أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - خالد يونس خالد - القضية الكردية في المعادلة الدولية ودورها في مستقبل الشرق الاوسط -كردستان العراق والأزمات التي تحكم الشرق الأوسطعلى المستوى العراقي 4/ 5















المزيد.....


القضية الكردية في المعادلة الدولية ودورها في مستقبل الشرق الاوسط -كردستان العراق والأزمات التي تحكم الشرق الأوسطعلى المستوى العراقي 4/ 5


خالد يونس خالد

الحوار المتمدن-العدد: 558 - 2003 / 8 / 9 - 07:16
المحور: القضية الكردية
    


                  القضية الكردية في المعادلة الدولية ودورها
                            في  مستقبل الشرق الاوسط                    
               "كردستان العراق والأزمات التي تحكم الشرق الأوسط
                        على المستوى العراقي  (4/ 5)"

القضية الكردية ووحدة الضدين: الصراع والسلام
إذا لم تجد "منظومة" الشرق الأوسط حلا عادلا للقضية الكردية فإن عنصر الصراع يتغلب على عنصر السلام، وتبقى منطقة الشرق الأوسط في دوامة الحروب الداخلية والأقليمية، مما تهدد بالتالي السلام العالمي. أما إذا أمكن إيجاد حل للقضية الكردية في الإطار الأقليمي فإنها ستكون عامل سلام وإستقرار في المنطقة.
 
القضية الكردية وأزمات الشرق الأوسط :
من الصعوبة سرد تفاصيل دور عنصر الصراع في مقال موجز كالذي بين أيدينا ، إذ أمامنا عشرات الأمثلة المهمة في تاريخ الأزمات التي حكمت الشرق الأوسط منذ إنهيار الأمبراطوريتين العثمانية والفارسية بعد الحرب العالمية الأولى. ووقوع المنطقة تحت سيطرة الكولونيالية البريطانية والفرنسية ثم الدخول في مرحلة التحرير وتأسيس الدول القومية. لكن شعوب هذه الدول القومية لم تذق طعم الحرية إلى اليوم بفعل تسلط الانظمة الشمولية على السلطة. وعلى أي حال يمكننا أن نورد هنا بإيجاز بعض الامثلة من بين هذه الأمثلة العديدة التي تقنعنا بدور القضية الكردية كعنصر صراع ونزاع على المستويات الداخلية والأقليمية والدولية. وهذه الأمثلة تنطبق بشكل أو بآخر على كل من تركيا وإيران وسوريا مثلما تنطبق على العراق. ولكننا نعالج "كردستان العراق والأزمات التي تحكم الشرق الأوسط على المستوى العراقي" بإعتبار أن الموضوع هو موضوع الساعة. 
 
الجمهورية العراقية الأولى 14 تموز 1958 _ 7 شباط 1963
بعد ثورة 14 تموز عام 1958 أعلنت الجمهورية العراقية الأولى، وأعلن الزعيم عبد الكريم قاسم سقوط القانون الأساسي العراقي لعام 1925 باعتباره قانونا مخالفا للأسس الديمقراطية، ثم أعلن الدستور الجديد الذي أُعتُبِر الدستور العراقي المؤقت الأول في العهد الجمهوري. وجاء في مادته الثالثة: "العرب والكرد يعتبرون شركاء في الوطن الواحد ويقر هذا الدستور حقوقهم القومية ضمن الوطن الواحد". وبهذه المناسبة حصل الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي كان قد تأسس في عام 1946 على إجازة العمل السياسي في العراق، كما رجع البارزاني مصطفى من منفاه في الإتحاد السوفيتي إلى العراق، واستُقبل إستقبال الأبطال. وهنأ الحزب الديمقراطي الكردستاني والبارزاني السلطة العراقية الجديدة وزعيمها عبد الكريم قاسم كما أشاد بإعلان الدستور الجديد. وعلق الحزب الشيوعي العراقي على المادة الثالثة من الدستور قائلا: "كانت خطوة إلى الأمام ومكسبا معنويا وديمقراطيا، إذ إعترفت بالشخصية القومية الكردية واعتبرتها شريكة مع العرب في الوطن العراقي". (أنظر تقرير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي ، بغداد ، آذار 1962، ص 17). وأعلن الحزب الديمقراطي الكردستاني في بيان صدر في تشرين الأول عام 1958 مايلي: "إن الشعب الكردي مستعد للدفاع عن جمهوريته الديمقراطية الجديدة حتى آخر قطرة من دمه". (أنظر آشيريان، الحركة الوطنية الديمقراطية في كردستان العراق 1961-1968، ترجمة ولاتو، رابطة كاوا ، ط 1، بيروت، 1978، ص 66). ومن المفيد أن نذكر بأنه كان للكرد دور كبير في إخماد تمرد عبد الوهاب الشواف ضد الزعيم قاسم في مدينة الموصل العراقية عام 1959. وتوجه آلاف المسلحين الكرد وبمحض إرادتهم إلى الموصل لمقاومة التمرد والقضاء عليه.
    تغيرت الأوضاع السياسية بسرعة، حيث منعت الحكومة العراقية النشاط السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني والتنظيمات الأخرى، وبدأت السلطات بملاحقة أعضاء الحزب الكردستاني المذكور مما إضطر الكرد إلى تفجير ثورة 11 أيلول 1961 بقيادة البارزاني مصطفى. وهذا ما أضعف نظام الزعيم قاسم، وألهى الجيش العراقي بمعارك جانبية بين النظام العراقي والثورة الكردية. وبذلك ساهم الكرد في إسقاط الجمهورية العراقية الأولى، مما فسح المجال للبعث العراقي في تمرير إنقلاب 8 شباط الأسود عام 1963، والذي أسس نظاما دمويا مستبدا مسلطا على رقاب الشعب العراقي بعربه وكرده وأقلياته.
   
الجمهورية العراقية الثانية وإنقلاب 8 شباط 1963
بعد إنقلاب 8 شباط وتشكيل الجمهورية العراقية الثانية ، إنعدم إلتزام الحكام بالدستور نهائيا، وكان الإرهاب والتعذيب والإعدامات السمات الأساية للنظام، إضافة إلى الجرائم البشعة التي إقترفها الحرس القومي ضد أبناء الشعب. لكن الثورة الكردية برهنت وجودها وقاومت السلطة البعثية مما إضطر النظام إلى الإلتفاف حول القضية الكردية وإصدار بيان 9 آذار والمعلن في 11 آذار عام 1963. وجاء فيه: "لقد عاش العرب والأكراد كأخوة، يربطهم الوطن. ويعترف مجلس قيادة الثورة بحقوق الأكراد على أساس مبدأ اللامركزية. وهذا المبدأ سيدخل الدستور المؤقت والدائم وستشكل لجنة من أجل وضع برنامج واسع للامركزية". (أنظر أشيريان، نفس المصدر، ص 85). لكن لم يدخل هذا المبدأ في الدستور، ولم تُطبق اللامركزية عمليا حتى سقوط النظام. ففي أوائل شهر حزيران سيق آلاف الكرد إلى السجون، وألقي القبض على رئيس الوفد الكردي صالح اليوسفي الذي كان متواجدا آنذاك في بغداد. وتحديدا في 6 حزيران 1963 شنت القوات العسكرية العراقية هجوما واسعا على كردستان ومواقع البيشمه ركة الكرد والبارزاني. وصرح الوزير العراقي طالب حسين شبيب في وزارة أحمد حسن البكر بأنه: "لا يجوز حتى الحديث عن منح الأكراد الحكم الذاتي وإذا لم يساوم الجنرال بارزاني بالقضية فإننا سوف نأجل القضية طويلا، وسنقضي على المتمردين دفعة واحدة". (أنظر آشيريان، نفس المصدر، ص 100). لكن بسبب قوة المقاومة الكردية المتواصلة أجبرت القوات العسكرية العراقية على التقهقر، وبرزت تناقضات في الحكومة العراقية، ومهدت السبيل لإنقلاب 18 تشرين الثاني عام 1963 وإقامة الجمهورية الثالثة.

الجمهورية العراقية الثالثة في 18 تشرين الثاني 1963
طلب عبد السلام عارف قائد إنقلاب 18 تشرين الثاني من قيادة الحركة التحررية الكردية تسليم الأسلحة إلى القوات العراقية والإستسلام. لكن القيادة الكردية رفضت ذلك وقاومت النظام العارفي وأرغمته بإصدار بيان 10 شباط عام 1964، وجاء فيه: قررت الحكومة "منح الأكراد الحقوق القومية في إطار الجمهورية العراقية وتثبيت هذا الحق في الدستور". لم يحدد البيان ما يعنيه البيان بالحقوق القومية، ومع ذلك رحب الحزب الديمقراطي الكردستاني بالبيان. ثبت ذلك في الدستور لكن هذا الدستور كان خطوة إلى الوراء بالمقارنة مع دستور الجمهورية الأولى. كما ركز رئيس الجمهورية عارف السلطات بيديه، وأخذ يعدل الدستور كيفما شاء دون إعتبار لحقوق العراقيين ومنهم الكرد.
   مع نشر الدستور المؤقت الثاني أعلن إتفاق الوحدة بين العراق ومصر في 26 أيار عام 1964 دون ذكر أي شئ عن الحقوق القومية للشعب الكردي. ولم يعترف الدستور بأي تنظيم سياسي غير تنظيم النظام وهو "الإتحاد الإشتراكي العربي"، وهذا يعني منع الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي كان التنظيم الوحيد الذي يمثل الكرد آنذاك، بالعمل السياسي. ولذلك وصف الحزب الكردستاني هذا الدستور بأنه وثيقة رجعية بالنسبة للشعب الكردي.
   أعلن رئيس الوزراء العراقي آنذاك طاهر يحيى بأن "الحكومة لا تستطيع أن تمنح الأكراد الحكم الذاتي لعدم وجود البرلمان المنتخب من قبل الشعب في البلاد. وبنفس الوقت إعتبر يحيى مطاليب الأكراد بتنفيذ إتفاقية 10 شباط (متطرفة) وأنها تعرقل الوحدة والصداقة مع العرب". (أنظر آشيريان، نفس المصدر ص 128). ثم بدأت الإصطدامات العسكرية بين القوات الحكومية والقوات الكردية. وأعلن رئيس الجمهورية عبد السلام عارف "نحن لا نعطي أي شبر من أرض وطننا، سيبقى الوطن العربي للعرب". وزعم بأن الأكراد هم في الاصل عرب من سلالة (كرد بن عامر). لكن على النقيض من إعتبار الكرد عربا كانت الممارسات الإستبدادية ضد الكرد على أرض الواقع تؤكد بأن الكرد قوم آخر غير العرب. فقد صرح وزير الدفاع العراقي عبد العزيز العقيلي في 21 تشرين الأول عام 1965 في كلمة ألقاها في القصر الجمهوري بأن "القضية الكردية لا يمكن حلها إلاّ عن طريق الحرب" بينما كان وزير الداخلية العراقي صبحي عبد الحميد أكثر وضوحا بقوله "لا ينوي العراق الموافقة على الحكم الذاتي للأكراد لا اليوم ولا في المستقبل". (أنظر آشيريان، نفس المصدر، 130 و 132).
  لكن الثورة الكردية إستمرت في إمتصاص قوة الجيش العراقي وإضعاف الإقتصاد العراقي، وتشويه المركز الدولي العراقي رغم الإنشقاق الكبير الذي حدث بين قيادة البارزاني مصطفى والمكتب السياسي لحزب البارزاني بقيادة جلال الطالباني وإبراهيم أحمد. توجه الطالباني وأعوانه إلى إيران، وتحالفوا مع نظام شاهنشاه إيران، لكن البارزاني نجح بالإلتفاف على المنشقين، بعقد كونفرانس، معلنا طردهم من الحزب، ثم الإتصال بالنظام الشاهنشاهي الإيراني بطرد الطالباني وأعوانه. إلتحق الطالباني ومن معه بالحكومة العراقية وحملوا السلاح إلى جانب الجيش العراقي ضد الثورة الكردية والبارزاني. لكن نجحت الثورة الكردية بالتفاهم مع الحكومة بالتوصل إلى بيان 29 حزيران 1966 والمعروف ببيان رئيس الوزراء الجديد آنذاك عبد الرحمن البزاز والمتضمن خمسة عشر نقطة. حيث ورد في النقطة الأولى: "تعترف الحكومة بحقوق الأكراد في إطار الدستور المؤقت وسوف يشمل الدستور الدائم على هذه الحقوق المتساوية". لكن سقطت حكومة البزاز ، وترأس الضابط العسكري ناجي طالب الوزارة، ونسف الإتفاقية وعلق قلئلا: "إننا لا نريد تحويل العراق إلى لبنان آخر". (أنظر أدمون غريب، الحركة القومية الكردية، بيروت، 1973، ص 94). وبهذا إقتنع الكرد أكثر بضرورة مواصلة النضال ، وحصلوا على مساعدات إيرانية لضرب مواقع النظام العراقي. كما إتصل الكرد بالقوى العراقية المعارضة لإسقاط الجمهورية الثالثة عشية إنقلاب 17 تموز عام 1968. 

الجمهورية الرابعة في 17 تموز 1968
قاد الضباط البعثيون بالتعاون مع الإخوان المسلمين وجماعة عبد الرزاق نايف إنقلاب 17 تموز وفي 30 تموز تم تصفية النايف وال بالتعاون مع الإخوان المسلمين وجماعة عبد الرزاق نايف إنقلاب 17 تموز.  وفي 30 تموز تم تصفية النايف والإخوان المسلمين وتفرد البعث بالسلطة، وعين أحمد حسن البكر رئيسا للجمهورية. وكانت سمة النظام دكتاتوريا ودمويا حيث حاول فرض أفكار البعث على أبناء الشعب العراقي كله.
   شنت القوات العسكرية العراقية هجوما كاسحا على المواقع الكردية ، واستعملت جميع أنواع الأسلحة، وكانت قوات جلال الطالباني تقاتل إلى جانب النظام ضد البارزاني الأب. كما مارست المخابرات العراقية سياسة التصفيات الجسدية ضد العراقيين من عرب وكرد، وتعرض عدد كبير من اللاجئين الكرد المتواجدين في المخيمات داخل الحدود التركية للتسمم بينما نجا آخرون. وفي هذا الظرف الصعب وجدت قيادة البارزاني مصطفى فرصة الخلافات العراقية الإيرانية على شط العرب، فاتصلت بالحكومة الإيرانية، وحصلت على الاسلحة والدعم المادي. وتمكنت من صد الهجمات العراقية، وتنظيم هجمات مضادة، وكبدت القوات العراقية خسائر كبيرة وخاصة في معارك سورداش ومركة ودولي شهيدان، وتعمقت الخلافات في قيادة البعث واشتد الإفلاس المالي مما أجبر النظام بالجلوس على طاولة المفاوضات. لقد كان التعاون والتنسيق الكردي الإيراني واضحا وعلنيا، كما كانت تتواجد ضباط إيرانيون في كردستان العراق لدعم القوات الكردية.
   نتجت المفاوضات بين الجانبين الكردي والعراقي إلى قبول النظام العراقي بجميع المطالب الكردية ، وأسفرت عن إعلان إتفاقية 11 آذار1970 وتضمنت خمسة عشر بندا، والتي كانت مطابقة تقريبا لمشروع الحكم الذاتي الذي قدمه الحزب الديمقراطي الكردستاني في 9 آذار 1970.

إتفاقية 11 آذار 1970 بين القيادة الكردية ونظام العراق
أشارت الإتفاقية في البند الثاني إلى ما يلي: "إن مشاركة إخواننا الأكراد في الحكم وعدم التمييز بين كرد وغيرهم في تقلد الوظائف العامة بما فيها المناصب الحساسة والهامة في الدولة كالوزارات وقيادات الجيش وغيرها، كانت وما زالت من الأمور الهامة التي تهدف حكومة الثورة إلى تحقيقها. فهي في الوقت الذي تقر هذا المبدأ تؤكد ضرورة العمل من أجل تحقيقه بنسبة عادلة مع مراعاة مبدأ الكفاءة ونسبة السكان وما أصاب إخواننا الكرد من حرمان في الماضي.
    ومن الجدير بالذكر أن صدام حسين الذي كان يشغل آنذاك منصب نائب الرئيس قد وقّع بنفسه على الإتفاقية. وإحتفل الشعب الكردي بل الشعب العراقي كله بالإتفاقية التي إعتبرت إتفاقية السلام والحكم الذاتي، والتي كانت في نفس الوقت صفعة بوجه شاه إيران، وانتصارا للكرد وقيادة البارزاني. وأعلن البارزاني عفوا عاما عن جميع الكرد بما فيهم المنشقين والذين حملوا السلاح ضده بما فيهم جلال الطالباني وجماعته. وتوحدت الصفوف الكردية لمواجهة المرحلة الأصعب.
   كان قد اعلن نظام الجمهورية الرابعة، قبل إتفاقية آذار 1970، الدستور المؤقت الثالث في 21 أيلول 1968 أي بعد إنقلاب تموز بشهرين وأربعة ايام. لكن هذا الدستور عُدل بعد صدور الدستور المؤقت الرابع في 16 تموز 1970. وبذلك أدخلت بنود جديدة في الدستور طبقا لإتفاقية 11 آذار المذكورة:
 
 أ _ يتكون الشعب العراقي من قوميتين رئيسيتين هما القومية العربية والقومية الكردية. ويقر هذا الدستور حقوق الشعب الكردي القومية وحقوق الأقليات كافة ضمن الوحدة العراقية.
  ب _ إضافة الفقرة التالية من المادة الرابعة من الدستور: تكون اللغة الكردية لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية في المنطقة الكردية.
  ج _ تثبيت ما تقدم في الدستور الدائم. 

   هنا يجد الباحث كيف أن الدساتير العراقية أصبحت لعبة بيد الحكام المستبدبن الذين تسلطوا على رقاب الشعب العراقي. فقد أصاب لينين في هذا المجال في قوله: "إن جوهر الدستور يعتمد على تناسب القوى في الصراع الطبقي إذ أن الدستور يعكس تناسبها الفعلي". (أنظر يورين تشيركين، دولة الإتجاه الإشتراكي أداة للتحولات الثورية، ترجمة دار التقدم، 1976، ص 60، نقلا عن لينن، المؤلفات الكاملة ، مجلد 17).
 
أهداف البعث من إتفاقية 11 أذار 1970 
رغم أن إتفاقية 11 أذار للحكم الذاتي كانت وثيقة تاريخية تقر بوجود الشعب الكردي وتعترف بحقوقه، فقد  كان الهدف منها هو القضاء على الحركة التحررية الكردية بوسائل أخرى بعد فشل ما يمكن تحقيقه عسكريا. وذلك عن طريق التأمر والإغتيالات.
  الإتفاقية لم تمنع الحرب ضد الشعب الكردي، لأنه كما قال كامل الجادرجي بأن النص في الدستور "أبقى المعضلة الكردية قائمة بكافة إحتمالاتها ومضاعفاتها إذ ليس المهم كما بينا النص على شعار يعترف بالحقوق القومية للأكراد، بل المهم هو تعيين طبيعة هذه الحقوق ومداها وكيفية ضمان التمتع بها". (أنظر كامل الجادرجي، من أوراق كامل الجادرجي، ط 1، بيروت ، 1971، ص 163). وقال صدام حسين :"أما أن يوجد عشرة رجال في أعالي الجبال أو مائة أو أي عدد آخر من ذلك في يوم ما يعارضون الثورة، فليس هذا بذي بال". (أنظر صدام حسين ، خندق واحد أم خندقان، بغداد، 1977، ص 27).
   وأعقبت الإتفاقية مؤامرة إغتيال قائد الحركة التحررية الكردية الملا مصطفى البارزاني في 29 أيلول 1971، ومحاولة ثانية في 16 تموز 1972. لقد كانت قيادة البعث جدية في نسف إتفاقية آذار ، في الوقت الذي كان الشعب الكردي يعيش في وهم الحكم الذاتي في ظل سلطة مركزية إستبدادية.
 
 وقد تجلى الموقف العدواني للبعث والقيادة العراقية في قول صدام حسين بأنه "لابد من إستكمال بعض المستلزمات الأخرى مثل ضبط الحدود، والترحيل من الحدود بعمق عشرين كيلومترا لكي لا يحدث تسلل. وإيجاد أجهزة لتقصي المعلومات والنزعات الشيرة وإبقاء جيش في المنطقة وتوزيعه على شكل معسكرات معينة وشق الطرق في الجبال". (أنظر صدام ، خندق واحد أم خندقان ، ص ص 34_35) . ولعل أبرز دليل للتكتيك البعثي من الإتفاقية هو ما صرح به أحد أعضاء القيادة القطرية لحزب البعث في نيسان 1970 "بأنهم سيجردون البارزاني من جميع عناصر قوته بواسطة بيان آذار" (إتفاقية 11 آذار 1970).  وعلى أي حال فشلت الإتفاقية ولم تطبق بنودها كما لم تنفذ ما ورد في الدستور العراقي الرابع. وصمم النظام بإعلان قانون الحكم الذاتي رغم رفض قيادة البارزاني على مضمونه. وفي ذلك وافق الحزب الشيوعي العراقي (اللجنة المركزية) على ممارسات السلطة، خاصة بعد الإتفاقية العسكرية العراقية السوفيتية عام 1973، ودخول الحزب الشيوعي في الجبهة التقدمية التي تضمنت حزب البعث الحاكم. ودخل الشيوعيون في معارك دموية طاحنة مع قوات البارزاني مصطفى والحركة التحررية الكردية قبل أن ينقلب النظام على الشيوعيين ، ليتحولوا إلى جبهة المعارضة مع الكرد ضد النظام البعثي . 
  
قانون الحكم الذاتي 1974
   سياسة الأرض المحروقة بدأت بمجرد إصدار قانون الحكم الذاتي من طرف واحد. وخلال سنة واحدة بين 1974 – 1975 قتل حوالي (60) ألف عراقي منهم (14) ألف عسكري عراقي ومرتزق كردي موالين للنظام. وهذا كله كان تناقضا مما قاله صدام حسين نفسه عقب إتفاقية 11 آذار 1970 "بأن السلطة المركزية تكون خاسرة إذا ما عولجت القضية الكردية بتصور عسكري". (صدام ، خندة واحد ام خندقان ، ص 28). لكن على أرض الواقع أعلن صدام حسين هدفه الحقيقي بمعاداته للكرد في مقال نُشر في صحيفة حزب البعث  ب "أن النضال لتصفية هذه الزمرة تصفية نهائية أو إجتثاث جذورها وفروعها مهمة وطنية مقدسة". (أنظر جريدة الثورة الحكومية في 5 ديسمبر عام 1974).

 إتفاقية 6 آذار 1975 بين العراق وإيران
   أفرغ قانون الحكم الذاتي لعام 1974 إتفاقية 11 آذار لعام 1970 من مضمونها. فالقانون ليس فيه من الحكم الذاتي غير إسمه، مما دفع الحركة التحررية الكردية بالدخول في جولة أخرى من النضال المسلح، ولكن هذه المرة بشكل أكثر دموية، وبتدخل أقليمي ودولي. فقد وثقت القيادة الكردية علاقاتها مع النظام الإيراني الشاهنشاهي كما ذكرنا، وفسحت للقوات الإيرانية بالتدخل المباشر في كردستان العراق. ودخلت كتيبة إيرانية مزودة بكافة أنواع الأسلحة بما فيها الأسلحة المضادة للطائرات. كما ساهم خبراء إيرانيون وإسرائيليون بتدريب عناصر البيشمه ركة الكرد، ودخلت عناصر كثيرة في دورات عسكرية داخل كردستان وخارجها بما فيها إسرائيل. (أنظر نكديمون، الموساد الإسرائيلي في العراق ودول الجوار، عمان 1997). ووجدت الحكومة العراقية نفسها في موقف صعب للغاية في مواجهة المد الكردي الإيراني فحاولت الإلتفاف على الثورة الكردية بالتفاهم مع النظام الشاهنشاهي الإيراني وبتوسط من الرئيس الجزائري حينذاك هواري بومدين. ودخلت كل من مصر والأردن والولايات المتحدة الأمريكية في المعادلة. ورغم أن أمريكا كانت قد منحت القيادة الكردية 16 مليون دولار كمساعدة ، إلا أن مصالحها إقتضت ضرب الكرد حين وجدت حليفتها إيران الشاه قد حققت أهدافها من تدخلها في القضية الكردية. فقد وافق نائب الرئيس صدام حسين بالتنازل عن بعض حقوق العراق في شط العرب مقابل إنسحاب إيران دعمه للحركة التحررية الكردية. وبذلك تمت الإتفاقية بين الشاه الإيراني وصدام حسين في 6 آذار عام 1975 بإنهاء الخلافات العراقية الإيرانية وتم التوقيع على الإتفاقية في الجزائر العاصمة وبحضور هواري بومدين. وأسفرت الإتفاقية إنهيار الثورة الكردية، ولو مؤقتا إن صح التعبير، وحدثت نكسة أليمة بالشعب الكردي وحركته القومية، واعتبرها الكرد مؤامرة دولية طُبخت بنودها في واشنطن، وأعلنت في الجزائر. وبذلك حقق صدام حسين إنتصارا ولو مؤقتا على الكرد. لكن لم يفكر أحد بأنه لا يمكن إعدام قضية شعب بهذه السهولة، ولم يأخذ صدام حسين حقيقة مفادها أن النصر في معركة واحدة قد لا يكون نصرا في الحرب كلها. فإتفاقية 6 آذار عام 1975 أصبحت وبالا على النظام العراقي ، وتجربة قاسية للشعب الكردي. لقد كانت الإتفاقية سببا من أهم أسباب الحرب العراقية الإيرانية. (ترقب الحلقة الخامسة من هذه الدراسة).

_______________ * باحث وكاتب صحفي عراقي مستقل - السويد

يتبع (الحلقة الخامسة والأخيرة بعنوان "القضية الكردية والتدخل الأقليمي الدولي في العراق")



#خالد_يونس_خالد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لن تُجبرني على الرحيل
- ثلاث قصائد مهداة لاطفال فلسطين
- أرضي
- القضية الكردية في المعادلة الدولية ودورها في مستقبل الشرق ال ...
- القضية الكردية في المعادلة الدولية ودورها في مستقبل الشرق ال ...
- القضية الكردية في المعادلة الدولية ودورها في مستقبل الشرق ال ...
- أين درب الرحيل؟
- الغدر في عاصفة التحدي
- الطفولة المُعَذبة
- تنامي الإتجاه الكردي نحو الغرب والخيارات الصعبة
- قصائد تغني لبغداد
- العوامل الداخلية والخارجية لتدويل القضية الكردية
- الديمقراطية شئ عقلاني في النهاية
- أمي الفلسطينية تبتسم للحرية
- تحرير العراق والبحث عن الأرواح
- الصوت الحزين
- معجزة الأيام
- حقائق الأمس أساطير اليوم وحقائق اليوم أساطير الغد
- تجديد وإبداع في الحوار المتمدن
- الخوف من الذات والخوف من الآخر


المزيد.....




- السفير عمرو حلمي يكتب: المحكمة الجنائية الدولية وتحديات اعتق ...
- -بحوادث متفرقة-.. الداخلية السعودية تعلن اعتقال 7 أشخاص من 4 ...
- فنلندا تعيد استقبال اللاجئين لعام 2025 بعد اتهامات بالتمييز ...
- عشرات آلاف اليمنيين يتظاهرون تنديدا بالعدوان على غزة ولبنان ...
- أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت.. تباين غربي وترحيب عربي
- سويسرا وسلوفينيا تعلنان التزامهما بقرار المحكمة الجنائية الد ...
- ألمانيا.. سندرس بعناية مذكرتي الجنائية الدولية حول اعتقال نت ...
- الأمم المتحدة.. 2024 الأكثر دموية للعاملين في مجال الإغاثة
- بيتي هولر أصغر قاضية في تاريخ المحكمة الجنائية الدولية
- بايدن: مذكرات الاعتقال بحث نتانياهو وغالانت مشينة


المزيد.....

- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم
- المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية / بير رستم
- الكرد في المعادلات السياسية / بير رستم


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - خالد يونس خالد - القضية الكردية في المعادلة الدولية ودورها في مستقبل الشرق الاوسط -كردستان العراق والأزمات التي تحكم الشرق الأوسطعلى المستوى العراقي 4/ 5