هايل نصر
الحوار المتمدن-العدد: 1853 - 2007 / 3 / 13 - 13:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يستعد الفرنسيون يومي 22 افريل/نيسان 2007 (الدورة الأولى ) و 6 ماي/ايار (الدورة الثانية) لانتخاب الرئيس السادس في الجمهورية الخامسة التي سبق قيامها أربع جمهوريات أعقبت الثورة الفرنسية لعام 1789. فبعد عزل الملك في 10اوت/ آب 1792. قامت الجمهورية الأولى في 22 سبتمبر 1792 . والجمهورية الثانية: 1848 إلى 1852. والجمهورية الثالثة : 1871 إلى 1940. والجمهورية الرابعة: 1945 إلى 1955.
بدأ عهده الجمهورية الخامسة ـ الجمهورية الوحيدة التي ورثت جمهورية قبلها ـ عام , 1958 بانتخاب الجنرال ديغول ( 1890 ـ 1970 ) كأول رئيس لها في 8/1/1959, لمدة 7 سنوات. وقد أعيد انتخابه عام 1965 باقتراع عام في الدورة الثانية (بنتيجة 55,20 %), نتيجة إخفاقه في الدورة الأولى التي نافسه فيها فرنسوا ميتران كمرشح وحيد لليسار. و لم يكمل فترة رئاسته الثانية. فقد استقال في 28/4/1969 اثر إعلان نتائج الاستفتاء العام الذي جرى في 28/4/1969 رغم كونه استفتاء لا يترتب عليه دعوة للاستقالة.
جاءت الإصلاحات التي قامت بها الجمهورية الخامسة ملبية لرغبات كان يطرحها, منذ نهاية الحرب العالمية الأولى, رجال قانون دستوري مثل جاك باردو Jacques Bardoux ورجال سياسة مثل الكسندر ميلراند Alexandre Millerand و اندرييه تاردييه André Tardieu , بما أدخلته من إصلاحات كانت ضرورة ملحة تتطلبها المرحلة. ففي 13 جوان/ حزيران 1958 صدر قانون دستوري يلزم النظام الجديد باحترام مبادئ ثلاثة أساسية: الجمهورية, الديمقراطية, الشعبية. وقد اخذ بذلك النص الدستوري الصادر في 4 أكتوبر 1958.
اختلف الفقهاء الدستوريون في وصف طبيعة نظام الجمهورية الخامسة, فحسب البعض هو نظام "استفتائي" ويراه غيرهم نظاما " نصف برلماني ونصف رئاسي". آخرون يعتبرونه نظاما برلمانيا بهيمنة رئاسية. وغير ذلك من التصنيفات المعروضة والمختلف فيها. وبعد التعديل الدستوري في 24 سبتمبر 2000 الذي جعل مدة الرئاسة خمس سنوات بدل من سبع. اظهر البعض خشيته من تحول النظام السياسي نحو نظام جمهوري.
بعد استقالة ديغول تم انتخاب جورج بومبيدو (1911 ــ 1974 ) المحافظ في توجهاته والمنتمي بعمق للخط الديغولي, في 28/4/1969, بنسبة 58 % من الأصوات, في مواجهة منافسه الآن بوهير. وقد توفى في 2/4/ 1974 خلال فترة ممارسته لمهامه. ولم تدم رئاسته إلا أربع سنوات و 10 اشهر. وقد قام بعده الآن بوهير رئيس مجلس الشيوخ بمهام الرئاسة لمدة 50 يوما.
في 24/ 5 /1974 تم انتخاب فاليري جيسكار ديستان (مولود عام 1926) رئيسا للجمهورية (بنتيجة 50,81 %) وهو من خارج الخط الديغولي. وقد فاز بعدد قليل جدا من الأصوات على منافسه فرانسوا ميتران (50,81 % ). وعبن جاك شيراك كوزير أول. وبعد استقالة هذا الأخير عين مكانه البروفسور ريمون بار. وكان من اشهر الإصلاحات التي عرفها عهده قانون الطلاق. قانون الإجهاض. وإنشاء المجلس الأوروبي. وكان المدافع الأساسي عن مبدأ الانتخاب المباشر للبرلمانين الأوروبيين.
وفي العاشر من ماي 1981 انتخب فرنسوا ميتران رئيسا للجمهورية الفرنسية ( 1916 ــ 1996 ), بنتيجة 51,76 %, وكانت هي المرة الأولى في تاريخ الجمهورية الخامسة التي يتم فيها انتخاب رئيس اشتراكي. وقد اعيد انتخابه لفترة رئاسية ثانية (54,02 %). في 15/5/1995. عرفت فترة رئاسة متيران التي استمرت 14 سنة فترتين من التساكن أو التعايش cohabitation مع وزارات من اليمين, فقد كلف جاك شيراك بتشكيل حكومة. من عام 1986 الى 1988. وفي مارس 1993 كلف ادوار بالادير Edouard Balladur الذي قام بتطبيق نظام اقتصادي حر.
وقد ازدهرت الحريات المحلية, في نظام اللامركزية الإدارية, و ترسّخت حرية التعبير بتحديث القانون الجزائي. و تم إلغاء عقوبة الإعدام. وقد عرفت هذه الفترة حسن سير المؤسسات. والاحترام الدقيق لفصل السلطات. وتطبيق مثالي لتدوال السلطة وروحية الّتساكن أو المعايشة بين توجهات سياسية مختلفة في مركز السلطة.
وكان ميتران من المتحمسين للبناء الإداري الأوروبي. كما كان من اكبر السياسيين الذين عرفتهم فرنسا في عصره ومن اكبر الكتاب في السياسة.
انتخب جاك شيراك (1932 ), وهو من اليمين و مؤسس حزب التجمع من اجل الجمهورية RPR , الرئيس الخامس للجمهورية الخامسة في 17/5/1995 بنسبة 52,64 %, من الأصوات. واختار الان جيبه Alain Juppé المقرب منه جدا كوزير أول . قاد سياسة خارجية تقربه من العالم العربي. و تابع إجراءات السلام الفلسطينية الإسرائيلية. كما الحق فرنسا بقيادة الحلف الاطلسي OTAN.
وقد عرفت فرنسا في عهده فترة الّتساكن الثالثة التي دامت 5 سنوات وكان فيها ليونال جوسبان الوزير الأول على رأس وزارة من اليسار. و تم , باستفتاء شعبي , تقليص مدة الرئاسة إلى 5 سنوات .
وأعيد انتخاب شيراك لفترة رئاسية ثانية في 5/5/2002, (بنسبة 82,21 %), في مواجهة مرشح اليمين المتطرف لوبان, عين فيها رفران وزيرا أول . ثم دومينيك د يفلبان. عارض في فترة رئاسته الثانية سياسة الولايات المتحدة وخاصة في العراق. وسعى لتأسيس عالم متعدد الأقطاب. وقد ساءت علاقته بالولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا لفترة طويلة. تعرض لمحاولة اغتيال فاشلة في 14/7/2002 قام بها ماكسيم بوتير احد أنصار اليمين المتطرف . لم يمانع في انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي. ونتيجة لسياسته "التركية" فقد كثيرا من شعبيته. وانعكس ذلك مباشرة في رفض الشعب الفرنسي للدستور الأوروبي, في الاستفتاء بنسبة 54,74 % , وترتب عليه استقالة وزارة رفران. وقد عرفت الفترة الأخيرة في حكومة ديفلبان تنافسا بين هذا الأخير ووزير الداخلية ساركوزي, المرشح الحالي لرئاسة الجمهورية, كانت تظهر أثاره السلبية في استطلاعات الرأي التي عرفتها رئاسة شيراك.
ويمكن القول أن شيراك يعتبر أخر الكبار المخضرمين في الجمهورية الخامسة والذي كان يقود تيارا سياسيا له أسسه الراسخة في الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي الفرنسي. ولا يمكن حتى لخصومه السياسيين من الفرنسيين, إلا الاعتراف له بأنه يجمع في شخصه إلى الجانب السياسي الجانب الأخلاقي والإنساني. وهو قليل الوجود في السياسة.
المرشحون للانتخابات الرئاسية الحالية :
سوف نشير بإيجاز شديد إلى أهم المرشحين الحاليين للرئاسة الفرنسية وبعض النقاط الواردة في برامجهم الانتخابية:
1ـ نيكولا ساركوزي. ( مولود عام 1955 من اصل هنغاري)
مرشح حزب التجمع من أجل الحركة الشعبية . يجعل الأمن في برنامجه الانتخابي أولوية. وخلال شغله لوزارة الداخلية ساند قانون الأمن الداخلي لعام 2003 والذي سمي باسمه. وقانون الهجرة والاندماج لعام 2005 المسمى بقانون ساركوزي (مقالنا في الحوار المتمدن: هجرة منتقاة وليست مفروضة ) ودعا فيه إلى ما سماه هجرة منتقاة وليست مفروضة. وشدد على شروط تسوية أوضاع المهاجرين غير الشرعيين. والتجمع العائلي, و العمالة المنتقاة في مجالات اقتصادية معينة. طالبا من أحزاب الجمهورية التحدث بجرأة عن مسألة الهجرة وعدم تركها لليمين المتطرف الذي اتخذ منها وسيلة يطرحها بالشكل الذي يريده ويبني عليها شعبيته (خطابه في مرسيليا في 5 مارس 2007). ساند إنشاء المجلس الفرنسي للشؤون الإسلامية. ومع ذلك يتنافس, سرا وعلنا, مع جان ماري لوبان للحصول على أصوات مناصري الجبهة الوطنية اليمينية والمؤيدين لها, فيتبنى بعض طروحاته فيما يتعلق بالربط بين المهاجرين ومشاكل البطالة, وانعدام الأمن, والجريمة. وهذا ما تستنكره المنظمات الحقوقية والعديد من الأحزاب السياسية الفرنسية.
2ـ سيغولين رويال (مولودة عام 1953 في دكار السنغال).
مرشحة الحزب الاشتراكي. تضمن برنامجها الانتخابي ما سمته تعزيز الديمقراطية. وتقترح إنشاء لجنة محلفين من المواطنين لتقييم السياسات العامة, بمقتضى معايير إشباع الاحتياجات, والتشخيص الواقعي للصعوبات وطرق معالجتها. وليس لفرض العقوبات, وإنما لتحسين الأداء. على أن تشكل هذه اللجنة بطريقة القرعة كما كان متبعا في اليونان القديمة. مما يفتح المجال أمام المواطنين للمشاركة في الحياة السياسية. فالديمقراطية تعني قبل كل شيء الحق في المساواة بين الحاكمين والمحكومين. وتكون اللجنة المذكورة مفتوحة للجميع, مع إيجاد الآليات الفعالة والواقعية لعملها.
في مسالة الهجرة تطرح المرشحة سياسة الحزب الاشتراكي فيما يتعلق بالمهاجرين, شروط دخولهم وإقامتهم وحقوقهم الاجتماعية والقانونية في فرنسا.وكما تبين التجربة , سياسة انتهازية تبدي تساهلا في الشكل وتصلبا وتشددا في الجوهر.
3ـ فرنسوا بايرو François Bayrou (1951)
مرشح حزب الاتحاد من اجل الديمقراطية. وتضعه استطلاعات الرأي حاليا في المرتبة الثالثة. سبق له الترشح للرئاسة عام 2002 و حصل على 6,24 % من أصوات الناخبين. جامعي وأستاذ للأدب الكلاسيكي. نائب في الجمعية الوطنية. وعضو في المجلس الجهوي في بيرينه اتلانتيك. يحاول تبني سياسة الوسط. يستهجن القول بان الهجرة تضر بالهوية القومية, معلنا أن التاريخ والإحداث تشير إلى غير ذلك. وانه لا يجب التفكير بمنطق الربح والخسارة عند الحديث عن الهوية والسيادة القومية.
4ـ جوزيه بوفه José Bové (1951 )
مرشح حر . ليس له حزب سياسي. ثائر ضد الليبرالية الاقتصادية. ومناضل عنيد ضد العولمة. ولا يشبه المرشحين الآخرين في برامجه أو حملته. نقابي. يسانده عشرات آلاف من المواطنين والجمعيات المعادية لليبرالية الأمريكية. يريد تعزيز دور المجتمع المدني الذي يناضل ضد الظلم الاجتماعي. و يتهم اليسار التقليدي بالانتهازية والعجز. ويطرح بدائل لانعدام الأمن الذي تتاجر به أحزاب اليمين المتطرف, ولعدم الاستقرار الاقتصادي للطبقات الفقيرة.
5ـ جان ماري لوبان (1928).
مرشح الجبهة الوطنية التي أسسها عام 1972. ترشح للرئاسة في الأعوام: 1974 . 1988. 1995. 2002
يبشر بالأفكار القومية المتطرفة. معاد للأجانب. يبني برامجه على هذه المعاداة. تمثل شعبية الجبهة الوطنية بين 11 و18 % من الفرنسيين على المستوى الوطني.
النقاط الأساسية التي تميز برنامجه الانتخابي والقائمة على عقيدة سياسية متطرفة:
ـ تحديد الهجرة إلى حد كبير والوصول بها إلى الصفر. باعتبارها إفقار لفرنسا وتهديد لثقافتها.
ـ إعادة فورية لأعداد كبيرة من المهاجرين إلى بلدانهم. وحتى الفرنسيين من أصول أجنبية في حالة ارتكابهم جنحة أو جناية ( تطبيق قانون ازدواجية العقوبة).
ـ الحفاظ على الحياة التقليدية. والتوقف عن السماح بإقامة مساجد في فرنسا.
ـ إعادة عقوبة الإعدام. وخاصة في جرائم الإرهاب والمخدرات.
هذا ولا يتسع المجال هنا لذكر باقي المرشحين واهم نقاط برامجهم الانتخابية.
توجهات الناخبين الفرنسيين من أصول مغاربية
نسبة الفرنسيين الذين يجدون بين أصولهم القريبة أو البعيدة مهاجرا أجنبيا تعادل 23 % . من المجموع العام للفرنسيين. علما بان نسبة الفرنسيين ممن في أصولهم مهاجر مغاربي أو أفريقي تعادل 4 % من الفرنسيين أصحاب الأصول الفرنسية الخالصة.
أما نسبة الفرنسيين من أصول مغاربية و المسجلين على اللوائح الانتخابية لعام 2005 فهي حوالي 3 % من عدد الناخبين المسجلين على هذه اللوائح.
وفيما يتعلق بالتوجهات السياسية يعلن 75 % منهم بأنهم اقرب إلى الأحزاب اليسارية. ونصفهم يقول انه قريب من الحزب الاشتراكي. ( Vincent Tibbrj ). هذا التوجه لا يستند إلى وضع اجتماعي أو لمنظومة قيم فردية يتبناها الحزب المذكور. وإنما يمكن تفسيره بالتطلع لفكرة المساواة الاجتماعية المطروحة في برامجه. و يبقى اليسار في تصورهم أكثر قربا من المهاجرين, بأصنافهم, ومن الطبقات الفقيرة بشكل عام.
عدم ثقة الفرنسيين من أصول مغاربية وافريقية باليمين تبعدهم عنه. رغم بعض الطروحات التي تصدر من وقت لآخر لوزير الداخلية الحالي والمرشح للرئاسة نيقولا ساركوزي, مثل تطبيق سياسة مضادة لكل أنواع التمييز. أو إنشاء مجلس إسلامي فرنسي للشؤون الدنية . او تعيين محافظ مسلم préfet .
فالجيل الثاني والثالث من الفرنسيين من أصول مغاربية يتطلعون إلى ما هو ابعد من جرد دغدغة عواطف دينية كانت ترضي آباءهم وأجدادهم من المهاجرين الأوائل. فهؤلاء اليوم معنيون بالشؤون العامة الفرنسية مثلهم مثل غيرهم من الفرنسيين الآخرين. كما أنهم يطالبون بأمور أساسية تتعلق بالهوية والمواطنية. حيث يشعر الكثير منهم انه لمجرد انحداره من أصول مهاجرة أو لمجرد انتمائه الديني, او لبلد عربي, يجعل منه مواطنا اقل فرنسية من غيره. ولا ينظر إليه المجتمع إلا على أن مزدوج الولاء.
كما ان مشاكل البطالة والعمل غير المستقر, والغلاء, وانخفاض مستوى المعيشة التي تهم جميع الفرنسيين, تطال بشكل اكبر المنحدرين منهم من أصول مغاربية. ومسألة المنافسة في مجال العمل من قبل غير الفرنسيين القادمين من دول الاتحاد الأوروبي والتي تعطيهم الأفضلية, غير الرسمية, تمسهم بشكل مباشر كفرنسيين يزاحمون في بلدهم. كما تمس بقية المهاجرين المغاربة الذين لا يحملون الجنسية الفرنسية.
ارتباط الفرنسيين من أصول أجنبية بالدولة الديمقراطية ارتباط قوي, نظرا للخدمات الني تقدمها لهم وللحقوق التي تكفلها. فهم يطلبون تدخل القوة العامة, بشكل خاص في الأحياء التي يكون تجمعهم فيها كثيفا, المسماة بالأحياء الصعبة أو الحساسة, كل مرة يرون فيها تهديدا للنظام العام والأمن, لثقتهم بها.
ونظرا لعدم جدية وفشل المشاريع المتعلقة بالهجرة وتنظيمها, ومنها سياسة ما يعرف بالاندماج, التي طرحتها وتطرحها مختلف الأحزاب السياسية, فان الفرنسيين من أصول مغاربية يعلنون في غالبيتهم أن لا ثقة لديهم في السياسيين من اليمين واليسار. وبأنهم من الأفضل لو يستطيعون إرسال نواب منهم للتحدث باسمهم في شتى القضايا التي تتعلق بالوطن وبأمورهم الخاصة. وصعوبة تحقيق هذا الأمنية ليس لأن الوسائل الديمقراطية تحول دون ذلك, وإنما لاختلاف هؤلاء في كيفية توحيد مواقفهم وتوجهاتهم. وصياغتها بواقعية. فما عدا اتفاقهم على بعض الأمور المتعلقة بالشؤون الدينية. لا نرى اتفاقا يذكر في بقية الأمور.
عدم ثقتهم هذه برجال السياسة والأحزاب السياسية الفرنسية تجعلهم ينطون في سلبية واضحة, ويفضلون الإقامة في تجمعات سكنية يعيشون فيها العادات والتقاليد الموروثة عن الأهل والأجداد ــ ولا مجال هنا لذكر الأسباب الحقيقية التي تعود في غالبيتها للسياسة الفرنسية المتبعة إلى الآن و تؤدي لقيام مثل هذه التجمعات ــ وعليه نراهم يحجمون عن الدخول في الحياة السياسية الفرنسية من بابها الواسع, فتكاد تكون مشاركتهم في الأحزاب السياسية الفرنسية او النقابات المهنية, أو جمعيات المجتمع المدني, معدومة. وما يشكلونه من جمعيات تنحصر أهداف معظمها في الشؤون الدينية أو الندية الرياضية, وغالبا ما يكون منتسبوها من أبناء البلد الذي تعود إليه أصولهم: جمعيات جزائرية صرفة أو مغربية صرفة, أو تونسية صرفة .. كما أن الخلافات السياسية بين تلك البلدان كثيرا ما تنعكس عليهم وعلى مواقفهم بصدد العديد من القضايا. إضافة للخلافات في هوية الأصل, فحسب دراسة قام بها المعهد الوطني للسكان فان الفرنسيين من أصول بربرية يرفضون تصنيفهم ضمن أصحاب الأصول العربية.
ويترب على ما تقدم عدم مقدرة الفرنسيين من أصول مغاربية على تشكيل كتلة ناخبين يحسب لها المرشحون للانتخابات الرئاسية أو البرلمانية حسابا يذكر. فأصواتهم وان كانت في غالبيتها تذهب, افراديا ودون تنسيق, إلى اليسار, كما ذكرنا, فهناك أخرى تذهب, دون تنسيق أيضا, إلى اليمين, وحتى لليمين المتطرف. فقد أعلن, على سبيل المثال, فريد سماحي عضو المكتب السياسي لحزب الجبهة الوطنية المتطرف, بان أعدادا كبيرة من الفرنسيين من أصول مغاربية تعطي أصواتها لهذا الحزب ولمرشحه جان ماري لوبان. وان عدد المنتسبين له من هذه الفئة يبلغون 10540 عضوا. ( وان كان مركز البحوث السياسية CEVIPO يشكك في ذلك. Vincent Tiberi ).
ضياع أصوات الفرنسيين من أصول مغاربية, أو وتوزعها دون التفكير بأهميتها, أو اختيار السلبية بعدم المشاركة كليا في الحياة السياسية, لا يضر فقط بمركز هؤلاء كمجموعة لها, إلى جانب مصالحها الوطنية, مصالح خاصة بها, وإنما تقود السياسيين للنظر إليهم, حاليا ومستقبلا, على أنهم مجموعات غير قادرة على تشكيل مجموعة ضغط مؤثرة, مجموعات غير متجانسة, ومعدومة الوزن.
د.هايل نصر
#هايل_نصر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟