بشار المنيّر
الحوار المتمدن-العدد: 1855 - 2007 / 3 / 15 - 11:45
المحور:
حقوق الانسان
إنه حق أساسي.. على قدم المساواة مع حقوق الإنسان الأخرى التي أقرها المجتمع الدولي، إنه حق الإنسان في التنمية الذي صدر عام 1986 عن الأمم المتحدة التي استندت في إصداره إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
ويشكل هذا الحق توسيعاً لحقوق الإنسان لتشمل الظروف المادية التي تحد من إمكانات غالبية البشر من المساهمة..والانتفاع بثمار تنمية المجتمعات. وعلى ذلك فإن التنمية التي تضمن للإنسان حقوقه هي (عملية اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية شاملة تستهدف التحسين المستمر لرفاهية السكان بأسرهم دون تمييز على أساس مشاركتهم النشيطة والحرة في هذه العملية، وأيضاً في التوزيع العادل للفوائد الناجمة عنها).(1)
إنها الخطوط العريضة للتنمية الهادفة إلى الرفاه الاجتماعي، ويقع على الدولة المعنية بالتنمية وضع البرامج والخطط التفصيلية الكفيلة بالتحول المطلوب دون أن تتخلى عن دورها الأساسي في هذه العملية، فاستهداف الفقر.. وتخفيض نسبة العاطلين عن العمل..وتحسين التعليم.. وضمان المشاركة للجميع ليست من ضمن أوَّليات رجال الأعمال والمستثمرين.
في سورية التي تنهج خيار السوق.. الاجتماعي، وضعت الحكومة خطة خمسية عاشرة تمهد لخطط أخرى لغاية عام 2025 تهدف إلى تطوير المجتمع السوري بشكل جذري على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي. ورغم تجاربنا مع الخطط الخمسية السابقة (إذ مازالت.. بل تفاقمت الأزمات التي وعدت بحلها) فقد رأينا أن أهداف الخطة العاشرة طموحة وايجابية بشكل عام، وقلنا بأن المهم الآن هو تنفيذ هذه الأهداف، والانطلاق أولاً من حل المشاكل والأزمات التي يعانيها المواطن السوري، سواء كانت تلك التي تتعلق بالجانب الاقتصادي أم الاجتماعي. وقد يكون من الإجحاف وضع الخطة في الميزان ولم يمر على تنفيذها سوى عام واحد، لكننا لا نستطيع السكوت عن بعض الإجراءات المتخذة ( وهي مخالفة لنص وروح الخطة) ولا تلبي في النهاية حق الإنسان في التنمية التي تضع الجميع على قدم المساواة.
أولاً - لقد ورد في الخطة العاشرة أن الحكومة ستعمل على تخفيف العبء الضريبي، وقد فهمنا من ذلك السعي لمراعاةِ من يقع عليهم هذا العبء، وهم بالدرجة الأولى الفئات الاجتماعية الأكثر فقراً. لكننا فوجئنا بقرار الحكومة تخفيض نسب الضريبة على أرباح رجال الأعمال التي تتجاوز ثلاثة ملايين ليرة سورية من ( 35 % إلى 28 %)، علماً بأن ما يدفعه هؤلاء لم يكن يوماً عبئاً عليهم بل نقصاً من أرباحهم التي تبلغ عشرات الملايين، ويشكل إعادةً لتوزيع الدخل بين فئات المجتمع السوري من جهة ومُحققاً لمبدأ العدالة بين الناس من جهة أخرى. إن حصيلة الضرائب المباشرة بلغت 3,120مليار ليرة سورية عام ،2005 وهي تشكل أقل من 10% من الناتج الإجمالي، وحصة القطاع الخاص منها أقل من النصف. وهذه النسبة هي الأقل بين الدول المشابهة كمصر وتونس. وتبرر الحكومة ذلك بتشجيع القطاع الخاص، وأن تحسين طرق الجباية ومكافحة التهرب الضريبي سيؤديان إلى تعويض النقص في الإيرادات الناجم عن تخفيض الضريبة.
كذلك خفّضت الحكومة الرسوم الجمركية على مدخلات الصناعات المختلفة، وتسعى بإلحاح وضغط شديدين من غرفتي الصناعة والتجارة، إلى إعفاء الشركات العائلية والصغيرة الساعية إلى التحول إلى شركات مساهمة من الضرائب المتراكمة نتيجة لعدم الإفصاح الدقيق عن أصولها وبياناتها المالية بهدف تشجيع دخولها سوق الأوراق المالية (2).
إن الحصيلة الضريبية تشكل الجزء الأكبر من إيرادات الدولة في سورية نظراً لانخفاض فوائض القطاع العام وتدني عائدات النفط، وهذا يعني أن انخفاض هذه الحصيلة سيؤدي إلى تراجع دور الدولة في الاستثمار الحكومي وتطوير البنى التحتية والرعاية الاجتماعية (نخشى أن تعوِّض الحكومة هذا النقص بزيادة الضرائب غير المباشرة التي يدفعها الغني والفقير معاً). وإذا أضفنا إلى ذلك نفقات الدفاع والتزايد السكاني (سيتضاعف عدد السكان في سورية بعد ثلاثين عاماً) ندرك خطورة السياسة الضريبية المتبعة. وهنا نتساءل هل القصد من تقليص دور الدولة زيادة دور أصحاب الملايين والمليارات..؟ لسنا ضد القطاع الخاص بل نحن مع دعمه وتشجيعه، ولكن ألا توجد طرائق أخرى لهذا الدعم غير تخفيض الضريبة؟ ألا يعني فتح المجال لهذا القطاع للاستثمار في أنشطة كانت حكراً على قطاع الدولة تشجيعاً ودعماً؟ ألا يعني إشراك ممثلي هذا القطاع في اتخاذ القرار الاقتصادي تشجيعاً ودعماً؟ إن تخفيض إيرادات الدولة من الضرائب المباشرة إضافة إلى ابتعاده عن أسس العدالة لن يؤدي إلى تمكين المواطن من حقه في التنمية الحقيقية المتوازنة. فتخفيض أعداد العاطلين عن العمل (يقدر عددهم بنصف مليون) يحتاج إلى استثمارات كبيرة (تقدر تكلفة فرصة عمل واحدة بين 15 و 20 ألف دولار. وتخليص التلاميذ من المدارس الطينية والعتيقة والدوام النصفي بسبب نقص الأبنية المدرسية، يحتاج إلى استثمارات تبلغ المليارات.فإذا أضفنا أهمية مساهمة الدولة في الضمان الصحي والرعاية الاجتماعية نصل إلى معضلة يستعصي حلها، وهنا نشير إلى الدور الكبير الذي تقوم به غرفتا الصناعة والتجارة دفاعاً عن مصالح أعضائها، والسعي الدائم من خلال (القلم الأخضر) لحل مشاكلهم وتلبية مطالبهم، في حين لم تنجح المساعي التي يبذلها اتحاد نقابات العمال مع الحكومة (حتى الآن) في منح الطمأنينة لعائلات أكثر من 50 ألف عامل مؤقت وتثبيتهم، رغم أن هذا الإجراء لا يكلف الدولة أي عبء مالي...؟ وأيضاً في تطبيق قانون التأمينات الاجتماعية على عشرات ألوف العمال الذين يتهرب أرباب عملهم من تسجيلهم لدى مؤسسة التأمينات الاجتماعية.
ثانياً - أثبتت أزمة ارتفاع الأسعار (المستمرة حتى الآن) أن الدولة إذا جُردت من أدوات التأثير في الاقتصاد فسيتراجع دورها أكثر فأكثر في الحياة الاقتصادية، وربما السياسية بعد ذلك. فدور الدولة في تنمية البلاد لا يقتصر على التشريع وسن القوانين (على أهميته)، بل يتعدى ذلك إلى التأثير في العرض والطلب والاستثمار عن طريق الأداة الفاعلة التي تمتلكها وهي قطاع الدولة. ونحن لا ندري هنا كيف يعتقد البعض أن تنمية البلاد تتطلب دفن قطاع الدولة، في حين تتزايد نسبة مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي لبلدان مثل فرنسا 47% وبريطانيا 39% والسويد 44%، أما في سورية فتراجعت هذه المساهمة من 54% عام 1975 إلى 32% عام 2006. ورغم مطالبات النقابات والأحزاب (وبضمنها حزب البعث العربي الاشتراكي) بضرورة الحفاظ على هذا القطاع وتحديثه وتطويره ليأخذ دوره في عملية التنمية جنباً إلى جنب مع القطاع الخاص، إلاّ أن هؤلاء البعض مازالوا يضعون العثرات أمام المبادرات الآيلة إلى تحقيق هذا الهدف، تارة بإحالة ملف الإصلاح إلى وزارة الصناعة... وأخرى برد أسباب فضائح الفساد المتكررة في بعض مفاصل هذا القطاع إلى طبيعته نفسها، تمهيداً لتصفيته دون البحث عن الأسباب الحقيقية التي يأتي في طليعتها تراخي الحكومات المتعاقبة في حل مشاكل هذا القطاع ودعمه وإعادة هيكلته وفق أسس جديدة تأخذ بالحسبان مرحلة التنمية التي تمر بها البلاد. وثالثة بتشكيل لجنة خاصة (رفعت توصياتها بعد التباين في وجهات نظرها حول كيفية إصلاح هذا القطاع، مما اضطرها إلى تبني مشروعين مختلفين، وتركت أمر القرار إلى الحكومة. (3)
إن إصلاح قطاع الدولة يكتسب أهمية اقتصادية واجتماعية وسياسية في آن، إنه الضمانة الحقيقية لحصول الإنسان السوري على حقه في التنمية والانتفاع بمكاسبها.
ثالثاً - ألا يستحق ملف الاقتصاد السوري وأهميته الاستثنائية لحياة السوريين خاصة في مرحلة تحوله إلى نهج جديد، أن نلجأ إلى استفتاء آرائهم في بعض القرارات الهامة التي تؤثر ليس في حاضرهم فقط، بل في مستقبلهم ومستقبل أبنائهم..؟ ما المانع من تنظيم استفتاء شعبي حول السياسة الضريبية مثلاً..؟ جرى إقرار التخفيض الضريبي والنهج الاستثماري الجديد بمرسوم تشريعي (دون مناقشته في مجلس الشعب)، ألا يدعم هذا الإجراء مصداقية الحكومة ويجعل قراراتها مستندة إلى تأييد جماهيري واسع من جهة، ويشرك المواطن السوري في إقرار قضاياه الكبرى من جهة ثانية..؟
إن التنمية الحقيقية مطلب حيوي لجميع فئات الشعب السوري، وحق الإنسان السوري في التنمية مرتبط بنهج الحكومة الاقتصادي، فهل نلبي لإنساننا هذا الحق..؟ أم...
(1) راجع نشرة المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة نيسان 2004.
(2) راجع ملخص الخطة الخمسية العاشرة والقانون 51 لعام 2006.
(3) راجع حديث رئيس اللجنة- صحيفة "الثورة" 22/2/7002
#بشار_المنيّر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟