|
في شرعية الحاكم المطلق - الملك العضعوض
مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 1859 - 2007 / 3 / 19 - 11:21
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كان تحول شكل الحكم من الصيغة الشورية التي تحتفظ فيها الأرستقراطية القبلية و نخبة المهاجرين و الأنصار بحق المشاركة في اتخاذ القرار و الاستفادة من الخيرات التي تتدفق على بيت مال المسلمين مع اتساع الفتوحات إلى صيغة الملك العضعوض الحكم الفردي الأوتوقراطي و الثيوقراطي بصيغة ما تحولا هائلا مع الأخذ بعين الاعتبار قصر الفترة الزمنية التي تحقق خلالها هذا الانتقال..شكلت مرحلة خلافة عثمان و علي المرحلة الانتقالية بين الصيغتين , فرغم أن السلطة بدأت تتخذ شكلها العائلي مع حكم عثمان وصولا إلى تغيير أحكام صادرة عن الرسول الكريم (ص) و تولي أبناء الأسرة الأموية المناصب المفصلية في الدولة فإن التحول سينجز أولا مع تولي معاوية السلطة بعد سلسلة من المواجهات المسلحة و من ثم توليته ابنه يزيد ولاية العهد في تشكيل لصيغة الحكم الجديد..طبعا كانت الوظيفة القمعية للدولة قد بدأت تترسخ و تتوضح أكثر مع الحروب التي دخلتها ضد معارضيها لكنها كانت موجهة أساسا ضد أعداء الدعوة و لم تستخدم إلا في عهد عثمان ضد المعارضة الناشئة لهذه التغييرات داخل نخبة المهاجرين و الأنصار كما جرى بحق الصحابي أبي ذر الغفاري و فيما بعد , في عهد السلطة الأموية , أصبح جهدها موزعا تقليديا بين أعداء الخارج و معارضة الداخل..كان استيلاء معاوية على السلطة بالقوة و من ثم توريثها ليزيد كما سبق نقطة التحول الحاسمة و قد مثلت وسائل هذا الصراع بداية باستخدام الغش و الخداع الصريحين في حادثة التحكيم و ما استخدمته السلطة فيما بعد من قمع و تنكيل بالمعارضين و انتهاك أية حرمات ترتبط بالمقدس مهما بلغت مع قرب العهد بفترة النبوة كاستباحة مدينة الرسول الكريم و ضرب الكعبة بالمنجنيق و قتل الصحابة و الأئمة المخالفين و التمثيل بجثثهم كصلب عبد الله بن الزبير و قتل الحسين و التمثيل بجثته أسس هذا الاستخدام المنفلت للقوة القمعية ضد أي شيء و كل شيء عند الضرورة لقواعد و حدود فعل السلطة ضد المجتمع-الجماعة و رغم أن المؤسسة الدينية يومها و المجتمع سيردان بعنف و استنكار غالبا على هذا القمع المنفلت لكننا مع الوقت سنشهد تحولا باتجاه تشريع سلوك السلطة و ممارساتها و وظيفتها القمعية و الأهم من ذلك صيغة الحكم المطلق الملك العضعوض..يمكن مثلا هنا أن نرصد بين معارضي و ضحايا النظام الأموي الفقيه المرجئي سعيد بن جبير و الجبري جهم بن صفوان و القدري غيلان الدمشقي إضافة للخوارج و موالي أهل البيت و بين من تعرض لتعذيب و ملاحقة جلادي بني أمية كان أكثر فقهاء ذلك الزمن كسعيد بن المسيب و الحسن البصري و غيرهم..هذا الطيف الواسع من معارضي النظام الأموي سيدل على أزمة السلطة الأموية في علاقتها مع النخبة المثقفة و المؤسسة الدينية يومها التي كانت في ردة فعلها الأولية على ظهور الملك العضعوض في طرف المعارضة أو الاستنكار و الرفض على الأقل للحكم المطلق..لاستعراض هذا التحول في موقف المؤسسة الدينية من وضعية الملك العضعوض يمكننا أن نأخذ الإمامين أبي حنيفة النعمان و ابن حنبل كنقيضين يمثلان حالتين أساسيتين في الموقف من السلطة مع اعتبار الإمامين الشافعي و مالك حالة انتقالية بينهما..فالإمام أبو حنيفة النعمان كان منخرطا في الفعل السياسي حتى أذنيه و جزءا من مشروع سياسي معارض للسلطة و صاحب مقاربة تلح على أن الجماعة-المجتمع هو صاحب المشروعية في اختيار الحاكم على الأقل في احتفاظ الجماعة بحق الثورة على الحاكم..كان أبو حنيفة قد دعم ثورة زيد بن علي بن الحسين بن علي خفية ( الذي يمثل أيضا صاحب مشروع سياسي فكري متميز في تلمذته على واصل بن عطاء رأس المعتزلة و تعديله لمفهوم الإمامة الشيعي بحيث أصر على الخروج على الحاكم الجائر كشرط في الإمام في معارضة لتقية أئمة الشيعة ) و كان أبو حنيفة قد بايع محمد الإمام , محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي , و مات في حبس المنصور على بيعته..و أصر أبو حنيفة على أن الخلافة لا تورث و لا تكون بالوصاية و لا تفرض على الناس بالإكراه و لا بد من البيعة و أن تكون حرة بالاختيار و معروف قوله المأثور " الخلافة تكون بإجماع المسلمين و مشورتهم "..يقوم مشروع أبي حنيفة على مفهوم الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ليس بصيغته الموجهة ضد العامة و المجتمع بل الموجه بشكل أساسي ضد الحاكم الجائر الذي لا يقوم بالشرع أو بالعدل..على النقيض تماما فإن الإمام ابن حنبل لا يملك أي مشروع سياسي مباشر و هو بذلك يقر أن السلطة هي خارج دائرة التغيير خارج فعل و تأثير المجتمع و المؤسسة الدينية و خلافا لأبي حنيفة يقر السلطة بوظيفتها القمعية تجاه المجتمع و في قيامها بمعزل عن إرادة الجماعة-المجتمع , فهو يحرم الخروج على السلطان برا أو فاجرا و أنه وحده القائم بالجهاد و حتى إذا أمر بمعصية الخالق فلا يطاع لكن تؤدى حقوقه في كل الأحوال من سمع و طاعة..و هو في إثباته إمامة المتغلب مع الشافعي يقر و يثبت وضعية السلطة فوق المجتمع خارج المجتمع..يصبح الأساس هنا هو مضمون الخطاب الديني السائد و لا سيما تعاليم الفرقة السائدة و ضرورة أن يكون طهريا نقيا من أية هرطقة دينية..من إنكار قمع السلطة* و المشاركة في معارضتها أو اعتزال كلا من المعارضة و المشاركة في مشروع السلطة القمعي ( الحجاج عذاب الله فلا تدفعوا عذاب الله بأيديكم و لكن عليكم بالاستكانة و التضرع فإنه تعالى يقول " و لقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم و ما يضرعون " - الحسن البصري ) إلى تشريع الدور القمعي للسلطة و وضعيتها فوق المجتمع كان هذا التحول في موقف المؤسسة الدينية ليس فقط نتيجة للتغيرات الاجتماعية العميقة بل نتيجة لصيرورة نتاج هذه المؤسسة الفكري و تغير أولوياته و تحول تركيز جهده الفكري نحو شكل يرتبط أساسا بدوغمائيات النص المقدس أكثر من حاجات و مصالح المجتمع-الجماعة فانتهى الخطاب السائد إلى الاعتذار عن كل ممارسات السلطة و تبريرها ضد خصومها بل ضد المجتمع** بما في ذلك ممارسات عثمان التي خرج فيها صراحة عن سنة الشيخين و أسس بها لظهور الملك العضعوض
مازن كم الماز
* حدث في أيام الحسن البصري أن حلف رجل على زوجته بالطلاق أن الحجاج في النار فلجأ لفقهاء عصره ليبر يمينه فراجع الحسن البصري الذي رد عليه أن الحجاج كان طاغية و ظالما لكن الله رحيم وسعت رحمته السماء و الأرض و راجع غيره فما زادوا عن ذلك حتى سأل عمرو بن عبيد الفقيه المعروف فأجابه : أقم مع زوجك فإن الله لو غفر للحجاج ما ضرك الزنا..و عمرو بن عبيد هذا , كان مع واصل بن عطاء , مؤسس فرقة المعتزلة...
** من المفيد هنا التذكير بأن فكرة الحاكمية التي قال بها منظرو الإسلام السياسي المعاصر لا تعود أبدا للخطاب السائد في مدرسة النقل و حتى السلف ففكرة الحاكمية كما جاء بها سيد قطب و المودودي تضع الجماعة الإسلامية-الإخوان المسلمين هنا في تعارض مع المجتمع الذي يوصف بالجاهلي فيما كان خطاب مدرسة النقل و السلف يهدف للحفاظ على جماعة المسلمين-المجتمع في أقرب ما يمكن لرؤيتهم عن المقدس أما فكرة الحاكمية فهي من التعاليم الأساسية لفرقة الخوارج و الولاء و البراء فهي أيضا فكرة وضعها مفكرو الخوارج عند مقاربتهم لموقفهم من سائر المسلمين الذين لا يوالونهم ( تنسب إلى أبي بيهس الهصيم الذي "زعم أنه لا يسلم أحد حتى يقر بمعرفة الله تعالى..و الولاية لأولياء الله تعالى و البراءة من أعداء الله"..الملل و النحل للشهرستاني ص 100 ) مع التذكير مثلا أن سيد قطب في بعض كتاباته المبكرة كان قد اعتبر الخروج على عثمان عودة لقواعد الإسلام الأصيلة مع قبوله بالشائع عن مسئولية ابن سبأ عن حوادث الفتنة تلك
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خطاب مدرسة النقل و السلف
-
من دروس الحروب الأهلية
-
رد على مقال الأستاذ زهير سالم : المجتمع المفكر و نظرية المعر
...
-
إلى عبد الكريم سليمان
-
عن تحولات الجسد
-
في حقوقنا كبشر
-
الإنسان و الحرية
-
رأي في الحرب
-
إعادة اكتشاف الصهيونية
-
السياسة و المجتمع
-
الخارج مرة أخرى
-
الحداثة..التبعية..و المقاومة
-
ابتسم..أنت سوري!!..
-
الطائفية و إشكالية التغيير الاجتماعي
-
نخبوية المثقف : الفكر لأجل الإنسان أم الإنسان تحت رحمة الفكر
...
-
قتل الآخر في عاشوراء مرة أخرى
-
نار الحرب القادمة و مستقبل التغيير
-
الديمقراطية بين خطابات -التغيير-
-
بين الخارج و الخطابات السائدة
-
كلام في الديمقراطية
المزيد.....
-
قائد الثورة الاسلامية يستقبل حشدا من التعبويين اليوم الاثنين
...
-
144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|