مما دعاني الى الرد على ما نشره الكاتب السوري السيد حسين العودات في جريدة <<السفير>> بتاريخ 2/8/2003، هو عدد من المعلومات الخاطئة التي استند اليها الكاتب في محاكمته لموقف الحزب الشيوعي العراقي لدخوله <<مجلس الحكم الانتقالي>> في العراق وإصداره حكما ظالما عليه، رغم ما جاء في مدخل المقالة وفي طياتها من المديح الذي كاله للحزب وتاريخه وتضحياته، وحسبي أنه <<قول حق يراد به باطل>> من قبل كاتب المقال.
وقبل الدخول في حيثيات موقف الحزب إزاء الاوضاع المعقدة التي يمر بها عراقنا، والأسباب التي دعته الى المساهمة في المجلس، أود أن أصحح للسيد العودات ما يلي:
أولا: إن الحزب لم يدخل ضمن أي كوتا طائفية، بل بصفته حزبا علمانيا وطنيا (يضم الحزب في صفوفه، وهو الوحيد ربما بين الأحزاب العراقية المعروفة، مواطنين شيعة وسنة وعربا وأكرادا وتركمانا وأشوريين وكلدانا وصابئة ويزيديين)، وتركيبة المجلس لم تبن على التقسيم الإثني والطائفي، كما روجت له بعض وسائل الاعلام العربية وتلقفتها الأقلام العربية هنا وهناك، بل جاءت التشكيلة على أساس تمثيلي لكافة التيارات السياسية والأحزاب القومية والدينية والشخصيات الاجتماعية والمهنية، ومن المؤسف أن يحشر اسم الحزب جزافا على أساس حضوره ضمن تركيبة طائفية.
ثانيا: إن الحزب الشيوعي العراقي يعتز بثورة الرابع عشر من تموز الخالدة، ويحتفل سنويا بذكراها، وفي هذا العام كان الاحتفال بهذا العيد الوطني الكبير ذا نكهة خاصة، حيث لأول مرة من أكثر من ثلاثة عقود، يجري رد الاعتبار لهذه الذكرى الغالية على قلوب الاغلبية الساحقة من أبناء شعبنا ويتم الاحتفال بها بشكل علني وجماهيري وبما يليق بها.
أما قرار مجلس الحكم الانتقالي فلم يلغ ثورة 14 تموز عيدا وطنيا، بل ألغى الأيام والأعياد التي تقترن بالنظام الدكتاتوري البائد وأعياد حزبه المندثر. أي 17 30 تموز، 8 شباط، 7 و28 نيسان وغيرها، وأستغرب كيف حشر السيد العودات ثورة 14 تموز ضمن الأعياد الملغاة.
أما 9 نيسان، فقد اعتبره مجلس الحكم عيدا وطنيا يرمز لسقوط الطاغية ونظامه الدكتاتوري فحسب، لا يوما للتحرير ولا لسقوط بغداد. لأن بغداد لم تسقط، وهي شامخة بأبنائها وبناتها، والذي سقط هو الدكتاتور ونظام حكمه العفن وحزبه الاستبدادي.
ثالثا: يؤسفني حقا، أن يستخدم السيد العودات أسلوب التشهير والتعريض بالحزب ومواقفه، وتعميم هجومه غير المبرر ليشمل مواقف عدد من الأحزاب الشيوعية في البلدان العربية ساعيا الى إثارة قضايا تاريخية جدلية سبق وأن جرى الرد عليها وتبيان خلفياتها. وكأنه لم يكتف بذلك، بل ذهب الى أبعد من ذلك بالتهجم والتشهير بقادة الحركة السياسية الوطنية العراقية، ويشوه مواقفهم وينعتهم بأوصاف غير لائقة، وهم جميعا أكبر من أن ينالهم كاتب غير عراقي، يجهل حقائق الحركة السياسية الوطنية بأحزابها وقواها الوطنية، كما يتجاهل عن قصد، واقع الأوضاع الحالية في العراق والظروف التي يعيشها شعبنا بعد خلاصه من كابوس الطغيان.
وأعود الآن الى مجلس الحكم الانتقالي وإلى الأسباب التي أدت الى مشاركة الحزب الشيوعي فيه، وأبدأ بأن هذا المجلس رغم تشكيلته الواسعة والممثلة لأوسع فئات وقطاعات الشعب، إلا أنه يبقى دون الطموح، سواء من حيث محدودية الصلاحيات المناطة به، او بوجود قوى سياسية مهمة لم تنضو فيه، إن كان ذلك برغبتها او أنها استبعدت منه. وجاء تشكيل المجلس حلا وسطا بين سلطة الاحتلال التي يرفضها شعبنا وأغلبية القوى السياسية، والتي أضفى القرار 1483 لمجلس الامن، مع الأسف، الشرعية عليها، وبين رغبة العراقيين في تشكيل الحكومة الوطنية المستقلة.
وأود أن أؤكد هنا، وبخلاف ما تشيعه بعض الاوساط الاعلامية والكتاب العرب، بأن هذه السلطة عديمة الصلاحيات وتخضع للفيتو الاميركي المتمثل بالحاكم المدني لسلطة التحالف، فإن المجلس يناقش ويقرر وبحرية تامة جميع الأمور المتعلقة بتحسين الاوضاع المعيشية والخدماتية للشعب، وكذلك الأمور البنيوية المهمة لإعادة إعمار البلاد وبناء مؤسساته دون تدخل او فيتو اميركي، ولكن ليس بمعزل عن التشاور والتحاور، والمجلس معني بتعيين الوزراء والموظفين الكبار في مؤسسات الدولة ومراقبة عملهم وأدائهم، وإقرار الميزانية العامة، وتحديد التمثيل الدبلوماسي في الخارج وتعيين السفراء، والإعداد لمسودة الدستور والتحضير لمؤتمر وطني عراقي منتخب يقوم بمناقشة وإقرار مسودة الدستور الدائم قبل عرضه على الاستفتاء الشعبي.
وفي الوقت الذي كان شعبنا وجميع القوى السياسية، يتوقعون أن تدعم وتسند هذه الخطوة، باعتبارها صيغة أتت بعد مشاورات عديدة وضغوطات مورست على سلطة الاحتلال للتخلي عن قرارها السابق بتشكيل مجلس استشاري ثم قرارها المعدل بتشكيل مجلس سياسي تابع لسلطة الاحتلال، ولد مجلس الحكم بصلاحيات غير قليلة، وتبنى، ولأول مرة، أسلوبا ديموقراطيا في إدارة أعماله وفي شكل اتخاذ قراراته. وبدلا من ذلك، قامت الدنيا ولم تقعد في العالم العربي ضد المجلس وضد القوى المشاركة فيه، وهي في أغلبيتها قوى وأحزاب سياسية معروفة بنضالها وتضحياتها ضد الدكتاتورية وبمواقفها الرافضة للاحتلال. وبدلا من أن تنال التجربة الأولى من نوعها، حيزا من الحوار والنقاش الهادئ باتجاه تدعيم أسس بنائها وتقديم المشورة الهادفة الى مساعدة المجلس لتطوير إمكاناته وتعزيز صلاحياته، تطالعنا المقالات بالتهجم والتشكيك والتخوين، وبشكل لا يليق بمقام القوى السياسية الوطنية العراقية ولا ينسجم مع الواقع السياسي. خصوصا ان جميع هؤلاء يعلمون جيدا، أن رفض صيغة المجلس الآن، لا يعني إلا تعزيز سلطة الاحتلال وغرق البلاد أكثر من حالة عدم الاستقرار والفوضى.
إما مقاومة الاحتلال، فتبقى هدف جميع أبناء شعبنا، ولكن هذا لا يأتي لا بالشعارات الرنانة ولا بالمواقف المؤدلجة اللاواقعية ولا عبر أساليب العنف العشوائي وأعمال التخريب التي تطال المرافق الحيوية التي تخدم أبناء شعبنا. ان مقاومة الاحتلال تأتي عبر وسائل سلمية تعبوية وسياسية عديدة، ويترافق ذلك مع توجه القوى السياسية لتنظيم أمورها وتهيئة مستلزمات إقامة الحكومة الوطنية المستقلة، وتصفية بقايا وآثار النظام المقبور، ومن ثم التباحث مع الامركيين وحلفائهم البريطانيين لإنهاء الاحتلال وسحب قواتهم. وعند ذاك وفي حالة رفض الانسحاب وإنهاء الاحتلال، سيتحول شعبنا كله الى المقاومة الوطنية لطرد الاحتلال.
وأعود أخيرا لأوكد للسيد العودات ان الحزب الشيوعي عندما اختار ووافق على دخول المجلس، كان قد وضع أمامه قبل كل شيء، مصلحة شعبنا في الأمن والاستقرار ومعالجة القضايا المعيشية الملحة وحل المشاكل الخدمية الأساسية، ومن أجل إعادة الاوضاع الطبيعية في البلاد بأسرع وقت، ولتهيئة مستلزمات إجراء الانتخابات الحرة النزيهة بعد إعداد الدستور الدائم والتصديق عليه، ومن أجل إنهاء الاحتلال وبناء العراق الديموقراطي البرلماني التعددي الفيدرالي الموحد. وهذا هو جوهر موقف الحزب الوطني والعقلاني في الظروف الراهنة.
() قيادي شيوعي عراقي.
السفير