|
في نهاية دولة يثرب ببصائره الرأسية والأفقية ..سخط وحنق ...؟
مصطفى حقي
الحوار المتمدن-العدد: 1862 - 2007 / 3 / 22 - 12:31
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
يقول الكاتب خليل عبد الكريم في نهاية كتابه – دولة يثرب بصائر في عام الوفود- وتحت عنوان ( مغلاق البحث ) التالي : نرجح أن هذا الكتاب سوف يسخط الفرقتين ويحنق الجوقتين : الإسلامويين والتقدمويين . أما زعل الأوّلين فقد خبرناه واكتوينا بلظاه لأن لنا منهجاً في الدراسة يفاصل كتاباتهم الإنشائية وطريقاً يخالف مسطوراتهم الخطابية وهما معاً ثمرة القراءة الواعية والإطلاع المُدقق والرؤية الناقدة ونبذ التسليمية التقليدية الإتباعية . ولأننا في هذا الكتاب كشفنا عن حقيقة تاريخية مستمدة من ( النصوص) ذات الدرجة الأولى ( القرآن والسُنّة) ومن كتب التراث العوالي التي يضعها كل مسلم على عينيه ورأسه ولا يماري في مقامها المحمود إلا الشكس النكد العنود . تلك الحقيقة التاريخية هي استعمال السيف مع كل رفض إعتناق الدين الإسلامي من المشركين أو الكفّار أو الوثنيين وذلك داخل الجزيرة العربية . وقدمنا الأسانيد عليها ومن الغريب أن سلفهم الصالح لم يكن يعمل على إخفائها بل كان يظهرها بكل سهولة وسلاسة ثم جاء الخلف الميمون وحاول ومازال يحاول طمسها ودسّها دسيساً متناسين أن الحقائق التاريخية من أعسر العسر بل من المحال حجبها ومواراتها وصرف النظر عنها فما بالك إذا كانت ثابتة ثبوتاً قاطعاً بالنصوص وبالمصادر التراثية صاحبة الرتبة السامية ولإمام أهل الشام الأوزاعي قالة موجزها أنك إذا استندت في تدعيم حجتك إلى آثار السلف فلا يهمك إن قبلك الناس أو رفضوك . والإسلامويون عندما يجهدون جهدهم في تغطية حقيقة إمتشاق الحسام لإذاعة الديانة الإسلامية ( نكرر داخل الجزيرة) ونشرها وفشوها والتضبيب عليها والتعمية عليها بل وحتى تسويغها أو تجميلها وتزيينها ...الخ إنما ينطلقون في ذلك من منهج مغلوط مفاده مقايسة أحداث القرون الوسيطة بموازين القرن الواحد بعد العشرين ... وهذا المسلك الذي طبّقه الإسلام والذي أكدته آية السيف وأعلنه محمد في حديث صحيح أوردته العوالي من كتب السنة ومنها الصحاح الستة كما أوضحنا في حينه وهو ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا أو يشهدوا ألا إله إلا الله ) هو الذي كان يتوافق مع ظروف ذياك الزمان ويتلاءم مع ذلك المكان ويتواءم مع اولئك المخاطبين بالدين الذي رفضوه ولم يؤمنوا به إلا بحرّ أو بحدّ السيف ... ليس هذا دفاعاً أو تبريراً أو تسويغاً أو تزويقاً أو تجميلاً أو نقشاً أو برقشة ..الخ إنما هو عرض لحقيقة تاريخية ثابتة لا سبيل لنكرانها لأن النصوص ومصادر السلف انتصبت لتقديم الأدلة القاطعة عليها .. والحقائق التاريخية ليست في حاجة إلى تزيين أو تقبيح إنما المطلوب تحليل للظروف الموضوعية التي واكبتها وليس تحسيناً أو تسويئاً لها ولكن لتجلية صورتها وتوضيح قسماتها وإبراز ملامحها .. والإسلامويون عندما ينكسفون من هذه الحقيقة يخطئون بل ويسيئون إلى الإسلام ذاته وليطّلعوا على التوراة كتاب اليهود فسيجدون فيها وقائع أعور قام بها أنبياء/رسل ومع ذلك فإن بني إسرائيل لا يدارئونها بل يتمسكون بها . لماذا؟ لأنهم يفقهون أنها كانت متناغمة مع إزمنة حدوثها . وربما يرجع عدم اللجوء إلى السيف من قبل العَرَبة الفاتحين إزاء مواطني البلاد التي دعكوها بخيولهم المباركة – بالإضافة إلى نهمتهم الشديدة إلى إحتياز الأموال وسبي العذراوات- يرجع إلى أنهم لَقنوا أن ما صلح مع أعاريب الجزيرة المتبدين في نشر الإسلام وهو السيف ، لا يناسب سكان البلاد المغزوّة المستوطنة أصحاب الحضارات السامقة. وكشف هذه الحقيقة التاريخية الثابتة لا يشكّل السبب الوحيد لغضب الإسلاميين بل هناك أسباب أخرى يتعسّر علينا تكريرها هنا في هذا المِغلاق إنما نكتفي بمثالين آخرين أولهما : أننا فندنا مقولة أخرى يرددونها بمنتهى الثقة وغاية الإطمئنان ومن عادتهم أنه ما إن ينطق أحدهم بقالة إفتخارية ، إمتداحية ، تعظيمية ...الخ حتى يتلقفها منه الآخرون ويردّدونها بكل يقين . وهذه المقولة هي أن البشرية كانت قاصراً ولم تبلغ سن رشدها إلا في القرن السابع الميلادي وفي منطقة الحجاز حصراً وتحديداً عندما أسس محمد الدين الإسلامي وبشّر به فعلى الرغم من أن القرآن والأحاديث لم يرد فيها ما ينبيء بذلك بل العكس هو الصحيح فإنها ( المقولة ) تدخل من باب الثناء الفطير والمدح الفجّ والتعظيم العبيط الذي يضر الإسلام ذلك أنه من غير المعقول أن الأعراب الذين ينادون محمداً من وراء الحجرات والذين وصفهم القرآن بأن أكثرهم لا يعقلون والذين تبينت جميع أحوالهم وأفكارهم في ثنايا أخبار الوفود . هؤلاء هم الذين بلغوا سن الرشد؛ وأبناء الحضارات العظيمة الذين برعوا في جميع العلوم والفنون والآداب والفلسفات والصناعات كانوا يَخبون في القصور ويضعون في الصغر ويرتعون في المَجْهَلَة ( مايحمل الإنسان على الجهل وفي حديث محمد الإبن مبخلة مجهلة ) وهذه القالة من جواهر ما يكتبه المُحْدَثون من الإسلامويون وما يتشدّق به خطباؤهم وما تنتفخ به أوداج وعّاظهم ومتكلميهم وهم لا يدرون أنهم بذلك يقدمون بأيديهم ما يقطع بنزقهم ويثبت طيشهم من جانب وما يسيء إلى ديانتهم من جانب آخر .. فإذا تصدينا لهم وكشفنا لهم عن عَوار هذه القالة ومثيلاتها وبعدها عن العلمية والموضوعية بأدلة هادئة عقلانية يُسقط في أيديهم وتنزاح عن أعينهم الغشاوة ويزايلها الغبش ولكن بدلاً من الإعتراف بالحق الذي يحثهم عليه الدين ينتسبون إليه بل يعدون أنفسهم سدنته ومرازبته . تأخذهم حميّة الدفاع عن الباطل فيرموننا بأبشع التهم ويصفوننا بأشنع النعوت ويرفعون أصواتهم بطلب مصادرة كتبنا . أما المثال الآخر الذي نرجّح أنه سيثير غضب الإسلامويين ويدفعهم إلى الصريخ والولولة هو أننا أتينا برآي جديد – كالعادة موثق بالنقل والعقل وهو أن القرآن جُمِع بين دفتيّ مصحف في حياة محمد وأن صحابياً استمنحه مصحفاً فمنحه إياه وأن ما حدث للقرآن بعد ذلك من تدوين في عهديّ التيمي ابن أبي قحافة والأمويّ ابن عفّان جاء لاحقاً وللأسباب التي كشفنا عنها ... وكالعادة لم نُـلْقِ أو نقدم هذا الرأي مُرسلاً عاطلاً عن الدليل الذي يؤازره بل العكس هو الصحيح فقد طرحنا بين يديه أدلة الثبوت وبراهين اليقين وحُجج التوثيق من النقل والعقل ... من النصوص والمنطق ... وهنا ينتصب سؤال ربما راود الكثيرين : لماذا يرفض الإسلامويون بفصائلهم كافة وبسائر ألوانهم وبجميع فرقهم كل رأي جديد ( في الإسلاميات) ويلفّون حول ذواتهم ويكلّمون أنفسهم وتضيق صدورهم وتبلغ قلوبهم حناجرهم ويحوقلون ويبسملون ويتعوّذون ..الخ مع أن الرأي الجديد ليس فيه مصادمة للنصوص الأصلية ولا يتعارض معها ولا يشكل خروجاً عن الدين ولا مُروقاً من الملّة ولا تفلّتاً من العقيدة ولا ينضوي على أي مساس بـِ ( ماهو معلوم من الدين بالضرورة) هذه العبارة ( المصيدة ) والجملة ( الشَبَكَة) التي يحاولون بها إصطياد أصحاب الفكر التجديدي التنويري ااا نجيب عن هذا السؤال : الإسلامويون هؤلاء على اختلاف توجهاتهم لا قدرة لهم على الردود الموضوعية ولا طاقة لهم بها بل ولا صلاحية لديهم لها ولذلك فإنهم يلجأون للأساليب الآتية : السبّ والشتم والغمز أو السخرية الفارغة والتهكم الأجوف أو اللجوء إلى القضاء الذي مجاله يندّ عن محاكمة الفكر أو تقديم البلاغات والشكاوى وطلب المنع والمصادرة والتحفظ أو الرمي بالكفر والإلحاد والعلمانية ...الخ . وهذا أمر طبيعي بل بديهي لأن فاقد الشيء لا يعطيه فكيف تتوقع منهم رداً موضوعياً عقلانياً هادئاً شأن المتحضرين وهم من كل هذا خَلاء .... وصدق الشاعر ومُكلِّف الأشياء ضد طباعها متطلب في الماء جذوة نار هذا غيض من فيض مما نرجّح أنه سوف يغيظ الإسلامويين في هذه الدراسة . أما الفريق الآخر وهم التقدمويون ( مدعو التقدمية ) فأغلب الظن أن الكتابة عن المعجزات والخوارق لا تروق لهم رغم أننا كالعادة التزمنا فيها بالموضوعية الصارمة وأوضحنا ملابساتها وكشفنا عن حوافّها ورفعنا الحجاب عن دوافعها وكشفنا الستار عن الظروف التي حايثتها وطرحنا السباب التي تعقلن حدوثها في ذلك الزمان ومع اولئك الذين وُجهت إليهم وأظهرنا الفروق الدقيقة بين حدوثها تاريخياً في ذلك الوقت وفي تلك البقعة ولدى سكانها . وإثبات الحدوث في كتب السنن والسير والتواريخ ذات المقام المحمود شيء وبين وزنها بموازين الحداثة وما بعد الحداثة شيء آخر . إن استبعادها ونفيها وتجاهلها واحتقارها وإزدراءها بحجة عدم معقوليتها ولا منطقيتها ومنافاتها للنواميس الكونية وخرقها لقوانين الطبيعة ...الخ كلها أمور تتنافى مع التقدمية إذ أنه ليس أسهل ولا أيسر من ذلك النفي والإستبعاد...الخ إنما التقدمية الحقة تتمثل في تأطيرها في مكانها وزمانها ولدى جمهورها وتوضيح أنها جزء عضوي لا مكمل فقط بل لا غنى عنه عند تصوير تلك الحقبة وإضاءة كل جوانبها .... وبذلك يأتي القياس دقيقاً والوزن صحيحاً والسَبْر عميقاً والإختيار مضبوطاً . وما لم يطرح التقدمويون ( مُدّعو التقدمية ) عنهم هذه الأوهام جانباً فإن الفرق بينهم وبين الإسلامويين سيغدو منحصراً في الدرجة لا في النوع حتى إنه يمكن أن يقال إنهما وجهان لعملة واحدة وأوشكت أن اكتب لعملة زائفة . بقيت كلمة أخيرة نختم بها هذا المغلاق أو لعلنا نُحكم إغلاقه وهي أننا في كل ما نكتب نعتمد على فَطَانة القاريء ولوذَعيته وعمق فهمه ولَقَفانه ( سرعة إدراكه) ولَقَانته ( عقله وذكائه) في فقه ( ما بين السطور) والتعرف إلى ( المسكوت عنه) الذي لم يأن الأوان للبوح به ونحن نعدّ ( مابين السطور) و(المسكوت عنه) جزءاً مكملاً لجميع ما نحرره سواء أكان كتباً( بحوثاً ودراسات) أو حتى مقالات تُنشر في الصحف السيارة وبدونها .... لا يتم من جانب القارىء إستيعابها الإستيعاب السليم . وبعد فإنّ هذا الكتاب أو الدراسة أو البحث مساهمة في الكتابة الموضوعية للسيرة المحمدية وبالتالي تطبيق عمليّ لما نادينا به من ضرورة إعادة كتابة التاريخ الإسلامي بطريقة تلتزم بالمنهج العلمي الصارم ينأى عن العواطف الفجّة الفطيرة التي لم تفرز حتى الآن سوى الإنشائيّات والخطابيّات والحماسيّات وهو المنهج الذي سرنا عليه منذ كتابنا( قريش من القبيلة إلى الدولة المركزية ) .
#مصطفى_حقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بلدوزر العولمة قادم ليكتسح الغيبيات ويزيل الطبقة الوسطى ..؟
-
كثيراً ما تسعفنا الثرثرة ... أيضاً شكراً لثرثرات حسين عجيب .
...
-
تفاقم ظاهرة العنوسة في العالم العربي ..هل من حل ...؟
-
خطاب رائد ينصف المرأة ويدين ما يسمى بجرائم الشرف في سورية ..
...
-
حجاب الرأس كان وليد بيئة صحراوية وليس دينياً ..؟
-
كيف يمكن ضبط شيوخ الفتاوى ...؟
-
شكراً د . وفاء سلطان .. وإلى مزيد من الحب ...
-
الديمقراطية .... العقلية العربية ... كل في واد ...!؟
-
أين العدالة يامصر..؟ لقد ظُلِم الشاب كريم عامر ..؟
-
تاريخ مسلسل عبودية المرأة لم ينقطع ونضالها ما زال مستمراً ..
...
-
(3) ثلاثة وعشرون عاماً في الممارسة النبوية -المعجزات
-
ما بين الدين والسياسة حقوق المرأة السورية في ضياعٍ وسلب تعسف
...
-
(2) ثلاثة وعشرون عاماً في الممارسة النبوية-المعجزات
-
.. لنثرثر معاً في حانة الأقدار مع الأستاذ حسين عجيب ..؟
-
(1) ثلاثة وعشرون عاما في الممارسة النبوية- المعجزات
-
(2)ثلاثة وعشرون عاماً في الرسالة المحمدية - الخلفية
-
(1) ثلاثة وعشرون عاماً في الممارسة النبوية - الخلفية
-
الولايات المتحدة العراقية ...؟
-
ثلاثة وعشرون عاماً في الممارسة النبوية- ما بعد بعثته ..؟
-
تزايد السكان العشوائي والجهل أهم أسباب جائحة العنوسة..؟
المزيد.....
-
سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي:
...
-
أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال
...
-
-أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
-
متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
-
الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
-
الصعود النووي للصين
-
الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف
...
-
-وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب
...
-
تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|