أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - العفيف الأخضر - العلمانية الفرنسية ليست ضد الدين















المزيد.....

العلمانية الفرنسية ليست ضد الدين


العفيف الأخضر

الحوار المتمدن-العدد: 561 - 2003 / 8 / 12 - 05:21
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


 
 
ما هي العلمانية؟ هي التنظيم السياسي للمجتمع الذي لاتمارس فيه الدولة أية سلطة دينية ولاتمارس فيه الكنائس أية سلطة سياسية كما يقول معجم روبير الفرنسي. في الواقع تقوم العلمانية علي ثلاثة مباديء اساسية: حياد الدولة في الشأن الديني، حياد المدرسة إزاء الدين، احترام حرية الضمير والاعتقاد.

حياد الدولة في الشأن الديني يعني إنها لا تتخذ دينا من أديان مواطنيها دينا رسميا لها كما كانت تفعل الدول الأوروبية الاقطاعية التي كانت تجعل من دين هذه الكنيسة أوتلك دينا رسميا لها ولذلك تُقصي المؤمنين بالديانات الاخري من حقوق المواطنة جاعلة منهم مجرد مقيمين فيها أو مجرد ذميين كما كانت تفعل دولة الخلافة الاسلامية.

كما ان الدولة العلمانية تمنع نفسها من التدخل في الدين فانها تحظر علي رجال الدين سواء أكانوا كهنة أم شيوخا التدخل في السياسة حتي لايسخرها كل منهم لخدمة دينه ضد اديان المواطنين الأخري مما قد يؤدي الي اضطهاد ديني لباقي الاديان او إلي الحروب الدينية. وهكذا فالمبدأ العلماني الأول هو كما لخصه محمد عبده لادين في السياسة ولاسياسة في الدين أو كما كثفه الازهري سعد زغلول: الدين لله والوطن للجميع .

حياد المدرسة ازاء جميع الاديان. عندما كانت الكتلكة هي دين الدولة في فرنسا العهد البائد كانت المدرسة تغسل أدمغة روادها بمباديء وقيم وطقوس الدين الرسمي، غيرت الثورة الفرنسية الكبري هذا الوضع. لكن فقط في ظل الجمهورية الثالثة ولدت المدرسة العلمانية التي غدت بوتقة تصهر جميع الخصوصيات الاثنية والدينية والطائفية في كل واحد هو المواطنة، التي تمثل القاسم المشترك الأعظم لجميع مكونات الأمة الفرنسية، التي تتعالي علي جميع الخصوصيات دون ان تضطهدها أو تلغيها. كيف وصلت المدرسة العلمانية الفرنسية الي هذا الانجاز الحداثي الهائل؟ بحظر كل دعاية دينية في تعليمها. لا تقدم لتلامذتها وطلبتها الا المعارف العلمية والقيم الانسانية الكونية التي لاتنتمي تعريفا لأي دين كان ولاتعادي أي دين كان. العلوم لا تعادي الاديان وانما تدرسها بموضوعية لفهمها كما تدرس أية ظاهرة اجتماعية - تاريخية لاكتشاف آلياتها ووظائفها وقوانينها الخاصة. لماذا حظرت المدرسة العلمانية الدعاية الدينية فيها؟ لقطع الطريق علي اضطهاد دين لدين وعلي النزاعات الدينية وعلي ظهور المواطن الذي يقدم دينه علي مواطنته ومصالح وطنه كما تفعل الحركات الاسلامية المتطرفة اليوم.

المبدأ الثالث للدولة العلمانية هو السهر بعين لاتنام علي ضمان حرية الضمير والاعتقاد، أي انها تضمن لجميع مواطنيها حقهم في اقامة شعائرهم الدينية والايمان بأي دين شاؤوا أو عدم الاخذ بدين من الاديان، فالدولة الفرنسية، كباقي الدول العلمانية، لاتفتش في القلوب والضمائر كما يقول حديث نبوي ولاتعطي لنفسها أي سلطان علي عقول مواطنيها او المقيمين فيها ولا تسألهم عن مشاعرهم ونواياهم وافكارهم وانما علي أعمالهم اذا انتهكوا القانون. شعار الدولة العلمانية في فرنسا والعالم هو الآية القرآنية لا إكراه في الدين (256/2) وتتبني تفسير محمد عبده لها في تفسير المنار: من شاء أن يدخل فيه فليدخل ومن شاء أن يخرج منه فليخرج . المفارقة هي ان اتحاد الجمعيات الاسلامية الفرنسية التابع للاخوان المسلمين يرفض هذا المبدأ القرآني-العلماني حرية الاعتقاد لانه قد يؤدي الي الردة عن الاسلام في فرنسا! متناسيا ان الدولة العلمانية لاتقول لمواطنيها ما هو حلال وما هو حرام في دين كل واحد منهم، فهذا شأن خاص بالمؤمنين، بل تقول لهم حصرا ماهو مسموح وما هو محظور قانونيا لا دينيا. القانون عام ينطبق علي جميع المواطنين والمقيمين بقطع النظر عن انتماءاتهم الخصوصية العرقية او الطائفية او الدينية، اما الحلال والحرام الديني فخاص بكل جماعة دينية والالتزام به موكول لضمير كل مؤمن ولا علاقة للدولة وقوانينها به.

لم تصبح فرنسا علمانية اختيارا بل اضطرارا. فصل الطوائف، المتصارعة علي السيطرة علي الدولة خاصة الطائفتين الكاثوليكية والبروتستانتية، عن الدولة كان شرطا شارطا لبقاء فرنسا كأمة وبطاقة لدخولها الي الحداثة كما قال الفيلسوف الفرنسي المعاصر اندريه كلو غسمان. وضع فرنسا بالامس هو الوضع الذي توجد فيه معظم دول ارض الاسلام اليوم مثل ايران والعراق والسعودية والمخرج من الاضطهاد الديني واحتمالات الحرب الدينية هو الحل الفرنسي الذي تبنته اليوم الدول المتحضرة أو السائرة في طريق التحضر.

كيف اصبحت فرنسا علمانية؟ بالمدرسة العلمانية التي لاتدرس الدين لروادها بل تدرسهم العلوم الحديثة التي تساعدهم علي فهم الدين علميا وتحررهم بالتالي من التعصب الديني المؤدي الي الإرهاب والفتنة.

الوثيقة التاريخية الأولي في العالم التي قسمت الادوار بين الدولة والكنائس وحددت مجالات تدخل كل منها في ميدانه الخاص هي الميثاق العلماني الذي اصدره البرلمان الفرنسي في 1905 والذي وضع حدا فاصلا لكل التباس في علاقة الدولة بالكنيسة. المادة الأولي في هذا الميثاق تنص علي : تضمن الجمهورية حرية الضمير كما تضمن حرية ممارسة العبادات (...) المادة الثانية: لا تعترف الجمهورية ولا تدفع اجرا ولا تقدم مساعدات مالية لاي دين(...) بيد انه يمكن ان تدرج في ميزانيات (الدولة والمحافظات والبلديات) النفقات الخاصة بممارسة جمع الصدقة والمرصودة لتأمين حرية ممارسات الشعائر الدينية في المؤسسات العامة مثل المدارس الثانوية والمتوسطة ودور اليتامي والمستشفيات والسجون . الدولة العلمانية الفرنسية لا تعترف بأي دين، الكثلكة في قضية الحال، وتعترف اذن علي قدم المساواة بحق جميع الاديان بما فيها الإسلام. في تنظيم نفسها وممارسة شعائرها بحرية. بحكم هذه المادة الغت الدولة الفرنسية قانونا قديما كان يعتبر المطارنة الكاثوليك اعضاء بالوظيفة في مجلس الشيوخ لكنها لا تتردد اليوم، كما يقول الكاتب والصحفي الفرنسي، الان غريش A.gresh في اشراكهم في لجان التفكير مثل لجنة التفكير في اداب السلوك حيث يمكن لهم تقديم مساهمة ايجابية. كما ان الدولة العلمانية الفرنسية لطفت في التطبيق من التزامها بعدم تقديم المساعدات المالية للمؤسسات الدينية فوضعت علي ذمة الكنيسة الكاثوليكية 300 الف عقار وتكفّلت في 1920 بالانفاق علي جامع باريس الشهير الذي اقامته احتراما للجنود المسلمين الذين تطوعوا في الحرب العالمية دفاعا عن فرنسا. هذا وحده شاهد علي ان العلمانية الفرنسية ليست ضد الدين بل انها تقدم خدمات لجميع ديانات مواطنيها عندما يكون ذلك ضروريا وتضمن لهم جميعا حرية ممارسة شعائرهم في جميع الظروف شرط عدم الاخلال بالامن العام ومحاولة انتهاك حياد الدولة او المدرسة في الشأن الديني مثلما فعلت وما تزال بعض الجمعيات الاسلامية الظلامية التي غررت ببعض الفتيات المسلمات الفرنسيات او المقيمات دفعتهن الي الحجاب والنقاب كتحد لقانون منع الدعاية الدينية في المدرسة العلمانية.

يوجد في فرنسا خمسة ملايين مسلم مليونان منهم فرنسيون ونصف مليون منهم يمارس الشعائر الدينية. لنقارن هذا بوضع الشيعة في العراق في عهد صدام حسين، في 1976 قصفت الطائرات افواج الشيعة الذين توجهوا الي كربلاء لاحياء ذكري امامهم الحسين فقتلت منهم 100 حاج ثم حظر صدام عليهم منذ ذاك التاريخ زيارة كربلاء في ذكري الامام الحسين ولم يرفع هذا الحظر الا بعد سقوط نظامه الدموي هذه السنة، وفي الجمهورية الاسلامية الايرانية يكابد ملايين المسلمين السنة الاضطهاد الديني الوانا. مثلا سنة طهران طالبوا دون جدوي الجمهورية الاسلامية منذ ظهورها بالترخيص لهم في بناء جامع خاص بهم لاداء صلاة الجمعة وعندما اقاموا جامعا غير مرخص هدمه مجهولون ! كما يكابد شيعة السعودية 10% من السكان، اضطهادا لا يقل بشاعة عن اضطهاد السنة في ايران حيث يدرس اطفالهم يوميا تكفير محمد بن عبدالوهاب وابن تيمية لهم من شك في كفرهم فقد كفر كما يقول في الفتاوي . القرآن احل للمسلم كل ذبائح اهل الكتاب، اليهود والنصاري.. لكن علماء السعودية حرموا منذ بداية التسعينات اكل ذبائح الشيعة!

حتي لا تندلع فتن دينية بين الشيعة والسنة وبين المسلمين وغير المسلمين علي امتداد أرض، الاسلام الخيار العلماني هو افضل الخيارات الممكنة لتفادي ذلك. وليس مصادفة ان نجم العلمانية صاعد بين شباب السعودية ومثقفيها وكافة سلك التعليم فيها، وان مشروعا دستوريا عراقيا نشر هذا الشهر ينص علي فصل الدين عن الدولة والمساواة بين الرجل والمرأة والغاء عقوبة الاعدام، وان معظم انصار الرئيس سيد محمد خاتمي و 300 من ايات الله بينهم اية الله منتظري انضم اليهم يوم 6 من الشهر الجاري مصطفي الخميني حفيد الامام الخميني يطالبون بتحويل الجمهورية الاسلامية الي جمهورية علمانية علي غرار الجمهورية الفرنسية اي بتخلي الملالي عن سلطاتهم في الدولة وبالعودة الي حوزاتهم العلمية. السبب؟ ادراكهم لخطر الجمهورية الاسلامية علي الاسلام، منذ 1994 توقف الايرانيون عن اعطاء اسمي علي والحسين لابنائهم مفضلين عنهما اسمين مجوسيين داريوش وأراش. كما يعترف حجة الاسلام علي زم نائب رئيس بلدية طهران بأن 75% من الشعب و86% من الطلبة توقفوا عن الصلاة. فبماذا ردت الجمهورية الاسلامية عن هذين الخطرين؟ حظر اعطاء اسماء غير اسلامية مما جعل معظم الاطفال يحملون اسمين، رسمي وشعبي، وتخصيص شهر سنويا لتجنيد وسائل الاعلام لحث الايرانيين علي العودة الي الجوامع الفارغة 10 مصلون يشهدون صلاة الفجر و20 صلاة الظهر في كل جامع كان في عهد الشاه. يغص بالمصلين.

لكن اتحاد الجمعيات الاسلامية الفرنسية التابع لتنظيم الاخوان المسلمين الدولي ما زال مصرا علي رفض مبدأ حرية الضمير والاعتقاد القراني-العلماني.

_ للتوسع اقرأ كتاب عزيز العظمة: العلمانية من منظور مختلف مركز دراسات الوحدة العربية -بيروت.

كاتب تونسي

الراية القطرية ، الاثنين 11 أغسطس 2003



#العفيف_الأخضر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ردا علي الشيخ عبدالقادر محمد العماري إن الحق والرجوع إليه خي ...
- لماذا النرجسية الدينية عائق ذهني لاندماجنا في الحداثة؟
- في سبيل تعليم ديني تنويري
- الإسلاميون والمثقفون: مشروع اضطهاد
- كيف تضافر جرحنا النرجسي ونرجسيتنا الدينية علي تدمير مستقبلنا ...
- كيف نجفف ينابيع الإرهاب؟
- تجفيف ينابيع ثقافة الجهاد والاستشهاد
- الحرب الامريكية علي العراق: أين الخلل، وما هي الدروس المستفا ...
- العراق: إلغاء الجهاد من برنامج التعليم
- ساعدوا العراق علي الانتقال من قوانين الغاب إلي قوانين العقل
- محاولة لفهم دلالة الزلزال العراقي
- الديمقراطية تقتضي الفصل بين المواطن والمؤمن
- هل تقليد العدو هو السبيل إلي الحداثة؟
- لماذا يرفع سيزيف العربي الحجر الثقيل ليقع على قدميه؟
- ماذا قالت لي الصواريخ المتساقطة عل عاصمة الرشيد؟
- لماذا كنت أول من طالب صدام بالاستقالة – الإقالة ؟
- راشد الغنوشي وأفكاره الثابتة
- الثقافة الغربية مطلوبة
- هل ينقلب صدام على نفسه ؟
- أميركا : هل حوّلتها سياستها الخارجية ضحيةً آثمة ؟


المزيد.....




- قائد الثورة الاسلامية يستقبل حشدا من التعبويين اليوم الاثنين ...
- 144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
- المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة ...
- ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم ...
- عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي ...
- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي ...
- المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي ...
- ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات ...
- الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - العفيف الأخضر - العلمانية الفرنسية ليست ضد الدين