يوسف محسن
الحوار المتمدن-العدد: 1862 - 2007 / 3 / 22 - 12:28
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
: في البداية لابد من تقويض القراءات التقليدية والتي تفتقد الى الاشتراطات والتحديدات التاريخية والمادية بالمفهوم العلمي النقدي . حول الظاهرة الأصولية . حيث ان قراءة هذه الظاهرة وبشكل موضوعي يتطلب كمرحلة اولى الاحاطة الشاملة في حقل التاريخ المعاصر واسهامات البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وطبيعة التكوين للدولة الوطنية العربية أما ما تمثله الثقافة الاسلامية فهي مخزون ضخم وميراث فقهي وتوصيفات تأريخية وقوى معرفية استيهامية يمكن اعادة انتاجها وبشكل دوري وبمختلف الاتجاهات وعلى حد تعبيرات رودنسيون حتى الشياطين قد تجد لها مكاناً وشرعنة داخل هذا الميراث الضخم حيث أن الدولة الوطنية العربية والتي تشكلت بنيتها المعمارية متزامناً مع عصر الحداثة الاوروبية أخذت شكل راسمالية محيطية تغذي النظام الرأسمالي العالمي وقد تم اختيار نظام الحكم غير المباشر لمعظم مجتمعات الشرق الأوسط من قبل الامبريالية الاوروبية باستثناء الجزائر إن هذا النظام الأداري سواء كان نظام الحماية أو الانتداب يفتقد أساساً للتأثير على البنية التحتية الاجتماعية او تحطيم البنى السياسية القديمة وانها اعادة خلق النزعة العسكرية والتخلف لدى النخب الحاكمة واصبحت بذلك تلك النخب والجماعات العسكرية الوريث الشرعي والمباشر للأتراك والمماليك من حيث التنظيم والدور الاجتماعي وفي هذا البناء للدولة الوطنية العربية نجد التكرار المستمر لوجودها التقليدي . حيث قدمت الدول الاوربية التكنولوجيا العسكرية الحديثة لهذه النخب السياسية دون تثوير البنى الاجتماعية الاساسية الراكدة والمتخلفة ولكون المجتمعات العربية والاسلامية هي ( مجتمعات متعجلة) على حد تعبير لرنر (larnar) فقد انحرف اتجاه الخطط التنموية عن مساره خلال حقبة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي أذ رفعت حكومات الشرق الاوسط طموحاتها بسرعة فائقة ما أدى الى ان تجيب على الغش الاقتصادي والسياسي بآليات دفاعية متنوعة القومانية . الاصالة الاسلامية . كره الثقافات الغربية بالاضافة الى ان ظاهرة الانتقال الى المدن أدت الى كثافة سكانية مريبة وانتشار البطالة والأمية وقد قيدت هذه الانظمة السلطوية المتطرفة الخيارات والمشاركة السياسية فخلقت مجتمعات محيطة ولكونها تفتقر الى ابسط مقومات التماسك بين الانظمة السياسية وتفتقر هذه الدول الوطنية الى مقومات الاستقرار الاجتماعي والديناميكية الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية مما جعلها هامشية في سير التقدم التقني والاستفادة من حركة العولمة وعجزها عن أثبات وجودها في نظام عالمي يتميز بأكثر من قطب اقتصادي وعلمي ومالي وذلك ما يفقدها أي وزن سياسي داخل الاقطاب الاخرى . ففي دراسة موسعة حول الدول الوطنية في العالم العربي والاسلامي من قبل فريق باحثي جامعة برنستون وشيكاغو توصل الى أن هذه الدولة في العالم العربي ظاهرة حديثة وهشة . حيث ان الدولة الوطنية العربية والتي تشهد انتشار واعادة انتاج الظاهرة الاصولية هي غائبة عن شروط المتغيرات التاريخية وخاصة بعد انهيار نظام القطبين وظهور قطب احادي يتحكم بالنظام الدولي الجديد . فقد تمت قراءة هذه المتغيرات الضخمة وفق منظومة العقل الاصولي من قبل انتلجسيا الحركات الاسلامية الاصولية بوصفها فترة تشهد نهاية التاريخ وانهيار الايدلوجيات المادية الكبرى وموت المثقفين والعودة الى التأهيلات الروحية للدين حيث أن الايدلوجية الاصولية الاكثر نصيباً تفسر التعدد في الاسلام التاريخي بوصفه تعبيرات ( محرفة) وان التطبيقات المتحققة في حقل التاريخ لاتلتقي مع (الجوهرانية الاسلامية) ولا تعبر عنه . حيث ان الاسلام ليس هو التموضعات الفعلية أو التحديدات الملموسة انما هو اليوثوبيا اي تلك (النموذج المثالي المتعالي) الذي لم يتحقق في الواقع وان الرهان عليه ضرب من التفكير اللاعقلاني. ان مشروع الاصولية هو رد فعل ضد أنسداد افق الحداثة والتحديث العربي سواء كانت الحداثة الفكرية أو الحداثة السياسية او الاقتصادية وأفلاس مشروع الدولة الوطنية بوصفها أطاراً جماعياً في حين تم استنفار البنى العصبية والطائفية والعشائرية وضرب التوازنات الاقتصادية والاجتماعية وتفكيك ومسخ المجتمعات . في هذا المناخ السياسي تم ايجاد وبناء المشروع الاصولي الخرافي اللاعقلاني حيث ان ولادة هذا المشروع هو بذور الانحطاط في ميدان التاريخ فهو وليد الاستبداد السياسي للدولة الوطنية العربية الشعبوية ما بعد الاستقلال في تنفيذ برامج التنمية وتركيبات الهوية والذاتية الثقافية حيث تجري عملية تفكيك العلاقات الاقتصادية ما قبل الرأسمالية وينجم عن ذلك اقتلاع وتغيير شكل الملكية واستبدالها ودمار وعلاقات اجتماعية قديمة محمية بقوى اجتماعية ومعادية وبنى فكرية تضم مركباً من الأفكار والتقاليد والعادات والقيم الى جانب المؤسسات التي تتولى انتاج واعادة انتاج هذه البنى الفكرية ( عبد الجبار .. الحركات الدينية والسياسية) فالاصولية داخل هذا الفضاء الكلي تشكل نسقاً من الانبعاثات المستمر للطبقات او الفئات الوسطى التي شكلت القاعدة المادية والايدلوجية للدولة الشعبوية العربية في فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي وتطور المنحى الطبقي والسياسي لهذه الدولة بالأضافة الى أزمة النظام الفكري الاسلامي نتيجة التأكل المعرفي وعدم ايجاد أجابات عقلانية لنظام الواقع التأريخي بالأضافة الى الأزمة التاريخية لعناصر الهوية والتي تشكل لدى الأصولي هوية ثابتة مهددة بالأنقراض والتلاشي داخل الثقافات وآليات الهيمنة الغربية . فالأصولية هي العودة الى الاسلام الجوهراني تقوم على تأهيل الاصول في اطار المرجعيات النظرية والفكرية والاسهام في التوظيفات السياسية والتكيف مع عالم ما بعد الحداثة بشبكة من المفاهيم والمقولات الدينية العتيقة ان تحليل بنية الايدلوجية الاصولية والتي تتضمن بنيات اسطورية ولغة دينية ومفاهيمية عتيقة وعلوماً بدائية والتي ستشكل الادوات المعرفية وحيث تعطي للعالم المعنى أو البنية رغم عجزها عن انتاج معرفة علمية بالتاريخ فالاصولية الاسلامية تتغذى على رأسمال رمزي ضخم وبنى اجتماعية واقتصادية تؤدي الى تمزق العالم الواقعي وتدهور وفوضى المجتمعات العربية والاسلامية لكونها نتاج نظام ابتسيمولوجي لاعقلاني يعاني من الذهنيات التوخاليتارية الفردانية وتمجيد الموت . النقطة المفصلية حول الاصولية الاسلامية تكمن في اكتشاف القوى الاجتماعية التي تؤسس السلطة وعلاقات الاشكال التي تؤسس المعرفة الدينية أي شمول الاسلام التاريخي من نسق عقائدي الى نسق ايدلوجي يقيني واعادة انتاجه داخل المصهر الاصولي ان هذا التحول بحاجة الى ترتيب جداول سياسية مفصلة بالنظام القيمي التي تقوم عليه علاقات القوى والتوزيعات الثقافية او التوزيعات الدينية او التوزيعات الاقتصادية ..
#يوسف_محسن (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟