|
المبدعون قرون استشعار
توفيق أبو شومر
الحوار المتمدن-العدد: 1856 - 2007 / 3 / 16 - 11:00
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
تحتاجُ أُممٌ كثيرة إلى سنواتٍ طويلة ، وحتى قرونٍ لكي تهتدي إلى أن [ المفكرين] والمبدعين كانوا على صواب في نظرياتهم وأفكارهم ، لذلك فلا يُقدَّرُ العظماءُ في عصورهم ، وربما احتقرهم [ مُجايلوهم] وضَنَّ عليهم وطنهم بالتكريم والتبجيل في حياتهم ، و [ تندمُ ] أوطانُهم بعد موتهم على تقصيرها في حقهم ، وتلك بدهيةٌ واظب الكتَّابُ والمفكرون على ترديدها عصورا طويلة . وبما أنني أعشقُ البحثَ والتنقيب في إبداعاتِ القدماء فإنني عثرتُ على بعض تلك الإبداعات التي ما تزال تدفعني إلى تعزيز نظريتي السابقة ، ومن المفكرين والفلاسفة الذين أثَّروا في حضارتنا الراهنة الفيلسوف [ عمانوئيل كانط ]الذي ولد 1724 م في ألمانيا وتوفي 1804 م ونُقش على قبره في كنجسبرغ عبارته المشهورة التي كتبها في كتابه ( نقد العقل العملي ) : " السماءُ المرصعةُ بالنجومِ فوق رأسي ، والقانون الأخلاقيُّ في باطن نفسي " هذا المفكر قد نادى العالم أن يؤسس (( جمعية وطنية لشعوب العالم )) وغايتها السهرُ على تحقيق السلام وهذه الدعوة كانت في زمنها مستغربةً ... واحتاج العالمُ كما قال الروائي المشهور (غوستاين غاردر) إلى قرنٍ وربع القرن حتى يُدركَ صوابَ هذه الفكرة ، ليُحققَ فكرة (كانط) بإنشاء منظمة الأمم المتحدة !! أما الفيلسوف الثاني فهو الإنجليزي ( برتراند رسل ) الذي في 1872 ، وقد بلغ ذروة شهرته خلال الحرب العالمية الأولى 1914 عندما معارضته للحرب ، وقد فُصل من وظيفته كمحاضر في كمبردج بسبب ذلك ، ثم سُجنَ ستة أشهر 1918 م وتخلى عن دعوته للسلم فدعا للحرب 1940ومجّدها لدرجة أنه حثَّ أمريكا أن تضرب روسيا بالقنبلة الذرية ، وعاد بعد تسع سنوات إلى دعوته الأولى للسلام ونزع السلاح ودعا لإنشاء محكمة لمحاكمة مجرمي الحروب وسماها ( محكمة رسل) فحصل على جائزة نوبل 1950) وعثرتُ على مقال كتبه برتراند رسل لمجلة (الهلال) المصرية عام 1962 وكتبَ في هذا العدد طه حسين وعباس العقاد وعنوان المقال : ( هل للإنسان مستقبلٌ ؟) قال فيه : "إن الشروط الكفيلة باستمرار بقاء الإنسان هي شروطٌ سياسيةٌ ، فالتقدُّمُ الفني في وسائل المواصلات يجعلُ قيام " سلطة عالمية" أمرا ممكنا .. فيجب أن نُقيمَ حكومة [ اتحادية] عالمية ، لها دستورها وقوتها العسكرية ، ولها سلطة تنفيذية ، تكونُ مسؤولة أمام هيئة تشريعية ، وتستطيعُ هذه السلطة العالمية أن تحافظ على الثبات والاستقرار إذا تحققتْ المساواة القتصادية في جميع أرجاء العالم ... إني أرى عالما يُرفرفُ عليه المجدُ ، وتشيعُ فيه البهجة ، عالما السلطانُ فيه للعقل ، والأملُ فيه في كل قلب ، والاطمئنان في كل بيت " انتهى الاقتباسُ من مقال برتراند رسل هل كان رُسل مُصيبا حين ربط بين مستقبل الإنسان وبين السياسة ؟ وهل كان يعرف بأننا مقبلون على عالمٍ جديد عالم ( الألفية الثالثة ) أو ( الأمركة) وهذا العالم مكونٌ من قوة [ واحدة] تستطيعُ المحافظة على الاستقرار ، أو [ فرض] هذا الاستقرار . وهل تحقّقَتْ فعلا نبوءتُهُ في أن سهولة الاتصال ستجعلُ من حلم االسلطة العالمية الواحدة أمرا ممكنا ؟ وهل شرطُ تحقُّق نظريته مرهونٌ (بالمساواة الاقتصادية ) ؟ يبدو أن الإجابة بنعم على كل الإسئلة السابقة هو المطلوب ، ويبدو أن أفكاره السابقة لم تلقَ رواجا في زمنها ، واكتسبت أهميتها في عصرنا الراهن عصر العولمة [ القوة الوحيدة] التي تملك السياسة والمال والإعلام ، ولم يتمكن ( رُسُل) من إقحام معاصريه لكي يخوضوا غمارها فربما تمكنوا من تقصير مدة وصولنا إلى سلطة عالمية واحدة . لم يكن الاثنان الوحيدين اللذين يتمثل فيهما القول المشهور لعزرا باوند : ((المبدعون هم قرون استشعار الجنس البشري)) فقد كان معظم المفكرين قروناً للاستشعار متقدمين على الآخرين ، وهذه الميزة هي ما ميَّزتهم عمن سواهم .. فكل العظماء كانوا من هذا النمط ، ولم تتعلم كثيرٌ من الأمم من تجاربها الطويلة : كيف تستفيد من إبداعات هؤلاء ، وأن تأخذها بجديِّة ! ويُقاس التقدم في الأمم بمقدار استفادتها من افكار المبدعين ! فمن يقرأ مسرحيات شكسبير وأشعار أبي الطيب المتنبي وأبي العلاء المعري وكتابات أبي حيان التوحيدي مثلا تصبْهُ الدهشة لأنه سيظن أنهم ما يزالون أحياء يُرزقون بأفكارهم التي تصلح للمستقبل ، ومن يقرأ أفكار المُصلحَيْن ( لوثر وكنج) والفارابي وابن سينا وابن رشد والغزالي والبيروني وغيرهم ، يرَ أنهم ثاروا على ما تجب الثورةُ عليه في عالم اليوم ! وخلَّد علماء الغرب عالما (أنثروبولوجيا) عربيا وعدُّوه أستاذا في دراسة علم الاجتماع قبل أوجست كونت وآدم سميث وغيرهم ، وهو المبدع العظيم رائد علم الاجتماع [ ابن خلدون ] ومن العجيب أن شهرته وكتبه عند الغربيين أكثر بكثير من شهرته في كليات علم الاجتماع ( العربية) فالعربُ يحفظون اسمه كما جاء في أحد المقررات الجامعية : هو أبو زيد ولي الدين عبد الرحمن بن محمد المشهور (ابن خلدون) اسمه عبد الرحمن وكنيته أبو زيد ، ولقبه ولي الدين ، ويُضاف إلى اسمه (الحضرمي) !! المولود بتونس 732هـ 1332م ويستمر سرد سيرته وعناوين مؤلفاته في كتبنا [ العربية] ، ويأتي بمقتطف صغير من مقدمته حول أثر البيئة الجغرافية في الدين !! يقول : فأهلُ البادية أكثر تمسكا بالدين من أهل الترف والخصب ... بدون أن يُكمل الكتابُ فكرة الكاتب المبدع !! ولم يتمكن (العربُ) من بلورة صيغةٍ لجعل (مقدمة) ابن خلدون [ مقدمةً] لنقد العقل العربي !!! فابن خلدون هو الوحيد الذي [ شرَّح] العقل العربي فهو الذي أشار إلى عيوب هذا العقل وذكر أسباب (صعوبة قيادة العربي ) فعزاها إلى خلق المنافسة الصحراوي على الرئاسة ، وأن الدين يُسهِّلُ قيادتهم ، إذ أن الدين يُضعفُ عظمتهم وأنفتهم !! فيقول : ( هم متنافسون على الرئاسة ، وقلَّ أن يُسلِّمَ أحدٌ منهم الأمرَ لغيره ، ولو كان أباه أو أخاه أو كبير عشيرته إلا في الأقلِّ وعلى الكُرهِ ، فيتعدَّدُ الحكام منهم والأمراء !!
#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إحراق الكتب في فلسطين
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|