|
دين... ودجل... وإرهاب
صباح كنجي
الحوار المتمدن-العدد: 1856 - 2007 / 3 / 16 - 10:29
المحور:
الصحافة والاعلام
(1) ثلاث أشياء اجتمعت عليّ ..لا تنفك مني.. تؤرقني ..تطاردني.. وتقض مضجعي.. ثلاث أشياء مرة واحدة ودفعة واحدة تهاجمني منذ صباحي مع بدء استيقاضي من النوم وحتى عودتي ثانية للفراش في ساعةٍ متأخرة من الليل.
الأولى تبدأ مع عادتي السيئة التي لا أستطيع التخلص منها لحظة استيقاضي حين تمتد يدي بحركة روتينية لتلامس جهاز فتح التلفزيون الذي كان يتحُفنا في الماضي بأغاني عذبة لفيروز وهي تشدو بتلك الكلمات الرائعة التي تصاحبها النغمات الجميلة التي ابدعتها أيادي الأخوين رحباني .
فيروز التي كانت تتسابق كافة المحطات التلفزيونية لتقديم وصلاتها انسحبت اليوم إلى الخطوط الدفاعية الخلفية وراء الكواليس ، واحتل موقعها و بقية المساحة المخصصة للفن الراقي والثقافة الأصيلة ، وجوه بشعة تبعث القرف وتدفع المرء للغثيان عند مشاهدتها وجوه لرجال بلحى غير مهذبة ينتسبون لتلك الفرق التي تتصارع وتتقاتل فيما بينها منذ مئات السنين مدعية أنها الأقربُ إلى الله ودينه المبتلي بها بعد أن سخرت الدين لخدمة مصالحها معاكسة ً لما جاء في تعاليم الكتاب وأحاديث نبيها التي تنص على وضع الدين في خدمة البشر، وإن الدين ورسوله رحمة للعالمين.. فألجأ ُ للبحث عن محطة جديدة من خلال الضغط على تسلسل الارقام بالأتجاهين التنازلي والتصاعدي ، فتتحرك معها الصورة من محطة لأخرى . لكنها لا تختلف في الجوهر عن سابقتها . لحية بعد أخرى ، وشيخ بعد آخر، الأول نازل ، والثاني صاعد ، وفقية يلي فقيه ومفتي يلي مفتي ، وناطق بأسم تلك المجالس التي تجمعهم باسم الدين ، يتحدثون ويصرخون، يتوعدون ، يفتون في كل شيىء ، ويحاورون كل شيىء... يناقشون الخطط الاقتصادية من اجل افشالها ، ويتدخلون في شؤون الفن والثقافة ومدارس الرقص ليمنعوها ، يناقشون الخطط الأمنية ومشاريع النفط ويوترون الأوضاع ويبيحون القتل والخطف أنهم مختصون في كل شيىء ويفهمون في كل شيىء .. إلا في الدين .. لأن الدين لا يتوافق مع نوازعهم الحربية وميولهم الإجرامية ... دققوا في وجوههم وفي إسلوب مخاطبتهم للناس ِ ... ستجدون أنهم يستخدمون عبارات ولغة لا تمتُ بصلةٍ إلى البشر ؟! . لغة متوترة ومشحونة ، لغة تكفيرية تدميرية ، تنشرُ الكراهية والحقد ، لغة مشبعة برائحةِ الدم ِوالقتل والذبح ، لغة تستقدم الموت وتشرعنه..
فتختلط الصورة في ذهني ويتحول الوجه الذي أشاهده في التلفزيون لذلك الشيخ الملتحي الذي ينتحل صفة رجل الدين إلى شكل ٍ لكلبٍ أجرب ٍ ومسعور ٍ يعوي بوجهي ، أخاله سَينط ُويقفز ليخرج من شاشة التلفزيون كي يهاجمني... و آآسفُ لهذه المقارنةِ فأنا لا أجد في هيئةِ البعض من رجال الدين ، اليوم إلا صورا ً لكلاب ٍ مسعورةٍ .. والسبب يعود لما نشهده اليوم من فصل ٍ للدين ِ عن الأخلاق... فأصبحنا نشهد وجود ظاهرة الدين المجردِ من الأخلاق والقيم ... الدين اللاإنسانيُّ الذي يحتاج لهذا النمط من الكلابِ المسعورةِ .. والحل في أن ندعو : لوضع الدين في خدمة الإنسان وليس العكس ..
(2) ابحث عن محطات أخرى ، أشاهدُ برامجَ من نوع آخر، تدعي القدرة على معالجة الأمراض المستعصية ، برامج يديرها نوع آخر من البشر المشوهين الذين يطلبون من المشاهد المتصل بهم رفع يده اليمنى وقراءة آية يختارها مقدم البرنامج المشعوذ... وفي الحال يشفى المريض من داء السكري وامراض السرطان أو يفك السحر عنه فتتحسن اوضاعه الماليه . والمتابع للتلفزيون من امثالي ، سيجد هذا الكم الهائل من البرامج التافهة واللاحضارية تسّوق للمشاهد . بل والأسوء من ذلك نشوء محطات خاصة مكرسة لنشر الدجل والشعوذه تبث برامجها على امتداد اليوم ، برامج يشترك فيها العشرات من أصحاب الكفاءات الهابطة ولا استخدم مصطلح انعدام الكفاءة لأنه غير دقيق في وصف الحالة التي نحن فيها مع هذه القدرات المتميزة في إستخدام الانترنيت و انشاء الفضائيات المختصة التي تتاجر بالدين والناس وتسّخر الرأسمال وتستثمره لنشر الأكاذيب والأوهام والدجل.. أنها الوجه الآخر من مشاهداتي اليومية المملة والمحزنة في ذات الوقت ، وجه لا يدفع المرء للتفاؤل رغم التطور العاصف الناجم من الثورة العلمية التكنولوجية في زمن العولمة التي يبتدع في كل لحظة شيئا ً جديدا ً ومفيدا ً للبشرية ، في مسارها نحو الأمام . لكنها تنتج في ذات الوقت هذا الكم الكبير الذي لا يجوز الأستهانة به من الغباء والشعوذة والدجل وهذا النوع المشوه من أشباه البشر في مسار ونسق ثاني يعاكس خط التطور ويعيد الناس إلى مرحلة الحيوان الناطق ، ممن تحدث عنهم بإسهاب الشاعر السوري الراحل ممدوح عدوان في كتابه المعنون ( حيونة الأنسان) الذي يستحق أن نكرس جزءً من وقتنا لقراءته . والخشية تأتي من إمكانية تطويع نتائج العولمة من قبل هؤلاء الدجالين والمشعوذين وفي المقدمة منهم الساسة الدجالون المؤتلفين مع رهط الكلاب المسعورة لزيادة إنتاج معطيات النسق الهابط والمتدني من القيم والمفاهيم والأخلاق بما فيها هذا النمط الجديد من الدين الذي يشكل غطاء الارهاب وقاعدته الفكرية والأجتماعية ومادته الخام.. ويا لحزني على مرحلة يكون الدجل طابعها والمشعوذين ساستها وسادتها والملايين من ضحاياها ... انه مشهد يبعث على القنوط و الإحباط والوجل...
(3)
وفي الصفحة اللاحقة والمكملة للمسخرة تستمع وتشاهد في كل يوم ومع كل نشرة اخبار إلى المزيد من فعاليات الإرهاب التي تتسابق الفضائيات لنقلها مع صور الأشلاء البشرية المقطعة وبقع الدم من خلال السيارات المفخخة والأحزمة الناسفة والصواريخ والقذائف كلها تنبؤك بيقين لا مجال للشك فيه إن الارهاب يستفحل، ورقعته الجغرافية تتسع، وخيوطه تتشابك ، وأنت لا تدري.. من هو الإرهابي ؟ هل هو من بقايا مخلفات النظام الدكتاتوري ؟ أم انه من المتسللين من خارج الحدود؟ أم انه من اركان العهد الجديد؟ أم انه من نتاج اصابع المحررين الجدد الآتين من خلف البحار البعيدة ؟ ام انه صاحب العمامة السوداء أم البيضاء؟ أو هو من ينطق بأسم رئاسة علماء الدين ؟ او هو من أعضاء البرلمان ؟ أو هو واحد من الوزراء المهمين قابع في وزارته يتلصص على المارة ويعد الخطط في فترة دوامه الرسمي كي يجري تنفيذها ما بعد منتصف الليل؟..
الصورة اعقد من أن توصف بالشائكة ، ونسيجها محكم بخيوط غير مرئية وعصية عن التعريف لأنها وليدة عقول امتهنت الإجرام ، تخطط لأفعالها،و تهيىء الساحة والمسرح وتحسب النتائج بأدق ما بين يدها من أجهزة حاسوب ، ويكفل للمستثمرين فيه من جهود ورأسمال ومعدات حديثة ، النتائج والفوائد في المحصلة النهائية ، التي تفرز النتائج المتوافقة والمتطابقة مع كمية الدم المراق وعدد الارواح المنتزعة من البشر بشكل مدروس ومخطط له تبدأ بطوابير المجتمعين أمام المخابز بحثا ً عن رغيف حار أو في تجمع للعمال استعدوا للعمل ، أو من المتوجهين لبيوت العبادة في الجوامع والكنائس وسائر المراقد ومرورا ً بالمدارس والجامعات وسائر خلق الله ممن وضعوا كهدف لهذه الأعمال والفعاليات التي يختلط فيها الإيمان والرأسمال والسياسة . فتنتج هذا الثالوث الجديد الذي يجمع بين الدين والجهل والإرهاب الذي قسم الأدوار والأفعال بين أركانه ، في اوركسترا الرعب والجريمة ، بالطريقة التي تدفع المرء للتأكد من بقاء رأسه في موضعه عشرات المرات في اليوم الواحد.. وأرجو أن لا يلومني القراء إن قلت لهم بصراحتي المعهودة بأني بتُ أتحسس رأسي في كل صباح مع نهوضي من النوم كي أتأكد من انه مازال في موضعة فوق الرقبة... و...أبعدكم المتحكم بالكون ..... من سطوة حاملي رايته التي يبشرون بها لدينهم الإرهابي من خلال المشعوذين وتجار السياسة.
#صباح_كنجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تنبؤات كاسندرا...قصص... لحمودي عبد محسن
-
كردستان ...حذار ٍمن العودة لزمن ِ الغزوات !
-
الوطن... ومخلفات دولة البعث
-
إستخدام السلاح الكيمياوي..من قبل القوات العسكريةلنظام صدام ح
...
-
احتراقُ الروح ِ وتناسُخها
-
ماذا حدث في سينا ؟!
-
بقايا من رماد الروح في مذكرات نصير
-
..الدفان والغجرية
-
الوجه الآخر للأنفال
-
قَمَرُ العراقُ
-
مع مرشد اليوسف في كتابه الذي يبحث عن جذور الديانة الكردية ال
...
-
حذار ٍ إنهم من البعثيين المقنعين
-
عن الكتابة بلغة من نار
-
ابعاد ودلالات...لغة بعشيقه وبحزاني
-
بعض المرادفات اللغوية والميثولوجية المشتركة بين المعتقدات ال
...
-
الأيزيدية... محاولة للبحث عن الجذور.. الموسيقى في الديانة ال
...
-
رسالة مفتوحة الى السيد حسن نصرالله
-
رسالة مفتوحة إلى السيد محمود المشهداني رئيس مجلس النواب في ا
...
-
حكاية جيل
-
من بطولات الشيوعيين العراقيين
المزيد.....
-
لبنان: غارة مسيّرة إسرائيلية تودي بحياة صيادين على شاطئ صور
...
-
-لا تخافوا وكونوا صريحين-.. ميركل ترفع معنويات الساسة في مخا
...
-
-بلومبيرغ-: إدارة بايدن مقيدة في زيادة دعم كييف رغم رغبتها ا
...
-
متى تشكل حرقة المعدة خطورة؟
-
العراق يخشى التعرض لمصير لبنان
-
مقلوب الرهان على ATACMS وStorm Shadow
-
وزارة العدل الأمريكية والبنتاغون يدمران الأدلة التي تدينهما
...
-
لماذا تراجع زيلينسكي عن استعادة القرم بالقوة؟
-
ليندا مكمان مديرة مصارعة رشحها ترامب لوزارة التعليم
-
كيف يمكن إقناع بوتين بقضية أوكرانيا؟.. قائد الناتو الأسبق يب
...
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|