|
الماركسية أم الماركسية اللينينية ؟ الجزء الخامس
امال الحسين
كاتب وباحث.
(Lahoucine Amal)
الحوار المتمدن-العدد: 1861 - 2007 / 3 / 21 - 12:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لقد رأينا فيما سبق أن الفلاسفة الماديين الفرنسيين اعترضتهم إشكالية علاقة الإنسان بمحيطه الإجتماعي و أنهم يحصرون تلك العلاقة في التفاعل المتبادل ، و عكس ما أنجزوه في مستوى المادية الطبيعية فقد أخفقوا في فهم إشكالية التاريخ الذي سيرجع الفضل لاكتشافه للفلاسفة الألمان ، و أوضح الفيلسوف الألماني هيكل ما يشوب أجوبة الفلاسفة الفرنسيين في هذا الشأن و يقول : " إن قصور المنهج الذي ينظر إلى الظواهر من زاوية التفاعل المتبادل يكمن في كون أن علاقة التفاعل، بدل أن تحل محل المفهوم يتعين عليها هي نفسها أن تكون مفهومة" ، لذلك فهذا التفسير حسب هيكل بدل أن يكون هو المفهوم فإنه في حاجة إلى فهمه لأنه يتكون من العديد من العوامل : الظواهر و الجوانب و العلاقات ... و من بينها العوامل السياسية و الإقتصادية و الثقافية و الدينية و غيرها ، و أن هذه العوامل جمعاء لا يمكن أن تكون إلا نتيجة لعامل آخر يسميه "المتسامي" الذي يعتبر سبب كل العوامل الأخرى . و من هنا يستنتج أن هدف العلم هو البحث عن هذا العامل الأساس السبب في باقي العوامل الأخرى المتفاعلة فيما بينها و الذي يفسح المجال للربط الجدلي فيما بينها ، و يقول أن حقيقة الأشياء لا يمكن أن نتوصل إليها دفعة واحدة لأن الحقيقة النهائية لا نتوصل إليها إلا بعد تصادم مجموعة من الأفكار المتعارضة في فكرنا و هي نتيجة الآراء المتضاربة في فكرنا ، و الحقيقة إذن ما هي إلا حصيلة حركة جدلية قائمة على التناقضات و التجاوزات المستمرة حيث لا يمكن للفكر أن يصل إلى جوهر الأشياء إلا بعد نهاية حركته الجدلية ، و أن صيرورة تشكل جوهر الأشياء ما هي إلى علاقة التناقضات التي يجسدها ذلك الجوهر عبر المنهج الجدلي في التفكير ، من هنا انتقد استنتاجات كانط حول تاريخ المنظومات الفلسفية بأوربا التي اعتبرها كانط مجموعة من التناقضات التي سناها "اللامعقول" ، و يعتبر هيكل أن كل منظومة تحمل جانبا من الصواب و أنها ما هي إلا نتاج الحركة المعرفية لحقب تاريخية معينة و يحكمها البحث عن المفهوم ، و أن أي منظومة فلسفية لا يمكن أن تتناول إلا جانبا من الجوانب المتعددة للمفهوم في لحظة تاريخية معينة ، و أن مجموع المنظومات الفلسفية المتناقضة عبر التاريخ هو الذي قادنا إلى التوصل في النهاية إلى المفهوم . و بذلك انتقد منهج كانط الذي لم ير في المنظومات الفلسفية المتعاقبة إلا "اللامعقول" لأنه لم يستطع فهم خلاصة هذه التناقضات الموجودة بين المنظومات الفلسفية ، و صاغ هيكل مفهوم الملموس الذي يعتبر نقيض المجرد و اعتبر أن الحقيقة المجردة غير موجودة و أن الحقيقة لا يمكن أن تكون إلا ملموسة ، و أن الأشياء المجردة غير موجودة إلا في الفكر الذي يعمل على عزل الأشياء من أجل البحث عن الجوهر ، و أن الواقع دائما يكون ملموسا حيث يعتبر مشروطا بجوانبه و خصائصه و علاقاته من هنا يعتبر الحقيقة غير مجردة و أنها دائما ملموسة ، و أن الفكرة الفلسفية تستمد صحتها عندما تكون ملموسة و هي مشروطة بعلاقاتها الخاصة و ما أن تتغير هذه العلاقات حتى تكون خاطئة . و أسس هيكل المنهج الجدلي محاولا إيجاد حلا لإشكالية الفلاسفة الماديين الفرنسيين واضعا ما يسمى "المتسامي" و هو ما يسميه "العقل الوطني" الذي يعتبره مستوى من مستويات "العقل الكوني" ، و ما "العقل الوطني" إلا إحدى تجليات "العقل الكوني" لدى شعب من الشعوب في لحظة تاريخية من تطور هذا الشعب ، و يعتبر تاريخ البشرية ينطلق من " الفكرة" التي تنطلق من الفكر الخالص عبر ثلاث مراحل و هي الوجود ، الجوهر ، المفهوم ، و تؤدي في النهاية إلى "الفكرة المطلقة" ، و التي ستتحول إلى الطبيعة التي ستصبح شكل وجود الفكرة المطلقة مما يجعل الطبيعة تطور خارجي للفكرة المطلقة ، و بالتالي يظهر "العقل الكوني" الذي يتطور عبر ثلاث لحظات و هي العقل الذاتي ) الشعور ، التصور ، الفكر ( ، العقل الموضوعي ) الدولة ، القانون ، الأخلاق (، العقل المطلق ) الدين ، الفن ، العلم (. و أصبحت فلسفته معرضة للنقد من طرف فويرباخ الذي انطلق في نقده من الفكرة المطلقة و الذي يرى أنه لا يمكن للتطور التاريخي أن يكون مجرد تطور فكرة مطلقة ، و اعتبر المنظومة الفلسفة لهيكل فلسفة مجردة حيث جردت كل شيء ، الإنسان ، الطبيعة ، الفكر ، معتبرا الإنسان أساس حركة للتاريخ و ليس الفكرة المطلقة التي اعتبرها دينا جديدا ، متجاوزا بذلك فلسفة هيكل المثالية بتجاوز الفكرة المطلقة المجردة بوضع الإنسان الملموس مكانها . و جاء كارل ماركس ليعتبر إنجاز هيكل مهما باعتباره وضع الجدلية التي اعتبرها العلاقة التناقضية المحرك الأساسي للصيرورة الجدلية ، لكنها تتم داخل الفكرة المطلقة مما يجعل فلسفة هيكل فلسفة مثالية في حاجة إلى التطوير و ذلك بإخراج الجدلية من الفكر إلى الواقع ، لذا فالجدلية بدل أن تكون حبيسة الفكرة المطلقة يجب أن تنطلق من الواقع الملموس و تتحرك فيه ، من أجل تحويل جدلية هيكل من الجدلية المثالية إلى الجدلية المادية الشيء الذي يتطلب مراجعة كاملة لأطروحة الفلسفة الهيكلية . و بدأ ماكس بمفهوم الدولة التي يراها هيكل كطرف ثالث للتناقض داخل المجتمع و بروزها كحل تاريخي للتناقضات الإجتماعية ، و خلد الدولة بجعلها ضرورة في واقع التناقضات الإجتماعية التي من الضروري أن تنتهي بإلقضاء أحد المتناقضين من طرف المتناقض الآخر ، فإلغاء التناقض لديه يستوجب طرف ثالث من أجل المصالحة بين المتناقضين المتصارعين و هذا الطرف الثالث هو الدولة التي تعتبر في الحقيقة أداة يستعملها أحد الطرفين المتناقضين ، مما يحيلنا إلى أن تناقض هيكل هو تناقض تصالحي و ليس تناقضا تناحريا و ذلك ناتج عن فلسفته المثالية التي بقيت حبيسة الفكرة المطلقة ، ليسقط في هذا التناقض باعتباره الدولة ما يجب أن بكون حيث لم يكتشف وجود الدولة كما هو في حقيقته . و عمل ماركس على معالجة التناقض الذي وضعه هيكل و الذي يعتبره موجودا و لكنه النوع الأول فقط الذي هو التناقض التصالحي ، ذلك أن كل واحد من الضدين في تناقضهما يعمل بنفي تماثله مع الضد الآخر الذي يقود إلى انفصال مؤقت بين الضدين في إطار وحدتهما ، ذلك ما يسمى بحل التناقض بتجاوزه مع الحفاظ عليه في نفس الوقت و التناقض التصالحي حسب ماركس موجود في الواقع ، و يتم حل هذا النوع من التناقض عن طريق إقامة شكل جديد من التماثل بين الضدين دون الوصول إلى القضاء على التناقض في وجوده و ليس في تماثله فقط ، و عدم قدرة هيكل على إدراك نوع التناقض التناحري جعله يعتبر الدولة ذات طبيعة التناقض التصالحي ، فاعتبار هيكل للفكرة المطلقة كجوهر جعله يسقط في المثالية من جديد مما حال دون قدرته على الوصول إلى التناقض التناحري الذي يعتبر جوهر الحركة. و أطروحة ماركس تتجلى في البحث عن النوع الثاني من التناقض و هو التناقض التناحري الذي يجعل أحد الضدين ينفي الآخر في وجوده و ليس في تماثله ، و يتم ذلك بإلقضاء على أحد الضدين و تحرير الآخر كما هو الشأن في الصراع الطبقي حيث لا يعتبر ماركس الدول حلا للتناقضات الإجتماعية في إطار الحفاظ عليها بل هي مكانا لصراعهما ، و يرى أن العلاقة التناقضية و هي الجوهر المؤسسة للصيرورة الجدلية للتناقض التناحري تنتهي بالقضاء على أحد الضدين المتناحرين و تحرير الضد الآخر ، و في نفس الوقت يتم تناقض تناحري جديد في ظل صيرورة جدلية جديدة المؤسسة على علاقة تناقضية جديدة ، كما أن التناقض الأصلي المؤسس للصيرورة الجدلية ما هو إلا نتاج لصيرورة جدلية سابقة بحيث أن الجوهر ليس شيئا ثابتا بل هو معطى متحرك . و اعتبر هيكل أن الجوهر باعتباره علاقة تناقضية أصلية ترسم المسار الذي سيسلكه التناقض في وصوله إلى الحل و بذلك يتم تحديد الحل مسبقا من طرف الجوهر ، ذلك ما يسميه بالضرورة التاريخية للصيرورة الجدلية التي ما عليها إلا تحقيق هذا الهدف المرسوم مسبقا من طرف الجوهر التناقض الأصلي ، و تطبيق ذلك على التاريخ يعني أن الصيرورة التاريخية تتحرك وفق قوانين صارمة للوصول إلى الهدف المرسوم مسبقا للتاريخ من طرف الجوهر و غايته هو تحقيق الهدف ، و انتقد ماركس هذا الطرح المثالي للتاريخ الذي اعتبره يتناقض و قوانين التطور التاريخي فيرى أن القوانين تحدد بالفعل التطور التاريخي لكن دون تحديد شكل الحل النهائي ، الذي يمكن أن يتضمن مجموعة من الحلول دون فرض حل واحد بعينه و التناقض في مسار تطوره يفرض نوع الحل الضروري . و الضرورة ليست إلا حاجة التناقض في تطوره من أجل الوصول إلى الحل الذي يمكن أن يتخذ شكلا من الأشكال وفق الحلول الممكنة ، ذلك لأن الحل يمكن أن ينفي التناقض القديم كما يمكن أن يؤدي إلى التفرع إلى ضدين متناقضين أو عدم تحقيق النفي ، و يعتقد هيكل أن الصيرورة التاريخية محددة مسبقا و أن حركة الصيرورة الجدلية يحكمها نفي النفي الضروري الذي له صلة وطيدة بالضرورة التاريخية ، و ماركس يقول بوجود نفي النفي لكن باعتباره أحد الحلول الممكنة ، ذلك أن الحركة الجدلية يمكن أن تسير وفق الحلول الممكنة حيث يمكن أن تكون حسب نفي النفي أو عكسه ، و الحل الذي يحصل من بين الحلول الممكنة قد يبدو و كأنه فرضته الضرورة التاريخية ذلك ما جعل هيكل يقول بالضرورة التاريخة المرسومة مسبقا و يسقط في التفسير المثالي.
تارودانت في : 20 مارس 2007
#امال_الحسين (هاشتاغ)
Lahoucine_Amal#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الماركسية أم الماركسية اللينينية ؟ الجزء الرابع
-
الماركسية أم الماركسية اللينينية ؟ الجزء الثالث
-
الماركسية أم الماركسية اللينينية ؟ الجزء الثاني
-
الماركسية أم الماركسية اللينينية ؟ الجزء الأول
-
الماركسية اللينينية و دحض الفكر البورجوازي و الماركسي التحري
...
-
الماركسية اللينينية و دحض الفكر البورجوازي و الماركسي التحري
...
-
الماركسية اللينينية و دحض الفكر البورجوازي و الماركسي التحري
...
-
الماركسية اللينينية و دحض الفكر البورجوازي و الماركسي التحري
...
-
الماركسية اللينينية و دحض الفكر البورجوازي و الماركسي التحري
...
-
الماركسية اللينينية و دحض الفكر البورجوازي و الماركسي التحري
...
-
ثقافة الحجاب من حجز المرأة بالبيت إلى توظيف الحجاب أيديولوجي
...
-
تطور الحركة الإجتماعية الإحتجاجية بتماسينت بالريف بالمغرب
-
حتى لا تعيد المقاومة العراقية تجارب حركة التحرر الوطني في ال
...
-
التحولات الإجتماعية للطبقة العاملة في ظل الرأسمالية الإمبريا
...
-
من أوراق منظمة إلى الأمام : من أجل بناء خط ماركسي لينيني لحز
...
-
العلاقة الجدلية بين المعبرات السياسية للبورجوازية الصغرى و م
...
-
الوجه الحقيقي للاستغلال البشع الذي يتعرض له العمال والفلاحون
...
-
المهام الثورية للبورجوازية الصغرى
-
الأسس التاريخية لحركة التحرر الوطني و الحركة الثورية المغربي
...
-
الأسس التاريخية لحركة التحرر الوطني و الحركة الثورية المغربي
...
المزيد.....
-
أوكرانيا تعلن إسقاط 50 طائرة مسيرة من أصل 73 أطلقتها روسيا ل
...
-
الجيش اللبناني يعلن مقتل جندي في هجوم إسرائيلي على موقع عسكر
...
-
الحرب في يومها الـ415: إسرائيل تكثف هجماتها على لبنان وغزة
...
-
إسرائيل تعلن العثور على جثة الحاخام تسفي كوغان في الإمارات ب
...
-
اتفاق الـ300 مليار للمناخ.. تفاصيله وأسباب الانقسام بشأنه
-
الجيش اللبناني: مقتل جندي وإصابة 18 في ضربة إسرائيلية
-
بوريل يطالب بوقف فوري لإطلاق النار وتطبيق مباشر للقرار 1701
...
-
فائزون بنوبل الآداب يدعون للإفراج الفوري عن الكاتب بوعلام صن
...
-
الجيش الأردني يعلن تصفية متسلل والقبض على 6 آخرين في المنطقة
...
-
مصر تبعد 3 سوريين وتحرم لبنانية من الجنسية لدواع أمنية
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|