جريس الهامس
الحوار المتمدن-العدد: 1855 - 2007 / 3 / 15 - 11:53
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
نتابع عصر ماركس أنجلز :
مازالت الماركسية تحتفظ بالكثير من جوانب الحداثة والثوابت المتطورة موضوعياّ خاصة في منهلها الرئيسي رأس المال , وفي مبادئها الفلسفية العامة في المادية التاريخية والمادية الديالكتيكية وتطبيقها وفهمها وفق الواقع الموضوعي والنشاط الجماهيري لتغيير العالم وليس لتفسيره بصورة ميكانيكية ونظرية وحسب :
( إن الحياة الإجتماعية هي حياة عملية في الأساس. وكل الأسرار الخفية التي تجر النظرية نحو الصوفية , تجد حلولها في النشاط العملي للإنسان وفي فهم هذا النشاط .. إن الذروة التي بلغتها المادية التأملية – الطوباوية – أي المادية التي لا تعتبر الحساسية نشاطاّ عملياّ إنما هي هي تأمل أفراد منعزلين عن الناس في المجتمع المدني ....
إن الفلاسفة لم يفعلوا حتى اليوم سوى تفسير العالم بأشكال مختلفة . ولكن المهم بعد اليوم أن تقوم المهمة الثورية على تغيير العالم – موضوعات عن فيورباخ كتبها ماركس عام 1845 نشرها أنجلز في ملحق مستقل لكتابه – ليودفيغ فيورباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية عام 1888 ..)
وفي كتاب ماركس – نقد فلسفة الحق عند هيغل – قال: ( لكل نمط معيشة نمط تفكير .. ليس إدراك و تفكير الناس هو الذي يحدد معيشتهم المادية , بل معيشتهم المادية هي التي تحدد إدراكهم و تفكيرهم والفكر ليس سوى نتاج عضو مادي هو الدماغ ) وبهذا أعاد ماركس إنسان هيغل الذي كان واقفاّ على رأسه .. إلى وضعه الطبيعي واقفاّ على قدميه ... كماقال : ( إن النظرية لاتصبح قوة مادية إلا إذا حملتها الجماهير بأيديها – المصدر السابق - )
وبعد أن صنف ماركس ورفيقه أنجلز قوانين التطور الديالكتيكي بثلاثة قوانين شرحناها في الحلقة السابقة عرّف أنكلز هذه القوانين بما يلي :
( إنها علم القوانين العامة للحركة سواء في العالم الخارجي أو في الفكر البشري – ليودفيغ فيورباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية )... وفي عهد ماركس اعتبرت قوانين الديالكتيك الثلاثة رئيسية وهامة بالتساوي دون تفضيل أحدها على الاّخر أو المفاضلة بينها حسب الأهمية .. قال أنجلز : ( ينظر الديالكتيك بالدرجة الأولى إلى الأشياء والوقائع وانعكاسها العقلي في علاقاتها المتبادلة ومن حيث تسلسلها وبالتالي حركتها منذ نشوئها إلى اضمحلالها - ديالكتيك الطبيعة ص 25 )
عاش ماركس ومات في 14 اّذار 1883 ورأسه الكبير الذي وصفه أحد الفلاسفة , بغيمة الورد الكبيرة , ممتلئ بالحلم الكبير لتحرير العالم من رجس الرأسمالية النهّابة ,, وتحول هذا الحلم إلى علم وعمل ثوري بعيداّ عن التنظير , والنوم على رفوف الكتب .. فكانت ثورة أوكتوبر والصين وفييتنام وغيرها ومازالت الشعلة المنارة تنتقل من بلد لاّخر بسواعد المناضلين الشرفاء ورأيت أبلغ وأصدق
وصف لمنجزات وعبقرية هذا العملاق ماجاء في خطاب رفيق نضاله فريدريك أنجلزعلى ضريحه في مقبرة ( هايغايت ) في لندن :
( في الرابع عشر من مارس وفي تمام الساعة الثالثة إلا ربع ظهراّ توقف أعظم مفكر عن التفكير , وجدناه جالساّ في كرسيه نائماّ بهدوء , ولكن إلى الأبد ..
إنها خسارة لاتعوّض ضربت كلاّ من الطبقة العاملة في أوروبا وأمريكا وعلم التاريخ بوفاته . إن الثغرة التي نجمت عن رحيل هذه الروح العظيمة ستبرز بجلاء قريباّ ..
فمثلما اكتشف داروين قانون تطور الطبيعة العضوية - في النشوء والإرتقاء – اكتشف ماركس قانون التطور البشري ... ولكن ليس هذا كل ما في الأمر فقد اكتشف ماركس أيضاّ القانون الخاص بالحركة الذي يحكم نمط الإنتاج الرأسمالي لعصرنا , والمجتمع والنظام البورجوازي الذي خلّفه هذا النمط من الإنتاج . إن اكتشاف ( فائض القيمة ) سلط الضوء فجأة على – الصراع الطبقي في النظام الرأسمالي بين العمل ورأس المال – محاولاّ حل ماعجزت عن حله جميع أبحاث الإقتصاديين البورجوازيين السابقين وكذلك النقاد الإشتراكيين ..... علاوة على ذلك بحث ماركس في حقول عديدة بعمق ولم يكن سطحياّ في أي منها , حتى في حقل الرياضيات قام ماركس باكتشافات مستقلة ..كان رجل علم إلا أن ذلك لم يكن يمثل ولو نصف هذا الرجل . لقد كان العلم بالنسبة لماركس حركية دينامية تاريخية وقوة ثورية . وكم كان سروره عظيماّ بأي اكتشاف جديد في العلوم النظرية ولو كانت تظبيقاتها صعبة البلوغ . وكم كان يعيش سروراّ كبيراّ حين يشمل الإكتشاف الجديد تغييراّ ثورياّ مباشراّ في الصناعة , وفي التطور التاريخي عموماّ . فعلى سبيل المثال كان متابعاّ عن قرب تطور الإكتشافات المحققة في مجال إنتاج الطاقة والكهرباء كالإكتشاف الكهربائي الرائع في عصره لمارسيل دوبري ( marcel deprez ) ...
كان ماركس قبل كل شيْ ثورياّ , مهمته الأولى في الحياة الإطاحة بالنظام الرأسمالي ومؤسسات الدولة التي جلبها معه , والمساهمة بالدرجة الأولى في تحرير الطبقة العاملة الحديثة ( البروليتاريا ) .. وكان أول من جعلها تعي موقعها – في التاريخ – وتدرك حاجاتها , وتعي شروط تحررها .. وكافح بحب وعزيمة ونجاح لاينافسه بهما إلا قليلون ......ونتيجة لذلك كان ماركس أكثر المشهّر بهم والمحاربين , حيث قامت حكومات مطلقة وجمهورية على حد سواء بترحيله من أراضيها , وتنافس البورجوازيون من كل صنف ولون بالتشهير به والثلب لشخصه ,.....
لكن ماركس لم يعرهم اهتمامه , ولم يرد إلا عندما دعته الضرورة للرد ومات محبوباّ ممجداّ , نعته الملايين من العمال الثوريين - من مناجم سيبيريا إلى كاليفورنيا في كافة أنحاء أوروبا وأمريكا ... ومن المهم القول : أنه برغم خصومه العديدين . فبالكاد أن كان له عدو شخصي واحد _ انتهى )
وهكذا ربطت الماركسية تطور الفلسفة بتطور العلوم عن الطبيعة والمجتمع البشري ومعرفة قوانينه الموضوعية وطورت علم المنطق الصوري عند أرسطو وإفلاطون إلى الواقعية في المنطق الديالكتيكي وقوانين التطورالدائم ...وكانت الماركسية تتويجاّ جدلياّ ونقداّ تحليلياّ علمياّ لمعطيات الفلسفة الكلاسيكية الألمانية , و للإقتصاد السياسي البريطاني والفكر الإشتراكي الفرنسي
2- في عصر لينين :
وضع لينين قانون وحدة الأضداد في المرتبة الأولى بين قوانين الديالكتيك الثلاث الاّنفة الذكر في مقاله الهام – إنطباعات فلسفية – لخص فيه رأيه في هذا الموضوع الرئيسي بأن الديالكتيك يمكن تلخيصه في هذ القانون : معتبراّ قانون وحدة الأضداد نواة الديالكتيك دون إهمال القانونين الاّخرين- التبديل من الكمية إلى الكيفية وبالعكس - وقانون نفي النفي السابق شرحهما . قال لينين :
( إن الديالكتيك بالمعنى الخاص للكلمة هو دراسة واكتشاف التناقضات في ماهية الأشياء ذاتها – الدفاتر الفلسفية ص 263 )
( إن التطور هو نضال المتضادات – المؤلفات الكاملة م 13 ص 301 )
وهكذا وضع المعلم لينين قانون وحدة الأضداد في المقدمة وهو استنتاج هام في تطور الماركسية .. غير أن لينين الذي افتقدته الثورة الروسية والبشرية في وقت مبكر نتيجة رصاص الغدر البورجوازي الصهيوني لحزب البوند - لم يوضح العلاقة بين قانون وحدة الأضداد والقانونين الاّخرين . الأمر الذي بقي ينتظر الحل والتوضيح , وهذا ماقام به الرفيق ماوتسي تونغ كما سنرى ...
شرح لينين رأيه في هذا الموضوع الهام بقوله :
( إن الديالكتيك هو النظرية التي تدرس كيف يمكن لضدّين أن يكونا متحدين ؟, بل كيف يصبحان متحدين – يتبدلان فيصبحان متحدين - وفي أية ظروف يصبحان متحدين , ويتحول أحدهما إلى نقيضه ؟ ؟ ولماذا يفرض على الفكر الإنساني ألا ينظر إلى هذين الضدّين إلا كشيئين جامدين ميتين , ؟ ولاينظر اليهما كشيئين حيين مشروطين قابلين للتبدل والتطور وتحوّل أحدهما إلى نقيضه . – ملخص علم المنطق عند هيغل )
ولاحظ لينين دخول فكرة التطور المستمر في الوعي الإجتماعي , كما صاغها ماركس – أنجلز , بل بدرجة أكثر دقة وتطوراّ ورأى أن ( نفي النفي ) تطور وتبدل يتم بشكل لولبي إذا صحّ التعبير . وليس بشكل مستقيم كلاسيكي
- أي تطور بقفزات وثورات , وكوارث أحياناّ وفق طفرات – تحوّل الكم إلى كيف جديد .. وهكذا ...
كما شرح بوضوح علاقة النشاط العملي بالمعرفة بقوله :
( إن النشاط العملي أعلى من المعرفة – النظرية – لأنه لايتمتع بفضيلة الشمول وحسب . بل بفضيلة الواقع المباشر وطرق تبديله أيضاّ – الدفاتر الفلسفية المصدر السابق - )
3 – في عهد ستالين :
أكد الأكاديميون الفلاسفة السوفييت قوانين الديالكتيك الثلاثة الاّنفة الذكر معاّ دون بيان العلاقة الجدلية بينها , وفي نفس الوقت دون بيان القانون الأهم بينها ...
وعندما طبع تاريخ الحزب الشيوعي السوفياتي في حياة ستالين - وبإشرافه طبعاّ - توضّحت فيه ميزات أربع قوانين للديالكتيك هي :
1 – جميع الأمور تتصل ببعضها
2 – جميع الأشياء والأمور في حركة دائمة وتطوّر دائم ..
3 – جميع الأشياء تتطور من مرحلة الكمي إلى مرحلة الكيفي نتيجة ( طفرة ) أو ثورة
4 – جميع الأشياء والأمور خاضعة لنضال الأضداد
هكذا أهمل العهد الستاليني نظرية لينين – وحدة الأضداد - وهذا خطأ فادح برزت نتائجه فيما بعد .. ونتج عن هذا الخطأ الذي يتحمل مسؤوليته جميع المنظرين في ذلك العهد ولايمكن إلقاؤه على كاهل فرد واحد , .. نتج عن ذلك اعتبار الصراع الطبقي داخل النظام الإشتراكي قد انتهى . خصوصاّ بعد القضاء على التروتسكيين والكاديت والإشتراكيين الثوريين والبوند والمنشفيك .. وغيرهم وسائر خصوم الحزب والدولة , كما اعتبرت سلطة الطبقة العاملة ( ديكتاتورية البروليتاريا ) قد أنجزت مهمتها النهائية التاريخية , بعد أن حلّت التناقضات الداخلية بين صفوف الشعب بالطرق الإدارية القمعية في أغلب الأحيان بعد تغليب المركزية وحذف الديمقراطية أو تهميشها بشكل مخالف للماركسية اللينينية , الأمر الذي جعل الصراع الطبقي يبرز بشكل أكثر حدّة و عنفاّ بعد وفاة ستالين , وتحول النظام الإشتراكي إلى نظام رأسمالية الدولة .. بعد اغتيال الديمقراطية فيه لحساب المركزية القمعية وتحول الحزب إلى نخبة بيروقراطية معزولة عن الطبقة العاملة والشعب عموماّ على أيدي المحرفين الجدد بقيادة خروشوف وخلفائه ,.حتى أضحت الطبقة العاملة وفلاحي المزارع التعاونية ( الكولخوز والسوفخوز ) في حالة اغتراب تام عن الدولة التي تحمل إسمهم .وتتكنّى بهم . وكانوا أول المهللين لسقوطها مع الأسف ...؟
4 – عصر ماوتسي تونغ :
أوضح ماو تسي تونغ بأنه ليس للديالكتيك إلا قانون واحد هو - وحدة الأضداد – شارحاّ ذلك بلغة مبسطة سهلة الفهم على الجماهير بأسلوبه الرائع الذي يتميز بكونه السهل الممتنع , بقوله : ( تعتبر الفلسفة الماركسية أن قانون وحدة الأضداد هو القانون الأساسي للكون وهوقانون مطلق الوجود , سواء في الطبيعة أو في المجتمع البشري أو في تفكير الإنسان , فبين الضدين في تناقض ما توجد وحدة وصراع في اّن واحد , وهذا ما يبعث الحركة والتغيير في الأشياء والوقائع , إن التناقضات موجودة في كل شيْ , إلا أن طبيعتها تختلف باختلاف طبيعة الأشياء .. فالوحدة بين الضدين في التناقض الكائن في كل شيْ محدّد في ظاهرة مقيدة ومؤقتة وإنتقالية , وهي لذلك نسبية , أما الصراع بينهما فإنه يبقى مطلقاّ دون تقييد – حول المعالجة الصحيحة للتناقضات بين صفوف الشعب - )
هكذا طوّر الرفيق ماو فكرة لينين حول / وحدة الأضداد / وأوضح أيضاّ : إن إتصال الأمور ببعضها ونفي النفي لايحدث إلا وفق مبدإ وحدة الأضداد .
وإذا ابتعد الناس عن هذه النقطة لن يستطيعوا تفسير ظاهرات الطبيعة والمجتمع . وما التبدل من – الكمّي إلى الكيفي – إلا نتيجة لمبدأ وحدة الأضداد , والتناقضات داخل الحوادث والأشياء , أدت في النتيجة إلى تبدلات من الكم إلى الكيف الجديد كما طوّر ماو موضوعة التطور التي شرحها أنجلز الخالد بقوله: ( إن الطبيعة بأجمعها من حبة الرمل إلى الشمس , من البروتيست – الخلية الحية الإبتدائية – إلى الإنسان هي في حركة دائمة من النشوء والإضمحلال , هي في مد لاينقطع , في حركة وتغير مستمرين أبديين – ديالكتيك الطبيعة – أنتي دوهرنغ ) وهذا مافصّله ماو فيما يلي : إن التأكيد والنفي ثم التأكيد , نتيجة لنضال المتناقضات بين التأكيد والنفي هو تطور من الأسفل إلى الأعلى , وموت القديم وإحياء الجديد تبعاّ للمبدأ الديالكتيكي الذي صاغه ماو بإيجاز : بالمبدأ التالي : وحدة – نقد – وحدة – أي وحدة أضداد – ثم صراع أضداد أو نقد – ثم وحدة أضداد جديدة – في عملية تطور مستمرة لا نهائية .....- في التناقض - يتبع
#جريس_الهامس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟