|
بين النظام العربي والمجتمع العراقي ثنائية الانقسام الثقافي والتاريخي
محمد خضير سلطان
الحوار المتمدن-العدد: 1860 - 2007 / 3 / 20 - 10:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ما الذي نحتاج اليه لكي نبرهن على وجودنا الذاتي العراقي امام العالم المعاصر وامام انفسنا دون ان يتعين هذا الوجود من الخارج، بمعنى ان نكتشف اشياء لاتنفعنا من فهم الآخر لوجوده الحقيقي دون ان نلحق به ونكون مثله فلا نقعى على هامش الوقائع، ولن نشهد خريطتنا العراقية وفي كل اتجاه، تتحدد من الخارج،كما لو انها منطقة حياد آهلة بالناس دون ان نقيم جدارنا الخاص الشاخص بجهدنا على ترسيم مخططنا الوطني والتاريخي، اين موقعنا الحقيقي مما حدده الآخرون به، لماذا لم ندع لحظة تاريخية ، تبدأ وترتقي منذ اكثر ثمانين عاما في الاقل على بدء الدولة العراقية،ومن نحن لكي تمر قرون ولا نبرح لحظة، نتذكر عشناها يوما في عصر زهر ثم أفل، من نحن الذين ندرك الغربة احيانا من شدة التصاق الناس باوطانهم وندرك باننا لابد ان نجد وطنا مثلهم ولكن المنفى بالنهاية هو الوطن الاول والاخير، ومن نحن الذين لاتعد دماؤهم مخاضا للارتقاء ودرسا للتحرر والخلاص، اذا قلنا نحن العرب العراقيين لابد ان نؤكد وجودنا كعراقيين مثلما يؤكد المصريون والسعوديون وجودهم العربي الراهن على نحو معين،،،ربما وجد العرب موقعهم العربي لاعتبارات كثيرة ولكن كيف يؤكد العراقيون وجودهم العربي وسط انقسام ثقافي وتاريخي لا يمكن انكاره بين العرب العراقيين والعرب الآخرين، كيف نتبين هذا الانقسام وننطلق منه لتحليل شكل العروبة التي يتشبث النظام العربي وحده بالاستئثار بها امام العالم ويحرز نتائج ملموسة على حساب العراق العربي؟ ماهي القواسم المشتركة التي تجمع في ما بينهم ظاهرا وتفرق مابينهم حقيقة، كيف ننظر الى العناصر التي تنطلق من المركز( الجزيرة في التاريخ الماضي ، والقاهرة في التاريخ المعاصر والوسيط) وتسعى الى التجمع نحو المركز ايضا كرؤية توافقية بين الحاضر والماضي بل وتشكل ستراتيجية تقوم على ثوابت مشتركة، وغير خاف القول بان بغداد العباسية كانت تشكل نواة العروبة والاسلام المنشدة الى مركز المدينة والجزيرة عموما،حين كانت الفكرة القومية مشاعة انسانية ولاتمثل مظهرا للهوية الا في حدود السلطة الاسلامية العليا التي ازاحت جميع القبائل العربية وابقت نموذجها القريشي حسب، ومع ذلك تم اختراق هذا النموذج في السلطنة العثمانية والقاجارية بدعوى عمق الاصلاب على امتداد الازمان، وبالرغم من عمق الاصلاب وامتداد الازمان ألا ان الخلافة العباسية ، تنتقل الى القاهرة بتنازل رسمي عام1260 م من قبل الخليفة المخلوع في بغداد عام 1258 م، وحين انتقل مركز الخلافة الاسلامية الى الاستانة بواسطة جيوش الفتح الجديد واحيته بعد قرون حتى جاء التغيير الاتاتوركي عام 1925 ، وجدت القاهرة الفرصة سانحة من اجل ان تستعيد دورها المركزي بطريقة جديدة لم يفلح الاخوان في فرضها عبر الاستيلاء على السلطة فتغلغلت في النظام العربي الناشيء في العصر الحديث. من جانب آخر، فان المركزة الاسلامية العربية وتحايثها مع العالم المعاصر لاتقتصر على الوحدة بين الدين ونشوء الافكار القومية ولم تنحصر في مدن الاستقطاب مثل مكة والقاهرة بل ساعدت القرون الوسيطة العربية منذ عام 1258 على بروز المذهب الشيعي وحضوره السياسي في مدن الاستقطاب مثل الحلة والنجف والكوفة وسامراء وتبريز وقم والاحساء مما جعل العراق كله في وحدته الجغرافية، يقع خارج الاستقطاب السياسي الديني الرسمي ولا يمثل الهوية المعاصرة ألا في حدود الاقلية المذهبية المرتبطة بالنظام العربي فضلا عن ان الحضور الشيعي لم ينتج صيغة توافقية مع الافكار القومية الناشئة وترك الوقائع التاريخية والسياسية تتراكم مثل الجليد على عتبات مدارسه وقبابه الذهبية دون القدرة على ازاحته من طريقه المذهبي بالوسائل التي تؤمن طريق الحياة من طريق المذهب فيما استطاع النظام العربي الديني ان يجذر طرق اللقاء بين الدولة والدين ، ويخطط لستراتيجية مؤثرة بالعالم حيث يولد العراق الحديث من قلب المركز القديم في مؤتمر القاهرة عام 1921 م وتستحضر طقوس استعادة العرش الهاشمي في بغداد بالتعاون مع المكتب البريطاني العربي في مصر وتذهب الى النسيان كل مقررات وزارة الهند، وتعود ارض السواد من المصالح البريطانية الى توافق هذه المصالح مع الخراج العمري الجديد التابع لمقررات المكتب الانكليزي في القاهرة. وفي الوقت الذي سبق الاحتلال الانكليزي للبصرة بعقود قليلة، كانت مدن النجف وكربلاء ، تدعوان الى النظام البرلماني، وتصادقان بالختم الحوزوي على النظام الدنيوي لاستنبول وطهران بطلب من سلاطينها وشاهاتها، وتوضحان بجلاء لايران وتركيا عدم تعارض الشريعة مع الدستور العلماني الجديد ألا نهما لا تتعديان شأنهما الديني في حدود العراق( انظر كتاب المشروطة والمستبدة للدكتور رشيد الخيون). وعبر هذه المفارقة ، ظل العراق بعيدا عن المقاربة المناسبة لاندماجه بالعالم المعاصر قبل اندماجه بالنظام العربي بل صار التعارض قائما على حصيلة من الارث التعسفي من خلال الادماج القسري في نموذج الفكر القومي الذي يعتمد التسنن احد معاييره الثابتة في وحدة الدين بالدولة والتدين بالدنيا، ويقابل هذا التعارض عدم نشوء فكرة موازية للاكثرية في العراق من شأنها ان تبتكر رؤية وتشكل ملامح عقل عراقي سياسي يتخطى المنظومة الفقهية الى ما هو خارجها ومعها في سياق منتظم ولو كان مثل هذا النموذج ناشئا بالفعل لادى الى تعدد النظام العربي في نموذجه العراقي وقلل من النتائج الكارثية التي الحقت بالمجتمع العراقي جراء النموذج الاحادي المستبد. ليس مصادفة كما يقول المفكر ميثم الجنابي في بحثه الموسوم( اعدام صدام..... صرخة الضمير المعذب وحشرجة الاعلام " المهذب") ان يتحول اعدام صدام الى صدمة ، صدمت النظام العربي ( عقلا وضميرا) وهي مفارقة كما يرى الجنابي ان يكون العقل لاعلاقة له بالضمير كصوت وجداني فاعل لمعايير العقل فضلا عما يشير الحنابي الى ان من الصعب الحديث عن عقل وضمير عربيين بالمعنى الدقيق للكلمة. من هنا فان الازمة عراقية في خضم الجهل الناجم عن الدمج القسري للعراق في اطار النظام العربي وغياب الفهم التاريخي للمجتمع العراقي لدى الاوساط العربية وموقعه بين المركزة الاسلامية والعالم المعاصر بحيث ادى االجهل الى التفاوت بين الضمير والعقل العربيين فيما لم ينجم الضمير العراقي "المعذب" الى أنشاء رؤية سياسية فاعلة للخروج من الازمة والانتهاء من الكوميديا السياسية العراقية المتميزة باختراق اي منجز سياسي وثقافي منذ تاسيس الدولة وسفح اي معطى في هذا الاتجاه. ماهي الحلول الاولية لمناقشة المشكلة، وكيف يتعين رفع الانقسام التاريخي والثقافي بين المجتمع العراقي والنظام العربي وايجاد التوازن مع العالم.
#محمد_خضير_سلطان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فكرة مسرح الحياة وسط جلبة الموت/ طقس الصلاة في طاحونة حرب
-
تنازل الدولة عن الاعلام
-
ما الذي لا يحدث لكي لا ننتبه /الى الشاعر الراحل خال حمرين
-
صانع الجرار التي لاتتحطم
-
الجدار العالي بين مجرى الدم ومسرى النفط
-
المصالحة الثقافية اولا
-
مقارنة بين الدستورالاتحادي والفدرالي الكوردستاني/ المركب الس
...
-
تطبيقات مبكرة لهوية السرد في الذاكرة الرافدينية/ القاصان محم
...
-
العلامة حسين علي محفوظ/ لم اقو على السياسة ولو بحمل عصاي بعد
...
-
قراءة في مسودة مشروع قانون لهيئة الاعلام العراقي-- الطرائق ا
...
-
رواية (سبت يا ثلاثاء) لزيد الشهيد/ النموذج الاخير في البناء
...
-
حيوا المجازين ......نصيحتان للبرلمانيين قبل لقائهم بالناس
-
تعريف وحوار المعضلة العراقية على طاولة مفكر عراقي
-
الالف توقيع
-
الاحساس بالزمن
-
من يؤيد الاحتلال ؟من يقف ضد الفاشية؟
-
تصل او لاتصل.....رسالة الى اربيل
-
الوجه الغائب عن تحليل الديمقراطية العراقية/هدم الكهف واطلاق
...
-
الديمقراطية العراقية -صورة اولية لصنع الذات وتحققها على الار
...
-
تلازم صحة القرار السياسي مع الارتقاء الامني
المزيد.....
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
-
نجل شاه إيران الراحل لـCNN: ترامب و-الضغط الأقصى- فرصة لإنشا
...
-
-لقد قتلت اثنين من أطفالي، فهل ستقتل الثالث أيضا؟-: فضيحة وف
...
-
كيم: المفاوضات السابقة مع واشنطن لم تؤكد سوى سياستها العدائي
...
-
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص
...
-
ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
-
مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
-
إيران متهمة بنشاط نووي سري
-
ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟
...
-
هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|