اسلامه عبد الرحمن
الحوار المتمدن-العدد: 1864 - 2007 / 3 / 24 - 13:01
المحور:
ملف / الكتاب الشهري - في الذكرى الرابعة للغزو/ الاحتلال الأمريكي للعراق وانهيار النظام البعثي الدكتاتوري , العراق إلى أين؟
أربع سنوات تمر على سقوط بغداد في يد الاحتلال الأمريكي وأربع سنوات تمر على خروج مارد الفتنة من قمقمه وأربع سنوات تمر على تولي – المعارضة – للحكم وأربع سنوات تمر على سقوط طاغية بغداد
أحداث كبيرة وكثيرة مرت في هذه السنوات . ولكنها كلها في نظري تحت هذه العناوين قد يكون كل عنوان منها يحتاج في تحليله وإيفائه حقه من الإيضاح إلى كتاب وليس إلى مقال .
فالكتابة عن الاحتلال الأمريكي للعراق أشبه ما تكون بقصص ألف ليلة وليلة التي تبدأ بالقصة الإطار لتتفرع منها عشرات القصص .
لقد كان غزو أمريكا للعراق كارثة بكل المقاييس عليه , وعلى المنطقة العربية برمتها , فبالنسبة للعراق أحيا النعرة القبلية والعرقية واذكى نار الطائفية . صحيح ان الجسم العراقي لم يكن سليما تماماومعافى من هذه الأمراض الاجتماعية ولكنها كانت بالقدر الذي يمكنه مقاومته وتحمله . أما الآن فقد استيقظ الشيطان الكامن في تفاصيل الجسد العراقي وأصبح للطوائف والمذاهب ميليشيات تقتل على الهوية وتزرع الموت في كل مكان حيث انتشر التطهير المذهبي في أجزاء كثيرة من العراق , فالتعايش والاختلاط الذين كانا موجودين منذ الف سنة وتزيد بين السنة والشيعة أصبح الآن حلما , فقد دفع العراقيين في هذه المحنة آلاف القتلى والجرحى و المهجرين و أدى أيضا إلى تفشي الريبة والخوف بين العراقيين تجاه بعضهم , و جعل الكلمة الاولى واليد العليا لغلاة الطرفين , وغذت هذا الصراع وسائل الإعلام العربية وبعض الأقلام التي وجد أصحابها في الدم العراقي مجالا لإبراز ذواتهم وتحصيل بعض المكاسب , تارة بالتسويق للمحتل وتعديد أفضاله ومزاياه وأخرى بالتسويق للطائفية وللمحاصصة . هد م الاحتلال أيضا الدولة العراقية وخرب مؤسساتها وتعمد في عدم حماية وصيانة أيا منها باستثناء وزارة النفط مربط الفرس في كل هذه القيامة , فسرح الجيش الذي كان يعد من بين الأفضل إعدادا وجاهزية ودمر البنية التحتية ونهب المال العام وتم تحويل بلايين الدولارات من العراق إلى الخارج , وقطعت أوصال الدولة , فلا مواصلات ولا كهرباء وتمت التصفية الجسدية للعديد من الكوادر والعلماء ذوي المؤهلات العليا في كل التخصصات , أساتذة الجامعات و الطيارين والضباط السامون في الجيش والأمن , ونهبت المتاحف وطمست معالم حضارات قديمة , كانت مهد كل ما عرفته الدنيا من تطور . ومن الغريب الذي يبعث على الجنون أن الأمم المتحدة أعلنت أن ما فعلته أمريكا احتلالا خارج الشرعية , بل إن الأمريكيين لا يجدون حرجا في نسب هذه الصفة لهم , في حين تجد ساسة وكتابا عربا. يسمون ما جرى على انه تحرير, وان الأمريكان أصدقاء, همهم الوحيد سعادة الانسان حيثما كان حتى لا تبقى بقعة في الأرض دون أن يعمها العدل والأمن و تسطع في سماها شمس الديمقراطية الوهاجة
أربع سنوات على خروج مارد الفتنة من قمقمه .
لقد استحكمت الفتنة بين الطائفتين السنية والشيعية , وبلغ الاحتقان مداه ليس فقط على مستوى الخارطة العراقية بل على مستوى العالم الإسلامي عامة , ذهبت كل الجهود التي بذلت من اجل التقريب بين المذهبين , بتحييد الاختلاف وإنهاء الخلاف أدراج رياح الاحتلال , ولما كان العراق هو عين العاصفة , كانت سريالية المشهد وعبثيته شيء لا يطاق , فمن تفجير جسر الأئمة , ونسف مرقد الإمامين العسكريين, و اغتيال باقر الحكيم والتربص بآلاف الشيعة في مواسم عاشوراء بالسيارات المفخخة وأحزمة الانتحاريين الناسفة ..إلى أقبية وزارة الداخلية و مثاقبها الكهربائية وفرق الموت والتطهير الطائفي, في بغداد والجنوب العراقي , وتفجير المساجد, وذبح عائلات بأكملها و تهجير أخرى و أمتد هذا الصراع إلى خارج العراق , ليصبغ بلونه مهما كانت الأسباب فمن لبنان إلى البحرين إلى السعودية إلى دول المغرب العربي البعيدة , ليس لخطباء المساجد فيها من وعظ إلا إيضاح الاختلاف الكبير بين السنة المؤمنين والشيعة (الكفار), إلى إيران وبرنامجها النووي وقدراتها العسكرية المتعاظمة , وخطورة ذلك على المنطقة العربية . شعوبية بائدة تبعث من جديد , وتساوي الخطر الإيراني بالخطر الإسرائيلي , بل هناك من يعظم الأول ويهوله أكثر من الثاني . يجب إلا يفهم من سردي للاحداث أن السنة وراء مصائب الشيعة أو العكس, في جزء منها صحيح , ولكن معظمها صناعة جهات أخرى , ضالعة في الشأن العراقي والغة في دم أهله , غايتها إطالة عمر الكارثة , لتحصد المزيد من المكاسب .فإيران تريد للولايات المتحدة المزيد من الغوص في الوحل العراقي , لإنهاكها ربحا للوقت , وبالتالي هي تريد العراق ساحة حربهما المحتملة لا الأراضي الإيرانية , أو تفاوضها على شروطها , الولايات المتحدة تواجدها بهذا الحجم في المنطقة منعا وإرباكا لأية تطلعات صينية أو روسية مستقبلية , السعودية مكاسبها آنية عائلية لاعلاقة لها بالإستراتجية , مصر وهي التي دأبت على القول بان أي خروج أمريكي عاجل معناه , حرب أهلية لا تبقي ولا تذر وسيجعل من العراق قاعدة للقاعدة , مكاسبها آنية أيضا شبه اقتصادية , مع التغاضي عن فساد الحكم وهدره لحقوق الإنسان , إسرائيل تريد إن يعمم النموذج العراقي (الكانتونات) – إن نجح – على باقي دول المنطقة .
إن الاحتلال الأمريكي للعراق ساهم مساهمة مباشرة في الشرخ الكبير الحاصل بين السنة والشيعة , بدا لعبة سياسية ولكنه سينتهي حتما إلى كارثة إنسانية وحرب طائفية غبية إن لم يتنبه عقلاء الطائفتين ويبعدوا برميل البارود عن النار .
أربع سنوات تمر على تولي المعارضة العراقية دفة الحكم .
تولت المعارضة مقاليد الحكم وهي - شيعية – في معظمها , ومنذ ساعتها الأولى إلى ألان لم توفق في إسعاد الموطن العراقي , والوفاء بالوعود التي قطعتها والشعارات التي حملتها , ردحا من الزمن , فهي طائفية في ممارستها حتى وان أنكرت ذلك , يدفع معظم وزرائها انتقام أعمى وحقد بليد , على رموز النظام السابق وخلفيته ومذهبه , اعتمدت في فرض النظام على مليشيات ذات نشأة طائفية عقدية والنتيجة هي هذا الخراب السخي – على رأي نزيه أبو عفش – وهي وان كانت حملتها الدبابات الأمريكية إلا أن ولائها لطهران واضح وجلي .
لقد اظهر التعاون بين المعارضة العراقية و الإدارة الأمريكية شؤم هذا التعاون , فالمعارضة التي تأتي على ظهر دبابة الغازي هي معارضة خائنة و متآمرة في أسوء الاحتمالات أو متهافتة باهتة لا شخصية لها ناقصة الشرعية في أحسنها .
فإلى الآن لم تنجح النخب العربية في التأسيس لمعارضة حقيقية تنزع الحكم من مغتصبيه عن طريق ممارسة ديمقراطية أصيلة وعصرنا هذا يتيح فرص لذلك غير مسبوقة, فالمعرضة العربية ثلاثة أصناف معارضة تتحالف مع الأجنبي واستخباراته من اجل إسقاط النظام , المثال العراقي , وهو مثال مرفوض ما في ذلك شك معارضة في الداخل لها أحزاب وممثلة في البرلمان د جنها اقتسام الريع , تساهم في بقائه أكثر من تنحيته وهي مرفوضة كذلك , معارضة صادقة فردية غير مؤسسة وغير فاعلة أهلها شهداء أو منفيون وهي بهذا ليست ذات فائدة وغير مقبولة , ما أردت قوله هو أن هذه السنوات الأربع التي مضت على اعتلاء المعارضة الحكم لم تحسن الوضع بل ساء وتدهور سبب ذلك الخطاء المبدئي , وضحالة الشرعية وشبهة الولاء.
أربع سنوات من الديمقراطية
إن هذا السنوات الأربع كشفت أن كل تغيير يأتي من الخارج أو سببه ماله الفشل , ذلك لبعده عن الجوهر الحقيقي للمشكلة , أولا وثانيا وهي الأهم لكونه مجرد أداة لغاية ابعد فهو ليس إلا قناع لمشروع آخر ,لا يملك من أمر نفسه شئ , حتى يغير سياسة أو يرسم أخرى . لقد أساءت أمريكا كثيرا لمفهوم الديمقراطية وللكثير من القيم والمبادئ التي تبشر بها , باحتلالها للعراق , المبني من أوله إلى أخره على الكذب والخداع , وأحرجت أيضا أبناء هذه المنطقة الصادقين في دعوتهم من اجل التصحيح وترسيخ الديمقراطية وإشاعتها ثقافة في أوساط شعوبهم . حتى أصبحت كل دعوة لها بمثابة دعوة للاحتلال , وقوت أسس وعزائم الأنظمة الديكتاتورية ,وصادرت مسيرة نضال طويلة كانت على وشك قطف الثمار . لم يكن صدام حسين أسوء الموجود على الإطلاق- وليعذرني العراقيين والكويتيين وإنني لمتفهم لتبرمهم بل إنني أكثر من يفهمهم وأنا الصحراوي الملدوغ من ذات الجحرولكن هذه هي الحقيقة فصدام ,وربما بصورة أتعس لا زال متربعا على كرسيه من الماء إلى الماء . إن الحرب على العراق اختزلت الطيف السياسي والفكري في لونين الاسلاموي كمعارضة , والنظام الرسمي , كل من ساهم في هذه الحرب ولو بغض الطرف عنها من المعنيين بها قد خسر , خسر العراق دولة ,وخسر جواره الأمن وخسرت الولايات المتحدة أيضا , وخسارتها إستراتيجية ستمس هيمنتها وريادتها في الصميم ففي العقد القادم أو الذي يليه على الأكثر ستكون أمريكا قد تراجعت كثيرا وتراخت قبضتها بسبب هذه المغامرة غير محسوبة العواقب وهي أيضا – الحرب - سلسلة من الأخطاء , أخطاء النظام البعثي في تقدير النتائج , و عدم الإسراع بالمصالحة مع الشعب و انتخاب قيادة حقيقة قادرة على تجنيب البلاد ويلات الحرب , اخطات المعارضة بالاستقواء بالخارج الذي جعل منها حصان طروادة فقط, واخطات الولايات المتحدة بالاستهتار بقدرات الشعوب وعدم تقديرها لحجم المقاومة التي ستلقى, ومع ذلك فكل هذه الأخطاء قابلة للتصحيح والتقويم , إن عدل الجميع مساره , بالانسحاب الأمريكي وإنهاء الاحتلال , بالتصالح والتوافق العراقي , بكف دول الجوار عن التدخل في الشأن العراقي , وإلا فان الأمور ستزداد قتامه وسيتحول العراق مع مرور الوقت إلى ثقب اسود سيبتلع الكل .
#اسلامه_عبد_الرحمن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟