رقت نعال الأحذية الرخيصة من كثرة تجوالنا الليلي في رحاب سيدنا الحسين والأزهر الشريف والسيدة نفيسة بالقاهرة وعلى كورنيش الأسكندرية والبياصة والحضرة ورأس التين.
تتجمع هموم الوطن والحزب نهرسها مع حبات الفول المدمس ، ونحلي أكواب الشاي المرة بأحلام الصباح ، وتمضي أيامنا نحن الخماسية العجيبة التي تشكلت صدفة وبمحض ارادتنا دون تكليف من أحد ، ودون اعتراض من أحد .
كنت دائما في المنطقة الوسطى وكنت نقطة التعادل والتصالح بيننا ، صديقنا القاهري الغارق حتي أذنيه في العبارات الثورية ذات النبرة العالية والمرتدي دوما قناعا ستالينيا يخفي به رقة غير عادية ، وصديقنا الشاعر الذي يتنفس واقعية تتنافي تماما مع الحالة الشعرية ، وصديقنا السكندري الآخر الذي يعطي للثورة ماتبقى من وقته المنذور للحب وعشق الحسان ، وأنا متردد مابين الأدب والسياسة .. مابين الكفاح العلني والنضال السري ، كنت أنت نقطة الإتزان في هذه الخماسية الصعبة ، نؤثر فيك جميعا ولا نتأثر بك حيث كنت دائما براحا شاسعا تستوعب الآخر ولاتسعى لإحداث تأثيرا مباشرا فيه .
كم كنت قادرا على رسم البسمة فوق وجوهنا العابسة , وكم كنت قادرا على بث السكينة في نفوسنا الهادرة , وكم كنت قادرا علي إثارة الدهشة فينا بتحولاتك المفاجئة كمن يطرق كل الأبواب ويسلك كل الطرق متعجلا قبل فوات الأوان .. لم تكن تنهي أبدا مابدأته ولم تكن أبدا تقطع خط الرجعة . وكنت دائما قادرا أن تستبدل الأحلام كما تستبدل أوراق اللعب .
هاهو حلم السفر المفاجئ يحل محل حلم المنظمة , وهاهو حلم الدراسة يحل محل حلم النضال اليومي , وهاهو حلم العمل يحل محل حلم الدراسة ، وهاهو الموت المفاجئ يحل محل حلم الحياه.
ظللت دائما تمارس هوايتك الأثيرة تستبدل الأحلام بذات المهارة التي كنت تستبدل بها أوراق اللعب ,فذهبت يارفيق ولم تعد , نعم يارفيق كنت دائما وحتي النهاية الفاجعة حلما جميلا لم ولن يكتمل .
في رثاء المناضل الإشتراكي / خالد عيد صالح
بقلم: د/ أحمد نصار