|
جمهوريو المملكة 4/4
إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)
الحوار المتمدن-العدد: 1870 - 2007 / 3 / 30 - 12:25
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
يعتبر أحمد رامي الجندي الوحيد الذي تمكن من الفرار إلى الخارج بعد فشل المحاولة الانقلابية الأولى في صيف 1971، وكان آنذاك من الضباط الشباب المتأثرين بشخصية وأفكار جمال عبد الناصر. طيلة فترة وجوده بالديار السويدية، الحامل لجنسيتها حاليا، ظل أحمد رامي يؤمن بضرورة إسقاط النظام الملكي لإقامة نظام جمهوري إسلامي بالمغرب. وبالرغم من أنه لم يتأكد إلى حد الآن وجود أي تيار سياسي أو حركي في صفوف الجيش الملكي، بقي أحمد رامي يروج لفكرة وجود "تنظيم الضباط الأحرار المغاربة" المتأثرين آنذاك بالناصرية، والذي كان يسعى لإقامة جمهورية. وقد أجمع كل المحللين السياسيين والمؤرخين على عدم وجود ضابط مغربي معارض بالمغرب وعلى عدم وجود أي حركة أو تيار سياسي أو مذهبي في صفوف الجيش المغربي. ويعتبر أحمد رامي أن المغرب لازال في حاجة إلى ثورة إسلامية ثقافية سياسية شاملة بغية إعادة ترسيخ دعائم الإسلام؛ ومنقذ المغرب، في نظره، هو التيار الإسلامي.
هل كان الجنرال أوفقير جمهوريا؟
عموما كان النظام المغربي يخشى كثيرا احتمال حركة التوق إلى التغيير وسط الجيش الملكي، لاسيما في اتجاه نموذج الثورة الجزائرية بتحالف مع بعض الفعاليات السياسية. ومهما يكن من أمر فإن محاولة الانقلابين (1971 – 1972) كان هدفها إقرار نظام جمهوري كشكل. لكن هل كان الجنرال أوفقير جمهوريا أو ذي نزعة جمهورية؟ الأكيد هو أنه بعد أحداث الصخيرات بدأ الجنود يشعرون بأن موقف الجنرال أوفقير تجاه الملك بدأ يتغير في نحو الكراهية البينة. فأوفقير لم يمارس في الجيش المغربي أي عمل، إذ مر مباشرة من الجيش الفرنسي ليصبح مساعد أركان شخصي للملك، قبل تعيينه مدير الأمن ثم وزيرا للداخلية والقائد العام للجيش الملكي، بعد انقلاب الصخيرات. ومن النكت التي ظل الجنود يتناقلونها فيما بينهم، أن أوفقير لم يعلم بتنصيبه كوزير الدفاع إلا عبر المذياع كباقي المغاربة، فلم يكن على علم بذلك مباشرة بعد أحداث 1971 بالصخيرات، آنذاك عين الحسن الثاني الكولونيل الليوسي كقائد على القوات الجوية والكولونيل حاتمي على رأس القوات المصفحة، وهذا دون علم الجنرال أوفقير ودون إخباره بالأمر. وحسب أحمد رامي، أحد الانقلابيين الفارين إلى الخارج، إن الجنرال أوفقير في حديثه معه كان يكشف له على جملة من أسرار القصر : للملك حريم مكون مما يناهز 150 امرأة، بينهن نساء اختطفن من الشارع العمومي من طرف خدامه..."، وقد جاء أيضا في حديث أحمد رامي: "... أكد لي الملك أنه كان يتعاطى للمخدرات... وأن ولده الذي لم يكن سنه يتعدى 7 سنوات كان يحضر معه الاجتماعات وكان الجيمع ملزما بتقبيل يده، وهذا أمر كان يتقزز منه الكثيرون"، كما قال له يوما: "علينا التخلص من الملكية بأي ثمن لأنها باعت المغرب لفرنسا وقادت البلاد إلى الهوة منذ بداية القرن العشرين". وإذا كان الجنرال أوفقير قد سعى إلى تغيير النظام وإقامة نظام جمهوري محله، فإنه لم يكن ذي نزعة جمهورية كفكرة أو قناعة. لقد كان يتوق إلى السلطة، هذا كل ما كان يهمه ليس اعتمادا على مشروع مجتمعي أو قناعات، وإنما اعتمادا على المخابرات الأمريكية والموساد واستغلالا للظرف العام. فعندما كان الصراع على أشده في فجر السبعينيات بين المغرب ومصر وإسرائيل، بخصوص التقرب من واشنطن والفوز بموقع حليفها الاستراتيجي باعتبار أن من لا يتحكم في شمال إفريقيا لن تتحكم في الشرق الأوسط، قامت المخابرات الأمريكية بالتقرب من الجيش الملكي سعيا للتحكم في البلاد. وفكرت، اعتمادا على الجنرال أوفقير، في أن يصبح المغرب دولة يحكمها الجيش كما هو الحال بالجزائر. آنذاك سعت واشنطن، عبر مخابراتها، في تعويض الحسن الثاني بعسكري حليف. هذا هو الإطار العام الذي تحرك فيه الجنرال لتحقيق حلمه في السلطة.
الجمهوريون الصحراويون كان من الطبيعي جدا أن يعتمد الانفصاليون الصحراويون النزعة الجمهورية منذ انطلاقة حركتهم، فعدد من العناصر التي ساهمت في تأسيس جبهة البوليساريو كانوا منظوين تحت لواء تنظيمات ماركسية لينينية مغربية وأحزاب يسارية والتيار الراديكالي في الوسط الطلابي. أعلن هؤلاء عن تأسيس جبهتهم في 1973، وكان الأمر آنذاك يتعلق بتنظيم حرب عصابات، تربط مهام تحرير الصحراء من الاستعمار الإسباني بإنشاء "جمهورية ديمقراطية عربية" كجزء من الثورة العربية المعادية للامبريالية والصهيونية والإقطاعية والرجعية، وهي الثورة التي كان يعول عليها لتوحيد الوطن العربي. فكر الصحراويون في الهجوم على نواكشوط في عهد ولد دادة لأنه تراجع على ما اتفق عليه معهم، بخصوص توحيد الصفوف، لتمكين كل الذين يتكلمون اللهجة الحسانية، من التكتل في دولة واحدة أو ضمن كنفدرالية يترأسها، تضم موريتانيا والصحراء. وعلامات إعادة إحياء النزعة الجمهورية في صفوف الصحراويين أن هناك رأي أخذ يطفو على السطح، وهو القائل بأنه من الممكن العودة إلى اعتماد ما ساد من قبل من أفكار، بخصوص تعبئة الجماهير ضد الإمبريالية ومن يتعامل معها، والعمل انطلاقا من هذا على توحيد مصالح الصحراويين الانفصاليين بالمغاربة الجزائريين الراغبين في التغيير لتحقيق غد يضمن احترام حقوقهم الإنسانية والوطنية. ويرى هذا الرأي أن النظام الثوري ما زال من الممكن أن ينطلق من الصحراء ومن الجامعات على قاعدة المطالبة بالتشغيل ومن أجل توفير الخبز للجميع ومن الديمقراطية الحقة، كسبيل للتوصل إلى أوسع الفئات الشعبية.
علي المرابط
منذ حرمانه من مزاولة مهنته كصحفي، أضحى علي المرابط لا يخفي انتقاداته الواضحة والمباشرة للنظام السياسي المغربي. وفي كل مرة ينكشف أمر ميوله إلى النزعة الجمهورية. فكل انتقاداته تصب في اتجاه واحد، وهو أنه لا "يحب النظام القائم بالمغرب" لأنه يستحسن نظاما ديمقراطيا، ويرى أن النظام المغربي ليس نظاما ديمقراطيا، هذا لأن أول ما في الديمقراطية، هو أن يختار الشعب من يحكمه، ويضيف أنه عندما لا يتمكن الشعب من اختيار من يحكمه فإنه لا يمكن الحديث عن أي شكل من أشكال الديمقراطية. ويذهب علي المرابط أبعد من هذا بكثير، حيث يقر بأنه يجب أن تمنح للشعب فرصة الاختيار ليعرف بنفسه ما هي الديمقراطية ويمارسها بالفعل وليس بالوكالة، كما هو قائم إلى حد الآن. فالديمقراطية، في نظره، لا يمكن أن تهدى، فترسيخها يستوجب، أولا وقبل كل شيء، وجود ديمقراطيين، وفي نظره لا وجود لديمقراطيين يحكمون المغرب حاليا.
آيت باعمران ورفض المذلة
في نوفمبر 1957 سجلت قبائل آيت باعمران (سيدي افني من جيوب الاستعمار الإسباني بالمغرب) ملحمة رفض المذلة بانتفاضتهم. آنذاك كان الصراع من أجل السلطة بالمغرب بدأ يطفو بحدة، وبرزت اغتيالات رجالات المقاومة وملاحقة الشباب أصحاب الخيار التقدمي. وبذلك لجأ بعضهم إلى آيت باعمران، من ضمنهم بن سعيد آيت ايدر وشيخ العرب (المقاوم الذي أزعج المخزن) وحسن الساحلي، كلهم كانوا ممن يحملون النزعة الجهورية. هؤلاء وغيرهم سيحضرون المؤتمر المفتعل لأعضاء جيش التحرير إلى الجنوب بمدينة إنزكان، لكنهم فوجؤوا بحضور تجريدة الجيش الملكي تحت إمرة القائد العام للجيش (الحسن الثاني ولي العهد آنذاك) وأجبرهم على التخلي عن سلاحهم بالقوة ثم أمرهم بتوقيف مقاومتهم. وجاءت معاهدة فاس في 19 مايو 1969 الموقعة بين وزير الخارجية المغربي، العراقي، وبين ممثلي الحكومة الإسبانية. وكانت هذه المعاهدة مرفوقة ببروتوكول يضم العديد من الالتزامات التاريخية بخصوص منطقة آيت باعمران، منها الاهتمام بمواطني وشباب المنطقة، لكن لا شيء من ذلك تحقق وظلت المنطقة تتجرع مرارة سياسة التفقير والتهميش الممنهج ولم تشملها أية تنمية. هذه هي الخلفية التاريخية لانتفاضة المنطقة التي ظل سكانها متشبثين بالحرية والعزة وعدم الاستسلام والخضوع. وهي واحدة من الأحداث التاريخية التي ساهمت في تقوية النزعة الجمهورية في الأوساط السياسية الساعية للتغيير.
الصراع على السلطة والنزعة الجمهورية
إن تاريخ الصراع السياسي بالمغرب هو بامتياز تاريخ صراع على السلطة. وقد زاد هذا الصراع حدة واستفحالا بفعل إخراج الحركة الوطنية وفعالياتها من دوائر السلطة بالمغرب، من طرف الحسن الثاني منذ بداية الستينيات بطريقة ممنهجة. ويعتبر هذا العامل من بين العوامل الأساسية التي ساهمت في تزكية ترعرع النزعة الجمهورية بالبلاد، كسبيل من سبل الخلاص من الاستبداد والانفراد بالحكم. وقد تبدو الصورة مبسطة، الصراع من أجل السلطة بالمغرب دار بين فريقين، النظام القائم (الملك / القصر) من جهة والحركة الوطنية وورثتها من جهة أخرى. وهذان الطرفان اشتركا معا، بشكل أو بآخر في المعركة ضد الاحتلال والاستعمار، لكن كل بطريقته وانطلاقا من أهدافه. وحين شرع وفد الحركة الوطنية يفاوض الفرنسيين في مفاوضات "إيكس ليبان" سنة 1955، طرح كل من المهدي بن بركة وعبد الرحيم بوعبيد شرط عودة الملك محمد الخامس إلى عرشه. ولم يكن هذا إلا تعبيرا واضحا عن العلاقة التحالفية بين القصر ورموز الحركة الوطنية على الأقل منذ منتصف الأربعينيات. وتأكد ذلك بمشاركة الحركة الوطنية في الحكومة المغربية الأولى، بعد الحصول على الاستقلال، والتي ترأسها أحد المقربين للقصر وللسلطات الفرنسية، مبارك البكاي، وتلتها حكومة عبد الله إبراهيم أحد أقطاب الحركة الوطنية، ساد آنذاك الشعور بالشراكة في الحكم، لكن سرعان ما ولى هذا الشعور بإعفاء حكومة عبد الله إبراهيم بالقوة، وبذلك انقطع الوصال بين الملك والحركة الوطنية التي ولجت ركح المعارضة من بابه الواسع. آنذاك زرعت بذور النزعة الجمهورية التي مافتئت تترعرع وتتقوى إلى أن وصلت إلى اعتماد العنف كسبيل وحيد، لا ثاني له، لتحقيق التغيير المنشود بالمغرب. تأجج الصراع على السلطة منذ منتصف الستينيات، مع بروز حركة البلانكيين، تحت إمرة الفقيه محمد البصري الذي كان وراء أحداث 3 مارس 1973بضواحي مولاي بوعزة، وقبلها ووجهت مظاهرات مارس 1965 بالقمع الدموي واغتيل المهدي بن بركة في أكتوبر 1965، حينئذ انطلقت المحاكمات السياسية الصورية والمخدومة وحظر نشاط الاتحاد الوطني لطلبة المغرب (أوطم) في 24 يناير 1973، والتصدي القمعي لإبادة تنظيمات اليسار الماركسي- اللينيني المغربي. في معترك هذه الظروف عرفت النزعة الجمهورية أوجها في تاريخ المغرب؛ ففي خضم الصدام الدموي برزت بوضوح فكرة إسقاط النظام الملكي وقلبه بالعنف الثوري لتعويضه بنظام جمهوري شعبي، ليصبح هذا التصور عقيدة إستراتيجية بالنسبة لجملة من القوى السياسية، منها ما أعلنت عن ذلك ومنها من تسترت عليه نظرا للقمع الشرس والوحشي السائد آنذاك. في تلك المرحلة ولج الجيش، بإيعاز من المخابرات الأمريكية والموساد، حلبة الصراع على السلطة، فحدث انقلابان فاشلان. وفي 30 يوليوز 1972 اتخذت اللجنة الإدارية لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية إنهاء علاقة الحزب مع التيار النقابي والتيار المسلح، ورغم ذلك لم يحصل أصحاب هذا الرأي على ود الحسن الثاني، بل ذاقوا مرارة تداعيات ضريبة التمرد المسلح ليوم 3 مارس 1973، وجاءت قضية الصحراء لإرجاء إشكالية الصراع على السلطة وظلت النزعة الجمهورية حاضرة. وفي المرحلة الممتدة من منتصف السبعينيات و 1996، تاريخ الإقرار بالتعديلات الدستورية انتقل الصراع من الشارع إلى قاعدة البرلمان. يبين آنذاك بجلاء أن الصراع على السلطة انتقل من حيازة السلطة عن طريق الإقصاء والإلغاء وبكل الوسائل المتاحة بما في ذلك استعمال العنف إلى حيازة السلطة عن طريق المنافسة السياسية السلمية قصد اقتسامها، وساد الحديث عن خيار التطور الديمقراطي. ولم يتم تحقيق هذه الطفرة بطريقة سلسلة، وإنما ظل القمع ساريا على امتداد أعوام ما بين 1979 و 1981 وبين 1984 و 1990، ومحاكمات هنا وهناك في مختلف أرجاء المملكة، وتوالي الحكومات الصورية التي سرعان ما كانت تسقط تباعا بدون أي جدوى، وهذه مفارقة غريبة خصت المغرب بامتياز، وجعلت النزعة الجمهورية حاضرة بامتياز. وفي مارس 1998 عين وزيرا أولا، تحت يافطة التناوب والتغيير اللذان سرعان ما انكسرا على صخرة الواقع المعيش، إذ برزت حكومة لا تختلف ملامحها عن حكومات عصر ما قبل الحديث عن التناوب. لكن تأكد أمر جوهري، وهو في الحكومة المشاركة بقدر ما تسمح به الظروف. وهذا أقصى ما وصلت إليه الحركة الوطنية بالمغرب بالرغم من التضحيات الجسام على امتداد ما يناهز نصف قرن: انتقال مشوب بالعديد من الشوائب والنواقص. وهذا الواقع دفع الكثيرين بالمناداة بأولوية الإصلاح الدستوري، ومن ضمنهم من كانوا بالأمس القريب مقتنعين حتى النخاع بضرورة إقامة نظام جمهوري بالمغرب. ودعوة هؤلاء إلى أولوية المناداة بإصلاحات دستورية جوهرية، تنبع من اعتقادهم الراسخ بطبيعة النظام السياسي القائم، وهو المبني بالأساس على الشرعية الدينية التي تتماهى فيها القيادة مع الإمامة والولاية السياسية مع الولاية الدينية المتمثلتين في شخص ملك المغرب أمير المؤمنين، وهو نظام يعيد إنتاج نفسه باستمرار عبر إنتاج وإعادة إنتاج مؤسساته وقيمه السياسية وثوابته. والآن، يبدو أن النزعة الجمهورية لازالت حاضرة بالأوساط السياسية الإسلامية، غير المشاركة في اللعبة السياسية وغير المسموح لها بالنشاط الشرعي والرسمي في واضحة النهار، وحتى وإن لم يتم الإعلان عن ذلك. فإذا كانت النزعة الجمهورية غائبة قبيل الحصول على الاستقلال، فإنها برزت بشكل واضح منذ فجر الستينيات وتزامن ذلك مع إصرار الحسن الثاني على الانفراد بالحكم. وللإشارة إن الطريقة التي حصل بها المغرب على استقلاله من الأمور التي تحكمت بقوة في المسار الذي سار عليه المغرب. لقد اعتبر الكثيرون أن استقلال المغرب هو استقلال ممنوح، إذ أن الاستعمار الفرنسي قد هيأ لقوة، من خلال الوظائف والمناصب ومن خلال التبعية الثقافية والمصالح الاقتصادية، من تجارة وصناعة وخدمات. تضمن مصالح الاستعمار الأساسية بالمغرب. وبذلك ظل حاضرا رغم رحيله الرسمي. وما دامت فرنسا قد هيأت تلك القوة التي ستمكنها من دوام حضورها رغم الإعلان عن الاستقلال، فإنها اقترحت على الوطنيين المغاربة أن يتمتعوا بالاستقلال ويضعوا دستورا ويؤسسوا ديمقراطية، وبعد ذلك إذا تبين أن المغاربة يريدون رجوع الملك فسيكون لهم ذلك. إلا أن الوطنيين رفضوا الاقتراح، وطالبوا بعودة الملك وبالاستقلال في آن واحد. وهذا من شأنه أن يبين أن النزعة الجمهورية لم تكن حاضرة آنذاك، ولم تظهر إلا بعد الإقرار بالقطيعة بين الملك (لاسيما في عهد الحسن الثاني) والحركة الوطنية. آنذاك قبل رموز الحركة الوطنية تأجيل قضية الديمقراطية مقابل إسناد جميع السلطات التشريعية والتنفيذية والإشراف على جهاز القضاء، ذلك اعتقادا منهم أن عودة الملك هو ضمانة للديمقراطية ولتحقيق الاستقلال الحقيقي، لكن التاريخ خيب أملهم بامتياز وأدى الشعب الثمن باهضا.
التعامل مع الأحزاب
قادت تدابير الدولة في تعاطيها مع الأحزاب السياسية، الحاملة لمشروع مجتمعي، إلى إفساد الحياة السياسية عموما، وذلك على امتداد ما يناهز نصف قرن من الزمن بالمغرب. لقد تمكنت الدولة من تفويض أسس الحياة الحزبية بالبلاد رغبة منها في تحقيق توازنات ظرفية وآنية ذات طبيعة هشة دون بعد نظر. وهذا ما أدى إلى ما نلاحظه حاليا من عزوف طاقات واسعة من المشاركة في الحياة السياسية والحبل مازال على الجرار كما يقال في هذا الصدد. وبذلك تمكنت الدولة من إضعاف الأحزاب الحقيقية وخلق كيانات سياسية غريبة لا تستند على قاعدة اجتماعية، ولم تتوفر يوما لا على مشروع مجتمعي ولا على برامج سياسية واضحة المعالم ومحددة الآليات. ذلك للتصدي لكل التيارات والتوجهات الحاملة للنزعة الجمهورية. وعملت الدولة بسخاء منقطع النظير على توفير الدعم السياسي والمادي واللوجيستيكي لهذه الكيانات، كخطة منها لمواجهة الأحزاب السياسية المعارضة. وهكذا خلقت الدولة الحركة الشعبية في 1958، وجبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية في سنة 1964، والتجمع الوطني للأحرار في سنة 1977، والاتحاد الدستوري في سنة 1983، وجملة من الحركات الأصولية لمواجهة الحركة الماركسية اللينينية والتيارات اليسارية في الاتحاد الوطني ثم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الحاملة كلها للنزعة الجمهورية وذلك على امتداد السبعينيات والثمانينيات. لقد اعتمدت الدولة هذا الحل لأن المقاربة الأمنية ظلت ثابتا من ثوابتها في التعاطي مع الحقل السياسي بالمغرب منذ أمد طويل جدا. لذلك تعرضت أحزاب المعارضة بشكل خاص للقمع الشرس والمتواصل على امتداد أكثر من أربعين سنة. وغذت الدولة انشقاق الأحزاب القوية وتشتيتها أو بالتدخل في شؤونها الداخلية كما حصل في تحديد مرشحي حزب العدالة والتنمية في الانتخابات، وكذلك تعيين بعض الوزراء في حكومة إدريس جطو ضدا على إرادة الأحزاب التي ينتمون إليها. وكانت النتيجة هي المأزق الذي يعيشه الحقل الحزبي المغربي اليوم، إلى أن أصبح دوره منحصرا بالكاد في لعب الوساطة بين قاعدتها الاجتماعية والنظام السياسي. بهذا النهج تمكن النظام من التصدي للنزعة الجمهورية بالمغرب، وقالها.
#إدريس_ولد_القابلة (هاشتاغ)
Driss_Ould_El_Kabla#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سياسة القائمين على الأمور أحبطتهم ودفعتهم للسلبية والتطرف
-
صحراويو تيندوف يبيعون ممتلكاتهم ويهربون
-
مستملحات ومقالب ملك 1
-
مقالب ملك
-
صفقة المديوري مع القصر -المنفى الاختياري-
-
مساءلة محمد المديوري وغيره من الناهبين قائمة
-
نهب وفساد في بيت الجمارك
-
مازلت أتساءل
-
قضية - إيجا- خادمة -لارما- ضياع حق بامتياز
-
ماذا يريد الأمازيغ من التصعيد في مختلف المجالات؟
-
قطع الأعناق أهون من قطع الأرزاق
-
ماذا يريد المغاربة؟
-
وهم بترول تالسينت هل كذب -كوستين- على الملك؟
-
حوارمع إدريس بنعلي، باحث ومحلل اقتصادي
-
على امتداد فترة الإعداد للانقلاب ظل الكولونيل حسني بنسليمان
...
-
المهدي المنجرة عالم المستقبليات
-
بعد المعاينة رجعت إلى البيت محطم الأعصاب
-
الملكان الحسن وحسين عاينا إعدام الجنرالات
-
الإعدامات في عهد الحسن الثاني
-
العلاقات المغاربية – الفرنسية
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|