|
أساقفة الكنيسة الأرثوذكسية و هاوية التكفير
رشا أرنست
(Rasha Ernest)
الحوار المتمدن-العدد: 1859 - 2007 / 3 / 19 - 11:21
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في ظل أزمة تعديل الدستور التي تجتاح مصر بكل أقطارها ، نرى بعض المنزلقين إلى التيار الديني و صراعاته . و بجانب معارضات و مظاهرات الإخوان المسلمين بمصر و كل أخبارهم اليومية ، نرى حملة الصحافة المكثفة و المهتمة بأخبار المسيحيين و طوائفها . بداية بتكفير جورج حبيب بباوي للبابا شنودة الثالث ، مروراً بفتاوى البابا شنودة الخاصة بالتبرع بالدم . فعدوى الفتاوي تسري في مصر هذه الأيام أضعاف فتاوى السنوات العشر الماضية سواء عند الشيوخ أو عند أساقفة الكنيسة و خاصة الكنيسة الأرثوذكسية . أما هذه الأيام فالموضوع الشائك و الذي يتصدر صفحات المجلات و بعض الجرائد هو خبر حرب التكفير الذي يشنها الأنبا بيشوي أسقف دمياط بالكنيسة الأرثوذكسية و سكرتير المجمع المقدس . بدأت الحملة التكفيرية من قبل الأنبا بيشوي الذي من المفترض انه مسئول بالكنيسة كأسقف يرعى شعب ايبراشية بأكملها و أفكار أجيال ، رسالته معهم أن يزرع بقلوبهم و ضمائرهم الإيمان و المحبة . فاجأ الحاضرين مؤتمر تثبيت العقيدة للشباب الأرثوذكس الذي عُقد الأسبوع قبل الماضي بدير الأنبا إبرام بالفيوم . بإلقاء كلمته الزاخرة بتكفير مَن هم غير أرثوذكس من المسيحيين الكاثوليك و البروتستانت ، و ادعى أنهم لن يدخلوا ملكوت السموات ، و لم يكتفي عند حد الكاثوليك و البروتستانت إنما وصل تكفيره إلى حد تكفير الأموات و منهم الأب متى المسكين ، الذي لم ترحمه الكنيسة الأرثوذكسية و هو على قيد الحياة و لم يرحمه الأنبا بيشوي و هو بين يدي الله . و طبعت كلمته و وزعت على سي دي و في غضون أيام قليلة وصلت إلى كل من يخصهم و لا يخصهم الأمر . و انفردت مجلة أخر ساعة بنشر هذا الخبر بالتفصيل بعدة أعداد خلال الأسابيع الماضية ، كما اهتمت جريدة المصري اليوم بمتابعة هذا الخبر و ردود أفعال كلاً من الكنيستين الكاثوليكية و البروتستانتينية . و غيرهم من المجلات و الجرائد التي وجدت كلمة الأنبا بيشوي مادة دسمة لأخبار تهم المصريين اليوم . فقد أصبح الكلام في الدين سمة أهل مصر . فإن أردت أن تُلهي شعب عن شيء ما اقذف به جملة تمس إيمانه ، فستجده تحت طوعك و إن كنت أنت القاذف . لم يكن رد الكنيستين الكاثوليكية و البروتستانتينية إلا بشكل ينبئ عن عقلانية و تفهم لوضع البلد الحالي و وضع الكنيسة أيضاً و إلا لكانت اشتعلت حرب باردة بين الثلاث كنائس . فالرد جاء شديد الحرص للوضع الراهن على كل مستوياته . فأكد الأنبا يوحنا قلتة عن الكنيسة الكاثوليكية في رده ، أن كلام بيشوي لا يستحق التعليق ، موضحاً أن للحوار أهله وموضعه وليس كل شخص يستحق الرد عليه . كما دعا القس رفعت فكري راعي الكنيسة الإنجيلية الأنبا بيشوي إلي مراجعة كل أفكاره وتدقيق كل كلمة يقولها ، بدلاً من هذا التعصب الأعمى. و طالب عدد من الآباء والقساوسة الكاثوليك والبروتستانت البابا شنودة الثالث ، بتوضيح ما إذا كان كلام بيشوي يعبر عن الكنيسة الأرثوذكسية ، أم أنه رأي شخصي ، داعين البابا إلي اتخاذ موقف حازم ضد الهجوم والتجريح الذي تتعرض له الطوائف المسيحية غير الأرثوذكسية. و بالفعل كعادته اتخذ البابا شنودة رداً و كان في منتهى الدبلوماسية كعادته أيضاً و أنكر كل ما جاء على لسان الأنبا بيشوي مدعياً أن لا أصل له من الصحة . أتذكر أن الكنيسة الكاثوليكية في مطلع هذا العام حددت أسبوع للصلاة من اجل وحدة المسيحيين في العالم في 18 – 25 يناير 2007 م . و أتذكر أيضاً أنني كتبت مقال بهذا الشأن و نشر بموقع " http://www.abouna.org " بعنوان وحدة الكنيسة ليست مستحيلة لكنها مُتطلبة " , الآن علمت أنها ليست فقط متطلبة لأشياء كثيرة مثلما ذكرت و لكن هي بحاجة للصلاة من اجل الصلاة لوحدة المسيحيين . ففي أسبوع الصلاة من اجل الوحدة كتب كهنة و علمانيون كثيرون في هذا الشأن ، أتذكر أن كل مَن قرأت لهم كانوا كاثوليك ، هذا ليس لأنني لا اقرأ لغير الكاثوليك و لكن لأن فكرة الصلاة نبعت من الكنيسة الكاثوليكية و بالفعل صدق قول أن مَن يسعى لعمل شيء هو الأكثر إيماناً به . فبعد اقل من شهرين للصلاة من اجل الوحدة نجد على الجانب الآخر من يسعى لتعليم أبنائه كيف يكرهون و كيف يكفرون الآخرون . استعجب منا نحن البشر ، أصبحنا نفعل كل شيء و نخترع كل شيء . و لا يصعب على عقلنا أي شيء . حتى إننا أخذنا دور الله الخالق . فأخذنا نـُكفر هذا و نؤله هذا دون احترام لقدسية كلام الله الذي أعطى الكل الإيمان مجاني . لم نكتفي بدورنا كبشر مسئولين ، نملك عقل و إرادة و عاطفة ، لم نكتفي أننا نتجاوز بعضنا البعض و لا نحترم بعضنا و إنما تجاوزنا عن إلهنا الذي وهبنا هذا الإيمان و هذه الساعة التي نُهين و نكفر فيها بعضنا .
فكرتُ كثيراً فيما يكون الرد على الأنبا بيشوي ؟ و لكني لم أجد رداً بداخلي . فمثل هذا الشخص يثير في نفسي الشفقة عليه . لأنه حتى الآن و رغم كل دراساته اللاهوتية و ثقافته الدينية و مناصبه الرسمية لم يعلم كم أن الله محب و رحيم . يَقبل الجميع دون تفرقة ، يكفيهم إيمانهم به حتى لو لم يكونوا مثل ما يظن الأنبا الفاضل . أشفق عليه من نفسه التي جعلت منه فريسة لأفكاره غير إيمانية . و من لديه الفرصة لدخول ملكوت السموات بجانب الإيمان بالله لابد أن يكون إنسان عرف كيف يعيش مع أخيه على هذه الأرض ، عرف كيف يقبله و يساعده لا أن يكفره و يحرمه من الله الذي هو للجميع . فالله خلقنا مختلفين ليعرف كل منّا قيمة الاختلاف و قيمة الآخر بحياته . رغم كل ما يحدث و يُنشر إلا أنني أرى جانب ايجابياً في تلك الزوبعة ، أرى مدى صمود الكنيسة في وجه كل هذه التيارات و الأفكار المشينة التي تُحاول هدمها و إن كان بعضها من داخل الكنيسة ذاتها . و لكن تظل هي الأقوى على مر كل العصور و كما قال يسوع المسيح " و أبواب الجحيم لن تقوى عليها " .
#رشا_أرنست (هاشتاغ)
Rasha_Ernest#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أحبُكَ و أنتظر
-
همس الليل
-
أفكَاري
-
النظري و العملي لاحتياجات ذوو الاحتياجات الخاصة
-
أرفض
-
شهداء لبنان يصرخون لا تستسلموا يا أبناء الأرز
-
شباب يطلب فرصة
-
عائداً إليكِ
-
الاعدام رفض لرحمة الله
-
أحببت
-
العشرة الطيبة
-
موعد
-
عيناه
-
المشهد الأخير من حياة رئيس
-
لستُ فتاة عادية
-
مشوار الصداقة
-
إذا وجدت
-
رفيق
-
قلمي
-
تعددت الأنواع و الزواج لم يعد زواج
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|