حسب التقرير الذي أصدره مؤخرا البنك الدولي، يمكن لبلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تفادي أزمة البطالة عن طريق توسيع نطاق التجارة واستثمارات القطاع الخاص.
ويحذر التقرير أن الوضع الراهن المتميز بالاقتصاديات المحمية المعتمدة على القطاع العام والمعونات وتحويلات العمال بالخارج ـ لم يعد قادرا على توفير إمكانية النمو الكافي أو تهيئة فرص العمل، وهذا ما أكدته التجربة على امتداد العقدين الماضيين. وبالتالي يدعو التقرير دول تلك المنطقة إلى تنفيذ إصلاحات في قطاعي التجارة والاستثمار.
وتعتبر تهيئة العدد الكافي من فرص الغل أهم تحد للتنمية تواجه تلك المنطقة في العقد القادم. فحسب التقرير في فترة ما بين 2000 و 2010 سيبلغ متوسط عدد الداخلين الجدد إلى قوة العمل 4 ملايين شخص سنويا، أي ضعف المتوسط في العقدين السابقين. إن معدلات البطالة ـ حسب التقرير ـ الذي كان متوسطه 15 % تضاعفت نسبته لتصبح من بين أعلى معدلات البطالة في العالم، مع التأكيد أن معدلات البطالة بالنسبة للشباب والمتعلمين والإناث والباحثين عن العمل لأول مرة تفوق هذا المتوسط.
وما دام أن هناك انخفاض في تحويلات العمال بالخارج وتدني النشاط الاقتصادي عموما فقد أضحى من اللازم إيجاد حلول للتصدي لهذا الواقع.
ويرى أحد الخبراء أن الداخلين الجدد لسوق العمل اليوم هم شباب متعلمون، وهذا يعني أنه إذا توفرت البيئة الاقتصادية الصحيحة يمكنهم إتاحة الأساس اللازم لتحقيق النمو المستدام. إلا أن كثرة القيود في البيئة لاقتصادية تهدد بتحول هذه " الهبة الديموغرافية " إلى نقمة وبإفساح الطريق أمام أزمة اجتماعية أكثر حدة.
ويؤكد لتقرير أن بإمكان دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التصدي لتلك التحديات عن طريق زيادة سرعة ووثيرة الإصلاحات الاقتصادية، لاسيما فيما يتعلق بالتحولات الجوهرية من الأنشطة التي تهيمن عليها الدولة إلى الأنشطة المدفوعة باعتبارات السوق، ومن النهج الحمائي للواردات إلى الأنشطة التنافسية الموجهة نحو التصدير، اعتبارا لكون تكثيف التجارة والاستثمار هو لب الإصلاحات اللازمة.
ومن جهة أخرى نص التقرير على أن للعنف والصراعات أثر سلبي على تكامل التجارة والاستثمار. إلا أن العوائق الأساسية للتجارة والاستثمار تظل مرتبطة بالسياسات الحلية. فالشكوك في القدرة على التنافس في السوق العالمية غالبا ما دفعت بلدان المنطقة نحو اعتماد إجراءات حمائية. إلا أنه نظرا لحجم المنطقة والانخفاض النسبي للأجور فيها وقربها من الأسواق المرتفعة في الاتحاد الأوربي، من الممكن أن يزداد حجم تجارتها إلى أكثر من ضعفين على ما هي عليه الآن. كما أن اقتران زيادة الصادرات بتحسين مناخ الاستثمار يمكن أن يؤدي إلى زيادة استثمارات القطاع الخاص المحلي، مما يحقق تدفقات استثمارات أجنبية مباشرة.
ومن أجل تحقيق المكاسب الممكنة يركز التقرير على ضرورة دخول بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في عملية تكامل عميق مع سياسات التجارة والاستثمار، وهي عملية لا تعالج فقط القيود القائمة على الحدود كالحصص وتراخيص الاستيراد والرسوم الجمركية، بل تتخطى ذلك لتعالج القيود القائمة وراء الحدود.
لذلك يقر التقرير بأن الإصلاحات عليها أن تؤدي إلى توسيع نطاق التحرير الاقتصادي ليشمل الخدمات الأساسية في مجالات الاتصالات السلكية واللاسلكية والتمويل والإمداد بالكهرباء والماء. وما دام أنه لم تكن الإصلاحات ولن تكون سهلة، لزم ضمان التأييد الشعبي لها لكي تكون فعالة.
ما جدوى المجتمع المدني العالمي ؟
إن دور المنظمات غير الحكومية على الصعيد الدولي أو المحلي تزايد وتقوى بشكل لم يسبق له نظير في تاريخ البشرية.
ففي سنة 1945 كانت منظمة الأمم المتحدة والمنظمات النقابية وبعض هيئات الدفاع عن حقوق الإنسان وحدها الموجودة على الصعيد العالمي.
إلا أنه مع مرور الوقت وتعاظم المشاكل وتراكم التحديات ظهرت أشكال أخرى للعمل المدني، لاسيما المنتديات الاجتماعية. ومع العولمة تناست عدة أشكال من المنظمات غير الحكومية.
وهكذا عاين العالم بروز لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة والمفوضية العليا لحقوق الإنسان، ومختلف التنظيمات المرتبطة بالبيئة ومنظمة مكافحة مرض السيدا.
إلا أنه لازالت هذه التنظيمات، في غالبيتها، تخدم مصالح الدول المتقدمة أكثر من خدمتها للدول الفقيرة.
على سبيل المثال، تندرج مكافحة الفقر في مختلف اهتمامات المنظمات العالمية غير الحكومية، إلا أن هذا الاهتمام سار دائما وأبدا في اتجاه خدمة مصالح الدول الكبرى قبل غيرها من المصالح. كما أنه تم عقد أكثر من لقاء دولي حول إشكاليات الصحة وحقوق النساء وحقوق الإنسان وحقوق الطفل والحق في التنمية إلا أنها غالبا ما تنتهي إلى توصيات ونصوص جميلة وبراقة لا تعرف طريقها إلى التنفيذ الفعلي بطريقة تخدم فعليا وفعليا مصالح الدول الفقيرة والدول النامية عموما.
فما جدوى عمل هذه المنظمات بالنسبة لتلك الدول؟
صندوق النقد والبنك الدوليين لفائدة من يعملان ؟
لا يخفى على أحد أن توصيات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي كان ولازال الهدف منها عولمة عمليات إعادة هيكلة الإنتاج وتسييد أشكال وعلاقات الإنتاج المتناغمة معها وتسريع إدماج اقتصاديات الدول النامية في المنظومة الرأسمالية العالمية والانخراط في آلياتها. وذلك لإطلاق الحرية للرأسمال المحلي والأجنبي في الاستثمار والنشاط التجاري.
إلا أ، تطبيق تلك التوصيات أدى إلى اتساع دائرة الفقر والتضحية بمستلزمات العدالة الاجتماعية، وتقليص حجم السوق الداخلية، وتراجع النشاط الاقتصادي وتدهور مستوى التنمية البشرية، وذلك نتيجة انخفاض النفقات العمومية لاسيما في الخدمات الاجتماعية، وتفاقم نسبة التفاوت الاجتماعي بفعل تركيز الثروات في أيدي الأقلية. وهذا بدوره أدى إلى تدني الطلب والاستهلاك واستفحال معدلات البطالة.
كما أن دور البنك الدولي وصندوق النقد الدولي يبدو بصورة أكثر جلاء عن طريق تقديم القروض السخية إلى الدول التي تحتفظ بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة الأمريكية وحجبها عن الدول التي تتبع سياسات حماية مشروعاتها الصناعية وتحد من تغلغل الرأسمال العالمي بها، ولا تفتح أسواقها الداخلية له. وهذا ليس بالغريب لأنه جرى دائما الربط بين تقديم القروض والمنح وبين تطبيق شروط برامج التكيف الهيكلي التي سعت إلى تحرير تجارتها الخارجية والتوجه نحو التصدير وهو ما أفضى إلى الكساد وارتفاع أسعار الخدمات، وأضحى خريجو المعاهد والكليات وحملة الشهادات يرزحون تحت وطأة البطالة أو يمارسون أعمالا هامشية ومهن طفيلية لا تكاد أن تكفي لسد حاجياتهم الاجتماعية الحيوية الملحة، وذلك في ظل غياب مخطط بمقدوره استيعاب المعادلة القائمة على ذلك الارتباط الوثيق بين التعليم والتكوين وسوق العمل، مع متطلبات التنمية الشاملة المستدامة. وقد رافق كل هذا تراجع العديد من المكاسب الاجتماعية.
ومن المتغيرات التي استأثرت باهتمام الباحثين السمات المميزة للبطالة والمتمثلة في تمركزها في فئات الشباب، بين الذين يبحثون عن العمل لأول مرة، أي الداخلين الجدد إلى سوق العمل. وهذا الواقع يشكل قلقا متعاظما، لاسيما في ظل تخلي الدولة عن جزء من دورها في المجال الاجتماعي.
تقرير التنمية البشرية لسنة 2003
قراءة سريعة
يعرض التقرير الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تحليلا لتقدم العالم فيما يخص بالوفاء بالأهداف الإنمائية للألفية التي صودق عليها في شتنبر 2000. ولعل أهم هذه الأهداف إخراج مئات ملايين من البشر من الفقر المدقع بحلول سنة 2015.
كما يقدم التقرير خطة عمل جديدة للمزيد من الوفاء للأهداف المحددة. ومن توصياته الرئيسية الإقرار مرة أخرى بتبني إصلاحات واسعة المدى في المجال السياسي في البلدان النامية.
وكعادته صنف التقرير 173 بلدا حسب مستويات التنمية البشرية، مسطرا أنه في 31 بلدا توقف التقدم نحو تحقيق الأهداف المرسومة، بل في بعضها بدأ في الارتداد والتراجع.
وقد احتل المغرب في دليل التنمية البشرية هذه السنة الرتبة 126 ضمن مجموعة التنمية البشرية المتوسطة، علما أن مؤشر التنمية البشرية يقيس الإنجازات من حيث العمر المتوقع عند الولادة والتحصيل العلمي والدخل المتوسط الحقيقي.
كما حدد التقرير الأهداف الواجب تحقيقها بحلول سنة 2015 فيما يلي:
1 ـ استئصال الفقر والجوع، وذلك بواسطة تخفيض نسبة الأفراد الذين يعيشون بدخل أقل من دولار واحد في اليوم، على الأقل بمقدار النصف وبتخفيض الأفراد الذين يعانون من الجوع، على الأقل بمقدار النصف.
2 ـ تحقيق شمولية التعليم الابتدائي.
3 ـ تعزيز المساواة بين الجنسين.
4 ـ تخفيض وفيات الأطفال دون الخامسة، على الأقل بمقدار الثلثين.
5 ـ تحسين صحة الأمومة.
6 ـ مكافحة فيروس فقدان المناعة (السيدا) والملاريا وأمراض أخرى.
7 ـ ضمان استدامة البيئة وذلك بدمج مبادئ التنمية المستدامة في مختلف السياسات والبرامج، وتخفيض نسبة الأفراد المرحومين من الماء الصالح للشرب بمقدار النصف، والتصدي للأحياء الفقيرة والمكتظة.
8 ـ تطوير شراكة عالمية للتنمية يف إطار نظام مالي وتجاري منفتح ومبني على أساس القواعد وعدم التمييز، ومعالجة الاحتياجات الخاصة للبلدان الأقل نموا وتوفير فرص لتصدير منتوجاتها، وتعزيز التخفيف من أعباء الدين الخارجي وتقديم مساعدات إنماء أكثر كرما للبلدان الملتزمة بتخفيض الفقر، وتطوير مجالات عمل لائقة ومنتجة للشباب. وتأمين فرص الحصول على الأدوية في البلدان النامية بأسعار يمكن تحملها، وتمكين البلدان النامية من الاستفادة من التكنولوجيا، لاسيما في مجال المعلوميات والاتصال.
وفي تقييمه لواقع التنمية أكد التقرير أنه لا يزال أكثر من بليون إنسان يعيشون بأقل من دولار واحد في اليوم، وأغلب هؤلاء يفتقرون أيضا إلى فرص الاستفادة من الخدمات الصحية الأساسية ومن الماء الصالح للشرب. كما أنه لا يكمل طفل من بين خمسة دراسته الابتدائية.
وفيما يخص داء فقدان المناعة أقر التقرير بأن هذا الداء لا زال ينتشر، حيث فقد أكثر من 14 مليون طفل أحد الوالدين أو الإثنين معا سنة 2001، ومن المتوقع أن يتضاعف عدد أيتام السيدا بحلول سنة 2010 كما أنه لا زال نحو 80 مليون فرد ( 15 % من سكان العالم ) يعانون من الجوع المزمن.
ولا زالت صحة الأمومة تحتاج للمزيد من الاهتمام، إذ تموت إبان الحمل أو الوضع أكثر من 500 ألف امرأة سنويا ( امرأة كل دقيقة من كل يوم
ويؤكد التقرير أن جملة من القضايا ما زالت مثار القلق، بدءا من السياسة إلى الأمن إلى الصحة العمومية، ومن الجريمة إلى البيئة وكلها أمور لها ارتباط وثيق بالتنمية. لهذا ركز برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على مساعدة البلدان النامية لإيجاد حلول للتحديات التالية:
ـ إقامة حكم ديمقراطي، إذ أن التحدي الذي يواجه هذا الهدف يكمن في تطوير المؤسسات واعتماد برامج وسياسات أكثر استجابة لاحتياجات المواطنين العاديين، بمن فيهم الفقراء.
ـ الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات والاتصال، حيث أنها تشكل أداة فعالة للمشاركة في الأسواق العالمية وتشجيع المساءلة السياسية وتعزيز فرص التنمية المحلية وتحسين إيصال الخدمات الأساسية.إلا أنه بدون إتباع سياسات مبتكرة في هذا المجال، فإن الكثيرين من الناس في البلدان النامية ـ وخاصة الفقراء ـ سيتخلفون عن الركب. لذا وجب تطوير استراتيجيات توسيع المنافذ إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصال وتجنيدها لخدمة التنمية على مختلف المستويات.
ـ تخفيض الفقر عبر اعتماد استراتيجيات تستهدف استئصاله بناء عل الاحتياجات والأولويات المحلية وتعزيز دور النساء في التنمية.
ـ منع الأزمات والإفلات منها، حيث أن العديد من البلدان تتزايد قابليتها للتأثر الكبير بالنزاعات والكوارث، الشيء الذي شأنه محو عقود من الجهود المبذولة لخدمة التنمية وإرساء قواعدها. وفي هذا الصدد وجب البحث عن نهج وطرق مبتكرة لمنع الأزمات وتأمين الإنذار المبكر وحل النزاعات.
ـ الطاقة والبيئة وهما تعتبران جوهريتين في عملية التنمية المستدامة. فالفقراء هم المتأثرون على نحو غير متكافئ مع الآخرين من التدهور البيئي والافتقار إلى فرص الحصول على خدمات الطاقة بتكاليف في مقدروهم تحملها. علاوة على أن قضايا البيئة والتغيرات المناخية وفقدان التنوعية الإحيائية واستنزاف طبقة الأوزون تعتبر من الأمور التي لا يمكن لبلد أو بلدان تعمل بمفردها التصدي لها.