذا التراجع إلى الاعتقاد : بأن المستشرقين هم أفراد غير مهيئين لفهم الإسلام وأنهم يحيكون حوله , أن هذا غير صحيح البتة. ولكنه يعلل رفضه للأستشراق بأمرين : الأول / تغير ميزان القوى لصالح الغرب ولغير صالح الشرق . الثاني / بدءا من القرن التاسع عشر , الظاهرة الاستعمارية التي ضاعفت إحساس التفوق لدى الغرب إزاء مجتمعاتنا , وضاعفت بالنتيجة نظرة مباعدة , ومحتقرة لدى ألبعض مهم . ثم أنه يشير إلى هيمنة الثقافة على من ينتمي إليها وهي التي يصفهأ بقوله : أن المستشرقين الذين يكتبون لا يستطيعون الإفلات من التضامن مع الثقافة التي يكتبون فيها, والتي كبروا في ظلها وهي الثقافة الغربية. بيد أنه يرفض النقد الذي قدمه ( ادوارد سعيد ) : فأن ادوارد سعيد أستاذ للأدب الإنجليزي , وهو ليس على إحاطة كما أنه ليس مختصا بالإسلاميات وقد قرأ نوعا من الأدب الأستشراقي , لأنه بلاشك كان يريد الإطلاع على مشاكل تقنية , مشاكل الأمة العربية والعالم الإسلامي ,. ثم أن أركون يضيف أنـه فلسطينـي (7) أي أن أركون يتفق مع منهج مابعد الحداثة والقائل أن الحقائق لايمكن فصلها عن المراقب الذي يزعم إدراكها وتمييزها عن حقائق الثقافة التي تزوده بالتصنيفات المعيارية التي توصف بتعاليها وربما أن الحال كذلك من الأفضل له أن يخبرنا عن نفسه (8) وأركون يريد هنا النقد يجب توجيهه إلى الأستشراق هو ( النقد الذي يوجه الغربيين أنفسهم اليوم لثقافتهم , والقائم على فضح ما يسمونه بالإنسانية الشكلية , المنهج الفقهلغوي , التاريخية الوضعية الخ... وقد أخطأ المستشرقون أبستمولوجيا , في الحدود التي كانوا منها سجناء للمؤاخذات المنهجية السابقة الإنسانية الوضعية). أن أركون هنا يركز على الجانب المعرفي ويعزو هذا على القوة السياسية والثقافية التي ظهر الأستشراق في كنفها بحجة أنها تمثل ثقافة وانتماء المستشرق إلى الثقافة لأنها الثقافة التي تزوده بالمعايير التي يشكل من خلالها رؤيته للعالم المحيط به لكن أنه نسى أن المنهج مرتبط بالرؤية والوظيفة الأيديولوجية التي تحدد أبعاد تجربته فالأستشراق وليد تجربة ثقافية تتعاضد بها المعرفة والقوة وبتحول المستشرق إلى مثقف يقدم خدماته إلى الدول التي تمول مراكز الأبحاث والرجوع إلى تلك الفترة يظهر للباحث الصراع بين تلك الدول على مراكز الأبحاث المهمة بالشرق . أذا لايمكن أن نتعامل مع الأستشراق على أنه بعد معرفي تم تجاوزه مع تغير الأبعاد المعرفية سواء كان ذلك في مجال النظرية العلمية أو في مجال البحوث الإنسانية والسيمائية المعاصرة . إلا أنه يعزل المنهج عن الأيدولوجيا عبر توظيفه منتجاه الحداثة في قراءة التراث الإسلامي وهذا أمر مبرر في المساعدة في إيجاد أمكانيات جديدة في تجاوز الرؤية الأستشراقية القديمة ومحاولة بناء رؤية جديدة وفي هذا يقول: لحل المشكل ينبغي أن أتوفر على المقدرة الثقافية للدفاع عن نفسي حين قراءة عمل لمستشرق , ولمناقشته بأسلحة خاصة به , وليس بإثارة جدال سياسي أو أيديولوجي لاتقود الى مسائل من الطراز العلمي , (9) أن الغرب نفسه وبخاصة أبحاث ما بعد الحداثة وعلى وجه الخصوص ميشيل فوكو ربطت بين القوة والمعرفة وعملية العزل بينها ليست مبررة. إلا أن أركون يمضي في هذا بقوله: كانت النظرة التي توجه فيه الى المجتمعات الأخرى أتنوغرافية, واليوم نحن بحاجة الى نظرة تكون علمية أولا , فهو يرى أن العلم له قواعد لا جنسية لها ولادين ولهذا يفترض في كتاب ما يناقش مسألة تاريخية أن يحترم التحليل والنقد التاريخي للوثائق والى أي حد يرتفع إلى مستوى طرح بعض المسائل الأنترويولوجية , ولايكتفي بإعطاء وصف أتنوغرافي عن الإسلام الراهن (10) وهذا الموقف نلمس به بعدين : أنه ضحى بأحدها من أجل المحافظة على الأخر في وفق الدراسات الإسلامية والقومية نضحي بالثاني ونرفع من شأن الأول من أجل الانتصار للأيديولوجية على حساب الابستملوجيا, ومعنى هذا أن الأمر الأول هو أنه يعزل بين المنهج والأيديولوجية أي بين المعرفة والقوى أي السلطة المؤثرة , وبالتالي يغدو المنهج ممكنا استعارته وأعارت تطبيقه في أرمن جديد , وهذا الأمر فيه التباس أي أن المنهج وليد الحاجة التي فرضتها التحديات الطبيعية والاجتماعية وضوابط السلطة السياسية والدينية أي أنه وليد ظرف قاهر خارجه سوف يجعل منه سجين الظرفية التاريخية ـ السياسية وعليه فهو مرتبط بالقضاء الاجتماعي والسياسي , وعملية نقله هكذا دون فحصه أمر فيه خطر أي لابد من أدراك البيئة التي أرتبط بها وبالتالي فهو ليس بريئا من برا ثم الأيدولوجيا , فالمنهج الوضعي هو وليد بعدين : الأول- أيديولوجي تمثل بالصراع بين الكنيسة والدولة أو بين الدين والعلم وهو صراع أيديولوجي ترك تأثيراته بالأنتصار للمارة على الروح وهو انتصار رغم نسبية إلا أنه أعتبر وقتها انتصار حاسم وهذا هو سبب أخفاقة الذي أكتشفته الحداثة فيما بعد. والثاني- معرفي أي إن المنهج ألوصفي هو ليس أيديولوجية فحسب بل هو وليد فضاء من الأبحاث والتأمل الطويلة تم خلالها صياغة نظرية علمية وتصورات فلسفية اعتمدت تلك النظرية التي أيضا جاءت استجابة للتطورات الاجتماعية والثقافية الغربية فالتصور العلماني والمادي يطبق على الثقافة الغربية ذاتها وأزاح كل أثر ـ أو حاول ذلك ـ للما ورائيات , لكن الباحثين العرب العقائديين يرون أي عبث يطبق تلك الآلية هو مغرض ومعادي , أي أنهم أي أصحاب ( الرؤية السلفية ) لم يفهموا البيئة الثقافية التي ولد بها الأستشراق. أن هدف أركون هو محاولة تجاوز التابوت في التراث الإسلامي وهو أمر مهد له المستشرقون إلا أنهم لم يواصلوا هذا الهدف من أجل بناء ثقافة علمانية أسلامية لهذا يحاول أركون المعني بهذا العمل وهذا ما يظهر في قوله : ( بأن المنهجية الفيلوجية والتاريخانية للمستشرقين هي أكثر تفوقا وعلمية بكثير من (( المنهجية )) العقائدية أو الإيمانية الأستسلاميةالسائدة في الحجة الإسلامية )( 11) وهذا عائد إلى أنه أدرك ذلك الأفق التاريخي الذي ظهر في الثقافة الغربية الذي تجذر منذ ديكارت وأسبنينوزا في دراسة الكتاب المقدس لهذا فهو يرى المسلميـن ( أي الباحثين ) رفضوا تاريخية العقائد ( أي رفض ارتباطها بجميع العوامل المحركة للمجتمع ككل من اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية )(12) أي أن أركون يهمل النقد الأيديولوجي للأستشراق ويتعامل معه على أنه حدث قديم نقد تجاوز الأطر الغيبية أو التقديسية رغم أن الأستشراق تم تجاوزه معرفيا لكنه أيضا أحدث أضافة في بداية المبحث التاريخي الذي يسعى أركون إلى المضي فيه. أي أن عمل أركون يكمن في نقد ألذات وليس في نقد الآخر بقدر مايتم التحاور معه والإفادة من تجربته وأغناء ألذات في تجاوز التابوت الذي يمثله اللأتاريخي الذي يصف في التيارات الحديثة أيضا(لم يكتف الفكر الإسلامي ـ وبالتالي العربي ـ بإهمال معرفة سبب خروجه من التاريخ الخاص بالروح والاكتشاف المعرفي والتأمل الطويل في هذه الأسباب ونتائجها , وإنما راح أيضا منذ القرن التاسع عشر يشغتل كليا بالدفاع والتبريري والأفتخاري عن تراثه وبالجدال والمماحكة ضد الغرب الاستعماري والإمبريالي .
ثانيا-ادوارد سعيد، الروية النقدية للخطاب الاستشراقي إن ادوارد سعيد في مقاله له"تصور فوكو للسلطة" يؤكد على تأثره به ( العديد من الباحثين والمعجبين ب"فوكو" ،ومن الذين تتلمذوا على يديه،ومن ضمنهم كاتب هذه السطورقدأدلو بدلوهم بشأن تضخيم وطغيان السلطة التي دأب على أن يوسم بها مجتمعه.) إلا إن ادوارد سعيد له تصور نقدي لسلطة عند فوكو( لقد تزامن مع وجهة نظر "فوكو" المتشائمة المكفهرة هذه عدم ملاحظة لعامل هام إلا وهو القوة المقاومة الوثابة لطغيان السلطة التي تقوم باختيار موقع على درجة عالية من التأثير والتركيز كأدلة دامغة على تواجدها وعلى جميع الأصعدة وتؤكد حضورها الدائم وكثيرا ما تفلح في عرقلة ،هذا إذا لم توقف تماما ،اندفاع طوفان واستبداد السلطة)(13). هذا التصور النقدي الذي يمكن إن النظرمن خلاله إلى قراءة ادوارد سعيد بوصفه ينطلق من خطاب المقاومة للخطاب الغربي المهيمن لهذا نراه يسير في هذا النقد باتجاهين الأول منهما نقد الخطاب الاستشراقي والخطاب الإمبريالي ويبين نقده للتمثيل الذي يظفي على هذه السلطة الشرعية والثاني يقوم على توصيف موقف المثقف العضوي الذي الذي يختلف عن المثقف الذي يبرر الهيمنة بوصفه إداري ومستشار في مراكز البحوث التي تشرف على المشاريع التوسعية.وهذا نجده في النقد الثقافي الذي، فادوارد سعيد لا يقوم على أساس أيديولوجي بل على أساس نقد الخطاب الفكري والحاضنة السياسية والثقافية التي تشكل داخلهاوهذايظهر في كتابية الاستشراف والثقافة والإمبريالية عبر التحليل للنصوص السردية .فكان يمثل تيار نقدي تحديثي يعنى بكشف الظواهر وتحليلها وتفكيكها واستنطاقها ،وهو تيار أفرزته الكشوفات المنهجية النقدية الحديثة،ولعل ما يتفّرد به ادوارد سعيد عن المجموعة الطليعية في هذا التيار مثل هابر ماس ودريدا وتودر وف والآن تورين وبورديو ..الخ كونه يترفع عن الاتصال العقائدي بمنهج معين ينغلق عليه ولايقارب الأشياء الاعبر رؤيتة ومقولاته ،ومع آن اتجاهاهه العام في تحليل الخطاب يستند إلى ركائز عامة مدعومة بوجهة نظر فلسفية إلا انه يوظف نتائج التحليلات اللسانية والسيميولوجية من جهة والاجتماعية والتاريخية من جهة ثانية ،ويمارس نقدا متواصلا يهدف إلى تنقية المفاهيم الشائعة والتصورات الثابتة.(14)
البعد الأول: في النقد الثقافي : نقد التمثيل في الخطاب الاستشراقي والإمبريالي. 1- الاستشراق : يقول ادوارد سعيد في حوار معه: ( ان ما قام به الاستشراق يعتبر محدودا نسبيا رغم انه غطى هامشا كبيرا .لقد ركزت اهتمامي خاصة على رصد نظرة الغرب للشرق وتطور تلك النظرة لتصبح حكما غربيا للشرق .لقد اقتصر اهتمامي على الفترة التاريخية التي تمتد من 1800 إلى وقتنا الحاضر وتناولت بالدراسة العالم العربي الإسلامي .لقد نظرت إلى هذه الفترة التاريخية من زاوية الغرب علما بان النقاد أساءوا فهمي واعتبروا إنني ركزت على جانب واحد من الغرب ولم أتناول الغرب يمثل كتلة متصلة بل قصدت تلك الإدارات الغربية في انجلترا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية والتي كانت دائما مهتمة بمنطقة الشرق الأوسط من منطلق السياسية والحكم .أعتبر أن الثقافة والإمبريالية كانتا من بعض الرواسب المترتبة عن ذلك. آذ إنني: أ- لم اقتصر على دارسة منطقة الشرق الأوسط بل تطرقت أيضا إلى عدة مناطق أخرى. ب- رغم إنني تناولت الفترة التاريخية التي تمتد من نهاية القرن الثامن عشر إلى الوقت الحاضر فان السمة الثانية للكتاب التي تتوقف إلى حد ما على الاستشراق ،،لكن بعمق أكثر ،تتعلق تجارب تلك المنطقة التي ركزت عليها مع الغرب ،ومقاومته .أي أنني بعبارة أخرى ،وعلى خلاف الاستشراق الذي ركزت فيه اهتمامي على الكتاب والسياسات الأوربية والأمريكية ،فأنني أركز في هذه الحالة على ثقافة المقاومة العظيمة التي جاء ظهورها ردا على تنامي أعلان الإمبريالية .)(15). أراد ادوارد سعيد تعريف الاستشراق فميز بين وجهتي نظر غربيتين ،أولاهما تعود إلى الفكر والعمل الأوربي ،والثانية إلى الفكر والعمل الأمريكي في حقل الدراسات المشرقية . فينظر الفرنسي إلى الشرق بوصفه المنطقة الجغرافية التي وصفها "شاتوبريان"و"نوفال"في رواياتها . نجد أن الأمريكي إنما ينظر إلى ذات المنطقة بوصفها المنطقة الجغرافية الواقعية شرقي شبه القارة الهندية. اذ يعرّف موضوع كتابه بأنه الحلقة الأكاديمية ،التي يتم فيها تدريس مواضيع شرقية ،يعمل ضمن نطاق تخصصهم الجامعي .ويتابع المؤلف فيؤكد بان الشرق هو في الحقيقة عالم يتألف من حضارات وامم تقطن المناطق الشرقية (من الكرةالارضية)لهم من طرق المعيشة والعادات والتأريخ واقع هو أعظم بكثير من كل ما يمكن إن يوصفوا به في الغرب ...وبالتالي لايمكن إن يدرس إلا بالرجوع إلى القوى الكامنة فيها ،والتعرف على حدود القوى. فالعلاقة القائمة بين الغرب والشرق كانت ولاتزال علاقة قوى،أي علاقة تحكم الغرب بالشرق على مستوى درجات مختلفة .(16) .
2- الثقافة والإمبريالية:حيث نلاحظ الرؤية الفكرية التي ظهرت في دراسته هذه التي تناولت قراءة الثقافة الإمبراطورية إذ وجد إن الثقافات جميعا جزئيا مشتبكة احداها في الأخرى وليس بينها ثقافة منفردة ونقية محض ، إن كل منهجنة مولدة ومتخالطة متمايزة إلى درجة فائقة وغير واحدية وان هذا ليصدق على الولايات المتحدة المعاصرة بقدر ما يصدق على العالم العربي .(17). وبهذا فهو ينتقد الانكفاء على ألانا والاحتفاء بفذاذة التراث ،والفكر المفرغ من العمق الذي يدور ،حول وفي إيديولوجية قومية الانوية القومي بطريقة بغيضة على حساب تراثيات الآخرين ،مع مرور الزمن ،تغدو الثقافة مقترنة ،بالتمثيل والقتل والسلب(فلقد سلك الرأسماليون (الأجانب) لقرون عديدة في العالم المتنامي سلوكا لا يختلف في شئ عن سلوك القتلة المجرمين) (18) ويصور الباحث المخيال العرقي الذي يقدم نفسه عبر الصور المجازية مثل("الشرق السري " إضافة الى التنميطات التي تخلقها ل"العقل" الإفريقي أو الهندي ... والمفاهيم التي تدور حول إيصال الحضارة الى شعوب بدائية )(19).انه يتناول ذلك التمثيل الثقافي والذي يشكل إليه لدى الأخر في الهيمنة على الأرض وسلبها معتمدا على السرد المتخيل أو المناسبات الرسمية التي هي أداة في الإخضاع واكتساب الشرعية ( إن القوة على ممارسة السرد ،أوعلى منع سرديان أخرى من أن تتكون وتبزغ ،لكبيرة الأهمية بالنسبة للثقافةوللامبريالية ،وهي تشكل أحدى الروابط الرئيسية بينها والأكثر أهمية هو إن السر ديات الجليلة الكبرى للتحرر والتنوير قد جندت الشعوب في العالم المستعمر وحفزتها على الانتفاض وخلع الإمبريالية)(20).فهذه السرديات هي هنا التاريخ الوطني أو التاريخ الذي يفرض من قبل المستعمر هناك دور للسرد في السيطرة على الواقع فهو إما إن يكون أداة في يد المستعمر كما هو الحال في فلسطين حيث يقدم سرد أخر يدعي الشرعية في الاستيلاء على الأرض بوصفه الشعب الإسرائيلي بالاعتماد على آليات الاختلاق والإقصاء التي تعتمد على الذاكرة والمكان ، بالمقابل هناك سرد أخر لهذا المكان لدى الشعب الفلسطيني. 1- يتوصل ادوارد سعيد في تحليله لروليات كبلنغ وأوستن وكونراد وكامو وديكنز الى ضبط كل المصادرات السرية التي يقوم بها السرد الأدبي وهو يركب صورة شديدة التشوية ل"الأخر" والرواية لم تنج من الضغوط التي تمارسها المؤثرات السياسية والاجتماعية،إنما هي أسهمت في إضفاء شرعية غير مباشرة على الوجود الإمبريالي ـوذلك من خلال اختزالها الإفريقي أو الآسيوي أوامريكي اللاتيني أو العربي الى نموذج للخمول ،فيما صور تلك الأرضي على أنها خالية ،وبحاجة الى من يقوم باعمارها .وداخل العالم الفني –التخيلي ينجز السرد وظيفة إقصاء ل"الأخر "فالشخصيات غير الأوربية لا تظهر إلا على خلفية الإحداث السياسية ، ولايمكن اعتبارها محفزات سردية يتطور في ضوء وجودها مسار الإحداث الى نهاية معينه ،إما الشخصيات الأوربية "تحديدا الإنجليزية والفرنسية"فهي التي تهيمن داخل العالم غير الأوربي ويبدو وجود الأخر جزءا تكميليا يمثل دورا هامشيا .(21) فالتمثيل أو السرد كلاهما يعتمدان على الخيال وهو مفهوم (Fantasm fantasy) يمثل (( الصوّر أو الحوادث المصورة التي يعيشها الشخص وتكون مصبوغة مشوهة بأغراض الدفاعية الباطنية وتعّبر لا شعوريا عن إنجاز رغبة مكبوتة. فالتخيل رواية مرئية حتى لو كان مقتفياً جداً والمتخيل نفسه متخيل ، أي انه حاضر في التخيل مشاهداً أو مساهماً حتى في التخيلات الأولية. ومن هذه التعاريف يظهر لنا إن الخيال فعالية باطنية فردية لكن لديها ماهو داخلي ممثل بالحاجات والرغبات ماهو خارجي يرد إلى الداخل ويمارس السيطرة على تلك الحاجات فتظهر بسبب التفاعل بين تلك الرغبات والقيم الخارجية التي ترد إلى الداخل فيظهر ( الرمز ). وعلى هذا ( فالخيال ) هو يؤدي إلى إنتاج بعدين الأول معرفي فيما الثاني نفسي اجتماعي فأما المعرفي فيحصل فيه (الخيال )لكن هذا الخيال يظهر عبر السرد الروائي بتقدم عوالم تداعب الغربي بإشباع رغباته عبر السيطرة على الأخر. ثم انه يصل الى إقرار الرؤية التي يؤكدها دائما في أعماله ومفادها إن عالمنا هو عالم المشاركة والثقافات المتقاطعة التي تمتلكه التاريخ الإنسانية عينه.لهذا أوجد مصطلح القراءة الطباقية التي يؤكد فيها على إن لكل نص عبقريته الخاصة كما إن لكل إقليم جغرافيا في العالم فهو بهذا على التعددية الحوارية بين كل هذه النصوص .(هيهات أن تكون الثقافات وحدانية موحدة أمستقلة ذاتيا،بل أنها بحق لتكتسب عناصر أجنبية،أخريات ،وفروق تفوق ما تقوم واعية باقصائه)(22) إلا أن أيضا أنكر فعالية التعميم إذ لا ينبغي لأية قراءة إن تعمم الى درجة إلغاء هوية نص ما أو كاتب ما .
البعد الثاني: في النقد الثقافي"المثقف" فقد قدم تحليلا لمفهوم المثقف من خلال محاضرات ألقاها وأكد فيها : أن على المثقف أن يتمسك بمقاييس الحقيقة عند الكشف عن التعاسة الإنسانية والاضطهاد أيا كان مسببهما ، بغض النظر عن انتماءاته الحزبية وخلفيته القومية وولاءاته ، إذ لا شيء يشوه مواقف المثقف الاجتماعية قدر تشذيب الحقيقة وزخرفتها ، والسكوت الحذر عن التصريح بها . تلك كانت المقومات التي ينشدها في الدعوة إلى مثقف عالمي يتجاوز تلك الأطر الضيقة بتجاوزها ( نكون قادرين على أن ندين أي عدوان سواء كان عدوان أجنبيا علينا أو العكس فعندما ندين عدوانا أجنبيا علينا في الوقت نفسه أن نفعل الشيء ذاته عندما تقوم حكومتنا ( يقصد الحكومة الأمريكية ) بغزو دولة ( اضعف ) تلك هي المفاهيم التي يطالب بها ادوارد سعيد والتي جعلته ينظر إلى المثقف في إطار جديد ، ولهذا الموقف أسبابه ، فادوارد سعيد يشكل خطاب إقصاء لأنه فلسطيني ينسب للمركز الذي تهيمن عليه الصهيونية بما أنشأته من صور تمثيلة مزيفة في أذهان الغرب . لهذا فهو يحاول أن ينقذ تلك التصورات – التمثلات ويكشف ما وراءها من ادعاءات من خلال تلك المرجعية نظر ادوارد سعيد إلى المثقف كونه هاويا وهامشيا يحاول أن يقول الحقيقة ، لكونه ينتمي إلى امة لها تقاليدها وموقفها التاريخي تلزمه أن يحدد المدى الذي يخدم به تلك الوقائع الفعلية المؤسسات والأكاديمية والمهنية أو السلطة السياسية أو يتخذ موقفا مستقلا نسبيا عن تلك الضغوط ، وهذا ما ينشده ادوارد سعيد وهو الثاوي وراء دراسته ومبعث اشكاليته القائمة على نقد التمركز القومي للغرب ، من خلال تحليل ونقد العقل الغربي ذاته ، ويحدد مرجعيته في النظر إلى مفهوم مثقف من خلال اعتماده على المفكرين الثلاثة من خلال سؤال واحد : المثقفون مجموعة واسعة من الناس أم عصبة صغيرة منتقاة ؟ جواب المفكر الأول هو الإيطالي غرامشي : بامكان المرء أن يقول أن كل الناس مثقفون ، ولكن ليس لكل الناس ، وظيفة المثقف في المجتمع . وعلى أساس الوظيفة حدد نمطين ، الأول ( المثقفون التقليديون ) مثل المعلمين والقساوسة والموظفين والإداريين وهم يقفون في أماكنهم والثاني ( المثقفون العضويون ) ويجدهم مرتبطين مع طبقات اجتماعية ومؤسسات تستخدمهم لتنظيم مصالحهم وللحصول على السلطة اكبر وهم الفني والمتخصص بالاقتصاد السياسي والمنظم للثقافة الجديدة والمشرع . هؤلاء يتقدمون دائما وهم في عملية تكون متواصلة أنهم ينغمسون انغماسا ا كاملا في حياة المجتمع يعملون من اجل تغيير الأفكار وتوسيع السوق ، لأنهم مرتبطون مع ( طبقات اجتماعية ) أو مؤسسات تستخدمهم لتنظيم مصالحها أو للحصول على سلطة اكبر أو سيطرة على الأفكار أو الأسواق . (23)
ويأخذ من ( جوليان يبتدأ في كتابه – خيانة المثقفين – 1927 وأعيد طبعه 1969 ) التعريف التالي أن المثقفين lntlectuas عصبة صغيرة جدا من الفلاسفة – الملوك ذوي المواهب والأخلاق السامية ممن يشكلون ضمير الإنسانية – ويتخذ نماذج سقراط ، المسيح / سيبنوزا ، فولتير ، فهم ( الخواص ) نقيض ( العوام ) يدافعون عن المقاييس الأزلية للحقيقة والعدالة ، يقف ادوارد سعيد إلى جانب غر امشي لان تمثلا ته تبدأ في القرن العشرين الذي تطور فيه المهن فهو يرى ( أي ادوارد سعيد ) أن المثقف ينطبق هذه الأيام على كل من يعمل في أي حقل مرتبط بإنتاج ( المعرفة ) وتوزيعها سواء أ كانت صيغ الإنتاج أم عملا أدبيا أم مادة خام كبحث اجتماعي . أما الثالث المفكر الاجتماعي الأمريكي ( سي رايت ) في كتابه – ( السلطة ، السياسة ، والشعب ) يؤكد ادوارد سعيد أن المثقفين المستقلين يواجهونهم بخيارين : الحفاظ على استقلاليتهم والعيش بقنوط إزاء تهميشهم أو الالتحاق بالمؤسسات والحكومة بصفة أعضاء مجموعة ويعتمد ادوارد سعيد على نص مركزي في أطروحته يعود إلى ( سي رايت ) أن الفنان المستقل والمثقف المستقل هما من مجموعة قليلة باقية من الشخصيات المؤهلة لمقاومة ومحاربة ( القولبة ) وما يعقيها من موت للأشياء الحية بصدق واصالة . أن نفاذ البصيرة الجديد ينطوي على القدرة على رفع الأقنعة الدائم تدمير قوليات الرؤية والفكر التي تعج بها وسائل الاتصالات الحديثة أن عوالم الفن الجماهيري والفكر الجماهيري توجه على وفق متطلبات السياسة فإذا تحاشى المثقف ربط نفسه مع الحقيقة فانه لن يتمكن من التعامل بمسؤولية مع التجربة الحية بأسرها . وقد أكد سعيد على هذا بقوله أن السياسة في كل مكان ولا يمكن أن يكون ثمة مهرب منها إلى عوالم الفن الصرف أو الفكر الصرف أو إلى عالم الموضوعية النزيهة ، والنظريات المتسامية أن المثقفين أبناء زمنهم تسوقهم وسائل ( التمثيل ) المتجسدة في المعلوماتية أو صناعة الأعلام الجماهيري أن المثقفين قادرون على مقاومة هذه فقط خلال تفنيد الصور والسرود الرسمية والتبريرات التي تعممها وسائل الأعلام متزايدة القوة والنفوذ . (24) لهذا يؤكد سعيد أن مهمة المثقف الأمريكي أن يزيح التراب عن المنسي والمغيب ويفضح الارتباطات غير المعترف بها ... وان يديم حالة اليقظة المتواصلة... لعدم السماح بإنصاف الحقائق ، من خلال : - المبالغة بالهوية الوطنية فهي تؤدي إلى التعصب عبر اختزالها وهذا يظهر في موقف الغرب من الإسلام - وهذه تنفي عن المثقف صفة التفرد وإثارة الشكوك بالمسلمات (25).
ثالثا- نقدابعادالاستشراق المتخصص بالإسلاميات " عند هشام جعيط"ملامح الاستشراق المتخصص بالإسلاميات : لقد تناول الباحث هذا الموضوع من زاويتين الأولى نقد الخطاب الاستشراقي وفي هذا هو قريب من ادوارد سعيد في نقدة للتمركز الثقافي الغربي وموقفه من الشرق الإسلامي ،إلا إن له دراسة هي" الوحي والقرآن والنبوّة في السيرة والنبوية" تناول فيها ما أشار به محمد أركون من ضرورة دراسة السيرة من زاوية ظاهراتية وبهذا يكون هشام جعيط هو الجامع بين القرآئتين نقد ألذات وانسنة الإسلام من ناحية ونقد الأخر وكشف التمثيل الذي يقدمه حول الإسلام ،وهذا ما جاء في دراسته "أوربا والإسلام صدام الثقافة والحداثة"اذالباحث هنا يقدم مقاربة في نقده لهذا الخطاب وهما :- الأولى:إذ يسعى الباحث الى كشف طبقات هذين المفهومين > الغربالإسلام< يسعى إلى كشف طبقاتهما عبر الحفر في اللامفكر فيه. في المقدمة يطرح سؤال : كيف يمكن تبرير دراسة التفاوت بينهما ،احدهما ذو أصل جغرافي والثاني ذو اصل ديني ؟إلا إنه يؤكد إن الغرب بمعناه الجغرافي لم يعد أوربا فقط بل امتد خارجا سواءًًً على المستوى العلمي أم على المستوى السياسي حاول من خلالهما إن يتميز عن كل ما صدره الى الخارج "كمستعمرات استيطانية "و عن كل ما أخضعه ورفضه " المستعمرات " إما الإسلام فهو سياسي و ثقافي "إيماني" والإسلام المعاصر الذي يتبنى الإرث الإسلامي ويربطه به بشكل حميم . الباحث هنا يحاول ألمقارنة بين الغرب الذي تمركز حول نفسه ،والإسلام الذي تمركز، حول العروبة بعيدا عن، السياسة، والاسلمة ،للشعوب الأخرى. الثانية :في هذه المقاربة يحاول الباحث ،أن يتلمس العلاقة بين ،الغرب،والاسلام والتي كانت من نتائجه الغرب ألان ( بروز أوربا تجعلنا أكثر انتباها، لتطور باقي الثقافات الكبرى التي غذت أوربا في المرحلة الأولى ، وحملت توسعها في مرحلة لاحقة ، وتعيش في النهاية تحدي حداثتها )(26). 1. وهذه العلاقة كان للإسلام دور بها فقد كان مؤثراً ثم تحول الى ارض محتلة نهبت خيراتها وفتحت أسواقها للبضائع الغربية ثم اليوم تقتبس المنجزات الغربية الاان الباحث يدرك من خلال ألمقارنه ( إن أوروبا بالكاد بدأت تخرج من تأملها الذاتي بوصفها مركزاً للعالم ومحوراً للحضارة ونهاية للتاريخ)(27) بالمقابل لايمكن للإسلام إن يتجاهل إلى مالا نهاية ماكان في اصل قوة أوربا ومادتها وهدفها ؛ أم يستمر في رؤيته ذاته بشكل خرافي ومتراص؟ إن إمام انهيار التمركزات علينا إن ندرك نسبية الحضارة الغربية فنكف عن الانبهار بها مغتربين ولا أن تنكمش على ألذات لن هذا السلوك لم يعد يتلائم مع روحية العصر وتوجهه . ثم يتناول التاريخ بين الغرب والإسلام وتكون صورة الإسلام في الذهنية الغربية خلال تلك الظروف التاريخية والثقافية وهي آلاتية: 1- الأسس القروسطية :إن الغرب المسيحي قد أصيب بجسده ونفسه بين القرنين الثامن والعاشر بآخر امتدادات الفتح الإسلامي .من هذه التجربة الأصيلة ؛يستمد الوعي القروسطي الأسس الانفعالية لتمثله للإسلام .ذلك التمثل المجبول أساسا بالعداوة.إذ أن هناك رؤيتين للإسلام في الذهنية الغربية هما :رؤية العالم الشعبي ،ورؤية العالم المدرسي الأولى تغذت من الحروب الصليبية ،والثانية من المواجهة الإسلامية –المسيحية في أسبانيا.واتسمت هذا الرؤية بالعداء للإسلام ونبيه الكريم(ص) والقران العظيم . 2- أوربا الحديثة وصورتها عن الإسلام :فان الإسلام لم يعد العدو الرئيس لكن من جهة أخرى إن نواة الصورة القروسطية التي تتمتع بقوة حفظ ذاتي مستقلة ،فهي لو انفصلت عن قاعدتها التاريخية فقد تهدد بالانبثاق ثانية أول ما تداخل العلاقات الحقيقية بين العالمين في مرحلة صراع .وهنا يؤكد عدة زوايا . هنا يستعرض الباحث الزوايا التي ينظر من خلالها إلى الإسلام : 1-المثقف الحر: فمنذ إن تحررت الفكرة العلمانية من الضغط المسيحي على التأمل العقلاني وعلى الممارسة السياسية ،انفتحت نظرة جديدة للكون .هذه السياسة ،انفتحت نظرة جديدة ،تمكنت من رؤية الإسلام بعمق بوصفه جزءاً متمماً وهام من الحياة الإنسانية. 2-على المستوى السياسي :كان الإسلام مماثلا بالإمبراطورية العثمانية .العربي يتلاشى من الأفق الأوربي بينما الإسلام التركي يتكامل فيه .من هنا نشأت علاقة دنيوية واسعة تخضع خصوماً للعقلانية الدبلوماسية . 3- على المستوى الديني: - النظرة الفكرية :ان مفهوم الشرق ،التركي – الفارسي أساسا ،يبدو لهذه النظرة مفهوم حضاري . -النظرة الشعبية :تتراوح مابين صورة الشرق المدهش وصورة الشرق الشهواني القاسي.(28) - على المستوى الاستعماري : ذلك أن ماحكم كل اهتمام أوروبا خلال النصف الثاني من هذا القرن التوسع .كان ظاهرة الإمبريالية.فالمركزية العرقية ذات الصفة الاحتقارية،تبرز السيطرة .وهذه بدورها تعود لتغذيه العرقية .(28).هذا على مستوى النمو التكويني الفكر الغربي وتمثله الإسلام عبر التاريخ .إما بنية تلك التوصيفان للذات الإسلامية فيتناولها" هشام جعيط"بالاتي: أولا- انه بالتأكيد على هويته الأوربية بوصفه كتلة واحدة في مواجهة إسلام أحادي الجانب وثابت ودائم ،بمعنى إن الإسلام لايمكن إن يقبل بالتعددية أو بالتطور بحسب رأيهم. هكذا نهضت كل من المسيحية والعلمانية المعاصرة على التوالي لكي تتهما الإسلام إما بنقص الروحية فيه أو بالجمود الثيورقراطي.إذ نجد المستشرق الكلاسيكي هو أكثر الناس غربية وتعلقا بالقيم الغربية انه أكثر غربية من المفكرين الاوربين الآخرين غير المتخصصين ، بالاستشراق .(29) ويحصل ذلك كما لو إن احتكاكه الطويل مع ثقافة أخرى غير ثقافتة يجعله ينفر ويشعر بتمايزه واختلافة بشكل حاد أو أكثر من غيره.ولما كان يشعر بالقلق خوفا من فقدان هويته أو ذوبانه في غيرية "أدنى مرتبة" فانه يلح أكثر على توكيد هويته.ويمكن ملاحظة درجات الاختلاف .
1- إذأ كان الاحتكاك "سطحيا"فانه يؤدي الى الشعور بالغربية . 2- إما إذا كان "عميقا"فانه يهدد بذوبان "ألانا"في "الأخر"وبتفككه وبانهيار يقينياته وبتصادم القيم طبيعة القراءة الاستشراقية.(30) 3- المقارنه بين الغرب والاسلام يؤكد فيها ( يسجن الاسلام في مواجهة حضارية وجها لوجه مع الغرب .لايعود تاريخ الا سلام يجري بحسب ديناميكتة الخاصة دائما بصفته انعكاسا مقلوبا لديناميكية الغرب وتاريخه .ولكي نضرب مثالا كبيرا على ذلك ،اي النبي محمد(ص) ذاته ،فاننا نلاحظ بشكل ضمني ان شبح المسيح يتراءى خلف اي تحليل لشخصيته على يد المستشرقين .فاذا كان محمد (ص) غيرصادق (على فرض انهم يطرحون صدق او عدم صدقه على طريق التساؤل)فذلك لان المسيح كان صادقا واذا كان يمارس تعدد الزوجات ويميل للنزعة الحسية او الجنسية ،فذلك لان يسوع كان عفيفا طاهرا واذا كان محاربا وسياسيا فانه يختلف عن المسيح المسالم او المهزوم والمصلوب ... وهكذا ينبغي ان ينالا من نبي الاسلام بأي شكل. ثانيا: ان المتناقض في الاستشراق المتخصص بالاسلاميات ،هو انه يقع على هامش الجسد الغربي ،ثم يطرح نفسه في الوقت ذاته بصفته الناطق الرسمي باسم الغرب .لهذا فان القطاعات المستغربة بشكل صحيح واصيل من الوعي الغربي سواء اكان ذلك في رؤياها الايديولوجية للعالم ام في تكوينها المنهجي يمكنها ان تحتج وتعتبره انتاجا غير اصيل للغرب. جمهور الاستشراق : ان الاستشراق يتوجه الى جمهور ،اما الغرب ( حيث هامشية الموضوع)فانه لايهتم بالاسلام الابصفته قطاعا هامشيا من كينونته لهذا تنهار الاعمدة القائمة لعالم بأسره او تفتقد معناها وطابعها المركزي ومهمتها الاساسية . اما عندما يتوجه المستشرق الى الجمهور العربي (حيث هامشية المسار والمنهج) فانه يدخل على العكس في صميم الموضوع .فما كان هامشيا اصبح مركزيا وما كان ثانويا أصبح اساسيا .ولأنه ليس للبشرية وطن موحد ، فانه علم المجتمعات والثقافات الخصوصية ،وفي مقدمتها علم التاريخ لايمكنه ان يكون مجردا اوفراغيا ،ولكن لهذا السبب بالذات فاننا نجدالمستشرق يجرح باسم العلم وبشكل فج واقتحامي وحاقد شيئا لايمثل فقط مادة جامدة للمعرفة بل النواة المركزية والاكثر عمقا،هذه النواة التي تشكل الهوية العربية الاسلامية وبهذا انتج هامشية المسار والمنهج . ثم ان "هشام جعيط" يخلص الى اقرار قيمة المنتج العلمي للاستشراق وارتهاناته التي اثرت على النتيجةولولا هذا الارتياب المتبادل لاستطاع الاستشراق ان يسهم في نزع الاسطرة عن مرحلة الاسلام البطولي مثلما اسهم علم التفسير الليبرالي الاوربي في نزع الاسطرة عن الازمنة التوراتية والانجيلية , لكن هذه الجدلية تعترف بوجود منطقة ظل معتمة تبقى بمنأى عن سلطة العلم وهي تدافع عن نفسها بكل قوة ان الاستشراق اذ اكد على هويته الاوربية قد وضع نفسه خارج دائرة الكونية وخارج الديناميكية الخطرة للاحتكاك والتفاعل . ويشير هشام جعيط الى اختلاف الاستشراق تاريخيا من العلاقة بين الاسلام والعروبة بحسب الخطر فيقول : ان استشراق القرن التاسع عشر والنصف الاول من القرن العشرين الكاره للاسلام ،وكذلك استشراق النصف الثاني من القرن العشرين "المحب للاسلام "يتزامنان مع لحظتين من لحظات الوعي الغربي الهامشي كما ويحيلاننا بدورهما الى لحظتين من تاريخ الغرب بمجمله: الحالة الاولى : كان يسود ايمان شبه مطلق بقيم الغرب هذه القيم المشكلة من النزعة الانسية والمسيحية والعقلانية . اما المرحلة الثانية :فأن الارتياب وحتى النبذ فساد موقف الاستشراق ازاء ما عتبروه بمثابة انحطاط للغرب ،وفي اسوأ الاحوال نزعا للروحية عنه هكذا نجد ان المستشرق الكلاسيكي والمستشرق المعاصر يتعارضان فيما يخص درجة انتمائهما لعصرهما من اجل ان يلتقيا بشكل اكبر في انتمائهما الداخلي او الحميمي الى قاعدة القيم نفسها ،المهانه هنا والنصرة هناك . الحالة الاولى: يضرب لنا مثال على ذلك يحاول الاستشراق الهامشي في ارضه الى تهميش الاسلام في ارضه الخاصة بالذات كما لدى "بيكر" بانوراميا شاملة الرؤية ..،عندما اختزل الحضارة الاسلامية الى مجرد هيلينية "اي حضارة يونانية " راحت تصبح آسيوية شيئا فشيئا . اما "لامنس- Lammens " بدا ينحط لكي يصبح اخراجا للاسلام من ذاته . وهذا يظهر في موقفين هما : 1- حيث نلمح في مواقف المستشرقين نوعاً من الاسف والحزن بسبب الانتصار العربي في القرن السابع الميلادي ،ومن المعروف ان هذا الانتصار كان نقطة الانطلاق لانحسار المسيحية الشرقية . 2- ونلاحظ نوعاً من التعاطف يتجه الى القوى المضادة للاسلام ،او مايتخيله كذلك " كالسلالة الاموية" وبالمقابل نلاحظ ان كل حقده ينصب على ال النبي ، وعلى علي بشكل خاص . فهو يعتبر "اي لامنس" علي ابن ابي طالب بمثابة ، التجسيد للمثال الاسلامي الجديد . وهذا المثال يشكل في رايه مبدأ ضارا وسيئا استطاعت القوى والعصبيات القديمة لحسن الحظ ان تنتصر عليه وتعود الى الساحة من جديد وتكسره بشكل قاطع . اما التصور الذي لمسه هشام جعيط عند المستشرق "دوزي-dozy "في وصف هذا الاخير للثوره التي قام بها سكان المدينة"63" اذ يقدم هذا المستشرق وصفا لها وهو يبدو ميدلاً لعمل يزيد في القضاء عليها ( لان يزيد في رايه قد سحق الاسلام المتعجرف والايديولوجي الذي كان سائدا في مدينة النبي .اصيح ان هذه الخصومات قد حصلت بين المسلمين ولكنهم تجاوزوها لكن المستشرق راح يضخمها الى اقصى حد ويراها في كل مكان وهو يمثل ( تصفية عرب سوريا لحساباتهم مع هؤلاء المتعصبين الطائفيين الذين اغرقوا الجزيرة العربية بدماء آبائهم) ويصف هشام جعيط موقف "دوزي-dozy "الذي كان يقف ضد الاسلام الى جانب اعدائه لانه كان ينطلق من موقف معادٍ للاسلام بان " النبالة " المكية القديمة ( السابقة على الاسلام والمتحالفة مع الاستقراطية البدوية قد ضربت في الصميم هذه "النبالة" الاسلامية الجديدة التي تأسست بواسطة النزعة الجهادية والاسبقية في مجال الايمان وحرب الفتوح وقد مثلها الحسين بن على وابن الزبير. يعلق هشام جعيط على هذه الاحكام المعادية بقوله : هذه المسلمات تصب عميقا في النواة المركزية للاواعي الغربي فلكي يتغلبوا على ماهو مغلق او مزعج في غيرية الشرق واختلافهم فانهم راحوا يبحثون عما هو "غربي " فيه اي السلالة الاموية والحضارة الهلنستية وبعض الجوانب الصوفية اذ راحوا يقولون ان الحلاجية هي "دين الصليب" وهكذا راح لامنس ودوزي يدينان باسم العروبة الاستقراطية البدائية تلك القوى الجديدة للاسلام الوليد .(31) الحالةالثانيةاخذ الاستشراق يواجه خطراً متمثلاً بالنزعة العروبية المعاصرة فاخذ هذا الخطاب موقفاً عدائياً ضد العروبة هذه المرة باسم الإسلام (وهكذا راحوا يتصورون الإسلام بوصفه القوة روحية وتوازناً للمجتمع ، إما النزعة العربية النضالية فهي ليست في رايهم إلا تجسيد لكل الشعار التبشيري المزمن والمتاصل للشرق . (32)
الهوامش:الفصل الثاني الهوامش الفصل الثاني/ المبحث الأول (1) ،،،،، (2) نفس المرجع ص14. (3) منيرة الفاصل ، ادوار سعيد والتخيل الثقافي وسياسيات الهوية ، م/ البحرين ع 28- ص64. (4) الرزاي ، محمد بن بكر ، مختار الصحاح ، دار الرسالة ، الكويت 1983 ص215. (5) عبدا لمنعم ألحفني ، المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة ، مكتبة مد بولي 9000 ص355. (6) جميل صليب ، المعجم الفلسفي ، ج2، ط بيروت ، ص568. (7) علي محمد علي عبدا لمعطي ، السياسة بين النظرية والتطبيق ، دار الجامعات المصرية ، القاهرة 1986 ص139. (8) إحسان محمد الحسن ، علم الاجتماع السياسي ، جامعة الموصل ، مديرية الجامعة ص339 (د.ن). (9) عبدالمنعم ، المصدر السابق ، ص352-353. (10) يورغن هابر ماس / الحداثة وخطابها السياسي ، ت جوررج ثامر ، دار النهار ، ط1، 2002ص187. (11) برتران بادي ، الدولتان ، المركز الثقافي العربي ط1 1996 بيروت ص125. (12) المرجع نفسه 128. (13) المرجع نفسه ص17. (14) المرجع نفسه ص56-60. (15) ل سغال: لمحة عن تطور منذ بدء التاريخ ، دار دمشق ( د.ت) ص34. (16) محمد عبدالشفيع ، قضية النضم ، 83-84. (17) قضية النظم ، التصنيع في اطار النظام الاقتصادي العالمي ، دار الوحدة ، بيروت ص56-60. (18) المرجع نفسه ، 106-108. (19) المرجع نفس ، 115. (20) عبدالسلام بن عبدالعال ، الميتافيزيقيا ، والعلم ، والايدولوجيا ، دار الفلسفة ، بيروت 1980 ص21. (21) محمد جلوب فرحان ، بيئة الفكر الفلسفي الحديث ، مكتبة بسام ، الموصل (د.ت) ص19. (22) المرجع نفسه ، ص21-24. (23) مطاع صفدي ، العقلانية وأيديولوجيا التقنية م/ الفكر المعاصر ع 16 مركز الإنماء العربي 1981 ص7. (24) محمد جلوب فرحان ، المرجع السابق ص19. (25) محمد عابد الجابري ، قضايا في الفكر العربي المعاصر، بيروت ط1 1997 ص59-60. (26) محمد عابد الجابري ، المرجع السابق ، ص49. (27) نفس المرجع ، 165. (28) احمد محمد صبحي ،فلسفة التاريخ بيروت (د.ن) ، ص97. (29) المرجع نفسه، ص98. (30) يوسف كرم ، تاريخ الفلسفة حديثة دار العلم ، بيروت ص 55-56. (31) المرجع نفسه 56. (32) احمد محمد طسمي ، فلسفة التاريخ ص99. محمد صبحي فلسفة التاريخ ، ص59. (33) برتران باري ، الدولتان ، المرجع السابق ص135. (34) اوبيردريفوس ، بول رابينوف ميشيل فوكو مسيرة فلسفية ، ت جورج أبي صالح ، بيروت (د.ت) ص131.. (35) عزمي بشارة ، المجتمع المدني ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، ط2 2000، ص83. (36) مشيل فوكو ،المراقبه والمعاقبه"ولادة السجن" ،ت:علي مقلد،مركز الإنماء القومي،بيروت ،1990.اوبير ديفيوس ، بول رابينوف – ميشيل فوكو مسيرة فلسفة ، ص134. (37) المرجع نفسه ، ص 125. ص134
المصادر : المبحث الثاني: إشكالية الحداثة الغربية 1-عبد السلام بن عبد العال ، الميتافيزيقا، والعلم ،والايديولوجيا، دار الفلسفة ، بيروت ،1980 ص21. 2-جورج بلخانوف ، تطور النظرية الواحدانية الى التالريخ ، دار الطليعة ،بيروت ، بيروت ،ص75. 3-4-محمد جلوب فرحان ، بيئة الفكر الفلسفي الحديث ،مكتبة بسام ،الموصل ،(د.ت)،ص 19 . 5-اميل برهية ، تالريخ الفلسفة ، ج4 القرن السابع ،ت:جورج طرابيشي،دار الطليعة،بيروت،ط1،"1983"،ص73. 6-ل سغال ، لمة عن تطور المجتمع منذ بدء التاريخ ،دار دمشق ،"د.ن" ،ص34. 7- المرجع نفسه ،ص35. 8-المرجع نفسه،ص36. 10- 11- 12- اوبير ديفوس ،بول ربينوف، مشيل فوكو مسيرة فلسفية،مركز الانماء القومي، بيروت ،ص127. 13-محمد عابد الجابري ،من اجل رؤية تقدمية دار النشر المغربية ، الدار البيضاء ، ط1، 1981،ص69. 14- المرجع السابق ،ص70- 71 . 14- عبد اللام بن عبد العال " المرجع السابق "، ص22. 15-المرجع نفسه،ص23. 16--سليمان خالد المخادمه ،الفكر العربي واشكالية الحداثة ،م/المناره المجلد 4،العدد3،1999،ص374-375. 17- احمد هاشم ، نقد الفلاسفة ، م/ الطليعة الدبية ، ع5-6،1990،ص 65. 18- عبد السلام ،المرجع السابق الذكر ،ص23 19- المرجع نفسه ،ص24 20- المرجع نفسه ،ص25. 21-عبد الله العروي ،مفهوم الايديولوجيا، المركز الثقافي العربي ،ط4،2003،بيروت،ص34. 22- سعيد الغانمي ، في عقلانية اللغة التحليل السيميولوجي الاستعارة ،م/الفكر العربي معاصر مركز الانماء القومي بيروت . 32- عبد الله العروي ،مفهوم الايديولوجيا، المرجع السابق ،ص35،42. 24- عبد السلام ،المرجع السابق الذكر ،ص25. 25- المرجع نفسه ،ص26. 26- المرجع نفسه ،ص. 27- عبد الله العروي ،مفهوم الايديولوجيا، المرجع السابق ،ص38. 28فريدريك نيتشه: ماوراء الخير والشر،ت:محمد عضيمة،ص106 . 29-فريدريك نتشه، انساني مفرط في انسانية ،ت:محمد الناجي ،كتاب العقول الحره ،ج1ص208.5. 30-بيبرمونتبيلر ،فلسفة الحياة عند نيشه وبيرغسون،ت:عباس حمزه جبر،جريدة الاديب،ع 57،2من شباط،2005،بغداد،ص14. 31- بورغين هابرماز،نظرية المعلرفة عند نيتشه، م/الفكر العربي المعاصر،مركز الانماء القومي ،بيروت،1988، 32 - المرجع نفسه ،ص76. 34 - اوبير ديفوس ،بول ربينوف، مشيل فوكو مسيرة فلسفية،ص123.
الهوامش: المبحث الثالث: إشكالية فلسفة التاريخ
1- محمد عابدالجابري،نحن والتراث،دارالطليعة،ط1،بيروت،ص30. 2- باسم علي خريسان ،العولمة والثورة المعرفية،م/ اتجاه ،ع التاسع عشر 2001،بيروت، ص135. 3- عبد الرحمن المسيري ،وفتحي التريكي،دار الفكرالمعاصر، بيروت،ط12003.19-22. 4- مشيل فوكو،حفريات المعرفة،ترجمة:سالم يفوت،مركز الانماء القومي،بيروت،ص35. 5- عزمي اسلام،جون لوك ،دارنالقثافة القاهره،ص28. 6- محمد جلوب فرحان،الفيلسوف والتاريخ ، ،جامعة الكوفه ،،ص13. 7- - صبحي، احمد محمود- فلسفة التأريخ عند ابن خلدون-ط2-بيروت-ص124 8- عبد الحمن بدوي ،النقد التاريخي،دار النهضه،القاهره،(د.ت) ص67. 9- صبحي، احمد محمود- في فلسفة التأريخ- بيروت- ب ت،ص125 10- زينبا لخضيري، 1985-ص64 . 11-ا لجابري، د. علي حسين- بين التراث الخلدوني والفكر الادبي المعاصر- مجلة افاق عربية- العدد11،12 ، 1982، ص52 12-زينب الخضيري،فلسفة التاريخ عند ابن خلدون ،ص133. 13-جميل صلبيا،المعجم الفلسفي،دار العلم بيروت،ص320 . 14-روجيه غارودي،ماركسية القرن العشرين،دار الطليعة،بيروت،ص71. 15-جميل صلبيا،(المرجع السابق)ص394. 16-المرجع السابق،ص78. 17-بليخانوف،دور الفرد في التاريخ،ترجمة احسان سركيس،دمشق،1974،ص27. 18- ، يحيى هويدي ، فلسفة الميثاق (فصل خاص بفلسفة الحرية)، ص84. 19- صليبا، جميل- المعجم الفلسفي-ج1-ص512 20- امانويل كانت،اسس ميتافيزيقا الاخلاق ،ت:محمد فتحي الشنيطي،ص154 21- مكي النوري ،الاغتراب اصطلاحاوواقعا،م/ عالم الفكر ،ص20 22- محمد محفوظ،الاسلام ،الغرب وحوار المستقبل ،المركز الثقافي العربي ،ط2،2000،الدار البيضاء.ص65 23- غريغوارمرشو،ايديولوجيا الحداثة،ط1،2000،الاهالي،عمان ص25. 24- المرجع السابق،ص31-32. 35- المرجع السابق، ص29، 26- المرجع السابق ،ص34. 27- ارفن جميل شل ،الاستشراق جنسيا ،ت: عدنان حسن،ط1،2003،شركة قدمس للنشر ،بيروت،ص81. 28- ادوارد سعيد ،التلفيق ،والذاكرة،والمكان ،م/كرمل ،ص93. 29- علي حرب ،حديث النهايات "فتوحات العولمة ومآزق الهوية" المركز العربي ،بيروت،2000،ط1،ص18. 30 - علي حرب ،حديث النهايات ،ص54 31- باسم علي خريسان ،العولمة والثورة المعرفية،ص131. 32-علي حرب ،الماهية والعلاقة ،المركز الثقافي العربي،الدار البيضاء ، ص17. 33- المرجع نفسه،ص18. 34-محمد جلوب فرحان ،الفيلسوف والتاريخ،الموصل،1987،ص13 وما بعدها.
الهوامش: المبحث الرابع/ القراءات العربية 1. -محمد اركون ،الأسلام , أوربا , الغرب /1995ـ 55ص. 2. نفس المربع/9 . 3. نفس المربع/ 35 . 4. مشيل فوكو،نظام الخطاب , جينيا لوجيا المعرفة /1988ـ 61 ). 5. علي حرب ،الأستلاب الأرتداد، بيروت، المركز العربي،ط1،1997ـ 13 ). 6. الأسلام, أوروبا/24)7- 7. -أركون حوار ، م/ فكر عربي معاصر ع 21,20/ 8. -ارنست غلير, ما بعد الحداثة / المدى / 2001ص48ـ49 ) 9. - نفس المربع السابق 80/84 ). 10. المربع نفسه 80/84 ) . 11. محمد أركون ،الفكرالأسلامي، قراءة علمية , 1987/15 مقدمة. 12. نفس المربع/15 . 13. -ادوارد سعيد ،تصور فوكو للسلطة ،ت:علاء الدين حسين ،م/ البحرين الثقافية –العدد 28-2001 ،ص85 -عبد الله إبراهيم ،التمثيل والسرد،م /البحرين الثقافية –ع28-ابريل 2001،ص107. 14. - حوار مع ادوارد سعيد ،القلم والسيف : الثقافة والإمبريالية،حاورة :ديفد بارسميان ،ت: الناجي حسونه،م /البحرين الثقافية،ع28، 2001،ص90 15. -ادوارد سعيد ،الاستشراق "المعرفة .السلطة.الانشاء ،ت:كمال أبو ديب،"(بيروت،مؤسسة الابحاث العربية،1981،ص1-13. 16. - بشرى صالح ،قراءة نقدية في كتاب "الثقافة والإمبريالية "ادوارد سعيد ،م /عمان ع،39،ص75 17. - ادوارد سعيد،الثقافة والإمبريالية ،ت:كمال أبو ديب،بيروت،دار الآداب،ط2،1998، ،ص83. 18. - المرجع السابق،ص57. 19. ادوارد سعيد،الثقافة والإمبريالية المرجع السابق،ص58 20. - عبد الله إبراهيم المرجع السابق،ص107. 21. ادوارد سعيد،الثقافة والإمبريالية المرجع السابق،ص85
22. -ادوارد سعيد ،و"تمثيلات المثقف"،ترجمة وعرض:سلمان داود الو اسطي،م /الثقافي ، ع 1-2،بغدار الشؤون الثقافية بغداد 996،ص89-100. 23. - ادوارد سعيد،الثقافة والإمبريالية المرجع السابق،ص93-94. 24المرجع السابق ،ص993-4 25- هشام جعيط ،اوربا والاسلام صدام الثقافة والحداثة، دارالطليعة ،بيروت ،ط1،1995،ص9 26المرجع نفسه،ص7-10. 27المرجع السابق ،ص16. 28- المرجع السابق ،ص17. 29- هشام جعيط، إبعاد الاستشراق المختص بالاسلاميات ،م/عيون ،منشورات الجمل ،ع4لسنة1997،ص8. 30- المصدر السابق، ص9-10 31- المصدر السابق، ص14-13 32- المرجع السابق، ص14-15.
الفصل الثالث: مهيمنة العولمة
المبحث الأول: مهيمنةالعولمة
المبحث الثاني: سلطة النص : بين الكاتب والقارئ
المبحث الثالث: إشكالية المثقف العربي وتحديات العولمة
المبحث الأول :مهيمنةالعولمه
أولا العولمة المفهوم والدلالة :إن العولمة ليست محض فهموم مجرد بل هي جملة عمليات تاريخية وليست شيئاً بسيطاً يمكن تعينه ووصفه ،بقدر ماهية عمليات تاريخية متداخلة تتجسد في تحريك المعلومات والأفكار والأموال والأشياء ،وحتى الأشخاص ،بصورة لأسابق لها من السهولة والآنية والشمولية والديمومة.أنها قفزة حضارية تتمثل في التبادلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية،على نحو يجعل العالم واحداً أكثر من أي يوم مضى،من حيث كونه سوقاً للتبادل أو مجالاً للتداول أو أفقا للتواصل.وبالتالي فهي عملية مستمرة في الاقتصاد والسياسية والاتصال فالعولمة في نظر غليون: هي الدخول بسبب تطور الثورة المعلوماتية والتقنية والاقتصادية معاً في طور من التطور الحضاري يصبح فيه مصير الإنسانية موحداً أو نازعاً للتوحد . ويستدرك الباحث فيرى أن معنى الوحدة هنا ليس التجانس والتساوي بين جميع أجزاء العالم والمجتمع البشري بل أنها تعني درجة عالية من التفاعل بين مناطق ومجتمعات بشرية مختلفة ومتباينة وبالتالي ازدياد درجة التأثير والتأثر المتبادلين . إذ أننا هنا إزاء منظومة ثقافية سياسية وحضارية تشكل رؤية سياسية صوب ذاتها وصوب الآخر مجتمع إنساني/ طبيعية و صوب التاجر مالك زمام الأمور ما يحرك من أماني بالغنى والسلطة فان المفهوم الذي يحمل أساسه الآخر هو العولمة؛ فالعولمة تمثل الحقبة السلطوية " الحضارية الثالثة بعد الكنيسة والدولة الليبرالية الحديثة هذا على المستوى التكويني إما على المستوى البنيوية الأفقي(يجد الإنسان نفسه اليوم بين ثلاثة عوالم ،لكل منها هويته ومركز استقطابه :الأول هو العالم القديم باصولياته الدينية وتصوراته أللاهوتيه الغيبية أو الماورائية ؛ الثاني هو العالم الحديث بفلسفاته العلمانية وتهويماته الانسانوية ،الثالث هو العالم الأخذ في التشكل الآن،أي عالم العولمة بفضائه السبراني ومجاله الإعلامي ،بإنسانه العددي ومواطنه الكوكبي.هذه العوالم الثلاثة التي تتجاذب الوعي بالهوية المجتمعية والثقافية ،تؤلف ما يمكن تسميته ثالوث القدامة والحداثة ومابعدالحداثة،وبصيغة أحدث ثالوث الأصولية والعالمية والعولمة.وفي المجال العربي الأخرى تسميته ثالوث الاسلمة والأنسنة والعولمة ) (1) فالعولمة اقل ما يقال عنها أنها تمثل ( عهداً جديداً من التفاعل بين الدول والاقتصاديات والناس . فهي تزيد الاتصال بين الناس عبر الحدود الوطنية في الاقتصاد ، في التكنولوجي ، وفي الثقافة ، وفي الحكم ، ولكنها أيضا تؤدي إلى تجزئة عمليات الإنتاج وأسواق العمل والكيانات السياسية والمجتمعيات (2)في هذا الكلام نريد تحديد بعددين لهذه العولمة فهي تتمثل بالأتي:- 1- أنها حقيقة جديدة من الاقتصاد العالمي الذي ظهر بعد زوال مهيمنة ألدولة في الغرب وبداية تشكل الكيانات السياسية والاقتصادية والاقليمية بعد ظهور صندوق النقد الدولي الذي يمثل الفكر المالي الأمريكي عام 1944 ثم عن تأسيس منظمة التجارة العالمية عام 1995 حيث أصبح الاقتصاد العالمي خاضعا لأول مرة للتنظيم الدولي في مجالات ألتجارة والنقد والخدمات . 2ـ تطور المنجزات العلمية والتقنية عبر ثورة المعلومات التي ظهرت مع شبكة الانترنيت والاتساع الذي شهده الأعلام. 3ـ تطور وانتشار الديمقراطية وحقوق الإنسان ومنها حرية المرآة وتطور الفكر الإنساني والحوار بين الشعوب ، والمطالبة بالمزيد من الديمقراطية وإعادة النظر بمعانات الشعوب الفقيرة ويراها البعض متمثلاً في نقاط أخرى المنافسة بين القوى العظمى وانتشار عولمة الإنتاج والتبادل والتحديث والابتكار التكنولوجية (3). هذه إمكانيات العولمة باعتبارها وليدة هذه الظروف، إلا أن العولمة تمثل إمكانيات للهيمنة في صورتها الغربية التي تمثل حالة التطور الداخلية نلمسها في تطور المجتمع الغربي وصورته المجتمع الأوربي في مجال الحريات والاقتصاد حيث يتم بناء مؤسسات تحقق القوائم والتنمية المشتركة عبر إعادة تأهيل اقتصاد هذه الدول حتى تبدو إمام شعوبها فرض متساوية في مواجهة تحديات المنافسة العالمية. فقد تشكلت مهيمنات سياسية جديد في الغرب في تعامله مع ذاته من جهة والأخر من جهة ثانية انه تعامل يقوم على الاستفادة من الأخر كسوق للسلع الغربية ومصدر للمواد الاوليه الرخيصة ولتحقيق هذا كان هناك تؤام بين السياسية الأعلام والثقافة ومعنى ذلك إن العولمة إمكانيات للتعاون الدولي علينا إن نعي إمكانية الاستفادة منها بتكوين تكتلات اقتصادية وأعادت تأهيل أنظمة الحكم بإدخال الديمقراطية ومزيد من الحريات وتطوير اقتصادياتنا وأعلامنا حتى نكون قادرين على المنافسة هذا الجانب الايجابي المهم .(لكن لا يمكن مجابهة هذا الواقع برفض العولمة ولا بالتصفيق لها،بل بابتكار المعادلات الوجودية والصيغ الحضارية ،التي تمكن أصحابها من تشغيل عقولهم وسّوس هوياتهم وإدارة واقعهم ،بصورة يحولون بها مواردهم ومعطيات عصرهم إلى طاقات غنية ومشروعات مثمرة.وليس هذه دعوة طوباوية.وإنما هذا هو الممكن لمجابهة تحدي العولمة ومغادرة مواقع الهامشية)(4)
إما العولمة بإطارها الغربي : فهي تقوم على الفلسفة الليبرالية liberalism مذهب الحرية بإطارها العلماني فالديمقراطية هي المذهب الكل ، وحرية التجارة مكفوله ، فلا حدود ، ولا اضطهادات سياسية أو دينيه ، والإنسان مهما كان ، واني كان له حقوق ، والفلسفة العلمانية مؤداها أن لا معاني ولا قيم لغير المحسوس والمنظور والمسموع والمشروب والانتصار للمصلحة يغلب على وصاية الدين (5) إما بإطار الاقتصاد لا في الوقت الذي يرى ضرورة استقلال السلطتين التشريعية والقضائية عن السلطة التنفيذية ، فأنه اقتصادياً يقرر وجوب تخلى ألدوله عن ممارسة النشاطات الصناعية والتجارية وعن التدخل في العلاقات الاقتصادية بين الأفراد والطبقات أو الشعوب وقد شهدت تلك الأفكار تطوير مع ظهور التطورات العالمية التي شهدت ظهور " العولمة " حتى أصبح مفهوم العولمة ( يقيم علاقات بين مستويات متعددة . للتحليل : الاقتصادي ، السياسية ، الثقافة ، الإيديولوجي ، وتشمل إعادة تنظيم الإنتاج تداخل الصناعات عبر الحدود ، إنشاء أسواق التمويل ، تماثل السلع ألمستهلكه لمختلف الدول ، نتاج الصراع بين المجموعات المهجرة والمجموعات ألمقيمه (6) وقد عملت العولمة على تحقيق ذلك .انتشار المعلومات بحيث تصبح مشاعة لدى الجميع .تتعلق بتذويب الحدود بين الدول .زيادة معدلات التشابه بين الجماعات والمجتمعات والمؤسسات .كان لهذه السياسية نتائج سلبية جهات وايجابية على أخر لهذا كانت هناك مواقف متباينة من العولمة: النقد المتعدد المصادر وخصوصاً البعد الاقتصادي ، إذ أن العولمة تقوم على آليتين هما (بالتجارة الدولية والاستثمار الأجنبي المباشر ) ولهذا هنالك انتقادات لهذه الآليات فيها ما يسميه أحد الباحثين اعراضي " العمليات التدهور الاجتماعي والاقتصادي ألملازمة للاقتصاد المسيطر عليه في الاستثمار الأجنبي المباشر . الإفقار عن الطريق تحويل مكاسب الاحتكار إلغاء التطور التقني لان الشركات الأجنبية ليس لها مصلحة في تطوير تقانة جديدة لأسواق الدولة المضيفة .فقدان موارد رأس المال عبر تحويل الشركات متعددة الجنسيات مبالغ ضخمة إلى الخارج .فقدان الموارد البشرية عبر استنزاف العقول المهاجرة (7) وبالمقابل يرى فليب غوميت ،أنه بالرغم من أن عملية العولمة قد ضربت بجذورها في الأعماق في بعض الميادين وتخطت السيادة القومية للدولة في بعض القطاعات ،كالمال والأعلام والثقافة ،إلا أن الدولة القومية((national stateمازال لها الكلمة الفصل في مسائل أخرى كالدفاع وحتى التجارة الخارجية . ويرى جوسبان الزعيم الاشتراكي الفرنسي (إن قوى السوق "أي العولمة" لا يمكنها حل مشكلاتنا الاجتماعية ونحن يجب أن لا نترك أوروبا لقمة سائغة لقوة السوق)(8) . ويرى حسن حنفي (إن العولمة في مظهرها الأساسي تكتل اقتصادي للقوى العظمى للاستئثار بثروات العالم ،مواده الأولية ،أسواق،على حساب الشعوب الفقيرة ،واحتواء المركز للأطراف التي حاولت الفكاك منه في الخمسينات والستينات إبان حركة الوطني)(9)
المواقف الفكرية العربية من العولمة : أولا- الجانب النقدي /بوصفها غزو ثقافي:هنا نحن ازاء وجهة نظر نقديه من العولمة إن تلك السياسات وما تجابه من نقد من بعض الإطراف التي أصابها الضرر من جهة أو سعي الإطراف الغربية إلى تسوغ العولمة وتمريرها كان يفترض نشر قيم ثقافية بديلة عما هي عليه الثقافات المحلية وهو الأمر حدث في الغرب عند تطور الحقوق والواجبات إلا إننا نلمس إن الغرب في تصديره للعولمة كان ينبع قانون يطبق على الداخل قانون أمر يطبق على الآخرين .هذا اذ نظرنا الى القيم بوصفها -القيم الثقافية في ا الغرب: لقد عملت المؤسسات الثقافية والاعلامية على تقدم مسوغات للعولمة تقدماً على الخطوات آلاتية : مخاطبة المؤسسات التربوية والتعليمية ألوطنية لإعادة النظر بطريقه عملها ربما يؤدي الى مزيد من( التلاقي الامتزاج)لتخفيف من العواطف ألدينية والعقائدية وعدم تسييس الدين ومواجهة الحركات ألدينية وربما عدم التورع عن ضربها واستئصالها بالقوة ، ضمن هذا التوجة يلاحظ اهتمام الباحثين الأمريكان بوجه خاص بعلاقة العولمة بالبعد الحضاري والثقافي . 1ـ نهاية التاريخ : حيث تنبأ فوكوياما بهذه الأطروحة بنهاية عصر الايدولوجيا والى الأبد" من خلال انتصار ما يسمى بالليبرالية الجديدة " العولمة " . وعني بذلك إن دولاً متقدمة وصلت إلى النهاية التاريخ ،وأخرى بقيت في قعره ،فلم يبق إمام الليبرالية إلا تحديان هما : أـ الصحوة الدينية الناجمة عن الشعور بالفراغ الروحي في المجتمعات الاستهلاكية ب ـ العواطف الوطنية القومية التي يتوقع لها البقاء في البلدان النامية في إن بقاءها في البلدان المتقدمة ليس من اجل إن تكون في نزاع من اليبرالية الجديدة، وإنما لتدخل من صراع يهدف إلى المساعدة على اكتمالها (10) 2ـ صراع الحضارات :ـ وتنبؤات هذه الاطروحة بنهاية الايدولوجيا ، ولكنها لا تعتقد بنهاية التاريخ ، إلا أنها تؤكد إن المستقبل سيشهد المزيد في الصراعات مما سيجعله صعباً كانت تلك الرؤية الليبرالية والثقافية وهي المعبر الأساسي للهوية التي تعد حاجزاً إمام الانفتاح لهذا دعمت الثقافة الغربية الثقافات المتعددة المتنوعة إلا أنها قد تترك اثر على ألهويات الوطنية فالثقافة العربية تعرضت شأن الثقافة في العالم الغربي ـ للاختراق ( من قبل الثقافتين ، الفرنسية والثقافة الانكلواميركيه ، والاختراق يمكن في محاولة إيجاد ما يطلق عليه ) الفردية المستسلمة والتأكيد على غياب " الصراع الاجتماعي " ويعني كذلك تكريس ثنائية " التراث ومعاصره " وتعميق الهوة والتمزق والتشرذم مما يفسح المجال لظهور العداوات الثنية والتعصب الطائفي على حساب المحافظة على الثقافة المحلية أو الوطنية حاضراً ومستقبلاً وضرورة تجديد الثقافة العربية عبر ربط الحاضر فيها بالماضي في اتجاه المستقبل (11) -الاتصال : تشكل العلاقة الأبرز في تجديد قدرات العولمة التي تمثل تهديد أيديولوجيا الاتصال والتوظيف الدعائي هما اللذين يمثلان الغاية التي يمكن كشف أهم إبعادها التي توزع بين المستويات الاتية . 1. المستويات الاقتصادية والثقافية الاجتماعية والذي نلمس فيه أن الاتصال يحاول هنا خلق قيم استهلاكية تداعب الأعلام وتدفع الجماهير إلى القيم الاستهلاكية عبر مسعاها إلى تغير القيم القديمة وإحلال قيم جديدة عبر آليات الأعلام ألمتمثله في آلية التكرار آلية المعاصرة وآليات التهويل والمبالغة وآلية التخويف ، وهذه الآليات تعتمد على تعميق الثقافة التي تحرك الغرائز بعيداً عن الضوابط القيمية والتعقل وتشجيع الأعمال التلفزيونية الفارغة. تفكيك القيم الأسرية وإحلال القيم الغربية، عبر وسائل الاتصال التي تحاول إلحاق الناس بالقيم ألبديله للمركز الغربي . 2. تحفيز الناس على تقليد اللغة الاجنبيه وجعلها لغة النخبة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وبالتالي خلق تبعية عقلية وفكرية للأخر الغربي . 3. إشعار المثقفين بأزمة ثقافية أو أزمة هوية بشكل حاد يمتص التبعية الثقافية. التحكم بالوعي الثقافي والاجتماعي والسياسي وخلق موجهات لها من خارجه . 4. تعميق حالة الاغتراب وعدم الرضي والرفض للمجتمع ، وبالتالي الثقة بالذات والمستقبل. 5. ـ التشويه الثقافي والسلوكي والاجتماعي . وهكذا تلعب إلايديولوجيات دورا بارزا بوصفها قوة فكرية تعمل على تطوير النماذج الاجتماعية القائمة وفق سياسة متكاملة تتخذ أساليب ووسائل هادفة وتساندها عادة تبريرات اجتماعية أو نظريات فلسفيه وإحكام عقائدية أو أفكار تقليدية ، وفي الغرب هناك وظائف للأعلام اختلف فيها الخبراء منهم من وجدها في تقديم الأخبار، والرقابة ، وشرح المعلومات وعرض قواعد العمل . وآخرون وجدوها في : وظيفة المراقب ، وظيفة وضع السياسات وظيفة التعليم . وهي في ألمحصلة تمثل الوسائل ألمنتجه للوعي الاجتماعي الذي يحدد إدراك المواطنين للعالم والمجتمع الذي يعشون فيه ، ومن هنا يظهر للأعلام دور كبير في التأثير في الوعي عبر اعتماده ، بوصفه أداة في توجيهه بالشكل الذي يخدم الجهة التي تمتلك وسائل الأعلام ،فان الدول ألمتقدمه هدف من وراء نشر إيديولوجيتها إلى حماية مصالحها الرأس مالية ، تم هذا عبر الثقافة ، فيه وسيلة خطيرة وفعالة لأنها الأكثر من غيرها قدرة على تثبيت التصورات والقيم والرؤى وترسيخ المرجعيات الفكرية التي تصدر عنها المواقف لهذا ترى القائمين بالاتصال على دراية كاملة باستراتجية الدولة الإعلامية والخطط الإعلامية المنبثقة عنها، والجمهور المستهدف وكيف يمكن الوصول إليه .
ثانيا :الجانب التحديثي /بوصفه إشاعة القيم الليبرالية: ثمة جانب أخر ايجابي من ظاهرة العولمة بوصفها تقدم تصورا جديدا للهوية القائمة على المغايرة ويعتمد آليات تجاوز القديم والدوغمائيةالتي تركز اساساًعلى ثنائية ضديه حادة هي نظام الأيمان أو العقائد / ونظام من اللاايمان واللاعقائد أي أنها ترتبط بشده وبصراحة بمجموعة من المبادئ العقائدية وترفض بنفس ألشده مجموعة أخرى تعتبرها لاغية لا معنى لها .ولذلك فهي تدخل في دائرة الممنوع التفكير فيه المستحيل التفكير فيه وتتراكم بمرور الزمن والأجيال على هيئة لا مفكر به(12).هذه الدوغمائية الأصولية والقومية ذات البعد الإيديولوجي تركز على الجانب المعارض لمصالحها أكثر مما تركز على الجوانب الايجابية والتي أخطرها رفض الاستبداد السياسي والاجتماعي والعقائدي فهي تمثل جانب سلبي ويقول حسن حنفي : من هذا التصور المركزي للعالم جاءت فكرة الزعيم الأوحد ، المنقذ الأعظم والرئيس المخلص الملهم يأمر فيطاع . فقد تحولت سلطوية التصور إلى تسلط النظم والإعلاء من شأن القمة على القاعدة فاهم شخص في الدولة هو الرئيس واهم فرد في الجيش هو القائد وفي هذا يقول الفارابي: سواء قلت الملك أو الرئيس أو الإمام أو الله فأنني أقول شيئا واحدا . هذه بالذات التواريخ ، التي تشكل الذاكرة الجمعية للجماعة ، لفئة ، لطائفة ، وتجعل الأخر عدو هذا ، مما يجعل رجالا يؤمنون بالموت من اجل قتل الآخرين المختلفين معهم في انتماءاتهم الدينية والمذهبية ، الدافع الوحيد غالبا تقاطع مصالح أنية ذات بعد سياسي واجتماعي إلا إن المنظرين غالبا ما يعتمدون عملية إسقاط الاطروحات الدينية التاريخية حتى يسبغ الشرعية على تلك المطالب فتظهر للآخرين وكأنها مطلب عقائدي متجاوز المصالح الآنية وبالتالي التعاطف وإسباغ الشرعية على ذلك الأمر وهم بهذا يعتمدون على ذلك الميراث ألصراعي الذي يعمق الخلاف ألاثني والطائفي
إما الأفكار الجديدة فهي تحديث ومغايرة ونقد للهيمنة السياسية فالليبرالية التي (على أساسها تقام الحكومات البرلمانية ،وتتأكد حرية الصحافة والاعتقاد الديني والسياسي والثقافي ،وتلغي فيها الامتيازات ،وتحمي حقوق المواطنة والمساواة أمام القانون ،وتتيح فرص المشاركة السياسية ،على قواعد التعددية وتداول السلطة أمام الجميع .أنها تعطي الحكم خارج المنظومة الغربية ،وجها إنسانيا وديمقراطياً(13) وهذا مغاير لما اعتاد عليه الفكر السلطاني(سواء أكان"لاهوتيا" أم"سياسيا"لا يواجه الأخر من حيث انه إنسان يعقل ويفكر ،يبحث ويتساءل بل من حيث انه كائن "يؤمن"أو"يكفر"،"يخضع ويتبع"أو "يرفض وينابذ"-أي انه لا يوجه الاخرالااتهاميا ؛والأخر "مجرم"سلفا ،بشكل او أخر وعليه إن يثبت "براءته" إذا أراد إن يحيا.(14) هنا يظهر بوضوح الاختلاف الجذري بل الأمر يصل إلى ماهو أقسى من ذلك حيث الفرد يتبنى بنيته الفكرية وفق إلية للمجتمع الدور الأكبر في تكون القناعاته التي تفرض عليه، بوصفها المسلمات التي يؤمن بها وهي من المقدسات التي بطبعها لأتقبل بالشراكة المختلف وان قبلته فهذا على المستوى الظاهر فقط إما في العمق فنحن متمركزين حول تلك الأفكار التي فرضت علينا دون اختيارنا.وهو ما يسميه اودنيس"العقل الاعتقالي"(يتبين له أن "المعتقل"أي مكان الاعتقال ليس "النظام"وحده أو "المؤسسة"وحدها،وإنما هو أيضا"ذهن"المعتقد ذاته،وهو"معتقده"كذلك.ويتضح له بالتالي،أن مجرد تهديم النظام أو المؤسسة لا يؤدي إلى تهديم "المعتقل"وأن عليه،بالإضافة إلى هذا التهديم،أن يدرس بنى الفكر والشعور،وأن يهبط عميقا في اللاشعور الجمعي والفردي،لكي يقدر إن يفهم المبدا الذي يتأسس عليه"المعتقل")(15)
المبحث الثاني: سلطة النص : بين الكاتب والقارئ
إن الحديث عن هذه الجدلية يعني الحديث عن حقبة معرفة في تاريخ الفكر الغر بي بعامة وتاريخ النقد الأدبي بخاصة ،إذ يشكل كل منهما مفصلا في تاريخ الفكر. لقد ابتدأ الأمر بالكاتب بوصفه مركز العمل فهو المنتج هذا ما نجده في تلك العلاقة البعيدة بين سقراط وأفلاطون ،بين البطل الذي مثل وجوداً حقيقياً تاريخياً واجتماعياً في تاريخ الفكر إلا انه شفاهي حواري لم يظهر إلا عبرتمثلات الأتباع الذين يعدون قراء لتراثه عبر كونهم أصحاب نصوص مستقلة إي كتاب تحوي نصوصهم صور متفاوتة فيما بينها مما يعني أنها نصوص تحوي قلبا للمراكز وأعادت توزيع وخلق نمط أخر من الترابية الجديدة على سقراط رغم أنهم ينتسبون إليه الاانه مختلفون فيما بينها يعني أنها تعرضت لحذف والإضافة ومن بين تلك النصوص يأتي نص أفلاطون الذي يحدد ملامح قد تختلف مع باقي السقراطين ومن هنا تأتي تمثلات الكاتب التي اختلف فيها الدارسون وتوسعت فيها الأبحاث ،وبالمقابل ظهرت هناك دراسات تحاول نقل الأمر إلى النص ذاته وشبكة العلاقات داخله بوصفه يشكل بنية متكاملة منفصلة عن الكاتب ،ثم ظهرت سلطة ثالثة هي سلطة القارئ فهو المتلقي النص بوصفه رسالة المؤلف فيدرس فيها ماهو لامفكر فيه أو مسكوت عنه داخل النص وبهذا فهو يضيف شئاً جديداً للنص . أولا- سلطة الكاتب في ضوء الإشكالية الحديثة للفردية:-إن الحديث عن سلطة الكاتب لم تعد في الوقت الحاضر تثير إشكالات نقدية ،فقد انحرف مسار الاهتمام إلى الكتابه والقراءة الأولى بصفتها نشاطاً لغويا أو "مؤسسة" والثاني بصفتها نشاطا ذهنيا كما يقول سوللوز(1).إلا إن الحديث عن الكاتب يعني الحديث عن خطاب فكري جديد بعد إن أصاب الفكر بشكل عام ابتدأ عبر تلك ألثوره التي احدثتها البرجوازية وإيديولوجيتها الليبرالية"Liberalis "وهي كلمة للاتينية تعني "الحر" فالليبرالية بوصفها مذهبا قائما على الفردية الذي يرى إن الفردية الحقيقية لاوجود لها آلافي الإنسان إذ يتميز عن باقي الأفراد نوعه من حيث الهوية الخارجية والداخلية ،ومذهب الحرية يرى وجوب استقلال السلطات التشريعية والقضائية عن السلطة التنفيذية ومذهب الحرية نقيض الاستبداد وهو مذهب فلسفي اقتصادي .(2). هذا التصور وليد بعدين :فلسفي ،وعلمي ،فالعلمي يمثل محورا فاعلا ومهماً حيث كان العلم قد قطع شوطاً واسعاً بين الفهم القديم والحديث عبر فهم غاليلو الجديد للعلم ،فان غاليلو قضى على الميتافيزيقا القديمة ونمط الرؤية السابق بشكل لم يترك لها املأ في البقاء أو العودة ثانية وفي هذا يقول "كوابرية ":إن التحول الاستثنائي الذي عصف بالفكر البشري وذلك المبدأ الميتافيزيقي الذي اعتنقه العلماء الجدد يتمثل في إدراك لانهائية الكون .(3). وفي وصف حال العلم. إن موضوعات الميتافيزيقا لقمة لاينبغي إن تمضغ بل لابد من ابتلاعها مره واحدة ، وبعكس هذا بنحو دقيق طبيعة المائز بين العقل والتحليل والتركيب ،حيث يضيف هوبز : إن العقل الحديث يحرص على إن يمضغ الاشياء ويجزئها ،فيتذوق طعم اجزائها ليحدد بعد ذلك ايبتلعها ام لا .(4) وعلى هذا الاساس جاء الفرد ليصبح مركز الكون وتحولت حواسه لتصبح مقياس المحيط الذي يحيط به . فان الانسان الحديث يوجد في حالة قلق دائم ،وانّ ما يربط المدن الكبرى بالحداثة هو الفردية المعاصرة ،فهذا الكائن هو عالم لذاته متمركز حول نفسه ومكتف بذاته الى حدما ومنغلق عليها من جهة اخرى ،ومن هنا فان فكر الحداثة مرتبط وبشكل وثيق ،بفكر العقلنة والتراجع عن أحداهما يعني التخلي عن الأخرى ، (5) . ثم نلمس مسألة تجذرت من ديكارت وقد كان هناك مسألتان للفرد : الأولى- المادية الجدلية:التي جاءت نقد للحرية لليبرالية وقد طوقت إرادة الفرد بقوانين طبيعية كامنة في الأشياء ، وقد مت للباحث توصيفا محددا . الثانية- الوجودية التي قدمت نقداً للأنظمة الشمولية ولهيمنة الدولة وأعطت أيضا توصيف للفردية ودور ديكارت بوصفه مثقف . إما الماركسية "المادية الجدلية " فهي تنطلق مماهو كامن في الطبيعة من قوانين تحركها وكذلك يتحرك المجتمع بدافع داخلي عبر تلك العلاقة الجدلية بين البناء العميق المتمثل بالقوة الفاعلة كالاقتصاد عبر صيرورته التي تقود إلى تغير في البناء الفوقي "الثقافة والدين"ويغدو الفرد والكاتب "المثقف"أنموذجا سجينا تلك الحتميات وهي النصوص الحافة والمؤثرة فيه ،لهذا يغدو للموقف الاجتماعي اثر في تكوين الكاتب وحضوره مؤثر في تشكيل حيث في الواقعة الاجتماعية نلمس هناك الانتقال في مفهوم الإنسان إلى شئ في هذا يقول "دوركايم": (يجب معالجة الواقعة الاجتماعية بوصفها شيا) بمعنى إن لها حقيقة تتاوى مالاشياء من حقائق ومن هنا أيضا نلمس مذهب الواقعة الاشتراكية بوصفه مذهبا أدبيا يعتمد على الواقعة والوثائق ويعنى بتصوير أحوال الطبقة الكادحة من المجتمع .(6).وهذا نجده قد انعكس على الكاتب او المثقف بشكل عام على مستوين : 1- التصور الماركسي للمثقف ودوره الاجتماعي كما تصور ذلك غرامشي. 2- التصور الواقعي للأدب وظهور المدرسة الواقعية في الأدب والفن. ومرد هذا يقود إلى أرضية التي انطوت منها المادية الجدلية ونظرتها للاشياء والعالم .(لقد كان للاصرار من اجل إثبات الصفة العلميةللماديةالتاريخيةنتيجتان:الأولى تتعلق بالماديةالجدليةوهذه تشكل فلسفة تنطلق من الصراع القائم بين المادية والمثاليةصراع من ماركس إلى التوسير ،والثاني هي النوع السياسي إذ بدون نظرية ثورية لا توجد "ممارسة ثورية"هكذا يذكر لينين.(7.وعلى هذا جاء تصور غرامشي لدور المثقف :يرى غرامشي "1936" إن كل مجموعة اجتماعية تنتج بشكل عضوي فئة أو أكثر من المثقفين ،يتولى أولئك المثقفون العضوون مهمة إكساب المجموعة الاجتماعية تجانسها وعيها لوظائفا ليس فقط في المجال الاقتصادي ولكن غالبا في المجال إلا جتماعي والسياسي...إن المثقفين يلعبون دورا خاصا في تنظيم الهيمنة الاجتماعية وسيطرة الدولة ،وهم يرتبطون أساسا بمستوى البنية الفوقية :المجتمع المدني ،والمجتمع السياسي او الدولة .يتطابق المجتمع المدني مع طبيعة السيطرة المباشرة والقيادة. من هذا المنظور ،ليس المثقفون أكثر من موظين لدى الجماعة المسيطرة ، وخبراء في إضفاء الشرعية على الكتلة الحاكمة فالمثقف يغدو جزء من مجموعة اجتماعية يعمل داخلها ويتأثرويؤثر فيها .(8)،الاانه يقدم تصنيفا للمثقفين الذي يميزهم عن الناس يقوله :( كل الناس مثقفون ،لكل لايمارس كل الناس وظيفة المثقفين في المجتمع ، وهذه الوظيفة هي أساس التصنيف للمثقفين فهم اولا مثقفون تقليديون مثل المعلمين ورجال الدين والاداريين والثاني مثقفون عضويون ،الذي راهم اغرامشي مرتبطين بشكل مباشر بالطبقات اوالمؤسسات التجارية .(9) والثاني الواقعية بوصفها الادبي: انها كفلسفة تنطلق من ثوابت عامة منها ان الحياة الاجتماعية لها بنية دنيا in fracture وهي الانتاج المادي ، وبنية عليا suprastructure وهي النظم السياسية والثقافية وان البنية الاقتصادية للمجتمع هي الاساس الحقيقي للوعي الاجتماعي والسياسي وليس وعي الناس هو الذي يحدد وعيهم .بل على العكس من ذلك وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم وعلى هذا كان تفسير الادب ودور الكاتب فالادب يفسر بوصفه جزءامن البنية العليا للمذهب الفكري فهناك اتجاهان هما: فالادب بوصفه جزءا من المذهب الفكري –تعبير عن رؤية الكاتب لما حولة من وجهة نظر تتصل بحقيقةمن الحقائق وهذه الحقيقة ليس في طبيعتها فردية ،بل اجتماعية فطرية التفكير لطبقة من الناس تفرض نفسها على افراد تلك الطبقة من الكتاب يعبرون عنها باعمالهم . فتفسير العمل الادبي يعني فيه بالمضمون ،ولاقيمة تذكر فيه حياة الكاتب والقصد الاول منه وضع العمل الادبي مكانة في البيئة الاجتماعية. 3- فيه تقويم الأدب وتوجيهه ليقوم في جوهره على أساس موضوعي لانفسي .فكل عمل أدبي يعد صحيحا ومشروعا إذا صور جانبا واقعيا من الفترة التاريخية التي عاشها الكاتب . فالكاتب يستطيع في عمله الأدبي إن يعبر عن المعاناة رغم انه لايستطيع القضاء عليها وبهذا يكون الفن تحريرا في دعوة الكاتب لا بوصفه فرداً بل بوصفه طبقة او فئة ينتمي لها.(10). التصور الوجودي Existentialism للكاتب اذ نلمس إن الوجودية مثلت تصورا جديدا يعد موقفا مثلما الماركسية تعد موقفا من الليبرالية في ظل هيمنة الدولة فجاءت الوجودية بموقف رافض للنتائج التي قيدت الفرد فجاءت لتستعيد الحرية الفردية وتعيد للفرد وبالتالي الكاتب مكانة كبيرة في موقفه أتجاه ذاته أو اتجاه الآخرين وهي أيضا تعد إلى تراث طويل لعل شوبنهاور احد جذوره المتجذرة بقوله ) بالعقل في صورته العليا نصل إلى الإنسان الذي تبلغ فيه الإرادة اعلى درجة من درجات تحققها ،وتتخذ الفردية أوضح رسومها معالمها ، فتظهر الخصائص بكل تمييز ووضوح وتعبير عن نفسها باطنا وخارجا)(11) والتصور الهيدجري ( لما كان الانسان هو الموجود الذي تختصر كل ماهية في وجوده نفسه ،فليس بدعا ان تتخذ منه "الانطولوجيا" نقطة ارتكاز لها ،خصوصا وان كل التحديات الاساسية للموجود البشري انما هي مجرد اساليب كينونة او "انحاء وجود" ومعنى هذا أن الانسان لايهم الاونطولوجيا من حيث هو انسان ،بل من حيث هو ذلك الكائن الذي ينكشف من خلاله معنى الوجود واذن فليس يكفي ان تقول ان الانسان هو ذلك ايضا ان هذا الفهم الانساني للوجود وهو نفسه وجود ،بعنى انه ليس صفة ،وانما هو اسلوبه في الكينونة )(12) . إما سارتر يقول :لما البشر لا يعيشون آلافي عالم بشري،إي في عالم وإنتاج وصراع ،فان سائر الموضوعات التي تحيط لا بد من إن تكون عبارة عن علامات أو " إمارات"signes وهو يرى الحرية للفرد تكمن في ربط مفهوم الحرية بمفهوم القلق فقال :( إن الشعور بالحرية يولد لدينا ىاحساسا أليما بالضيق ، ومن ثم فاننا كثيرا ما نحاول حر عاملا على خلق قيمة وإبداع معاييره (13) وهكذا تبدو الوجودية في رؤيتها الإنسان هو الوحيد ، وأن كلمة وجود لاتنطبق الا علية ، أما غيره فهو كائن ،وأن تحليل الوضع الإنساني يكشف عن معنى كونه موجودا ، وان وجوده سابق على الماهيتة بمعنى اصح إن الموجود إذ يوجد يكون ماهية ،بحيث إن الماهية ليس في ذاتها سوى الوجود نفسه في واقعة العيني إذ أن الموجود هو في الوقت واحد وجود وماهية ومن ثم لاتكون إي أمكان مطلق ، ويلزم من ذلك إن الوجود ولايمكن إدراكه الأعلى هيئة تاريخ ،أو بوصفه رمانية وان الفرد يستطيع إن يصنع ، ويتخذ مواقفه في حرية ،وبالشكل الذي الذي يحقق له وجود الكامل انه المركز وما عداه ليس سوى هامش له والوجوديون –على نقيض من الفلسفة المثالية يقرون سلطان " الحقيقة المادية السابق" على الفكر ،وهم في هذا يتفقون إلى حد كبير مع الماركسيين ولكنهم يختلفون عنهم في الأساس لذلك المبدأ اختلافا جوهريا. فالوجوديون ذاتيون إي إن القيمة كلها هي ذات الإنسان الموجود (14) ثانيا سلطة النص (البنية – الخطاب) أنها مرحلة شهدت انتقالا من الميراث الوجودي إلى البنيوية، وقد وصف رولان بارت هذا التحول ( من المسلم به إن تحولاّ طرأ منذ بضع سنوات ،على مفهومنا عن اللغة ، وبالتالي ،على الأثر الأدبي الذي يدين للغة بوجوده الظاهر على إلا قل ومن البّين إن هذا التحول مرتبط بالتطور الذي تعرفه حاليا بعض الدراسات ومن بينها أللسانيات والانثربولوجيا والماركسية والتحليل النفسي (15).فالبنيوية إذن ( البنية في المجموعة مايشكل وجهها الأصيل دون أن تّدعي مع ذلك أن يكون الوجه الوحيد (...) فالبنيوية يحيل إلى البنية بوصفها " نحوا" أو بنيائي يحيل إلى البنية بوصفها واقعا متحققا ) (16) والبنية تتصف بكونها باتي: 1- نظاما تحويليا ،يشتمل على قوانين ، ويغتني عبر لعبة تحولاتة نفسها ،دون أن تتجاوز التحولات حدوده ،أوتلتجئ إلى عناصر خارجية . 2- وتشتمل "البنية"على ثلاثة طوابع ،هي : الكلية والتحول ، والتعديل الذاتي . 3- والبنية ، مفهوم تجريدي لإخضاع الإشكال إلى طرق استيعابها . ومن هنا جاءت البنيوية بوصفها نظرية تصف البنيات والبنيوية المنهجية نظرية ،تكون البنية بموجبها ،علاقات ،تطبق على الموضوع الذي يجعلها واضحة ،ويستهدف العمل البنيوي : تأسيس تاريخ للبنيات المدركة ،كتاريخ للتحولات .(17) وتبرز عند دراسة البنيوية شخصية مركزية تتمثل بفردينان دي سوسير ،في دروس في اللسانيات العامة، بظهور المشروع البنيوي في مختلف الحقول المعرفية ونجد هذا الاهتمام بالبنية يظهر في إعمال " الشكلية الروسية" التي أقامت نظريتها الجمالية على أساس كغاية الأثر في حد ذاته وقابليته لان يشرح نفسه ،والبحث عن لغة جديدة للفن وأتضح فيما تبنته الحركة الطليعية من الدعوة إلى لغة " ما وراء العقل "في التركيب الشعري ،والى بعض الإشكال المعمارية التجريبية في المجال التشكيلي (18). ولقد امتدت تلك ألنظره البنيوية في حقول متعددة منها :في حقل الانثربولوجية لقد ترسخ هذا الحقل في بحوث " الفكر الوحشي "1962،و"أسطوريات"1964-1971 من إعمال ليفي شتراوس وهي محاولة تهدف إلى الكشف عن أنساق للأساطير فهو هنا يرى إن التاريخ يغدو جانبا من الحاضر عندما تستعيده الذاكرة .(19) . حيث امتزج هذا في نقد للتصورات النفسية لدى يونغ وفرويد وقوله فان البنيوية الأصلية تهدف في المقام الأول إلى القبض على الخصائص الداخلية لانظمة معينة لا تغير عن إي شئ خارجها)(20) وبدءا القول إن البنية تقتضي ضمنا نسق system ،والنسق يمكن تعريفه بأنه الكل أو المجموع . وتنطوي البنية على عناصر يمكن ترتيبها أو إعادة ترتيبها. وستؤدي هذه الترتيبات إلى تعديل البنية إلا أنها لن تغير هذه البنية . فالبنية هي مجموعة من الشروط التي تربطها علاقة يتم تحديدها باستمرار بغض النظر عن التحولات الحاصلة بينما عرّفها بياجية أنها: " نسق من التحولات " وعرفها بارت" تعد البنية ، بسبب ذلك،صورة زائفة حقا للموضوع "(21)
لقد ازدهرت في هذه الفترة "البنيات الانثروبولوجية للمتخيل "عند د يورات وفي نفس الوقت مشيل فوكو "تاريخ الجنون " وبعد سنوات قليله ,الكلمات والأشياء ،وفي نفس الفترة ازدهرت القراءات الجديدة للتحليل النفسي للويس التوسير وأعمال أخرى من قبيل ما قدمه جاك دريدا وجيل دولوز واخرون .(22) 1- النموذج اللساني والنقد البنيوية : إن النقد البنيوي الأدبي يرتبط بأواصر قوية مع اللسانيات عند ياكوبسن ،وميشيل ريفاتير،وجيرا جينيت،ورولان بارت، وهذا الأمر ترك اثر بعيد في تطور الفكر متجاوزا العوائق التي خلفتها البنيوية وهذا وسع دلالة البنية من الأثر إلى النص أو الخطاب في ضوء تطور الدراسات السيميائيةالمعاصرة وهذا ما يظهر في التصورات رولان بارت آلاتية: - الأثر النص عند بارت :- إن من أهم ملامح الاختلاف بين الأثر عند بارت : 1- الفارق بينهما هو أالاثر قطيعة مادية ،انه يشغل حيزا في فضاء الكتب ، إما النص فهو حقل منهجّي .أمكان هذا التقابل أن يذكرنا بالتميز الذي اخترعه لاكان بين "الواقع النفسي" و"الواقع":الأول يشار إليه ، إما الثاني فيبرهن علية. وبالمثل فان الأثر يرى عمد ألكتبي وفي مدا رج التوثيق وبرامج الامتحان ،إما النص فيبرهن عليه ويتحدث عنه وفق القواعد (أو ضد بعض القواعد)، الأثر تتناوله اليد إما النص فتتناوله اللغة ليس النص تجزئة للاثرهو الذيل الوهمي للنص إلا إن النص لا يعرف نفسه الاداخل عمل وإنتاج . 2- لاينحصر النصّ في الأدب "الجيد" ،انه داخل ضمن تراتب،ولاحتى ضمن مجردّ تقسيم للاجناس .... النصّ هو مايوجد على حدود قواعد القول " من معقولية وفعالية للقراءة" إن النصّ يحاول إن يضع نفسه بالضبط وراء حدود الرأي السائد لان النص ردما بدعه وخروج عن حدود الآراء السائدة . 3-يقترب النص من ذاتة ويدركها بالمقارنة مع الدليل "sign " إما المدلول ويمكن إن تتسبدل المدلول نوعين من الدلالة: - فإما إن نعتبر ،ظاهرا وحينذ يكون الأثر موضعا لعلم يهتم بالمعنى الحرفي . - أو نعتبره مضمرا خفيا، وحينئذ ينبغي التنقيب عنه ويصبح الأثر موضوع تأويل " ماركسي أو تحليلي أو موضوعاتي"فان الأثر يعمل بوصفه دليلاً عاماً إما النص فانه يكرس التراجع اللانهائي للمدلول النص ألتعددي. 4- النص تعدّدي لايعني هذا فحسب انه ينطوي على معان عدة،وإنما انه يحقق تعدد المعنى .انه تعدد لا يؤول إلى أية. ليس تواجد المعاني ، وإنما هو مجاز وانتقال.(23) ثالثا سلطة القارئ : إن الحديث عن النص كان يقترب إلى حد كبير من مفهوم البنية التي يشكل جميع العلاقات التي تحكم النص الذي يبدو هنا بوصفه اثراً لكن مع الاتجاه الذي قاد البنيوية إلى التأويلية سواء مع مشيل فوكو أو بارت والتفكيكية مع جاك دريدا ظهر هناك تصور أوسع للنص في الخطاب أو النص الذي أصبح النص يعني مشاركة القارئ في الحفر داخل الأثر وهذا هو الذي يخلف تعدداً في بنية المدلول للنص الذي يأخذ معنىا وسع في احتوائه على المعنى المفتوح الذي يقدمه القارئ المحتمل 2 -التاويليةعند مشيل فوكووالتفكيك عند جاك دريدا: مهد إلى هذا نيشه حيث فلسفة الغياب يمكن الرجوع بها إلى نيشه (حين اعتبر الحقيقة الفلسفية هي نسيج من الاستعارات والتشبيهات وان النص والشفرة ، مفاهيم ومنهجا لغويا أطلق عليه " المنهج الأصولي " وهو منهج يبحث بواسطة في أصول المفاهيم من اجل الكشف عن إمكانية الحقيقة)(24) إن تاريخ الفلسفة هو تاريخ ادعاء القبض وكل المستندات السرية التي تقف وراءها ،كان هذا الهدم المقدمة الضرورية لاركولوجيا فوكووللتفكيك دريدا ، فان وعي التجربة بوصفها معيو ش ،اي إقصاء الذات لصالح تجربتها ،(إي تجربة ألانا أفكر ، وإذا كانت الفينوميولوجيا قد تخلت عن ألذات مستعيضة عنها بتجربتها فان البنيوية أقصت ألذات تماما ، وبهذا أصبح خلق كل البنى الابيستمولوجية تفكر وبعبارة أخرى وراء كل خطاب ممكن يوجد نظام بمثابة الأسس التي ينبني عليها ،والسلطة الموجة للبنى المعرفية العميقة ، فالابستيمه هي مجموعة العلاقات التي تمكن بين العلوم ،في حقبة معينة عندما تحلل على الانتظامات الخطابية)(25)
المبحث الثالث: إشكالية المثقف العربي وتحديات العولمة
إن بنيان أي شخص هو بنياناً ديناميكي لا بنيانا ثابتا لأنه خلاصة تجربة الفرد كلها الذي يرتبط بإطار ثقافي اذ لا يمكن فهم رد فعل أي إنسان دون الرجوع إلى التجارب المشاركة لأولئك الذين تبعوا تلك الأطر الثقافية لان الفرد محدد داخل الثقافة المفروضة والمسيطرة التي تعمل على قولبة الفرد عبر التربية والتثقيف في العائلة والمجتمع وعبر فرض سماتها الثقافية (1) . ومن هنا فالثقافة " أنها الكل المتكامل لأنماط السلوك المكتسبة التي تأخذ بها معظم أفراد مجتمع معين " (2) . وعندما نوازن بين ثبات الثقافة وبين ديناميكيتها ينبغي علينا قبل كل شيء إن نعترف بان كل ما في يدنا من وثائق يدل على ديناميكية الثقافة ، فالثقافات الوحيدة التي تتصف بالسكون الكامل هي الثقافات الميتة .. فالثقافة ثابتة ودائمة التغير معا . ومن هنا بمكن دراسة تغير الثقافة فقط كجزء من مشكلة ثباتها ويمكن فهم ثباتها فقط عندما نوازن بين عاملي التغير والمحافظة فيها (3)
فالتفكير الذي يمارسه المثقف يكون تفكيرا بوساطة ثقافة ما . ومعناه التفكير من خلال منظومة مرجعية تتشكل إحداثياتها الأساسية من محددات هذه الثقافة ومكوناتها وفي مقدمتها الموروث الثقافي والمحيط الاجتماعي والنظر إلى المستقبل بل والنظر إلى العالم ، والى الكون والإنسان . كما تحددها مكونات تلك الثقافة وهكذا ، فإذا كان الإنسان يحمل معه تاريخه شاء أم كره ، كما يقال فكذلك الفكر يحمل معه شاء أم كره أثار مكوناته وبصمات الواقع الحضاري الذي تشّكل فيه ومن خلاله (4) . ومن هنا فالمثقف بوصفه مقولة كما تستعمل أاان في خطابنا العربي المعاصر ، وذلك بالرجوع إلى مرجعيتها الأصلية إلى ( مسقط ) رأسها ( حادثة دريفوس ) . استعملت وتستعمل ألان في مرجعيتها الأصلية ( اللغة الفرنسية ) استعمالا ارتداديا نقلها إلى القرن الثاني عشر الميلادي الذي شهد ميلاد فئة ( المثقفين ) في أوربا من خلال الاحتكاك بالثقافة العربية الإسلامية والاقتباس منها (5) .وان عبارة (دور المثقف ) ليست من العبارات التي تستطيع إن تقول لها وجدت دائما ، بل هي عبارة تحيل إلى مفهوم حديث للكاتب صانع الأفكار ومروجها والى وعي هذا الأخير ودوره عن المفهوم الحديث للكاتب ، باعتباره حاملا للحداثة ، ابتداء من صناعة الكتابة التي عليها إن تتطلع مع التقليد في المعارف والطريقة التي تشير إلى التحديث الاجتماعي والسياسي ...فهو ذو فكر فلسفي نقدي لم يعد منفصلا عن العالم بل يحلل بنية المجتمع ونظام السياسة تحليلا نقديا ويعيد بناءهما . وهو قد أصبح يعي قوة الرأي العام ، ويتحدث عنه ، ويعول عليه ليدعم به سلطته الفكرية . وحين قامت الثورة الفرنسية رسخ في الأذهان إن للكتاب الانوارنين الفضل في التمهيد لها وإنهم هم الذين هيؤوا الأفكار لنسف النظام الاستبدادي ووضعوا مبادىء للتعاقد الاجتماعي وشرعية النظام السياسي ، مثل سيادة الأمة بوصفها مصدر السلطات ، والحرية بوصفها حقا شخصيا ينظمه القانون ولا يتجاوزه ، وسيادة القانون والمساواة إمامه ... وأصبحت الانوارية مثالا يحتذى في البلدان الأوربية بل وفي غيرها(6) .
وهكذا يظهر المثقف بوصفه معبرا عن ثقافة ومنضويا تحت سلطتها الرمزية من حيث هي القدرة على تكوين المعطى عن طريق العبارات اللفظية ، ومن حيث هي قدرة على تحويل التأثير في العالم إلى تحويله والتأثير فيه بقدرة سحرية تمكن من بلوغ ما يعادل ما تمكن منه من القوة الطبيعية والاقتصادية بفضل قدرتها على التعبئة . أن هذه السلطة لا تعمل عملها إلا إذا اعترف بها بوصفها قوة (...) تحدد بنية المجال الذي يؤكد فيها الاعتقاد ويعاد إنتاجه . إن ما يعطي للكلمات وكلمات السحر قوتها وما يجعلها قادرة على حفظ النظام أو خرقه هو الأيمان بمشروعية الكلمات ومن ينطق بها وهو إيمان ليس في أمكان الكلمات إن تنتجه وتولده (7) .
وهذا يعني أن المثقف يحكمه فضاء اجتماعي وفضاء ثقافي عبر اللغة والموروث الثقافي وتحكمه سلطة تمثل الشرعية عبر قدرتها على فرض القرار وإسباغها الشرعية على ذاتها من خلال إعادة قراءة التراث الذي يسهم في بناء الذاكرة الجمعية وبالتالي تفرض فضاء من المباح والمحظور فالمثقفون بتعبير جمال الدين الأفغاني " هم أولئك المتعلمون الذين يتمتعون بالروح الفلسفية النقدية ، ويستخدمونها في مراجعة ماضيهم والتأمل في حاضرهم ، لكي يفسروا النبل الإنساني ، ويضيئوا لأبناء أمتهم ويرشدوا إلى سواء السبيل " وهم العضويون بتعبير غرامشي ، وهم النقديون ، بتعبير ادوارد سعيد وهم العاملون المفكرون والمفكرون العاملون بتعبير طيب تيزيني (6) . وبهذا فقد ظهر مستويان للمفهوم
:المستوى الأول :هو التصنيف الأفقي لمفهوم المثقف الذي يعود إلى غرامشي ويشير إلى إن المثقفين لا يشكلون طبقة مستقلة ، بل إن كل مجموعة اجتماعية لها جماعة من المثقفين خاصة بها ؛وهنا يكون ما يميز المثقف من سواه هو (الوعي الاجتماعي ) الذي يمكن الفرد من رؤية المجتمع وقضاياه من زاوية شاملة ومن تحليل هذه القضايا على المستوى النظري والمستوى التطبيقي إذ يؤدي الدور الاجتماعي الذي يمكن وعيه إن يؤديه ، فضلا عن امتلاك القدرات الخاصة التي يضيفها عليه اختصاصه المهني أو كغاياته الفكرية ومن هنا ظهرت فئات من المثقفين هي : 1- المثقفون المتلزمون : الذين يتطابق عندهم الفكر والممارسة بحيث لا يمكن التفريق بين حياتهم الخاصة وحياتهم العامة . 2- المثقفون ( أهل العلم ) الأدباء والكتاب والمفكرون العاملون اجتماعيا بالكلمة بالممارسة المباشرة . 3- المثقفون العاملون في حقل ( التثقيف ) و ( التعليم ) من الأساتذة والمعلمين . 4- المهنيون الأخصائيون والتكنوقراطيون العاملون في الحقل العلمي والصناعي والإداري (9)
وفي هذه الفئات نلاحظ إن هناك فئتين متقابلتين ، الأولى متميزة بالتزامها الإيديولوجي وممارستها السياسية فيما تكون الفئة الرابعة متميزة ببعدها الإيديولوجي عن الممارسة السياسية وبالتزامها المهني وبينهما فئتان محايدتان ، هذا على المستوى النظري اما على المستوى التطبيقي فان ما يقدر فعالية أي مثقف في المجتمع عوامل مختلفة تنضوي تحت نظامين رئيسين هما :
1- النظام الموضوعي : النظام السياسي القائم وطبيعة العلاقة الاجتماعية والمهيمنة والوعي الاجتماعي الراهن والإشكالية التي ممكن إن تشكل جملة من المشاكل الاجتماعية والسياسية والتي تؤسس وتحدد وحدة فكر ما في مرحلة تاريخية ما .
2- النظام الذاتي : المتمثل بالوضع الشخصي ، ومستوى الوعي الذاتي ، وطبيعة الثقافة والتخصص (10) .
المستوى الثاني : العمودي ( التعاقبي ) الذي حدده ( علي حرب ) في كتابه ،" أوهام النخبة أو نقد المثقفين " بجعل العلاقة بين المثقفين الملتزمين والمهنيين وكأن احدهم يعقب الثاني إذ يشكل التطبيق العمل لدى المثقفين بداهة من بدا هات الفكر فيفكر المثقف ويتصرف على أساس إن هناك مقولات صحيحة أو نظريات محققة أو نماذج حضارية تصلح للتطبيق على ساحة العمل السياسي، اوعلى ارض الواقع الاجتماعي أو تصلح للتعميم والانتقال من مجتمع إلى أخر أو من بيئة حضارية إلى أخرى (11) . والباحث يمكن إن يحدد نقاط الضعف التي تتمثل بالتصلب الفكري الذي لا يدرك تغير التاريخ واختلاف المكان الذي يعتمد التعميم في وقت إن الفكر مرتبط بالزمان والمكان وبالحاجات التي تظهر مما يجعل الفكر نسبيا ، ثم انه يقول عن هذا : "انه وهم المماهاة والتطبيق الماركسي " (12) أي انه يدرك تلك الاطروحات التي ظهرت داخل حدود الدولة القومية ، ثم انه يؤكد : " إن الفشل ليس في التطبيق بل في أفكار لا تطبق إلا لكي تفشل أصلا وعلى عكس ما يعتقد أصحاب المشاريع الإيديولوجية ... والعلة في ذلك هو إن تصور الشيء لا ينطبق أصلا على واقعه ثمة هوة لا تروم بين الموجود والمفهوم ولأقل بالا حرى بين الموجود والمقول أو المكتوب "(13) .
فعندما نتعامل مع المنقول من الثقافة تكون : " الأفكار التي نعمل على ترجمتها ، ليست مجرد مبادىء أو قواعد ، ولا هي مجرد نماذج أو قوالب ، وإنما هي بالا حرى إمكانيات للعمل تفعل بقدر ما يصار إلى تحديدها وإعادة صياغتها " (14) وهنا ينظر إلى وظيفة المثقف والعلاقة التي يفترضها مع المجتمع ( انه يزعم انه ينخرط في مشكلات المجتمع أو يمثل مصلحة الشعب في حين هو يسقط تطلعاته وأوهامه على غيره ، بتوهمه إن ما يتطلع إليه أو يحلم به هو نفس ما يفكر فيه الناس أو يعانون منه " (15) .
إن تعرية المسبقات التي توجه رؤية المثقف لذاته وللغير وللمجتمع أو فضح البدا هات التي تتوارى خلف اطروحاته واهتماماته ، يؤكد إنه يعني بالمثقف من تشغله قضية الحقوق والحريات أو تهمة سياسية الحقيقة أو يلتزم الدفاع عن القيم الثقافية والمجتمعية أو الكونية ، بفكره وسجالا ته أو بكتاباته ومواقفه . فالمثقف يهتم بتوجيه الرأي العام أو من ينخرط في السجال العمومي دفاعا عن قول الحقيقة أو الحرية المدنية . وتبدو أزمة المثقف من خلال تلك الدفاعات كمافي قول فولتير . أخالفك الرأي ولكن أقاتل دفاعا عن حريتك في التعبير عن رأيك .
لكن الأمر لم يعد على ما كان عليه لان المثقف حسب قول ( علي حرب ) بأنه هو أزمة يعد انهيارا للقيم التي دافع عنها من قبل انهيار الاتحاد السوفيتي إلى ثورة الطلبة 1968 وهذا هو المفهوم القديم للمثقف ، ويأتي دور جديد له يتجاوز فيه المثقف إن يكون حارسا للهوية ، ويرى إن ما يحجم دور المثقف يعود إلى سعة سلطة الأعلام وأسواق وأسعار البورصة واليات الربح ومافيات الضغط لنظام جديد يجري صنعه اليوم (16) .
هذا ما قدمه ( علي حرب ) حتى الان في طرحه لشعار موت المثقف معلنا أن المثقف العربي يعاني من أوهام مختلفة منها ( وهم النخبة ، وهم الحداثة ، وهم الحرية والوهم التاريخي ) أدت إلى موته ، حتى وصل في أخر مقولاته إلى موت الإنسان ، لذلك لم يكن موت المثقف إلا عبارة عن تهميش المثقف لنفسه ولدوره وهكذا تلتقي مقولة علي حرب ( موت المثقف ) مع مقولة ( عالمية الثقافة ) فإذا كانت الأخيرة تعني إزاحة الخصوصية القومية وهويتها باتجاه خلق نمطية إعلامية لا تمت للثقافة بصلة فأنها تهيىء الساحة لموت المثقف العضوي ، كوحدة فعل وبناء في تشييد الثقافة ، فالثقافة والمعلوماتية يجب إن تسخر بهدف تعزيز الهوية القومية وحمايتها وكشف خصوصيتها وعواملها الحضارية وعناصر الفعل التكويني الصيروري فيها (17) .
فالحداثة ليست حالة تاريخية بقدر ماهي موقف فكري وشكل خطاب – في عصر ما – يحاول فتح مجالات جديدة إمام البشر لانتزاعهم من الوهم إلى الفهم ولإعلاء قيمة الإنسان . إن الإنسان لا يكف أبدا عن التفكير وعن التطلع إلى ما هو غائب عنه (18) ، وهكذا أصبح المثقف بعد كل تلك التغيرات أكثر استجابة للتحدي وذلك من خلال تغير طرق المعالجة التي تحافظ على عمق دور المثقف لكنه أصبح أكثر تحديدا وهو ما يدخل ضمن مفاهيم " الحداثة القطاعية " التي تحدد حسب مستويات ثلاثة :
الأول- يتعلق بالمثقف : تفترض الحداثة القطاعية إن يتحلى المثقف بالتواضع ويتخلى عن وهم انه نبي أو زعيم أي لا يحتاج المجتمع إلى مثقف أبوي يفرض عليه الوصاية .
الثاني – يتعلق بموضوع الرهان : تفترض الحداثة القطاعية من المثقف إن الفكر والسياسة هما نشاطان لكل منهما منطقه الخاص وكذلك تفترض فيه ان لا يراهن على الرأي الغالب ، لان الثقافة ديدنها النقد بينما الرأي الغالب قائم على التسليم ولكل منطقه الخاص ، وتفترض فيه إن لا يراهن على الرأي الغالب القائم على التسليم إنما تكون المراهنة على ديناميكية المجتمع .
الثالث – يتعلق بطبيعة الثقافة : تفترض الحداثة القطاعية من المثقف إن لا يقدم حلولا إيديولوجية وتعميمات ملغزة بل إن يتخصص في قطاع معين يثبت من خلاله قدرة خطابه على تقديم الأفكار الكفيلة بالنهوض والتقديم (19) وعلى هذا الأساس يعد فكر أي مثقف مرتبطا بالإشكالية التي ينتمي إليها ، فالمفاهيم التي يطرحها أي مفكر تنتمي إلى حقل دلالي معين " وإخراج المفهوم من ذلك الحقل معناه قتله والقضاء عليه فالمفهوم يعتمد معناه على الإشكالية التي يدخل تحتها "(20) . وممكن أن تلمس مواقف المثقف من خلال تجارب الأمة خلال مراحلها التاريخية التي ممكن تلمسها في اللحظات آلاتية :
1-لحظة النهضة : فلقد جاءت النهضة عبر فعالية خارجية شكلها التهديد الخارجي الغربي (الفرنسي – البريطاني) إذ عمل هذا العامل على كشف الواقع العربي يومها ولم يكن إمام مثقفي الأزهر سوى التصدي للاحتلال مسلحين بتراثهم على الرغم من بعد التجربة تاريخيا عنهم في تصديهم الأخير للغرب " وذلك لان المقدس كان احد إبعاد الحقل السياسي يحضر بقوة في فترات تاريخية وقد يكون مجيشا وصناعا وحضوره محكوم بعوامل معينة " (21) . وهكذا خرج الغربيون مخلفين وعيا وليدا توج بقاء مصر تحت سلطة ( محمد علي ) وهنا كان المثقفون بين ضغطيين ، الأول : خارجي تمثل بتلك القفزتين التي حققها الغرب السياسية والثقافية خلال أربعة قرون وكيف يتم ردم تلك الفجوة . لهذا تفاعل المثقفون العرب مع الحداثة في التجربة الغربية ثم نقلوها عبر الترجمة وبشروا بها في مجتمعاتنا أفكارا مجردة ، غير ناظرين إلى أنها صيرورة اجتماعية ارتبطت بتحولات عملية ليس لها نظير في مجتمعاتنا . إن الحداثة الأوربية ليست بضاعة للتصدير وقد يتم الالتفاف عليها وتوظيفها لمقاصد ضد أهدافها الحقيقية . إما الضاغط الثاني : فهو داخلي وقد تمثل بتلك السياسة التي أقرتها سلطة ( محمد علي ) التي كانت قد اتخذت نوعا معينا من النهضة يقوم على اقتباس التجربة العثمانية في إصلاح أجهزة الحكومة والجيش وإهمال الشعب ومؤسساته .
كان هذا يحد من جهود المثقفين أمثال رفاعة الطهطاوي الذي رأى أن العلاقة بالأوربيين هو بمثابة مغنطيس يجلب المنافع ، وجعل جهوده تنحصر في أفق ضيق وهو ما تريده السلطة الحاكمة لإدارة الإنتاج ، لقد كان الطهطاوي رجلا مستنيرا وبصفته موظفا في دولة ( محمد علي ) كان مضطرا إلى إن يصوغ ما تلقاه من أفكار حديثة في قوالب المشروع الخديوي ممجدا لعهده في إطار نظرة أبوية الدولة بالمقابل ظهر اثنان من المثقفين وهما جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده في محاولة ترمي إلى الابتعاد عن السلطة عبر التزامهم إرشاد العامة ورفض الاحتماء بالسلاطين لكن فشل التجربة وبقاء هاجس الدولة الملح أدى إلى نشوء مقولة (المستبد العادل ) : فهل يعدم في الشرق كله المستبد من أهله ،ا لعادل في قومه الذي يتمكن ، به العدل إن يصنع في خمس عشرة سنة ما يصنع العقل وحده في خمسة عشر قرنا (22) ، إما محمد عبده فيؤكد على التسامح مع الأخر ويعيد مبدأ التسامح إلى انعكاس احتكاك الغرب بالعرب والمسيحيين في الحروب الصليبية .
إن إشكالية المثقف في مشروعه كانت تنافسه على مستقبله مشاريع أخرى هي الغرب الاستعماري والحركة الشيوعية العالمية والحركة الصهيونية وكان رواد النهضة في القرن التاسع عشر يدركون إن هذه الإطراف الثلاثة سوف يكون لها تأثير ما على المستقبل العربي وكانوا يعون تماما إن الدور الأكبر والحاسم سيكون للغرب الاستعماري إما مصير الحركة الصهيونية والشيوعية العالمية فلم يكن من الممكن استشفافه ، لاتهما كانتا محصورتين في أوربا وجزء من كيان الغرب ذاته (23) .
2- لحظة التحرر القومي : حيث ظهرت رغبة قوية في بناء حداثة تقوم بها الدولة وهكذا تم استثمار جهود المثقفين على اختلاف مرجعياتهم في بناء تجربة حديثة ذات مرجعيات مختلفة قومية ، تقدمية ورجعية أصولية أو قبلية ذات توجه قبلي في توزيع السلطة ، لكن بعد حركة التحرر تلك التي شغلت فعالية نهضوية استطاعت كثير من البلدان إن تحدث تغييرا تقدميا عميقا ، إلا أن التغير بقى على مستوى السلطة فهي الفاعل الأول دون إن تكون هناك مؤسسات شعبية تقدم العون لها ، وقد شكل هذا عائقا إمام التنمية الديمقراطية الاقتصادية التي يمكن تعريفها بدءا بالاعتماد على " جانبين متميزين عقلا وان تلازما عملا الجانب الأول هو ما يسمى بـ ( حقوق الإنسان ) أو أحيانا الحريات العامة ، أو أحيانا أخرى الضمانات الدستورية والجانب الأخر هو إن يكون للناس صوت مسموع في إدارة دفة الحكم ... والديمقراطية إذن ضرورة ويجب إن تتمسك بها وهي ممكنة بشروط . هذه الشروط هي :
أولا – أن نطرح باستمرار قضية الديمقراطية وأن نضعها باستمرار في خط مواز لمطالبنا الأخرى . فحين نطالب بالاشتراكية يجب إن نطالب معها بالديمقراطية ، وحيث نطالب بالوحدة العربية يجب إن نطالب معها بالديمقراطية . ويجب إن لا نسترخص الديمقراطية في سبيل ما نتوهم انه اثمن منها لان ما نتوهم تحقيقه بعيدا عن الديمقراطية بناء على غير أساس ، يمكن إن ينهار في أي وقت وتحت تأثير أي ردة ... لكن الديمقراطية لن تستقر وتتحقق إلا إذا اصطحبت بإحداث تغير في البنى الاقتصادية والاجتماعية السائدة لتصفية مراكز السلطة التقليدية ، سواء كانت سياسية أم قيادات فبلية امن عشائرية ... فالديمقراطية لا تسير إلا بجناحيها السياسي والاقتصادي (24) . ذاك بان الديمقراطية بلفظها اليوناني ذي المقطعين تعني حكم الشعب من Kratia (حكم ) وdemos وتعني ( الشعب ) . فهي التي تقوم على تكافل الفرص للجميع وقوامها الفرد نفسه وكرامته (25) . والديمقراطية هي طريقة لتشغيل السياسة والممارسة السياسة بشكل أكثر احتراما للفرد والتعددية وإسهام الفرد في الحرية ، فهي إذن مكسب تاريخي ضخم جدا وينبغي على المجتمع من أن يفتتحه بمشقة بعد مسار طويل ، وأنها عبارة عن عملية تاريخية طويلة ، ولا اعتقد إن بالا مكان فرضها بقرار من فوق (26).
وهذا يعني أن الديمقراطية جزء من الصيرورة التاريخية للمجتمع وغيابها " قد اضعف من التأثير الشعبي ، الذي هو في النهاية الضمان الوحيد لتحقيق الوحدة واستمرارها " (27) .
3- لحظة العولمة والتحدي الجديد : وهنا وجد الفكر العربي بإزاء تحد جديد يقدمه الأخر ، وهذا التحدي يقوم على العولمة التي تقدم نفسها على أنها سلطة كونية إمبريالية ، قد اتخذت من النظام الدولي الجديد مبررا لوجود سلطتها وإسباغ الشرعية على ذاتها ، وهي هنا تمثل الجانب السلبي من الإمكانيات الجديدة لهذه الحقبة بمعنى إن الانفتاح الكوني هو حالة تاريخية فرضتها الصيرورة التاريخية ، وليست الاطروحات الأمريكية إلا توظيفا نفعيا لهذه الحقبة . والقراءة الأمريكية هي الجانب السلبي من العولمة ، وهذه القراءة هي التي يسميها المختصون بالعولمة أو النظام الدولي الجديد وهي إمبريالية جديدة اقتصادية ثقافية تطرح نسفها بوصفها البديل عن المحلي والإقليمي عبر ممرات ذات ألوان تخفي تقاسيمها الكامنة في تنميط ثقافي قائم على فرض نمط من التبادل الثقافي على الأخر ، وهذا يشي برغبة كامنة لدى الغرب قوامها السيطرة وهي تقوم على إنتاج ثقافي يقوم على إعادة بناء ( الرأسمال ) الرمزي والقومي ، فإذا كانت العولمة الاقتصادية تعني فتح الأسواق إمام التجارة الدولية فلا تصبح مساءلتها أكثر معقولية إلا من خلال اشكاليتنا ...فان كان تدفق الأموال والخدمات مطلوبا ، فان حرية انتقال العمال لأنفسهم بالأصل يكون متفقا مع الواقع ومنطق العولمة في العمالة تتجه إلى مواقع الجذب في الدول الغنية بطبيعة الحال فان تم فتح الباب إمام هجرة العمالة ، فسيؤدي ذلك إلى مزيد من تحقيق أسواق العمل لصالح نظريتها الخارجية ، ومن ثم المزيد من استنزاف الموارد البشرية والانصهار في سياسة تفريغ عالم الجنوب من العقول والخبرات العلمية .
فالبديل العلمي الذي يفسح للنهضة موقعها ويزيد فرصها يكمن في إخضاع الاقتصاد القومي لخدمة مصالح امتنا والتحكم في عملية التراكم ، بحشد مواردنا ضمن تنمية مستقلة توظف قدرتنا في مواجهة المنافسة الخارجية (28) .لقد كان موقف المثقفين من هذه المسالة مختلفاً وهو كالأتي : 1- المثقف المؤيد : وهو المثقف الذي يجري في سياق العولمة ، ويخضع للإبهار التكنولوجي ، والمعلوماتية ولا مانع لديه من الترويج للبضائع الأمريكية ( سلعة تبادلية أم ثقافية ) ويعيد إنتاج ( المعرفة ) في نفس سياق منظومة المركز الإمبريالية ومن النماذج جورج طرابيشي وعلي حرب ، فالأول يرى : " إن الإمبريالية هي التشكيلية الواسعة الواسمة لعصرنا ، التي لا يمكن تجاوزها في العصر الراهن ، شئنا ذلك ، أم أبينا (29) . فالملاحظ إن الأمر قد تداخل عنده فلم يميز بين القراءات الإمبريالية للعولمة والإمكانيات المباحة للمقاومة القومية والوطنية التي يمكنها إن تستجيب للتحدي بخلق بديل لها في الواقع العربي الراهن يكون على قدر المسؤولية .
أما الثاني علي حرب الذي يقول: " ليس النقد مجرد نقض أو دحض ، بقدر ماهو اجتراح إمكانيات جديدة للتفكير أو للتعبير للقول أو العمل والذين يمارسون النقد كدحض أو كنفي للأعمال الفكرية على الطريق التهافتية ، لا يشهدون إلا على تهافتهم ، ولا يؤكدون إلا نفيهم من مجال التفكير الخلاق والمنتج " ، في حين هذا المنهج يتهاوى عندما يواجه المختلفين مع العولمة اذ يفند أراء مفكرين عالمين أمثال تشو مسكي ، وبيار بورديو والجابري وادونيس ، ومحمد أركون وصادق جلال العظم فيفند رأي تشو مسكي لأنها تفضح خفايا مواجهات وغايات السياسية الأمريكية في العالم ويهاجم المثقفين العرب والفرنسيين لأنهم وجدوا في العولمة خطرا واهما ويأخذ مثالين ، الأول: هو صادق جلال العظم الذي لم يستطع فهم العالم الجديد إلا بلغة ماركسية تقليدية ، من هنا لم يجد في العولمة سوى محاولة رسملة للعالم على نطاق شامل وبصورة عميقة إما مثاله الثاني فهو بيار بورديو المفكر الفرنسي وهاهو علي حرب ينقض عليه لان بورديو يغلب على قراءته البعد السوسيولوجي فلا يرى في العولمة سوى ليبرالية جديدة شرسة ووحشية " (30) . هنا نلمس التداخل بين اطروحات ما بعد الحداثة والعولمة لديه رغم إن بين الاثنين تباينا حيث إن الحوار هو القائمة الأساسية في مشروع الاختلاف ، بين ألذات والأخر على الأفق الكوني لكن ليس بالطرح الأمريكي ابدآ .
2- المثقف العائم – عابر القارات المتعدي الجنسية : هو المثقف الذي يرفض أي نموذج للخصوصية ويبعد عن مفهوم الهوية ، ويخضع للنمذجة الكوكبية بتياراتها الثقافية المختلفة (31) . فالكوكبية بوصفها مفهوما يشير إلى تطلع فلسفي وسياسي واقتصادي كشكل من إشكال الاستيعاب الثقافي والدمج الحضاري وإلغاء الخصوصية الاقتصادية وهذا المفهوم يتجاوز الخصوصية الحضارية والميراث الثقافي لبلدان الجنوب في إطار عملية تنميط سلوكيات البشر وثقافتهم في المجتمعات كلها بهدف طمس الفروق الحضارية وإخضاعها لمركزية نظام الكونية . وبهذا المعنى فان مفهوم الكوكبية يهدف إلى فرض نسق قيمي وتحويل المعمورة إلى سوق واحدة من دون إن يعني ذلك تحويل العالم بأسره إلى شمال ، وهذا يعني فرض قيم محددة على الجنوب في عملية إلحاق وليس لحاقا بالتقدم . فالكوكبية تعني مرحلة جديدة من مراحل تطور الرأسمالية ليس للجنوب فيها أوراق تفاوضية بوجه الشمال (32) . ومن هنا فالمثقف الذي يحمل هذه الصفات هو أداة في تحقيق تلك الغاية ، وأيضا يرى (ادوار سعيد) في هذا النموذج من المثقف انه ( منفي – منبوذ ) هذه المجموعة في خصام دائم مع مجتمعاتها ، لهذا فان أفرادها ( لا منتمون ومنفيون دائما وهم محرومون من الامتيازات والسلطة والتكريم " (33) رغم أن ادوارد سعيد هنا يشير إلى مثقف له موقف يتصف انه بعيد عن الضغط الداخلي والخارجي ويتمتع بظروف أكثر قدرة على المقارنة وهذه خصلة أخرى قد تنطبق على هذا النمط أو لا تنطبق ؟ ! 3- المثقف الغائب الوظيفي : وهم الذين ذكرهم غرامشي ممن انخرطوا في آليات فلك السلطة العربية المعولمة : ( وهذا النمط قد نجده اليوم في بعدين ، الأول : في مشاريع السلام التي يتصدى لها جملة من المثقفين الذين يشغلون وظائف جامعية أو سياسية والذين يحاولون أن يتحدثوا بهذه المسألة من زاوية مفردات واتفاقيات السلام فهم المدافعون إمام الرأي العام عن موقف السلطات الرسمية ومصالحها في تلك الاتفاقيات في الصحف ) والمحطات الفضائية وفي المؤتمرات العربية والدولية حتى شغل كثيراً منهم أماكن في الأمم المتحدة وغيرها من الدوائر الدولية أو رشحوا للحصول على جوائز وشهادات عالمية والذين اتخذوا من تلك الدوافع ذرائع للتنصل من مواقف إيديولوجية وعقائدية دافعوا عنها وحصدوا نتائجها أرباحا وشهرة وما إن قاربت إلى الغرق حتى وجدوا في العولمة والمشروع السلمي طوقا جديدا لهم شكل هذا البعد الثاني وراء أرباح جديدة قد تكون جائزة نوبل احدها واختراق العالمية أو الحصول على وظائف في أماكن أكثر فائدة في الخارج غير عابهين بالحقيقة الكامنة وراء مشاريع السلام التي تراوح بين إغراق الجماهير بالهزيمة العسكرية وبين إغراقها في وحل السلام مع الدولة الصهيونية لكي تحافظ عل مصالحها (34) . 4- المثقف الأصولي : هو الذي ارتد إلى قراءة وتبني التراث بشكل غير نقدي ، واعتبره الحل المطلق بكليته . وهذا المثقف كونه أصوليا يعنى بالتأكيد على فعالية الأصل وهذا يدفعنا إلى عرض مفهوم الأصولية كمفهوم حديث في مصطلح فكر السياسي الغربي الحديث ، اذ لم تظهرالاصولية إلا في سنة 1966 في الموسوعة العالمية (Cyclopacdia thinire – rsals) . إن الأصولية في الفكر الغربي المعاصر دلت على : موقف أولئك الذين يرفضون تكييف عقيدة مع ظروف الجديدة سواء كانت تلك العقيدة دينية أم سياسية ، بصرف النظر عن البعد الزمني الذي بدأت فيه تلك العقيدة تأخذ مكانتها في عقول معتنقيها . ويظهر هذا التعريف العام جدا للأصولية لأول مرة في قاموس لاروس الصغير عام 1966 بحيث يمكن إن تكون الأصولية ( ماركسية ) أو أصولية –إمبريالية ) – ترى في حركة العالم ( نهاية التاريخ ) . ولكن الذين استخدموا المصطلح في الغرب ابتداء كانوا يعنون بالمصطلح بشكل أساسي :" الأصولية الكاثوليكية وحدها ) : حيث جاء التعريف في لاروس الكبير تعريف ( للأصولية ) يقول عنها أنها: ( داخل حركة دينية – الأصولية – موقف جمود وتصلب معارض لكل نمو أو لكل تطور ) . وفي الشرح جاءت الأمثلة تستهدف الكاثوليكية . وجاء في القاموس الجامعي الفرنسي عام 1987 تعريف ( للأصولية ) يفيد بأنه :"موقف بعض الكاثوليكيين الذين يرفضون كل تطور عندما يعلنون انتسابهم إلى التراث " .
والخلاصة إن معنى المصطلح : هو رفض التكيف والجمود المعارض لكل نمو وتطور من منطلق الانتساب للتراث أو المحافظة عليه ، أو الولاء له . أو بتعبير أخر : إن الأصوليين في كل معتقد ، هم كل أولئك الذين يقاومون التقدم والمستجدات ، بموقف متزمت ينسبونه لمعتقدهم . هذا التعريف يأتي من عدم التمييز بين إبعاد مناهج وأصول مختلفة الأديان . فهناك تعريف من قبل الفكر العربي المعاصر للأصولية .
ا- نمط من صنع الشرعية قسرا .انه نمط من صنع الأحكام الشرعية – أي: الأحكام الفقهية التي هي من اجتهاد الفقهاء ثم القول بان هذا الاجتهاد هوا لدين ومن يختلف معه خارج الملة .
ب- إن بعض الفتاوى ذات الطابع المسيس في الفكر الإسلامي المعاصر، قد صاغت (أصولية ) مقترفة من الغرب تعادي القومية والوحدة والاشتراكية وأولوية الجهاد ضد الإمبريالية والصهيونية (35) . يصف نصر حامد أبو زيد الخطاب الديني المعاصر من خلال عرض آلياته ومنطلقاته الفكرية فالآليات يمكن أجمالها فيما يلي :
O التوحيد بين الفكر والدين وإلغاء ألمسافة بين ألذات والموضوع . O تفسير الظواهر كلها بردها جميعا إلى مبدأ أو علة أولى تستوي في تلك الظواهر الاجتماعية أو الطبيعية
إن الاعتماد على سلطة ( السلف ) أو (التراث ) بعد تحويل النصوص التراثية – وهي نصوص ثانوية – إلى نصوص أولية تتمتع بقدر هائل من القداسة لا تقل – في كثير من الأحوال – عن النصوص قد أدى إلى إهدار البعد التاريخي وتجاهله ، ويتجلى هذا في البكاء على الماضي الجميل يستوي في ذلك العصر الذهبي للخلافة الرشيدة وعصر الخلافة التركية العثمانية (36) . وهذا ما يجعل الفكر الديني والعقائدي محكوما بسلطة الأصل والنص والتقليد ، ما يجعل علاقة العقائديين فانه نقد تهافتي يرمي إلى تبيان مدى الابتعاد عن الأصل أو تحريف العقيدة (37) .
من المثقفين الذين يمثلون هذا الخطاب ينطلقون بدوافع سياسية معاصرة إلى قراءة التراث وإسقاط عليها معان أكثر تشددا مما يجعل الأصولية تمثل أكثر المواقف انقيادا لرؤية جامدة متصلبة .
5- المثقف العضوي : لقد اعطينا تصورا لهذا المفهوم عند غرامشي إلا إننا نراه أكثر تطورا في فكر "ادوارد سعيد " الذي يرى أن على المثقف أن يقارن الوقائع المعروفة والمتيسرة مع مقياس معروف ومتيسر ويصدر إحكامه في ضوء : ( لا شيء في نظري يستحق اللوم أكثر من بعض العادات الذهنية لدى بعض المثقفين التي تدفعهم إلى تجنب المواجهة والتهرب من اتخاذ المواقف الصعبة والمبدئية برغم علمهم انه صحيح .... لقد واجهت شخصيا مثل هذه العادات الذهنية أراء واحدة من أصعب القضايا المعاصرة ، قضية فلسطين ، إذ قيد الخوف ، أرجلا وغم أعياً وكمم أفواه للكثير من المثقفين ممن كانوا يعرفون الحقيقة وكانوا في وضع يسمح لهم بخدمتها، لكنهم لم يعقلوا ذلك . ان الحقيقة تستحق أن تقال برغم الشتائم وتشويه السمعة التي يتعرض لهما مساند حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم عندما يعرضها مثقف شجاع متعاطف . وقد صار هذا الموقف واضحا نتيجة إعلان اوسلو للمبادىء التي تم التوقيع عليه يوم 13 أيلول 1993 بين منظمة التحرير و (إسرائيل )(39) . ومن الواضح إن هذا التحديد الذي يقدمه ادوارد سعيد على الالتزام نلمسه في نشاطه الثقافي حيث تأثر وتناوله بمناهج نقدية مستمدة من النظريات الثقافية الأوربية المعاصرة وإدخالها إلى عالم الأكاديميات الانجلو – أمريكي في السبعينيات فقد استطاع كتابه (الاستشراق ) إن يطرح أنموذجا يعتبر الأول من نوعه في تطبيقه المعزز لهذه الأساليب التحليلية على التقاليد النصية والتاريخ الثقافي وبالأخص استطاع كتاب ( الاستشراق ) إن يطوع بعض عناصر هذه النظرية الجديدة لدراسة الروابط بين الثقافة الغربية والإمبريالية ، وبشكل أساسي من اجل أن يبرهن بان كل الأنظمة الثقافية الغربية مرتبط ارتباطا وثيقا بسياسات ومنظورات واستراتيجيات القوة ويعتمد ادوارد سعيد في طرحه هذا على مصدرين أساسين هما فوكو وغرامشي يستمد من فوكو منهجه الذي يربط كل إشكال المعرفة وكل أساليب التمثيل الثقافي للأخر بممارسات السلطة ويتناول ادوارد سعيد هذا الموضوع بالتفصيل في مقالته ( تصور فوكو للسلطة ) إلا إن ادوارد سعيد يختلف مع فوكو خصوصا في كتابه : " الثقافة والإمبريالية " وهذا الاختلاف مردود إلى سببين اولهما يتعلق بنظرة فوكو المتشائمة والحتمية تجاه ممارسات السلطة التي أصبحت تناقض الأيمان المتزايد عند ادوارد سعيد بالحاجة إلى تجاوز العلاقات غير المتساوية والمتضادة بين ثقافات العالم الغربي التي شخصت الحقبة الكولونيولية .
السبب الثاني : يتعلق بطرح سعيد بأنه عندما يصر فوكو على انتساب النص للعالم فانه بهذا يهيمن وبشكل غير قانوني على إشكال مختلفة من الخطاب وبذلك بنزع النص من عناصره المحكمة والخفية esoterie واعتمد على مرجعية أخرى هي غرامشي : تأتي أهمية غرامشي في هذا المضمار في طرحه لمفهوم _ ديناميكية الهيمنة ) وربطها بالهيمنة الثقافية التي أعطت الاستشراق القوة التي يتحدث عنها سعيد في كتابه
وهنا نركز على طرح ادوارد سعيد لمفهوم قيمة ( الطباقية ) كمنهج في أنها تتخطى الحدود المتعارف عليها وبهذا نستطيع أن نقرأ الثقافة السياسية مع التاريخ كفضاءات متصلة ببعضها . وهكذا يركز سعيد على كيفية تظافر الخطاب الروائي مع المشروع الإمبريالي في إنتاج إشكال معرفية وتمثيلات نمطية عن الأخر (40) . لقد كان لمفهوم التمثيل دور بالغ الأهمية في كشف تورط الرؤى في إعادة صوغ المرجعيات علة موقف نمطي ثابت ، يحيل على تصور جامد ذي طبيعة جوهرا نية مغلقة ، الأمر الذي أفضى إلى سلسلة من عمليات التمثيل التي يمكن اعتبارها وثائق رمزية على العلاقة بين المرجع الفكري وتجلياته الخطابية ما ينصرف إليه اهتمام ادوارد سعيد بالدرجة الأولى هو الموجهات والمؤثرات التي تقف وراء تلك الموضوعات والقضايا من جهة ، وسلسلة الاكراهات والاقصاءات والاختزالات التي تمارسها من جهة أخرى ولعل البؤر – المركزية في عمله تتمحور حول قضية التمثيل (Representation ) ( أي الكيفية التي يقوم بها خطاب Discours بتمثيل الواقع ، ثم وهذا هو المهم اثر ذلك ( التمثيل في صياغة وعي اختزالي وملتبس تجاه تلك الوقائع ) ( 41) . لكن يبقى ادوارد سعيد يشكل مكانة نقدية وأهمية في المشهد الفكري العالمي ، يعد أن اتجهت سائر الدراسات عنه إلى الإيحاءات السياسية والثقافية التي يتضمنها عمله . ظهر كتاب جديد ادوارد سعيد ( مفارقة الهوية ) لي (بيل اشكروفت ) وهو احد المشتغلين في الحقل النقدي المسمى " ما بعد الكولنيالية ) والأخر ( بال اهلوليا ) وفيه يركز الكتاب على مفهوم " دينوية النص " وهو احد القوى التي حكمت علاقة الغرب بالشرق والتي خصص لها سعيد مساحة من عمله ، تبدأ بكتابه (الاستشراق ) ولا تنتهي بـ ( الثقافة والإمبريالية ) وخصص فصلا أخر لموقف سعيد من القضية الفلسطينية (42) .
وبعد إن تطرقنا إلى تلك المراحل أو الحقب يظهر كما بدا لدى كثير من الباحثين إن المشروع العربي يعاني هيمنة الأخر على الذات عبر الهيمنة الثقافية الغربية وما يعيشه العرب من التناقض بين عالمية الاقتصاد والسياسة وبين التقوقع داخل الثقافات الوطنية التي تعيش اختراقا من قبل الأخر ، فبعد انحسار المد الإيديولوجي ، مما جعل الثقافات تتعرض بما فيها الإسلام للحرب في وقت يعيش الواقع العربي مظاهر القمع والاختراق االقيمي والمعرفي والسياسي والتمزق الإيديولوجي المذهبي لإشكاليات تجاوزها الزمن مما جعل استهلاك المعاصرين لمنتجات الماضي ، وهي أكثر الظواهر تطرفا ، فنحن ما زلنا نعتمد في ثقافتنا على تراكم اعتباطي من كتب التراث وندلل بها على حاجاتنا كاملة ، وهكذا لا يكون الاختيار متوافرا طالما تحدث المنافسة الطبيعية بين إنتاج معاصر وإنتاج قديم ، كما أن علاقة المجتمع بثقافته المعاصرة لم تقم على توسط الاحتجاج بما هو مؤكد بصفته قديما ، وهذا يتبعه انعدام الاهتمام بما يمكن إن يصلح وسيطا حيا بين الماضي والحاضر من غير انتزاع الشذرات من كتب القدماء للتدليل على مواهبهم في الاتصال بما هو معاصر علما إن مثل ذلك الوسيط تعبر عنه انتاجات متلازمة في أثار التأليف العربي(43). وتمت بالمقابل عملية اتصال بالأخر والاقتباس منه لكن هذا الاقتباس لا يقف بين كلية النظرية بل النظريات الجزئية منطلق من إمكانية استعارتها لأنها صلحت لغرب وهذا محكوم بعلاقة القوة بين هذه الثقافات والثقافة الغربية ( من دون وعي بخصوصيتها – وقوعا تحت موقف ليبرالي مفرط – سيقود الثقافات اللاغربية إلى نتائج مضللة وخطيرة ولاسيما إذا تعاملت مع نظريات الغرب عن تاريخه الخاص بوصفها نظريات يمكن إن تصلح لتاريخها أيضا ) (44) . ويتم تشخيص هذه الحالة بأنها أزمة بنيوية وبعد كل أزمة علينا إن نبدأ من ( الصفر ) نعيد قراءة وتفسير ما كنا نظنه بات من المسلمات وكأن كل ما مر بنا من تجارب مريرة ومعارك ثقافية لم يحفر له موقفا في زوايا عقلنا العربي وفي هذا يقول محمد عابد الجابري : انقسم الوعي العربي إلى نوعين من الوعي :
1- الوعي المؤسس على ( الاغتراب ) الرافض للتراث نتيجة الاستلاب الثقافي الحضاري الذي رسخه الغرب المتقدم المستعمر في مجتمعنا . 2- الوعي المؤسس على ( الاحتراب ) الذي يقرا في التراث العربي الإسلامي كل ايجابيات الحضارة الغربية من علوم وتقنيات ومؤسسات سياسية واجتماعية (45) . ونجده يقدم صورة للاحتراب في نظرته إلى التراث وهو يقرا ابن رشد ويحاول إن ينطلق منه في قراءة تحاول إن تستجيب لتحديات الحاضر : إن ابن رشد نظر إلى المسالة لا من زاوية الفلسفة كما فعل الفارابي وابن سينا بل من زاوية الفقه الذي يعني من موقع القاضي المحايد ، فكتب كتابه (فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال) بدا بالسؤال التالي : النظر في الفلسفة وعلم المنطق مباح بالشرع أم محظور أم مأمور به وإما على جهة الوجوب فهو يطلب حكم الشرع الذي يتدرج تحت خمس جهات الواجب والممنوع والمندوب اليه والمكروه والمباح .
بهذا يريد الجابري انه ممكن النظر إلى ثقافة الأخر الغربي من خلال أفق الهوية التي فيها قواعد للنظر إلى الأخر ومن هنا يؤكد (انه لابد من الامتلاء بالثقافة العربية والتراث العربي الإسلامي عند الخوض في الحداثة الأوربية ، فالامتلاء بالثقافة العربية الإسلامية هو امتلاء الهوية وبدون هوية ممتلئة بمقوماتها يكون الانفتاح على الثقافات الأخرى ، وخاصة المهيمنة مدعاة للانزلاق نحو الوقوع فريسة الاستلاب والاختراق (46) . إن هذا التحليل ينطلق من إشكالية تراثية تم أزاحتها عن بعدها التاريخي وتم تأويلها وإدخالها في إشكالية العلاقة بين ألانا والأخر الغرب ، وعلى هذا فان الإشكالية التراثية تمثلت في العقل والنقل ومحاولة فلاسفة الإسلام إن يؤسسوا لأنفسهم مكانة في الخطاب الإسلامي الذي كان الفقيه الممثل الرسمي له وقد ظهرت الإشكالية منذ الكندي والفارابي وابن سينا وابن طفيل وابن باجة وابن رشداذ حاول الفلاسفة إن يقولوا الحقيقة واحدة لكن الطرق المؤدية لها مختلفة فهي للفقيه الأيمان بالشريعة وهي للفيلسوف نور العقل وهكذا ظهر لدى الفلاسفة ثنائية / الفيلسوف . والجابري هنا يعود إلى ثنائية الفيلسوف / الفقيه أو العقل / النقل يجعل ابن رشد ينطلق من داخل الخطاب ، فيما يجعل الفلاسفة المشرقيين ينطلقون من خارجه لأنهم فلاسفة ، وهذا الأمر ظهر في نقد طه عبد الرحمن للجابري عندما ميز بين التوفيق والتقريب وجعل ابن رشد توفيقي ينطلق من خارج الخطاب ، فالتقريب يقوم على تقريب العلوم المنقولة لتستجيب للموجهات النص وقواعده الابستمولوجية مما يجعل المنقول عرضة للتقريب حتى يستجيب لحاجات النص كما حصل للمنطق الذي تم تحويله من إطاره الابستمولوجي يتحول إلى علم خادم ، إلة في خدمه الفقه والشريعة ، أما التوفيق فهو تقريب النص الشرعي حتى يستجيب لحكم النظر العقلي اليوناني أو الإطار الابستمولوجي اليوناني ، وعلى هذا يمكن أن تعرف أن الجابري يريد القول أن ننطلق من حكم التراث وقواعده صوب الآخر نقربه يستجيب لموجهات قواعد الإسلام التداولية .
لكن ألا يشكل التراث أيضا أخر خارج الزمان مثلما يشكل الغرب ذلك ألا يتعرض التداول التراثي وما به من قواعد للتغيير حتى يستجيب إلى أفق المعاصرة في الواقع العربي ، ولتحقيق هذا لابد من تقوية الذات عبر منحها الثقة بنفسها وهذا يأتي عبر الاعتراف بالحريات ونقد الأخر التراث والغرب معا متسلحين بالمعاصرة والعلمية ومتمسكين بالهوية دون جمود وهذا يتطلب طرح المشاكل على مائدة البحث لا من اجل أن يكون أكثر عقلانية بل أكثر قدرة في الاستجابة للحاجات الراهنة والقبول بالتعدد في الرؤية والمنهج واعتماد الجدل طريقاً للحوار مما يطور الثوابت الثقافية ويجعلها أكثر قدرة للاستجابة للإمكانيات الحديثة العالمية وان تدخلا في صراع مع التحديات العالمية دون الالتجاء إلى الإقصاء بل الحوار الذي يطور الهوية دون أن يلغيها ، فالمجتمع العربي بحاجة إلى الحوار مع النفس أولا والحوار مع الذات والأخر يزيل الصور النمطية المشوهة ، دون إلغاء ان إرادة القوى والصراع يجب أن تحفز فعالية التحدي الذي ينظر إلى المستقبل مستفيداً من دروس الماضي .
هوامش:المبحث الأول :الفصل الثالث
1. علي حرب ،حديث النهايات ،المركز العربي الدار البيظاء ،ط2، 2004،ص11،12. 2. عبد المنعم الحسني ،العولمة والأمن الثقافية،بيت الحكمة بحوث مناقشات ندوة ،بغداد ،2002،ص49. 3. السيد ياسين ،في مفهوم العولمة،ضمن ندوة بغداد(العرب والعولمة)مركز دراسات الوحدة العربية ،بيروت،1998، ط1 ،ص 25. 4. علي حرب ،حديث النهايات المرجع السابق،ص14 5. عبد المنعم ألحفني،المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفية،مكتبة مدبولي ،ط3 ،2000 ،القاهرة،ص563. 6. المرجع السابق،ص774. 7. ادريانو بينليون ،الاستثمار الأجنبي المباشر،بحوث ندوة ،بغداد،2002،ص79. 8. حسن بحر العلوم ،العولمة بين الإسلامية والغربية ،معهد الدراسات العربية ،لندن ،ط2، 2003، ص32. 9. حسن بحر العلوم ،العولمة بين الإسلامية والغربية،ص33. 10. السيد يسين ،في مفهوم العولمة،ص24.وانظر فرانسيس فوكوياما ،نهاية التاريخ،ت:حسين الشيخ،دار العلوم العربية ،بيروت،ط1 ،1993. 11. محمد عابد الجابري ،المسألة الثقافية في الوطن العربي ،م دراسات الوحدة العربية ،بيروت ،ط2 ،1998 ،ص171-237.
12. محمد أركون ،الفكر الإسلامي قراءه علميه ،ألمقدمه،للمترجم هاشم صالح ،المركز الإنماء القومي،بيروت ،ص6
13. شاكر النابلسي ،الليبراليين الجديد،منشورات دار الجمل (كولونيا-بغداد)ط 1، 2005. 14. صادق جلال العظم ،ذهنية التحريم ،(ملحق الفصل الثالث ملحق ،العقل المعتقل،بقلم ادو نيس)،دار المدى،ط3 ،1997،ص93-94. المرجع السابق،ص94-95.
الهوامش المبحث الثاني الفصل الثالث 1. ناصر حلاوي ، مفاتيح القراءة جاك ديريدا،م/ الطليعة الأدبية،ع/5-6،1990 ،ص56 2. عبد المنعم ألحفني ،المعجم الشامل ، لمصطلحات الفلسفية ،مكتبة مدبولي ألقاهره ،2000 ،774 ص . 3. عبد الكريم سرو ش،حوار،العلوم الحديثة في العالم الإسلامي وإشكاليات التنمية العلمية،م/قضايا إسلامية معاصرة،ع 23،2002. 4. المصدر السابق،ص57. 5. سليمان خالد،م/الفكر العربي وإشكالية الحداثة،م/المنارة ،المجلد 4،ع 3، 1999 ،ص376 -277. 6. عبد المنعم ألحفني ،المعجم الشامل ،2000،ص925. 7. بياكوفمان ، المخيال ،هل يمكنه وضع نظرية حول الوهم،م/العرب والفكر العالمي،مركز الإنماء القومي ،بيروت،ص55. 8. جيوفري نويل سميث وكيننين هور،غرامشي دفاتر السجن ،ت:فاضل جتكر ،القاهرة ،مؤسسة عيبال للدراسات والنشر،1991،ص319-320. 9. ادوارد سعيد،الآلهة التي تفشل دائما،ت:حسام الدين خضور،بيروت للطباعة،2003،ص17-18. 10. محمد غنيمي هلال ،النقد الأدبي الحديث ،دار النهضة مصر ، القاهرة ،ص311-318 11. عبد الرحمن بدوي ،شوبنهور،ألقاهره ، دار النهضة ،1965،ط3،ص225. 12. زكريا إبراهيم ، دراسات في الفلسفة المعاصرة ، القاهرة،1968،ط1،ص426. 13. زكريا إبراهيم، المرجع السابق ،ص522. 14. محمد غنيمي هلال ،النقد الأدبي الحديث،ص323. 15. رولان بارت ، من الأثر الأدبي إلى النص ،م/ الفكر العربي المعاصر ،دار الإنماء القومي ،بيروت ،ع، 38،1986،ص313 16. جان ماري اوزياس، البنيوية ،ت: ميخائيل نحول،دمشق ،1972، منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي ،ص15-16. 17. معجم المصطلحات الأدبية ،1985،ص52023. 18. صلاح فضل ،نظرية البنائية ، ص50. 19. عصر البنيوية ،1985،ص30-33. 20. ليفي شتراوس ، الأسطورة والمعنى ،ت:شاكر عبد الحميد ، دار الشؤون الثقافية ، 1986،بغداد ،ص14. 21. س.رافيندران، البنيوية والتفكيك،ت: خالدة حامد،دار الشؤون العامة،بغداد،2002، ص17-18. 22. افايه ، الغرب المتخيل ،ص30. 23. رولان بارت، من اثر الأدبي إلى النص،م/الفكر العربي المعاصر،مركز الإنماء القومي ،ع38،بيروت 1986،ص114-113. 24. مختار الفجاري ، خطاب العقل عند العرب ، المطبعة العصرية،تونس،ط1، 1993، ص25 . 25. كمال البكري ،الهدم والحفر والتفكيك، م/دراسات معاصرة،ص16015.
الهوامش المبحث الثالث من الفصل الثالث
1- ميلفيل ج. هرسكوفيتز ، أسس الانثروبولوجيا الثقافية / تعريب : د. رباح النفاخ ، منشورات وزارة الثقافة ، دمشق ، 1973 ، ص 46. 2- عاطف وصفي ، الانثروبولوجيا الاجتماعية ، دار النهضة العربية ، بيروت ، ط2 ، 1981 ، ص 15. 3- ميلفيل ، المصدر نفسه ، ص 9 4- محمد عابد الجابري ، تكوين العقل العربي ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، ط4 ، 1989 ، ص 13. 5- محمد عابد الجابري ، المثقفون في الحضارة العربية، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، ط1 ، 1995 ، ص 33 . 6- علي اوميل ، السلطة الثقافية والسلطة السياسية ، مركز دراسات الوحدة العربية ، ط1 ، بيروت ، 1996، ص 5 . 7- عيد الهادي عبد الرحمن ، سحر الرمز، دار حوار للنشر ، دمشق ، ط1 ، 1994 ، ص 40. 8- بومين بو زيد ، الفكر العربي المعاصر والعولمة ، مجلة الموقف الثقافي ، بغداد ، 1999 ، ص 105. 9- هشام شرابي ، مقدمات لدراسة المجتمع العربي ، الأهلية للنشر ، بيروت ، 1977 ، ص 102 . 10- المصدر نفسه ، ص 103. 11- علي حرب ، أوهام النخبة ، المركز الثقافي العربي ، بيروت ، ط1 ، 1996 ، ص 48. 12- المصدر نفسه ، ص 48. 13- المصدر نفسه ، ص 49 14- المصدر نفسيه ، ص 51 15- المصدر نفسه ، ص 51 -52 16- المصدر نفسه ، ص 354- 35 . 17- بومدين ، بو زيد ، الفكر العربي المعاصر والعولمة ، ص 22. 18- محمد حداد ، نحو تأسيس جديد لقضية الحداثة ، دار الطليعة ، بيروت ، ص 14 . 19- المصدر نفسه ، ص 14 – 15 20- عبد السلام ، الفلسفة السياسية عند الفارابي، دار الطليعة ، بيروت ، ص 10 . 21- المصدر نفسه ، مجلة الموقف الثقافي ، 1999 ، ص 27 . 22- المصدر نفسه ، مجلة دراسات عربية ، العدد 5-6 ، 1999 ، ص 10 ، انظر : الأعمال الكاملة لرفاعة الطهطاوي ، ج2 ، تحقيق : محمد عمارة ، المؤسسة العربية ، بيروت ، 1973 ، ص 16. 23- محمد عابد الجابري ، فلسطين اتحاد فيدرالي وكانتونات ونهاية الصهيونية ، مجلة فكر ونقد ، الدار البيضاء ، 2002 ، ص 5 24- إسماعيل صبري ، المقومات الاقتصادية و الاجتماعية للديمقراطية في الوطن العربي ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، 1979 ، ص 78 . 25- عبد المنعم الحقي ، المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة ، مكتبة مدبولي ، القاهرة ، 2000، ص 356 . 26- جورج بالاندية ، لقاء بعنوان (السلطة والحداثة ) جراه هاشم صالح ، مجلة الفكر العربي المعاصر ، العدد 41، مركز الإنماء القومي ، بيروت ، 1986 ، ص 21 – 35 27- ندوة المستقبل العربي ( الوحدة العربية بين الواقع والأصل ) ، مجلة المستقبل العربي ، نفس العدد السابق ، ص 137 28- بكري خليل ، الحاجة إلى المزيد من المناظرات بمجتمع نقدي للأخر ، مجلة الحكمة ، بيت الحكمة ، بغداد ،، ص21 ، اسحق الفرحان وآخرون ، انعكاسات العولمة السياسية الثقافية على الوطن العربي ( سلسة ندوات 33 ، مركز دراسات الشرق الأوسط ، عمان ، 2001 ، ص 67. 29- جمال الدين خضور ، المثقف العربي والعولمة ، ص20 : وانظر تبعا له جريدة الحياة ، العدد 12672 ، 9 ت 1997. 30- سعد محمد رحيم ، قراءة نقدية في طروحات علي حرب ، المنتهج والمرجعيات ، مجلة العربي ، 13/9/2001 ، ص 9. 31- جمال الدين خضور ، المرجع السابق ، ص 20 32- حميد الجميلي ، اقتصار الحضارة الكوكبية ( التصورات والإشكاليات ) ، مجلة الموقف الثقافي ، العدد 1-2 ، دار الشؤون الثقافية العام ، بغداد ، 1996 ، ص 57 . 33- ادوار سعيد ، وتمثلان المثقف ، ترجمة وعرض : سلمان داود الواسطي ، مجلة الموقف الثقافي ، العدد 1-2 ، ص 94. 34- انظر في هذا عبد كيوان ، جدلية الأزمة اللبنانية بين تناقضات الوضع الداخلي والتأثيرات الخارجية ، مجلة دراسات عربية ، العدد 8 ، السنة 1976 : عبد المنعم حميدي ، المثقف العربي ومواجهة التطبيع الثقافي ، مجلة الموقف الثقافي ، العدد 14 ، السنة 1998 ، ص 13. 35- محمد شيخون ، الأصولية الدينية والرأسمالية من منظور عربي مسلم / مجلة الحكمة ، العدد 22 ، بيت الحكمة ، بغداد ، 2002 ، ص 76 – 77. 36- نصر حامد أبو زيد ، نقد الخطاب الديني ، دار سينا للنشر ، ط1 ، 1992 ، ص 14. 37- علي حرب ، الاستلاب والارتداد ، المركز الثقافي العربي ، ص 30 38- ادوارد سعيد ، وتمثيلات المثقف ، ص 99. 39- ادوارد سعيد ، التمثيل الثقافي وسياسات الهوية ، تقديم : منيرة الفاضل ، مجلة البحرين الثقافية ، العدد 28 ، أيلول 2001 ، ص 63 0 65 . 40- عبد الله إبراهيم ، التمثيل والرد ، ادوارد سعيد وتوظيف المفهوم ، مركز البحرين الثقافي ، ص 104 – 106. 41- انظر أفاق عربية ، العدد 9 – 10 ، السنة 2002 ، ص 87. 42- عبد الرحمن طهمازي ، حركة الفكر ، مجلة الموقف الثقافي ، العدد 1-2 ، الشؤون الثقافية ، ص 34. 43- حيدر سعيد ، المثاقفة بين كلية النظرية ولاكليتها ، مجلة أفاق عربية ، العدد 9 -10السنة 2002 ، ص 81. 44- محمد عابد الجابري ، من اجل رؤية معاصرة ، دار النشر المغربية ، الدار البيضاء ، 1985 ، ص 94 . 45- محمد عابد الجابري ، من اجل تجديد المشروع النهضوي العربي ، مجلة فكر ونقد ، الرباط ، المغرب ، العدد 40 ، السنة 2001 ، ص 18
#عامر_عبد_زيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أثناء إحاطة مباشرة.. مسؤولة روسية تتلقى اتصالًا يأمرها بعدم
...
-
الأردن يدعو لتطبيق قرار محكمة الجنايات
-
تحذير من هجمات إسرائيلية مباشرة على العراق
-
بوتين: استخدام العدو لأسلحة بعيدة المدى لا يمكن أن يؤثرعلى م
...
-
موسكو تدعو لإدانة أعمال إجرامية لكييف كاستهداف المنشآت النوو
...
-
بوتين: الولايات المتحدة دمرت نظام الأمن الدولي وتدفع نحو صرا
...
-
شاهد.. لقاء أطول فتاة في العالم بأقصر فتاة في العالم
-
الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ باليستي قرب البحر الميت أ
...
-
بوتين: واشنطن ارتكبت خطأ بتدمير معاهدة الحد من الصواريخ المت
...
-
بوتين: روسيا مستعدة لأي تطورات ودائما سيكون هناك رد
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|