|
من سرق الحجاب ؟
ابراهيم جابر ابراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 1852 - 2007 / 3 / 12 - 11:58
المحور:
ملف 8 اذار / مارس يوم المراة العالمي2007 -حجاب المرأة بين التقاليد الأجتماعية والبيئية والموروث الديني
الأمة العربية الواحدة ، صاحبة " المسج " الخالدة ، ما غيرها ... ما زالت رغم تدافع الأزمات والنوائب والمصائب ؛ أمة مبدعة وخلاّقة ، ولا زالت قادرة على إعمال العقل ، وتداول الرأي ، ومن الامثلة على ذلك أن خبرا سفيهاً على احد مواقع الانترنت يتلقى مئات التعليقات خلال ربع ساعة وان مشعوذا على احدى الفضائيات لا يستطيع أن ( يلقى عن رأسه ) سيل آلاف المكالمات ، وأن بصّارة على قناة أخرى تتلقى عروضاً لنقلها بطائرات خاصة لتقرأ الطالع لزوجات أثرياء العرب ! ثمة حراك وحيوية ونشاط ، في الشارع العربي ، خلافاً لما قد يظن البعض ، وثمة ملايين الدولارات تهدر في المسخرة وفتات القول ورديء الأفعال ! وثمة مذيعات وقنوات فضائية تتخصص بالهلس والتهليس ، فاحدى المذيعات التي تحمل لقب الدكتوراة ( ولا نعرف في اي تخصص ) لا تختلف في أدائها كثيرا عن بائعات الهوى ، رغم الهالة التي تحاول أن تضفيها على ضحكاتها الفاجرة ، ... إلا أن أطرف ما يحدث الآن في سياق استغفال المواطن العربي المسكين ( كأن هذا ينقصه من يستغفله ! ) موجة الغانيات التائبات المتحجبات حديثا ؛ حيث على المشاهد العربي أن يرافقهن أنى اتجهن ليهتف لهن .. وعليه أن يبقى مصفقاً مخلصاً سواء اجتهدن في الهداية او في الفجور ! وعليه أن يحتمل بذاءات لا تحتمل ؛ وأن يقبع كالأهبل أمام الشاشة يضحك لكرامات الفنانة الشيخة المتحجبة حديثا !! يبلغ ذلك ذروته في رمضان ، حيث صارت هناك " كوتا " لمسلسلات المحجبات ، والحق أن بعضهن في رمضان الماضي ( سهير رمزي مثلاً ) لبسن انواعا من الحجابات تكاد تكون اكثر اغراء وفتتنة ، وشفافية أيضاً ، من قمصان النوم ! لكن لا أحد يعترض على هؤلاء النسوة أو يجادلهن ، خشية أن يجرح مشاعرهن ، وهن اللواتي كُن لا يتورعن عن ممارسة الحب على الشاشة أيام كانت اجسادهن تسمح لهن بذلك ، أما حين تخذلهن هذه الأجساد ويلجأن للحجاب ليخفي بعض عيوب السن والسمنة ودوالي الساقين وترهل الأرداف ؛ فإن على المشاهد أن يتقبلهن كداعيات وصاحبات رأي في الفقه والدين والأحاديث ... وهن بذلك لا يختلفن أبداً عن الحاكم العربي حين يلجأ للتمديد ليبقى جاثماً على صدور الناس ! فكيف نطلب من مشاهد رأى الفنانة الف مرة تعطي جسدها على الشاشة ، أن تعلمه فجأة آداب الصلاة ، وترشد زوجته لأصول الحشمة والحجاب ؟! وحقاً لا يوازي هذا الإستهتار بعقول الناس سوى ذلك الذي يمارسه رجال السياسة والحكم ؛ حين يقنعون الناس أنهم لو غادروا القصر الجمهوري فسيعم الخراب البلاد والعباد !! وهذا الهوس بأن هؤلاء الفنانين سيشكلون إضافة نوعية للإسلام لو أنهم تحولوا الى النشاط الديني، ليس جديداً؛ فما زلنا نتذكر الابتهاج العارم الذي أصاب الأمتين العربية والإسلامية حينما توالت الإشاعات عن اعلان " مايكل جاكسون " إسلامه! حتى أن البعض تحدث عن عزمه ارتداء الحجاب!! لكن السبب الحقيقي هو أن هؤلاء الفنانين حين يغيرون اتجاههم يبقون مُصرّين على النجومية، وعلى امتلاك الجماهيرية ؛ فيتحولون مباشرة الى دعاة ووعاظ على الفضائيات! ولا يسمح لك حينها أن تتساءل : كيف لأمرأة كانت راقصة أو ممثلة قبل أسابيع أن تصبح داعية لها الحق بتوبيخ الناس في برنامجها على عدم التزامهم بالدين؟!! نفهم أن الله هداها، وهجرت الفن، والتزمت بالصوم والصلاة (الحج والعمرة كانت تؤديهما كطقس سياحي قبل الهداية...) ولكن كيف أمكنها خلال أسابيع أن تملك من الفقه والأحكام الشرعية ما يمكّنها أن تفقهنا في الدين؟! وهل النجوم يجب أن يبقوا نجوماً، وأن من حقهم تزعم الناس وتوجيههم، وأن الناس مدعوون لتصديقهم والإمتثال لآرائهم سواء حجّوا أو سكروا؟! سياق الحال ، هنا ، أن الناس بلا رأي، ولا عقل، وأنهم إن عرضت عليهم الراقصة أفخاذها المكشوفة فمطلوب منهم التصفيق وان رأت فضيلة الفنانة المعتزلة أن تؤم بهم في الصلاة فعليهم أن لا يناقشوا!!! كلنا نفهم ، ونتفهم ، ما للفن من سطوة ونفوذ ، و أن ( أهل المغنى ) تفتح أمامهم الأبواب والحدود ، ونتذكر هنا تصريحات هيفاء وهبي حين نفت أن دولاً عربية منعتها من الدخول، وأكدت (وكأنها تناكف محمود الزهار) : كل الدول العربية مفتوحة أمامي!! لكن هل على الناس مثلاً أن يفتنوا بحسين فهمي كبطل للفيلم ، وكمسطرة للوسامة، وكمقدم برنامج تلفزيوني ، وكسفير للنوايا الحسنة ، وكبطل دعاية تلفزيونية عن الموكيت المصري ، ... ثم اذا قفز الاسبوع المقبل الى المنبر ليخطب الجمعة فعلينا أن نقول ( آمين ) والدمع يترقرق في عيوننا تأثراً بورع ( الإمام ) وتقاه ؟! هل صار المواطن العربي مطية لأهل الفن التائبين بعد أن كان كذلك لأهل الافتاء ؟! وهل قدره أن يكون مستلباً ، وأن يؤجر عقله لطائفة من الاثنتين ؟ قبل شهور ثار على احد المواقع الالكترونية ، نقاش محتدم شارك فيه مواطنون من كافة الدول العربية ، بمن فيهم اولئك الذين تحت الاحتلالات ، حول مايوه السباحة الشرعي ! وخلال ساعة او اثنتين كان عدد الذين ادلوا بآرائهم اكثر من مئتين وخمسة وعشرين بين متحمس للمايوه الشرعي وبين مدافع عن ( ليبرالية المايوه وانفتاحه ) وبين متشدد يرفض فكرة السباحة جملة وتفصيلاً ! وكادت تنشب بين العرب حروب عرقية ومذهبية ، فضلاً عن الاصطفافات السياسية ، التي أملتها حماسة كل فريق لبلده ... الاهم من كل ذلك أن قصة المايوه الشرعي التي علق عليها القراء هي عن انشقاق في صفوف مرشحي الاخوان المسلمين لادارة ناد رياضي اجتماعي في مصر ، وانبثاق تيارين ؛ واحد يرى بوجوب الفصل في حمام السباحة بين سيدات المايوه الشرعي وسيدات المايوه البكيني ( والعياذ بالله ) ، وتيار لا يرى غضاضة في اختلاطهما ... وبقي النقاش لأيام محتدماً ، بل ومدوّياً ! ومن الظواهر التي تنتشر في شوارعنا بشكل متسارع تناسخ الحجاب (الزي الشرعي) الى أكثر من نوع; حسب الأمزجة والأعمار، ثم اللون، والموضة الدارجة! لا اختلاف بأن المرأة المحجبة، شأنها شأن أي امرأة، ترغب بمواكبة العصر وانواع الأقمشة، وطرق التفصيل المختلفة، بما يحفظ أن يبقى الحجاب حجابا! لكن المؤسف هو ظهور (بدع) مروعة من الأزياء وأنماط الملابس تحت يافطة الحجاب هي أكثر تهتكا واثارة للأنظار مما ترتدي غير المحجبات، ويحدث هذا غالبا بين الطالبات الجامعيات وصغار الموظفات، مما أساء ضمنا لفكرة الحجاب. وصار عاديا جدا في شوارعنا أن ترى فتاة تضع المنديل على رأسها وتلبس (الجينز المشدود) الذي يبرز تفاصيل الجسد أكثر مما لو كان عاريا، ويترافق ذلك مع مشية مبتذلة، ومكياج صارخ، وحركات وايماءات موحية. وفي النهاية نكتشف أن الفتاة تحمل على ساعدها معطفا أو سترة طويلة تلبسها قبل أن تصل البيت بأمتار قليلة، أو تربط بلوزة على وسطها بما لا يلفت انتباه الأب.... أو أن الأب يختصر الشر ويغض البصر!! وفي حالات أخرى كثيرة لا تحمل معها أي معطف; فقد استطاعت أن تقنع الأهل (إن كانوا معنيين) بأن عورة المرأة لم تعد تتمثل سوى في شعرها!!! البعض الآخر (ويبدو أن الأهل هنا متشددون قليلا) يلبسن العباءة الشفافة جدا، والمفتوحة من الأمام عن جينز أو بنطلون قطني مشدود ولا يلزم عند الوصول للبيت سوى ضم العباءة باصبعين صغيرين لتصير الفتاة محجبة تقية ورعة.... وتحظى بدعوات الوالدين! وهكذا... تم اختصار كل الاثارة والغرائز والانوثة في الشعر، وتحميله كل الوزر، رغم أن انتشار غير المحجبات جعل الشعر مشهدا عاديا، ولم يعد يستفز الرجل بقدر ما تفعل انماط الملابس المذكورة، كما أن الكثيرات من النساء غير المحجبات يلبسن ملابس عادية وراقية ومحترمة ولا تدفع لأي اثارة، ولا يجرؤ أحد على التحرش بهن، كأولئك اللواتي يحتمين بالمنديل.. كأنما هو حزام العفة!
#ابراهيم_جابر_ابراهيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في 8 آذار ... عن أم في العراق !
-
الراقصة والشيخ والشاعر !
-
ايميل الى اطوار بهجت في ذكراها الاولى
-
لقميص خفيف على بحر - غزة - !
-
بنادق مخزية
-
حروب ايران
-
هل - الظواهري - فعلاً الرجل الثاني ؟!
المزيد.....
-
سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي:
...
-
أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال
...
-
-أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
-
متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
-
الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
-
الصعود النووي للصين
-
الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف
...
-
-وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب
...
-
تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو
المزيد.....
-
اثر الثقافة الشرقية على المرأة والرجل
/ جهاد علاونه
المزيد.....
|