|
حضارة الاحساس .. وعصرية الشعور
أمل فؤاد عبيد
الحوار المتمدن-العدد: 1856 - 2007 / 3 / 16 - 14:27
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الكتابة الفردية المميزة تفرض ذاتها كلما امتازت بشئ من الخصوصية .. وكلما ايضا - من جانب آخر - كان لها وجهها العام وغير المغلق على ذاته .. هي مسألة عقلنة الشعور في اسطر مقروءة .. او شاعرية الفكر عندما نطرحه في لحظة ما للقراءة او لفعل القراءة .. ان الحس المجرد قد يرتفع استواءا عندما يكون في مجال فلسفي بحت .. اي عندما نخاطب مقولات مجردة .. ولكن عندما نخاطب او نتعامل مع مفردات موجودة او معقولات مقروءة .. يصبح الحس المجرد منفي .. بل هناك يتراءى لنا .. تفرد المعاني الملموسة او الحسية وتحاضر وجودها عبر عقل القارئ او الرائي او المشاهد .. وبعيدا عن هذا التحليل الفلسفي البسيط .. نرى ان التعامل مع الاحساس بعيد عن مستوى الفكر يبقى مجرد احساس عادي .. او هامشي المعنى .. ولكن في وجهة تحليل سليم نرى ان الاحساس عندما يخضع لمنطق العقل او حتى تفسير عقلي ما يمكن ان يبرره في لحظة فسوف يعطيه معنى او مضمون ما .. يجيزه ويشرعه .. ولكن في تحليل اخر نرى ان الاحساس العميق والاكثر فاعلية هو الاحساس الذي يرتهن لمفهوم الضمير ويقاس بمقياسه العميق .. ويقدر ان الضمير هو مرجعية تتيح امكانية الحكم على الاشياء والفكر والاحساس معا .. ومن ثم .. نقول ان الضمير هو بنية تحتية يقدر فوقها بناء باكلمه .. الانسان في كليته المعهودة والمعروفة .. و في حال ضياع الضمير وموته باللغة الدارجة .. لايكون هناك ما يستوعب لحظات الاحساس باي وسيلة كانت .. ليصبح الانسان عرضة لتداخلات هشة من المشاعر والدلالة غير المفهومة لكثير من ردود فعله التي لا يكون له التحكم فيها .. وهي ردود فعل من حيث مضمونها لا معنى لها وتكون ساقطة .. لا قيمة لها وقد يكون خارجا حدود المتاحة لابعد مدى .. فقد يسقط الفرد في هذه الحالة اخلاقيا وسلوكيا .. دون ان يعي ان مسالة الضمير التي تغلف تجربته بالحماية اللازمة قد فقدت قيمتها الاساسية في جدولة سلوكه او ردود فعله امام الاحداث والعالم الخارجي . في زمان مثل زماننا هذا .. قد يتراءى لنا الحال بأبعد ما يكون عن تصور الضمير .. والضمير في اعتبار الاديان وتقديرها هو صوت الله في دواخلنا .. هذا الصوت الذي يبقينا على اتصال دائما بالله .. وحال انقطاع الرجاء بالله .. وحال عدم اكتمال التواصل به .. والبعد عنه يصبح من المحال ايجاد مكانا .. قابلا لترسيخ او تأصيل الضمير .. عند هذه النقطة لا يكون هناك مجالا لنقاش ما .. ويصبح الباطن دمويا واكثر قسوة واكثر اجتياحا لمناطق أمان الاخرين .. ومردود هذا لايكون في شكل الفعل المباشر ولا في شكل مادي .. فقد يكون الفعل معنويا اكثر منه ماديا .. وتصبح مساحة الصراع كبيرة ودرجة الغلولة عالية .. مما يصدر عنه ما لا يحمد عقباه .. والى جانب هذا ليس هناك مناطق للممنوع .. فكله متاح وممكن .. كل مناطق الفعل تصبح قابلة للفعل والارتياد بلا وازع او خوف .. او مراجعة ضمير .. من هنا لا يكون هناك اي رجاء في تحقيق عدل ما .. ولا وجود اي سبيل من سبل الحق .. وتصبح الامور اكثر راهينة لمبدأ القوانين الاجتماعية .. والاحوال الشخصية .. وتحقيق العدل وإحقاق الحق يصبح مسالة اكثر مشاغبة .. واكثر إثارة للقلق بين افراد المجتمع الواحد . عند هذه النقطة لا يكون هناك فاصل حقيقي اللا الضمير فقط .. بين فعل وآخر .. وبين رد فعل وآخر .. ويصبح السؤال مطروحا على انه مقدمة ليس اكثر لإثارة الفكر حول طروحات من الممكن ان تقدم حلولا جديرة بالتحقيق والتفيذ واقعيا .. ومن أهم الافكار التي استأثرت بعقول علماء الاجتماع وعلم النفس هو تحديد المسؤولية الفردية والجماعية حول مسألة الضمير وتأسيسه .. وكان السؤال من هو المسؤول عن تأسيسه ..؟ ومن هو القائم العدل على تحقيق معادلة الانسان / الفاضل .. ؟ ومن هو في نهاية الامر الانسان الفاضل ..؟ وقد طرحت اجابات كثيرة على هذا السؤال ولكن كان جميعها تدور حول مضمون واحد هو الانسان الذي يستطيع التكيف ايجابيا مع المواقف السلبية اكثر من الايجابية .. متمسكا بقيمة الحق كيفما يراها متناسبة مع شروط الحياة السوية والفاضلة .. هو هذا الانسان الفاضل .. ومن ناحية اخرى وجدت الكثير من مدارس علم النفس ان تحديد الشخصية الفاضلة / السوية .. تتحد تبعا لشروط لابد من توافرها حتى نستطيع ان نقول ان هذا فاضل ام لا .. وهذه الشروط هي التي لا تخل بمبدأ الفضيلة العام الذي تم تحديده مجتمعيا سابقا .. وتكون فكرة التوافق مع هذا المبدأ العام شرط اساسي لتمكين الفرد من الفضيلة والاستواء نفسيا مع مفردات واقعه وحياته ولكن من جهة اخرى يبقى مسألة الضمير وتأسيسه مسألة جد صعبة لتحديد متوافقات مضامينه وتأسيسه على بينة محددة مسبقا لذا نقول : ان الضمير هو شفافية الحس ومعرفة ما يصح ولا يصح .. دون احتياج لشئ خارجه ابدا .. وهذا يعتبر اساس تقبل الفرد لمبدئيات الممنوع واللا ممنوع في حياته .. دون فرض قوة او املاء بالاكراه .. وقد يكون هناك ظروفا تعترض طريق تحقيق هذا الحس الا ان العادة هي ان الامورالتي تخرج عن إطارها الخاص بها لابد ان تشعر بخلل ما .. لتعود باحثة عن عدلها وتوافقها واحساسها الخاص بها بما يتلائم وثباتها وأمنها ايضا .. من ناحية أخرى هناك النماذج التي لابد من النظر اليها .. و التي تفتقد الاساس الاول والنهائي .. و التي ايضا ليس لديها الاساس او المبتدأ الاول لبناء صرح الضمير .. من ثم نجد انها هذه النماذج لا تشعر بما تشعر به النماذج الاخرى عندما تضل الطريق ولو لفترات قصيرة .. لذا فهي تفتقد اساس الحس الشفاف وبراءة الاحساس الفطري للحق والخير والجمال .. لذا لابد ان تكسر قواعد التزام الفضيلة باي سبيل تجده متاحا امامها ولا تني ان تستغل فرص الاخلال بشروط الحياة الجماعية والفردية السوية .. من ثم كانت افعالها وانتهازيتها سببا لحدوث شقاق وسوءات ظاهرة على مستوى الجماعة والافراد . وعلى الرغم من الحضارة ومظاهرها التي نعيشها .. وعصرية الحياة التي نحياها .. وعلى الرغم من تطور مظاهر التعامل مع الحياة ومفرداتها بكثير من الحضارة والعصرية .. لازال هناك الكثير من الشرور وفقدان الضمير الذي ينتج عنه الكثير من مظاهر التفكك والانتهازية بكل اشكالها .. وفروضاتها غير الاخلاقية .. منه ما هو قائم بين الافراد على مستوى الشعب والدولة الواحدة .. ومنه ما هو قائم بين الدول والشعوب المختلفة .. وتصبح المسؤولية أكبر من حجمها الاعتيادي الذي كان حاضرا على مستوى الدراسات الممكنة في العلوم الانسانية .. لتأخذ اتجاها آخر ووجهة أخرى ذات اهمية تستدعي تشغل الفكر والعقل على مستوى العالم بأسره . . لحل أزمات منها ماهو مزمن .. ومنها ما هو في سبيله للظهور حسب توقعات الدراسات الاحصائية العلمية .. من هنا كان واجبا على جميع الهيئات والمؤسسات الثقافية والدينية إعادة تأهيل الشعور وإعادة صياغة العقل والحس الجماعي والذي يسمى عادة ب common sense على ان التعاون والتفرد والتميز وكل صور الاشكال الاجتماعية بما فيها التعبير الذاتي والجماعي عن صور ونماذج الجمال والخير هي صور لابد من التركيز عليها والتفاعل معها بايجابية حتى يتسنى توسيع دائرة الخير .. بما يسمح بامتصاص نماذج الشر واللا معقول بكل مافيه من سلبية .. وكان من اهم النقاط التي تم طرحها كحلول فعالة في هذا المطلب هو توسيع دائرة الابداع .. وقبول الاختلاف والحوار بايجابية تسمح بالتعبير عن المختلف والمضاد دون تحيزات ذاتية تعيق الفهم واستيعاب حقوق الآخرين على انها حقوق مشروعة ايضا .. اما فيما يخص الخطاب الديني المباشر والذي يتم تداوله من خلال المؤسسات الدينية .. وايضا المناهج التي يتم تلقينها في سنوات التعليم المختلفة لابد ان يتم التركيز فيها على جماليات النص الديني وما يتضمنه من توجيه خلقي واخلاقي وسلوكي ايضا .. و التأكيد على اوجه المقارنة بين الخير والشر دون التفات مباشر للمكاسب بل ليصبح النزوع نحو الجمال للجمال فقط وللخير للخير فقط هو مطلب وغاية لكل فرد .. ذلك حتى إذا ما واجه الفرد موقفا اخلاقيا لابد ان يختار فيه .. يكون مقياس اختياره منطلقا من مبدأ ثابت ومرهونا لما في داخله من جمال وخير وليس لما سوف يحقق ذلك الاختيار من مكاسب مادية .. وهو ما سوف نحقق من خلاله تغيير في بنية الاحساس بالعالم والتعامل مع مفرداته من بشر واشياء .. كما اننا في حاجة لتطور مفهوم المشاعر بما ينتاسب وحالة التشوه التي نعاينها في ايامنها هذه والشعور بالغربة الشامل لكل شئ.. فلم يعد امامنا لتجاوز هذه المشاكل وهذا الاغتراب اللا ان نسعف انفسنا بكثير من الحب والوقوف على اهداف غير التي تأسرنا في واقعنا الحالي .. وتغيير من ثم توجهات ومنطلقات باتت تشكل ايضا موانع ومعطلات ذهنية تعيق توافقنا النفسي مع التجديد والمعاصرة .. منها ما يتخذ من سياسات باطلة في شؤون التوجيه المعنوي والتعليمي والتربوي التي لم تعد تتواءم مع شكل العالم ومحتواه الان .. وأيضا لم تعد كافية لتخلق عالما من الافراد قادرين على اتخاذ قرارات سليمة ومتوافقة مع مطالب الحياة الاجتماعية السوية بابعادها النفسية والاخلاقية والخلقية والابداعية والعملية ايضا .. إن الفرد ما إن تم تنمية مهاراته وقدراته وإماكانته .. لن يكون له القدرة على توجيه سلوكه وايضا على اتخاذ القرار . كما ان المؤسسات الثقافية موكول لها ان تخلق جوا ابداعيا يتيح الفرص للخلق نماذج ابداعية تعيد تشكيل العالم النفسي والذهني من خلال ابداع قادر على توصيل المثل والقيم الطيبة التي لا غنى عنها في تاسيس الضمير الفردي والجماعي ايضا .. من هنا كانت هذه المؤسسات التربوية والتعليمية والدينية والثقافية .. بل والثقافة بشكل عام من اهم القنوات التي يستقي منها المجتمع قيما معينة ويتشكل وجدانيا ايضا .. ومن ثم سلوكيا .. وهو الغاية التي يصبح فيها الابداع الثقافي بكل نشاطه عملية تطهير يقوم بها عن غير وعي او بلا مباشرة .. الى جانب ان التعليم يساعد على اكتشاف المقدرات الذاتية وايضا تمكين الفرد من قدرات جديدة تعينه على كشف العالم من خلال اساليب ذهنية ايجابية مطلوبة . وهذا كله يصب في نهاية الامر في قناة المشاعر والاحساس التي تكون مضمون الشخص وتحدد كيفية تعامله مع الاخر والعالم .. اعتمادا على ما تأسس في الضمير والعقل والوجدان
#أمل_فؤاد_عبيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طيف .. خاطرة
-
الإبداع الذاتي بين الواقعية والرمز
-
قراءة في قصائد متناثرة للشاعر الفلسطيني موسى ابو كرش
-
السياسي .. الايديولوجي .. الديني / علاقة اشتباك بين التوفيق
...
-
ملامح .. قصة قصيرة
-
عندما يغيب القمر .. قصة قصيرة
-
السياسي .. الأيديولوجي .. الديني - علاقة اشتباك بين التوفيق
...
-
فلسفة جريمة المخدرات .. فلسفة الترويج والإدمان
-
اجتراح ..
-
السياسي .. الأيديولوجي .. الديني - علاقة اشتباك بين التوفيق
...
-
2علاقة اشتباك - السياسي .. الأيديولوجي .. الديني - بين التوف
...
-
علاقة اشتباك - السياسي .. الأيديولوجي .. الديني - بين التوفي
...
-
رماديات ..
-
قراءة في سلبيات العقل القديم .. الانتخابات بين النمذجة وضرور
...
-
التعليم والتفكير الابتكاري
-
هي .. قصة قصيرة
-
حافلة .. سياحية .. قصة قصيرة
-
أبيض .. وأسود .. قصة قصيرة
-
1 خواطر .. شعرية
-
خواطر .. شعرية 2
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|