|
التغيير في العراق .. هامش إعلامي
حيدر السلامي
الحوار المتمدن-العدد: 1864 - 2007 / 3 / 24 - 13:01
المحور:
ملف / الكتاب الشهري - في الذكرى الرابعة للغزو/ الاحتلال الأمريكي للعراق وانهيار النظام البعثي الدكتاتوري , العراق إلى أين؟
لكل مشروع تغييري ـ مهما كان نوعه ـ جوانب متعددة وهذا ما يؤدي إلى ظهور قراءات عديدة ومختلفة باختلاف زوايا النظر ومحال الاهتمام. وليس التغيير السياسي الذي حصل في العراق بدعاً أو شذوذاً عن هذه القاعدة. والذي يهمنا هنا أن نطالع هامشاً من هوامش عديدة تلك العملية التي لم تقتصر على تغيير الهرم السلطوي حسب، وإنما شملت جميع مناحي الحياة العراقية وفتحت فيها آفاقاً لم تكن معهودة قبل حين. فبالأمس القريب كان الشعب العراقي ـ بمكوناته كافة ـ مغيباً عن مسرح الأحداث والأحداث نفسها مغيبة عنه بطريقة قسرية فاشية. كان شخص الرئيس والحاكم المطلق هو الحاضر الأوحد في كل نشرة أخبار محلية كانت أم عربية أم أجنبية. كان صدام في قلب الحدث المحلي والعربي : بطل التحرير القومي، سادس الخلفاء الراشدين، صانع النصر والسلام، القائد الضرورة، عز العرب، أمل العروبة، بطل القادسية، عبد الله المؤمن، القائد المجاهد.... إلخ. وأين الشعب العراقي من هذا كله؟! هل تسمع له صوتاً؟ هل تجد له ذكراً في متون الصحف ورؤوس الأقلام العراقية فضلاً عن العربية والأجنبية؟! فأين هذا الشعب يسكن؟ أعلى المريخ مثلاً؟! كان الصحفي لايأل جهداً ولا يدخر وسعاً في تبجيل القيادة الحكيمة وتلميع صورتها الدميمة.. سيادة الرئيس القائد حفظه الله ورعاه.. لم يترك له لحظة يفكر فيها بأبناء شعبه، ولم يدع له فرصة تخلو من تأكيد ولائه المطلق لسيادته، كما لم يدع له فسحة للأمل أو مجالاً للشك في دوام الحال وانقلاب المآل.. فإن الثبات والبقاء الأبدي على كرسي السلطة ليس من المحال..! كان المثقف والكاتب والأديب والصحفي لا يرفع رأسه مخافة أن تضيع منه فرصة للتسبيح بحمد السيد المطاع والثناء عليه بأفضل الثناء وتقبيل يديه بحرارة لا ريب فيها ولا إمكانية لفهمها تملقاً زائفاً أبداً.. فهي نابعة من القلب راسخة في الضمير نابتة منذ الخلق الأول..! في الأمس القريب .. كان الإعلامي العربي الأمين أو الأجنبي اللعين.. يتوسل ويتحايل ويتزلف ويداعب ألسنة الكلاب وذيول النمور لكي يحصل على موعد لإجراء مقابلة مع أحد السادة المسؤولين أو تصريح يرفد من خلاله لقمة عيشه المر بالسبق الصحفي.. وإذا ما حصل المعجزة وحصل على ما يريد وجلس إلى السيد المسؤول (جاءته رسلنا مبشرات) وجاء التصريح مطبوعا جاهزا مؤيدا من الرب الذي في السماء، موقعا من ديوان الرئاسة ، مصدقا من أمانة الحزب، مختوماً بختم الشركة المستوردة ، معضداً بتهميش السيطرة النوعية والرقابة، محدداً الصلاحية ونوع الاستهلاك وطريقة الخزن، ومن ثم يجوز للسيد المسؤول الإدلاء بهذا الحديث فورًا وعلى الطريقة الببغاوية مع عدم المقاطعة أو التعليق، للصحافة الملعونة التي لا تدع أحداً بحاله. في الأمس.. قناة تلفازية واحدة من نسختين ولما اقتضت الضرورة أصبحت ثلاث نسخ إحداهن فضائية، ومحطة إذاعة مسموعة واحدة من نسختين: الأولى بلسان القائد والثانية بلسان القائد وذويه، وجريدة واحدة بثلاث نسخ: الأولى حزبية والثانية حكومية والثالثة حكومية حزبية. الانترنيت محرم حرمة قطعية على البشر جميعاً (إلا من رحم ربي) من أفراد العائلة الحاكمة وأصدقاء الريس وبعض من ثبت ولاؤه وصدق انتمائه وخلصت نيته من أعضاء الحزب.. اليوم .. انقلبت الأوضاع.. أصبحت الجرائد والمجلات ومحطات الإرسال الفضائي والأرضي المرئي والسمعي ومواقع الانترنيت العامة والخاصة والشخصية والحزبية والحكومية والأهلية.. بل أصبح للفرد العراقي الواحد كامل الحق في نشر ما يروم نشره من أفكار ومعلومات ويعبر عن أي حالة ويطرح أي رأي ويحاور في أية قضية ويؤسس المواقع الإلكترونية ويطلق الفضائيات والإذاعات ويصدر الجرائد والمجلات متى شاء وكيفما اتفق، يثني على هذا وينعى على ذاك، يشتم تلك ويعلن أو يمدح أولئك وهلم جرا في أجواء من الحرية الكاملة التي ما كان الشعب العراقي ليحلم بها مجرد حلم ولو كان كاذباً. لقد أتاح هذا الانفتاح العراقي الهائل على العالم فرص خلاقة لو استثمرت إيجابيا للتلاقح والتطور والحوار الحضاري والتلاقي المذهبي والديني وعلى جميع الصعد والمستويات. إننا اليوم في العراق نعيش الحرية الإعلامية بما وسعت، لولا التدخلات السافرة لبعض الدول المجاورة في شؤوننا الداخلية ولولا تصدير الإرهاب والتكفير إلى أرضنا الطيبة وأهلنا الخييرين. وفي ظل هذا التحرر سنحت الفرصة أمام بعض الفضائيات والمواقع العربية لأن تنفث سمومها وأفكارها التخريبية التحريضية. وبفضل هذه الديمقراطية التي آمنت وعملت بها النخبة الوطنية العراقية المتصدية اليوم للحكم استطاعت هذه القنوات أن تستقطب إلى برامجها ورسائلها الدعائية وأفكارها الدعوية السلفية ـ وياللأسف ـ الكثير من الضمائر الميتة والنفوس المريضة الذين يعانون أزمة اللاوطنية والنزوع الدائم نحو الاشتهار ولو بالمخالفة والصراع لأجل الصراع فقط.. تنفيذاً لأجندة ممولي هذه البرامج وهذه القنوات الداعرة.. على أننا لا ندعي أن برنامج التغيير الذي نفذته أمريكا وحلفاؤها في العراق هو خير محض أو أن واقع الاحتلال ووجهه أبيض.. أبداً ولكن في الوقت نفسه لابد من إنصاف الحقيقة من خلال رصد المتغيرات في الساحة، علماً أننا نتحدث عن الجانب الإعلامي لعملية التغيير دون الجوانب العديدة الأخرى التي ليست محل كلامنا الآن.. وما هذه المقالة إلا نظرة سريعة إلى الراهن الإعلامي في عراق اليوم مع مقارنته بالأمس القريب في قراءة موضوعية وواقعية.
#حيدر_السلامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كفاك أم قبة؟
-
برلمانيون ولا عجب
-
سر بي أو سر بدوني
-
تارانفلا ..
-
بعض تحديات المرحلة
-
في الإعلام والثقافة وحريتهما
-
الرجل والمكان
المزيد.....
-
فيديو يكشف ما عُثر عليه بداخل صاروخ روسي جديد استهدف أوكراني
...
-
إلى ما يُشير اشتداد الصراع بين حزب الله وإسرائيل؟ شاهد ما كش
...
-
تركيا.. عاصفة قوية تضرب ولايات هاطاي وكهرمان مرعش ومرسين وأن
...
-
الجيش الاسرائيلي: الفرقة 36 داهمت أكثر من 150 هدفا في جنوب ل
...
-
تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL في ليتوانيا (فيديو+صورة)
-
بـ99 دولارا.. ترامب يطرح للبيع رؤيته لإنقاذ أمريكا
-
تفاصيل اقتحام شاب سوري معسكرا اسرائيليا في -ليلة الطائرات ال
...
-
-التايمز-: مرسوم مرتقب من ترامب يتعلق بمصير الجنود المتحولين
...
-
مباشر - لبنان: تعليق الدراسة الحضورية في بيروت وضواحيها بسبب
...
-
كاتس.. -بوق- نتنياهو وأداته الحادة
المزيد.....
|