|
هل ما زال ممكنا إعادة إصطفاف القوى المؤمنة بالخيار الديمقراطي
راسم عبيدات
الحوار المتمدن-العدد: 1861 - 2007 / 3 / 21 - 12:40
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
.. تجدد الحديث عن أزمة القوى اليسارية والديمقراطية ، تحديدا بعد الإنتخابات التشريعية الفلسطينية الأخيرة ، تلك الإنتخابات التي كان فيها حصاد تلك القوى هزيلا ، وعاكسا لحجم وعمق الأزمات والإستعصاءات التي تعاني منها تلك القوى ، وبدلا من أن تقف تلك القوى وقفة جادة ومسؤولة ، للخروج من حالة الترهل التنظيمي والفكري التي عاشتها منذ بداية الحقبة " الغورباتشوفيه" ، إستمرت بالعمل والتصرف بنمطية ورتابة عاليتين ، وكأن الذي حصل حدث عابر، وبدلا من الوقفة الصارمة مع الذات ، وجدنا أن بعض من أطراف قوى الحالة الديمقراطية ، أقام الأفراح والليالي الملاح فرحا وإحتفاءا بالنتيجة على قاعدة " عنزه ولو طارت " ، والبعض الآخر أجرى لقاءات وأقام ورشات عمل تقيميه شكلانية من باب رفع العتب ، وبالمجمل إستمرت تلك القوى بالعمل بوتائر شكليه وبطيئة ، وفي حالة من التخبط والإرباك والتوهان وردات الفعل ، بدلا من أن تفعل بشكل جاد أدواتها وقنواتها وصلاتها التنظيمية ، وتقوم بالمراجعة الشاملة لكل جوانب عملها ، والأسباب والعوامل التي أوصلتها إلى هذا الإخفاق الكبير الذاتي والموضوعي منها ، فبدلا من التعاميم والبيانات التي تقول جاءت الأحداث والتطورات لتثبت صحة نهجنا وطرحنا وموقفنا ، علينا أن نجري تقيماتنا وتحليلاتنا ورؤيتنا إستنادا إلى الواقع والنتائج ، لأن صلابة أي فكر لا تقاس بالمناقب الأخلاقية الرفيعة لأصحابها ، ولا بالشحنات الثورية والإنسانية التي يشملها خطابه ، مع أهميتها الرمزية والمعنوية ، وإنما بصلابة الترابط الذي ينسجها مع الواقع ثم وعي هذا الواقع ثم إنتاج المفاهيم والشروط التي تنتج تغير هذا الواقع . وعاد الحديث ليتجدد مرة أخرى عن أزمة هذه القوى ، دورها وحضورها في الخارطة السياسية الفلسطينية ومركز القرار والقيادة الفلسطينيتين ، عقب إتفاق مكة بين فتح وحماس ، هذا الإتفاق الذي أجمعت كل قوى الحالة الديمقراطية على أنه إتفاق محاصصة وتكريس للثنائية الإحتكارية بلغة نايف حواتمه الأمين العام للجبهة الديمقراطية ، أم بلغة أحمد مجدلاني عضو المكتب السياسي لجبهة النضال الشعبي " فإن هذا الإتفاق قد دشن مرحلة جديدة ليس من الشراكة السياسة ، وإنما من التشارك والمحاصصه على الوظيفة العمومية والتي هي حق لكل المواطنين ، على أساس الكفاءة وتكافىء الفرص ، والأهم من ذلك أنه شكل بداية لإنهاء التجربة الفلسطينية القائمة على أساس من التعددية السياسية المحكومة بقانون التحرر الوطني " ، أما الكاتب والباحث غازي الصوراني فهو يقول " إن حكومة القطبين بدت كما لو كانت المخرج الوحيد من الأزمة الداخلية ، وفق محددات بيان مكة ، الذي فرض صيرورة المحاصصة أو الحتمية بعيدا عن صيرورة الديمقراطية والتعددية ووثيقة الوفاق الوطني " ، ومواقف حزب الشعب والجبهة الشعبية من هذا الإتفاق ، ليست بعيدة عن هذا التقييم والتصور ، حتى أن الجبهة الشعبية ، إعتبرته من الناحية السياسية هبوطا عما ورد في وثيقة الأسرى - وثيقة الوفاق الوطني - الأمر الذي دعاها إلى عدم المشاركة في حكومة الوفاق الوطني ، ومن ثم عدم منحها الثقة ، ومن الهام جدا قوله أنه قبل الغوص في الحديث ، عن أنه هل ما زال هناك متسع من الوقت للحديث عن إمكانية إعادة إصطفاف القوى المؤمنة بالخيار الديمقراطي ؟، وما هي القوى المؤهلة والمأمول منها أن تبادر للقيام بهذه المهمة ؟، وخصوصا في ظل التباينات والتعارضات في الجوانب السياسية ـ وهذا ما عكس نفسه على مشاركة أقسام منها في الحكومة الفلسطينية ، وإعتراض أقسام أخرى على هذه المشاركة ، فإنه من الهام جدا التطرق لحال وواقع هذه القوى ، والتي نرى أنه حتى اللحظة الراهنة ، ورغم كل الذي حصل والكفيل جدا بدفعها للتوحد وإختطاط منهج جديد لها يربط الأبعاد الإجتماعية بالحقوق الوطنية ويتميز عن القطبين الرئيسين حماس وفتح ، واللذان لا ينظران الى هذه القوى كشريك في القرار والقيادة ، بل نظرة التابع والديكور ، هذه النظرة تعززها القوى نفسها من خلال تبهيت دورها وموقفها وقبولها بدور التابع والديكور ، هذه القوى التي يجمع كل منظري ومفكري وقادة هذه الحالة ، أنها تشهد حالة من التراجع والإنحسار لعوامل ذاتية وموضعيه من طراز إستمرار تعدد تعبيراتها السياسية والتنظيمية ، وعدم القدرة على تجديد هياكلها وبناها التنظيمية، وغياب الرؤى المتميزة وآليات العمل المتراكمة التي تقود إلى تحقيق التأثير بالحيز العام بلغة محسن أبو رمضان ، وصولا إلى القدرة على التأثير في المعادلة السياسية ، بالإضافة للإنشداد إلى السياسي والوطني على حساب الموضوعات الإجتماعية والديمقراطية والحقوقية والقانونية ، وكذلك ضعف الوعي الفكري وضحالته وتراجعه بعد أن إخترقته الأفكار الليبرالية الرثة والأصولية الدينية بلغة غازي الصوراني ، ناهيك عن تزايد حالة الإرباك الفكري الداخلي بين صفوف قادة وكوادر وقواعد قوى اليسار والديمقراطية ، وهذا يتجلى بشكل واضح في منظمات الأسر ، ففي أيام الجمع يصعب عليك التميز بين من هو يساري أو حمساوي ، حتى وصل الأمر حد القول لماذا لا يكون خطيب الجمعة من الديمقراطية أو الشعبية ، وأنا هنا وحتى لا يتصيد البعض من طراز الذي حمل الجبهة الشعبية مسؤولية إراقة الدم الفلسطيني في أحداث أيلول /1970 ، لا أحرض على الدين والتدين ، بل ضربت هذا المثال ، للتدليل على حالة الإرباك الفكري التي تعيشها القوى اليسارية ، وضياع مفهوم اليسار والذي أضحى بحاجة إلى التعريف من جديد ، ومن الضروري القول أنه حتى اللحظة الراهنة ، فإن أزمة القوى الديمقراطية واليسارية وبلغة الدكتور جبرا الشوملي ، ما زالت مستحكمة ومستمرة ومتواصلة وأشد يقينا وأسطع بروزا من أي فترة سابقة ، وبالتالي فالخروج من هذه الأزمات ، يتطلب أول ما يتطلب تفعيل وفرض البعد الديمقراطي الغائب ودمجه مع البعدين الوطني والإجتماعي ، وكذلك على هذه القوى أن تخط لنفسها برنامجا ورؤية بديلتين ، والعمل في أرض الواقع ومن خلال العمل المتواصل ، على غرسهما وتجذيرهما كضرورة موضوعية في الوجدان الشعبي الفلسطيني ، وحتى تشكل هذه القوى طليعة حقيقية للجماهير وقائدة لنضالاتها ومعاركها ، عليها العمل والعودة إلى الواقع لصياغة وبناء مشروعها النظري الذي يشتق أصوله ومبادئه من الذاكرة التراثية والقومية ، وهذا يتطلب أن ترتقي هذه القوى إلى مستوى الأسئلة والأجوبة النوعية ، وذلك لكي تتمكن من الخروج من أزماتها المتراكمة والمتوالية وحالة التوهان والترهل الفكري والتنظيمي التي تعيشها هذه القوى منذ سنوات طويلة ، وعلى ضوء المستجدات الأخيرة وتباين الآراء والإجتهادات والمواقف ، من المشاركة في الحكومة فإنه بات من الصعب جدا ، الحديث عن إمكانية إعادة إصطفاف ما يسمى بالحالة الديمقراطية ، حيث أن القوى التي شاركت في الحكومة ، لم تشارك وفق منهجها ورؤيتها وتوجهاتها ، بل أن مشاركتها لا تتعدى المشاركة الشكلانية والديكورية ، وسيكون دورها مكمل وتجميلي وليس مقررا في قرارات الحكومة ثنائية القطبية ( حماس وفتح ) ، ناهيك عن أن مشاركتها في الحكومة ، هو إنحياز لحساب السياسات والأفكار المناقضة لرؤيتها ومبررات وجودها ، وبالتالي فإن القوى التي قررت عدم المشاركة في الحكومة لأسباب سياسية ، عليها تقع مهام متعددة وكبيرة ، ولا أبالغ أن النجاح والفشل في ذلك عليه يتوقف مستقبلها وحضورها ووجودها ، فهي بحاجة إلى حرث جدي وحقيقي بين الجماهير ـ وأن تعمل على بلورة برنامجها البديل وعلى كل الأصعدة ، وخاصة أن الظروف والواقع أصبح أكثر مطواعية وإستجابة ، بعدما لمس شعبنا الفلسطيني حقيقة الخلاف والصراع بين فتح وحماس ، على أنه خلاف وصراع يدور على وهم السلطة والمصالح والمراكز والإمتيازات والكراسي ، وليس حول الرؤيا والبرنامج السياسي والمصالح العليا للشعب الفلسطيني بالأساس ، وهذا لن يكون ممكنا ، إذا إستمرت هذه القوى وتحديدا الجبهة الشعبية العمل بالطرائق والآليات القديمة ، وعليها أن تولي العمل الجماهيري والمجتمعي الخدماتي الأهمية اللازمة ، وأن تتخلص من العقليات والذهنيات المتكلسة والمتحجرة ، والتي تعودت على النمطية والرتابة ، والتي لا ترى أبعد من أرنبة أنفها رغم كل المتغيرات العاصفة ـ وأيضا عليها أن تغادر التخلف والتأخر الإعلامي إلى غير رجعة ، فإذاعة وتلفزيون المنار لعبا دورا هاما في حسم معركة حزب الله في حربه مع إسرائيل في صيف /2006 ، ومن خلال جهاز إعلامي متخصص وعصري وبإمكانيات معقولة ، ومن غير الجائز أن يستمر الحديث عن تحديث صفحة إلكترونيه عام أو أكثر ، وكذلك عليها أن تنطلق من الواقع والوقائع وليس من الشعارات الكبيرة ، وأن تتصدى بشكل جاد ومسؤول وجدي لمهمة بناء تيار ثالث ، لأن وجود مثل هذا التيار وبلغة الكاتب أحمد سعيد نوفل " يهدف إلى إيجاد حالة من التوازن في النظام السياسي الذي تتقاسمه فتح وحماس ، كما أن وجود هذا التيار سيؤدي إلى توزيع المسؤوليات الوطنية على جميع التيارات السياسية الفاعلة في الساحة الفلسطينية .
#راسم_عبيدات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحكومة تشكلت والقدس غابت
-
في الذكرى السنوية الأولى لإعتقال سعدات ورفاقه
-
سيناريوهات محتمله لردود الفعل العربيه
-
التيار الديمقراطي الفلسطيني ، هل يتوحد أم يزداد شرذمه وإنقسا
...
-
الكارثه تحدق بقطاع التعليم الحكومي في القدس الشرقيه
-
العرب في القدس كم زائد سكانيا ، وبقرة حلوب ضرائبيا
-
ليس دفاعا عن الجبهه الشعبيه ، بل دفاعا عن الحقيقه
-
قراءه في خطاب الشيخ حسن نصرالله في ذكرى إستشهاد الموسوي وحرب
-
جارنا المستوطن وبلدية القدس الإسرائيليه
-
محاصصة مكه بين فتح وحماس ، هل من يقود الإقتتال الداخلي ، مؤه
...
-
نداء للعالمين العربي والإسلامي
-
كلام معسول ، كلام مش معقول وفعل خارج المنطق والمعقول
-
باسم الديمقراطيه الوطن العربي والإسلامي ساحة للذبح والقتل
-
مرة أخرى أعتذر منكم ولكم أسرى شعبنا الفلسطيني
-
لا بد من مواجهة، سياسة هدم المنازل في القدس
-
جماعة أو - زلم - الملاقط
-
القدس تعزيز الاستيطان
-
قراءة أولية في محاكمة الأمين العام للجبهة الشعبية أحمد سعدات
-
المطلوب من القوى الديمقراطية الفلسطينية تحمل مسؤولياتها في ه
...
-
أما آن الأوان لأهل القدس ..أن ينظموا أنفسهم ويتوحدوا
المزيد.....
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|