|
الغافل عن الشيء لا يدركه
لبنى الجادري
الحوار المتمدن-العدد: 1853 - 2007 / 3 / 13 - 08:11
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يزخر العالم الخارجي بأنواع من المنبهات الحسية المختلفة ، تؤديها العناصر الحسية الخمسة للأنسان ، وأن جسم الأنسان نفسه هو مصدر لكثير من المنبهات الصادرة من أحشائه وعضلاته ومفاصله ، وكذلك يزخر الذهن بسيل من الخواطر والأفكار ، لكن الفرد لا ينتبه الى جميع هذه المنبهات التي تتشابه في كل الجوانب وفي كل اللحظات ، بل يختار منها ما يهمه معرفته أو عمله وما يستجيب لحالاته وحاجاته النفسية والوقتية . ويتضمن الاختيار في العادة ، استعداد الفرد وتهيـّئه لملاحظة شيء دون آخر والتفكير في شيء دون آخر ، فإذا قلنا لشخص ما ( إنتبه ) ، فهذا يعني أنه يستعد لأدراك ما نقول أولا ، ولذا جاء الأنتباه قبل الإدراك بالشيء ، فالأنتباه بذلك يكون مرحلة تحضيرية لعملية الإدراك ، وكل إدراك يحتاج الى انتباه ، والغافل عن الشيء لا يدركه . فالانتباه بمعناه هذا هو عملية توجيه الذهن الى شيء ما ، أما الإدراك فهو عملية التعرف على الشيء ، ولا يمكن الفصل الدقيق بينهما ، سوى أن الإدراك يحتاج لحدوثه الى الأنتباه . ويعني الانتباه وفق ذلك ، حصر الذهن في شيء ، بحيث يصبح هذا الشيء في بؤرة الشعور أو هو توجيه الشعور نحو هذا الشيء . ويمكن إدراج الانتباه بهذا المعنى على أنه وظيفة عقلية وليس قوة ( ملكة ) عقلية مستقلة تهدف الى الإدراك . أما طبيعة الانتباه ، فهي الحركة والتغيّر وعدم الثبات ، فلا يبقى لمدة طويلة موجها ً الى شيء واحد ، حتى وإن كان الشخص ساكنا ً ، فإن أفكاره تنتقل من فكرة الى أخرى . ويتخذ الانتباه مظاهر شتـّى ، فقد يكون مركـّزا ًعندما يضيق مجاله ويتحدد في منطقة ضيقة لتحديد ما يرغب معرفته فقط ، مثله مثل الشخص الذي ينظر الى جماعة من الناس من الأعلى فيراهم مجتمعين صغارا ص ن ولكنه لا يميز كل شخص على حدة . والانتباه أنواع ن حسب الدافع اليه ، فهو : 1- انتباه لا إرادي / وهو ذلك النوع الذي يوجه فيه المرء أنتباهه الى الشيء رغما ً عنه ، كأنتباه الشخص الى الصوت المفاجيء، أو الى صرخة ما في وضع هاديء .. الخ 2- الانتباه التلقائي / وهو انتباه الى شيء ما بدافع فطري غريزي ، وهذا النوع من الانتباه ينتج عن حاجات الشخص الفطرية ، كأنتباه الطفل للحلوى مثلا . 3- الأنتباه الإرادي أو التلقائي / وهذا النوع من الأنتباه يقضي في المتنبه أن يبذل جهدا قد يكون كبيرا ً ، كأنتباه الطالب الى المحاضرة أو الطبيب الى إجراء العملية، وهذا النوع من الأنتباه يحتاج الى التدريب المستمر والسيطرة والصبر والإرادة لتحقيقه . أما من حيث طبيعة الموضوع فيقسم الأنتباه الى : 1- الأنتباه الحسي / وهو توجيه الذهن الى أحد المدركات الحسية ، كالمرئيات والمسموعات ...الخ . 2- الأنتباه العقلي / وهو توجيه الذهن الى أحد المعقولات ( كالتفكير والتذكر والتخيل ) ، كالتمارين الرياضية ، او تذكر رحلة قام بها ...الخ . ويحتاج الأنتباه في أثناء ذلك الى مثيرات تحفزه وتجعل من عملية حدوثه ممكنة ن منها 1- عوامل ذاتية / Internal Factory والعوامل الذاتية التي تؤدي الى الأنتباه ن تتعلق بالشخص نفسه ، وهي تعود الى ما تعودناه وألفناه . وهذه العوامل يمكن أن تصنف الى نوعين : أ – عوامل تكوينية مميزة للشخصية ب – عوامل بيئية مصاحبة له ، تشمل الإضاءة والصوت والحركة ....الخ . 2- العوامل المصاحبة للحالة التي يمر بها الفرد أثناء إنتباهه فهي / الرغبات ، إن رغبة الشخص في إقتناء حاجة ما تدفعه الى الأنتباه اليها رغم وجود أشياء كثيرة أخرى 3- العوامل الموضوعية / ويقصد بها العوامل المتعلقة بالمثير الذي يجذب إنتباهنا ، ونذكر منها : أ – الحركة والتغيير : فالأشياء المتحركة تجذب الأنتباه اليها من بين الأشياء المحيطة بها والثابتة ن كذلك فأن نسبة التغير في الشكل أو اللون أو الصوت يثير الأنتباه ويجذبه ، فالصوت المتحد النغمة لا يدعو الى الأنتباه ، ولكن إذا اختلفت نغمة الصوت ، كان سببا ً للأنتباه .. وهذا ما نجده في المعلم الذي ينبه طلابه عن طريق رفع الصوت وخفضه كإشارة منبهة لهم . ب- الشدة Intensity : من العوامل التي تثير الأنتباه هو الشدة في الضوء أو الصوت أو الحركة أو التغير ،كما تدخل الحجوم في إثارة الأنتباه ، فالأشياء الضخمة والكبيرة تجذب الأنتباه أكثر من التفاصيل الدقيقة . 4- الانفراد Isolation إن الشيء المنفرد في مكان ما يجذب الأنتباه اليه أكثر مما لو كان محاطا ً بأشياء أخرى ، كمثل الصورة المنفردة في وسط الكلام فهي تجذب الأنتباه وتثيره . 5-التكرار Repeation : إن التكرار المثير مرات عديدة يؤدي الى جذب الأنتباه اليه ، إلا ان للتكرار هذا حدا ً، فإذا زاد عليه ذهب أثره في جذب الأنتباه . 6- التميز والوضوح والتحديد والبروز : وتعد هذه الصفات بمثابة المميزات للشيء المثار للأنتباه والأهتمام ، وحيث لاشك في أن تركيز الأنتباه هو من مميزات الشيء الذي يثير الأنتباه . 7- التنسيق : إن الشيء المنسق في أجزاءه يجذب الأنتباه اليه ، فالمناظر المنسقة تجذب الأنتباه أكثر من المناظر المشوهة المضطربة .
وفي الخاتمة لابدّ أن نشير الى أن هناك عوامل تسهم في تشتيت الأنتباه وبعثرته منها 1- العوامل الجسمية : قد يرجع تشتت الأنتباه الى التعب والأرهاق الجسمي وعدم النوم بشكل كافي ن واضطراب تناول وجبات الطعام واضطرابات إفراز الغدد الصماء ن وهذه عوامل تضعف من شدة الأنتباه . 2- العوامل النفسية : مثل عدم ميل الطالب الى مادة ما ن وبالتالي عدم إهتمامه بها أو أنشغال فكره بأمور أخرى ، كما يؤثر القلق والخوف وحالات الأضطراب العصبي الى تشتيت الأنتباه لديه . 3- عوامل اجتماعية : كتعرض الفرد للمشكلات الغير المحسومة ، مثل الخلافات العائلية المتكررة والنزاع بين الوالدين والحالة الأقتصادية ، فيلجا الفرد الى أحلام اليقظة التي يجد فيها مهربا ً لهمومه ، فلا ينتبه للأمور من حوله كما يجب . 4- العوامل الفيزيائية : مثل عدم كفاية الضوء وتوزيعه أو قلة التهوية وارتفاع درجات الحرارة والرطوبة والضوضاء ، إذ تعد الضوضاء من أشد العوامل الفيزيائية تشتيتا ً للأنتباه ن فنوع الضوضاء ونوع العمل الذي ينجزه الفرد في ضوء هذه الضوضاء ن إضافة الى وجهة نظر الفرد الى الضوضاء تؤثر في مدى تقبل الأنتباه الحاصل لديه ، فمن يسمع الصوت العالي قد لا يزعجه ، بينما يرى البعض الآخر صعوبة التركيز في ظل الصوت العالي والضوضاء المزعجة .
وبذلك نخلص الى أن الانتباه عملية عقلية مهمة لتحليل الأمور وترتيبها منطقيا ً للحصول على نتائج متقنة قدر المستطاع ن وبذلك يتم تحديد الجهد المبذول والوقت المهدور لها .
#لبنى_الجادري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تكوين المفاهيم عند الأطفال
-
شخصيات متعددات في أنسان واحد
المزيد.....
-
صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا الحرب الإسرائيلية على القطاع
...
-
الدفاع الروسية تعلن إسقاط 8 صواريخ باليستية أطلقتها القوات ا
...
-
-غنّوا-، ذا روك يقول لمشاهدي فيلمه الجديد
-
بوليفيا: انهيار أرضي يدمّر 40 منزلاً في لاباز بعد أشهر من ال
...
-
في استذكار الراحل العزيز خيون التميمي (أبو أحمد)
-
5 صعوبات أمام ترامب في طريقه لعقد صفقات حول البؤر الساخنة
-
قتيل وجريحان بهجوم مسيّرتين إسرائيليتين على صور في جنوب لبنا
...
-
خبير أوكراني: زيلينسكي وحلفاؤه -نجحوا- في جعل أوكرانيا ورقة
...
-
اختبار قاذف شبكة مضادة للدرونات في منطقة العملية العسكرية ال
...
-
اكتشاف إشارة غريبة حدثت قبل دقائق من أحد أقوى الانفجارات الب
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|